العمل السياسي الإسلامي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٦:٢٥، ٢١ ديسمبر ٢٠١٠ بواسطة Helmy (نقاش | مساهمات)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
العمل السياسي الإسلامي



الأداء السياسي.. قيم وأخلاق وذمم

لم يكن العمل السياسي الإسلامي يوماً ما هدفاً وغاية، كما لم يكن احترافاً يمارس من خلاله الإسلاميون فن اللعب على الحبال تناغماً مع إيقاعات الأهواء والمشتهيات وإيحاءات الذات كما هو ديدن الكثير من الساسة الذين لا يتحرجون من ارتكاب كل موبقة تحقيقاً لنجاحات محدودة لا تعدل في حسابات الرحمن والزمان شيئاً مذكوراً، وإنما العمل السياسي في الإسلام عبادة تقرّب من يتعاطاها إلى الله زلفى، من خلال خدمة خلقه، وإعمار أرضه، وبما يعني أن العمل السياسي الإسلامي آلية عمل تؤطرها الشريعة بحدود الخير والحق وتحكمها بخطوط الحلال والحرام، وأن الخروج عن هذه الحدود والخطوط يعني البعد عن الهدف والخروج عن دائرة المباح والارتكاس في وهدة المعاصي والتحلل من الالتزام المبدئي والأخلاقي الذي هو أبرز سمات الإسلام والحضارة الإسلامية، وبدونها سوف يخسر الإسلامي نفسه ويعرض للنقد مبادئه،، بل ويساهم في تشويه الصورة المشرقة للإسلام وقيمه الخيرة حينما يعكسها على غير حقيقتها من خلال ممارساته الخاطئة التي قد لا تمت إلى الدين بصلة، وإذا ما وجهت عيون الرصد الاجتماعي صوب الساسة وهي تراقب أعمالهم، وتقيم ممارساتهم، فإن هذه العيون تتعامل مع الإسلاميين بالذات بحساسية مرهفة ولا تكتفي برصدهم ومراقبتهم، وإنما تتجاوز ذلك حينما تحسب أعمالهم وممارساتهم مصاديق مجسدة للإسلام والحضارة الإسلامية، فتحمل الإسلام مسؤولية أخطاء الإسلامي الذي يتسربل أثواب النقاء الإسلامي ولا يصونها، ويرتدي زي الطهر المبدئي ولا يرعاه أو يراعيه، إذ بقدر ما يمنح الإسلام الدعاة إليه قدراً من التكريم والتعظيم والاحترام والاهتمام، فإنه في الوقت نفسه يضعهم تحت الأضواء الكاشفة من خلال تركيز الرقابة الجماهيرية عليهم وهي ترى بوضوح ما يعلق بأثواب القداسة الدينية البيضاء من أدران تلوثها، ولذلك يفترض بالإسلامي أن يحترم نفسه ومبادئه والقيم التي يؤمن بها ويدعو الآخرين إليها.


وإذا ما تصور الإسلامي أن العمل السياسي هو "فن الممكن" بلا حدود أو قيود فإنه بذلك يرمي بنفسه في ساحة موبوءة لا يسلم من أكدارها وأقذارها مهما اعتد بنفسه وفاخر بها وكابر، لأن الجماهير المؤمنة بالإسلام لا تريد من السياسي الإسلامي أن يحقق أهدافه بأي ثمن وبكل قيمة، كما أن الإسلام لم يمنحه الحصانة المطلقة في كل ما يقدم عليه من أعمال وممارسات حتى لو كانت خاطئة ومسيئة، وتظل القيمة الأخلاقية هي المعيار والتقوى، والاستقامة هما المقياس لكل حركة وسكنة وقول وعمل، وخشيتنا على الكثير من الإسلاميين الذين يلجون بوابات الساحة السياسية أن تفرض تلك الساحة نفسها ومعاييرها ومعطياتها عليهم بكل ما فيها من سلبيات فينساقون خلف حداة قوافلها في صحراء التيه متأثرين بأجوائها وإفرازاتها وقد يتحولون في مواقع التماس وتحت ضغط الواقع إلى أناس يبررون ما يقدمون عليه من أخطاء، وقد شهدنا كيف يختلق بعض الإسلاميين المعاذير لأخطائهم، بل وقد يتجاوز البعض منهم حتى القيم التي يؤمنون بها ويدعون إليها لتحطيم خصومهم أو من يخالفهم الرأي والرؤية حتى لو كان هؤلاء المخالفون والمختلفون من إخوانهم الإسلاميين أيضاً، ولا يتورعون من استغلال الإطار الديني وتوظيفه توظيفاً سيئاً لتبرير ممارساتهم وأخطائهم، بل وعدوانيتهم أيضاً، وذلك دفاعاً عن هتكهم للحرمات والحقوق والحريات، حيث لم يكتف بعضنا بمهاجمة الآخرين ونهش لحومهم واغتيال سمعتهم، وإنما يعمد للتنظير لهذا العمل الشائن فيفسق الآخرين أو يكفرهم أولاً، لكي يتسنى له ثانياً أن يأكل لحومهم بلا رحمة وبلا حرج، وكأن التكليف الشرعي يدعوه للانتقام منهم باعتبارهم أعداء لله ولرسوله وللإسلام والمسلمين، وبذلك فهو لا يحاربهم "على حد زعمه" إلا قربة إلى الله تعالى، حتى لو كانوا إخوة الأمس ورفاق الدرب وشركاء المصير وبذلك قد يتحول بعضنا إلى معول هدم للإسلام والمسلمين.


إن الإسلام الذي يحترم حقوق الآخرين حتى لو كانوا كفاراً لا يسمح لمعتنقيه أن يجعلوا من أهوائهم مقياساً لفهم النصوص والأحكام، وقد شهد التاريخ الإسلامي المشرق ألواناً من التعاطي الإسلامي الرائع مع الخصوم ما أعطى للحضارة الإسلامية بعداً إنسانياً خلاقاً تجاوز حدود الزمان والمكان، حينما دوّن لائحة حقوق الأعداء حتى بعد الانتصار عليهم ليفتح بذلك القلوب قبل الأراضي، وما زالت ذاكرةالحياة والشعوب والمجتمعات تختزن من المواقف الإسلامية الرائعة ما ينبغي للإسلاميين اليوم أن يعيدوا قراءته بوعي لكي يستلهموا منه القيمة والخبرة العميقة في التعاطي الإيجابي البناء مع الآخر، وإن كان عدواً، وذلك هو ما صيَّر من هذه المواقف أرقاماً ضخمة تستعصي على الشطب وعلى إنكار المنكرين وجحود الحاقدين، ولذلك لابد للإسلامي من استذكارها واستحضارها لكي لا نعرّضها للنسيان أو التناسي ونحن في معمعة الصراع ودوامة النزاع، فنمشي عراة مجردين من أثوابها الزاهية في معتركات التدافع لنظهر سوءات أعمالنا وكأنها التطبيقات الممكنة للإسلام، وبذلك نقطع الطريق إلى الله حينما نسيء للإسلام من خلال أخطائنا، لأن الأداء السياسي هو الوجه البارز للرصد في سوح النشاط العام، الأمر الذي يدعونا لمراجعة الذات والمواقف والحسابات، لأن السياسة مزلق من مزالق الشيطان ما لم تلجم خيول فرسانها التقوى وتعقلها الأخلاق الإسلامية فتحول بينها وبين السقوط في مستنقع الأنا والذات وحب الدنيا وإغراءات الحياة، والعاقبة دائماً وأبداً للمتقين.