العمل طريق الإصلاحطريق

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٧:٢٢، ٨ يوليو ٢٠١٢ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مقالة-مراجعة.gif
العمل طريق الإصلاحطريق

رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين

مقدمة

رسائل.gif

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد..!!

في سعِينا نحوَ عالَم أفضل، تنجو فيه الأوطانُ من براثن التبعية، وتتحرر الشعوبُ من صلف الكبر الغربي ومعاول الفساد، التي تمسك بمقابضها أيادٍ لا تتحرك إلا وفقَ أهوائها، ولا تحكمها إلا لغةُ المصالح الذاتية، دون النظرِ إلى أمة تنتمي إليها، لئن كان واقع الأمة الإسلامية محكومًا اليوم بواقع مرٍّ، تنبع مرارته من ترصُّد القوى الاحتلالية التي تزحف نحو الإسلام والمسلمين، رافعةً شعار التحرير الزائف الذي يستر حملةً صليبيةً جديدةً، وناشرةً دعاوى إصلاح، ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قِبَله احتلالٌ لبلاد الأفغان، وسلبٌ لمقدرات العراق، وفتكٌ بما بقي من خارطة فلسطين، وتربصٌ بأمة السودان، وتربصٌ بسوريا، وإذكاءٌ للفتنة في لبنان، ومن ثم انقضاضٌ على باقي أوطان الإسلام؛ لينعم إمبراطور العالم الجديد "بوش الابن" بفرض نظام لا يقرأ من سطور الحرية إلا ما يسطِّره طمعُه، ولا يسمع من آي الإنجيل إلا ما تؤوِّله آلتُه الحربية.

التحديات تفرض واجبًا للوقت

في مواجهة هذا الواقع يرى الإخوان المسلمون أنَّ الركن الذي ارتضاه الإمام الشهيد حسن البنا ركنًا ثالثًا من أركان البيعة- وهو "العمل"- واجبَ الوقت على الجميع.

ونظرة الإخوان إلى "العمل"- الذي نريده في هذا التوقيت- أشمل من السعي على الرزق والكدِّ من أجل لقمة العيش، لا لشيء إلا لكون الواقع يفرض على كل من حمل شهادةَ التوحيد أن ينفِرَ؛ امتثالاً لنداء الحق ﴿انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً﴾ (التوبة: 41)، والنفرة هنا ترتبط بعمل له مرجعيته الربانية الشاملة: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ ورَسُولُهُ والْمُؤْمِنُونَ وسَتُرَدُّونَ إلَى عَالِمِ الغَيْبِ والشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (التوبة: 105).

كما أنَّ النفرةَ لها دافع الدرء عن الأمة، والذَّود عن محارمها التي تُنتهَك ليل نهار تحت دعاوى الإرهاب، الذي يلصقه الغرب بأمتنا تهمةً هي منها براء، بينما هو يمارسها على بنيها كلَّ ساعة، وما جوانتنامو، وأبو غريب، وقصف المدنيين، واغتيال المجاهدين، وخطف الأمهات، واغتصاب الحرائر- من واقع قوات التحرير والإصلاح الأمريكي والبريطاني والصهيوني- من المتابع ببعيد..!!

وبالتالي يكون العمل على كل المستويات نفرةً ﴿حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ويَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ (الأنفال: 39)، ودفعًا للإثم عن كل المسلمين، إن لم يوفروا أصحاب الخبرة والكفاءة المدرَّبين في كل مهنة أو حـرفة أو صنعة ليكتفوا اكتفاءً ذاتيًا، يأكـلون مما يزرعون، ويلبسون مما ينسجون، ويسلِّحون جيوشهم مما يصنعون، مهتدين بقول الله سبحانه: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ (الحديد:25)، ولقد فسر المفسرون قوله سبحانه ﴿بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ بأنها إشارةٌ إلى الصناعات الحربية وعبارة ﴿ومَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ بأنها إشارةٌ إلى الصناعات المدنية، وما لم يتم ذلك فالمسلمون كلهم آثمون، وخاصةً ولاة الأمر منهم.

مستويات العمل

ونريد بالعمل عمومَه؛ ليصل بنا إلى ما نبغي من الإصلاح وشموله، فلا يُعقل لمسلمٍ دستورُه ومنهاجُه القرآن، وقدوتُه المصطفى العدنان- صلى الله عليه وسلم- وسنتُه أن يحصر العمل في لُقَيماتِ عَيش؛ ولذا فصَّل القرآن الكريم حديثَه عن العمل في (360) آيةً، بينما تتحدث (109) آيات عن الفعل لتضم أحكامًا شاملةً للعمل وتقديره ومسئولية العامل وعقوبته ومثوبته، وفي ذات الوقت قرَن ربنا- جل جلاله- الإيمان بالعمل في (83) آيةً، مؤكِّدًا على أنَّ مناط القبول في كل الإيمان، وأصل العمل مرهون بقدرة صاحبه على ربطه بالله ﴿إلا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ (العصر: 3).

ووفِق هذا المنهج أطلق الإخوان المسلمون دعوتَهم للعمل بشمول الرؤية ووفق وضوح الأصل الرباني؛ ليكون العمل على كافة المستويات بادئًا من الذات، بإصلاح النفس والجسد لتشمل قوةً فيه، وثقافةً لعقله، وسلامةً لعقيدته، وصحةً في العبادة، وجهادًا لشهوات النفس، وتنظيمًا للوقت والشئون، وبعدها ينطلق المسلم نافعًا لغيره.. والمسلم الذي ينظر للعمل- وِفق هذه الشمولية- هو اللبِنة الأولى على طريق الإصلاح؛ لأنه ينطلق بعدها حاملاً رسالته، مكونًا بيتًا مسلمًا يتخذ من مبادئ الإسلام حائطَ صدٍّ لسهام الفساد.

ولا يكون شمول لمفهوم العمل من دون إيمان بدَور المسلم العامل في إرشاد المجتمع، الذي يئنُّ اليوم من توالي الضغوط على ثوابته، وتتابع الحملات على قيمه، وهي التي تتبلور يومًا بعد يوم، متخذةً من وحدات المجتمع (الأُسَر) هدفًا لسهامها المسمومة التي تجمَّعت أقواسُها في مؤتمر (بكين) قبل عشر سنوات، ثم توالت في (بكين +5)، وأخيرًا (بكين+10).. ﴿وكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًا شَيَاطِينَ الإنسِ والْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُورًا﴾ (الأنعام: 112)؛

ولذا تثقل التبعة على كل مسلم واعٍ لحقيقة الهجمة وطبيعة الصراع؛ حيث يتحرك بين السهام قابضًا- رغم الألم- على جمرة دينه، وحاملاً رايته الربانية، ناشرًا للخير، ومحاربًا للرذائل، آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر، ومبادِرًا إلى فعل الخير، وساعيًا إلى إنشاء رأي عام إسلامي؛ ليصبغ الحياة العامة به، لا يضيره حَجْرٌ يصيبه من جاهل أو حاقد أو متحامل، نخلةٌ باسقةٌ على الأرض، يقذفها الناس بالحجر فتهديهم أطيب الثمر، غايته الله، وهدفه تحرير الوطن من كل سلطان أجنبي، أيًا كانت صورُ هذا السلطان "سياسي أو اقتصادي أو روحي"، فلكلٍ ميدانٌ للتحرير وسبلٌ للمقاومة.

ولئنْ كان الكل اليوم ينادي بالعمل من أجل الإصلاح، فالإخوان يرون أن إصلاح النظام جزءٌ لا يتجزَّأ من الإصلاح العام، الذي ترتبط فيه عوامل صلاح الراعي بالرعية، مستندةً لأصل الحكم ﴿إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحْسَانِ﴾ (النحل:90)، وواضعةً نصبَ عينَيها ما رواه الترمذي بسنده عن أبي مريم الأزدي أنه قال لمعاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنهما- سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من عبد يسترعيه الله رعيةً، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة" (متفق عليه).

وبالتالي يكون عمل أهل الإصلاح من الحكام مرهونًا بمراقبتهم لله، الذي هو مالك الملك، يؤتي الملك من يشاء، وينزعه ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، فيعملون أول ما يعملون على مراقبته- جل وعلا- في رعيته؛ صيانةً لأمنهم، وإنفاذًا للقانون على جميعهم، ونشرًا للعلم بين صفوفهم، وإعدادًا للقوة التي بها يرعون أمنهم وحدودهم، ويحافظون على صحة رعيتهم، ويرعون منافع أوطانهم العامة، وينمُّون ثروات أمتهم، أمناءَ عليها، غيرَ مسرفين ولا مقترين، ويدعمون الأخلاق المرتبطة بهويتهم، وينشرون راية الإسلام منهجَ حياةٍ وسبيلَ عزة.. ساعتها يكون حالهم ما كان من حال عمر، حين نام هانئًا تحت ظل شجرة، فوصفه الرائي: (حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر)..!!

وعندما تتحقق هذه المستويات للعمل يكون الهدف الذي من أجله العمل بالتمكين لدين الله وإحياء عز الأمة التليد ومجدها الرائد بوحدة عامة وخلافة مفقودة﴿وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ولَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ﴾ (الصف: 9)، ﴿ويَأْبَى اللَّهُ إلا أَن يُتِمَّ نُورَهُ ولَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ﴾ (التوبة: 32).

وللعمال كلمة

أيُّها العمال، أيًّا من كنت، وأيًّا ما كانت دروبكم وتخصصاتكم.. لا تظنوا أنَّ هناك عملاً دون عمل أو مجالاً دون آخر، فما أُمر المسلم إلا بخير، والعمل عمود في أصل البناء الإسلامي، ولتعلموا أن معنى الانتشار في قول الحق لنا ﴿فَإذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ﴾ (الجمعة:10) يُلقي على كل عامل بتبعة الأمانة وحمْل الرسالة ليكون رائدًا؛ تحقيقًا لصفة الخيرية التي وصفنا بها الله في دستوره﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ (آل عمران :110)، مع مراعاة أن السعي في كل مجال إنما هو في سبيل الله بنص قوله- صلى الله عليه وسلم-: "إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخَين كبيرَين فهو في سبيل الله.

وإن كان خـرج يسعى على نفسه يعفُّها فهو في سبيل الله"، وأي شرف تناله أيها الساعي في سبيل الله أكثر من تشريف الله لك بقوله: ﴿ومَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إلَى اللَّهِ وعَمِلَ صَالِحًا﴾ (فصلت: 33)، ثم شهادة الرسـول- صلى الله عليه وسلم-: "إن أشرف الكسب كسب الرجل من يده".. فلْتعلم أنك في نعمة تستحق الشكر ﴿لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ ومَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ﴾ (يس: 35) ولْتراعِ مسئوليتَك الخاصة عن كل ما تعمل ﴿ولَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (النحل:93) ويقول الرسـول- صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يحب من العامل إذا عمل أن يحسن".

وفي ظل دعاوى الحقوق التي يحاول الغرب صياغتها ليل نهار؛ تشدقًا بمراعاته لحقوق الإنسان دون أن يكلف نفسه عناء النظر في حقوقٍ صاغها الإسلام قبل أربعة عشر قرنًا من الزمان.. نضع بين يدي العالم كله حقوقَ العامل في الإسلام التي جعلت أصحاب السلطان وأصحاب الأعمال مسئولين مسئوليةً مباشرةً عن كل عامل من رعيتهم "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"، ومن ثم لا يكون عمل إلا بأجر ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وزِينَتَهَا نُوَفِّ إلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ﴾ (هود: 15)، وهو حق له، وليس منةً من صاحب العمل ﴿ولا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ (الشعراء: 183).

وعلى التوازي هذا الحق مكفول بالحماية من الحاكم يقول- صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة".. حتى يقول- صلى الله عليه وسلم-:"ورجل استأجر أجيرًا فلم يوفه أجره"، كما أنَّ العمل لا يكون إلا على قدر الطاقة بوصيته- صلى الله عليه وسلم-:"ولا تكلفوهم ما لا يطيقون"، فإذا كان من تكليف فباقي الحديث يؤكد "فإذا كلفتموهم فأعينوهم"، وإعطاء الأجر على العمل الإضافي هو إعانة، وللعامل في الإسلام حقٌّ في الراحة يقول عليه السلام: "إن لنفسك عليك حقًا، وإن لجسدك عليك حقًا، وإن لزوجك عليك حقًا"، وحقٌّ بعد موته على المجتمع، ضمنته قوانين التكافل الاجتماعي في الإسـلام، سواءٌ عند عجزه أو مرضه، تمثل في نصيبٍ من بيت مال المسلمين يكفيه، ولم يفرق هذا الحق بين مسلم وغير مسلم، حتى إنَّ عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- رأى مسنًّا يتسوَّل فناداه، فعرف أنه يهودي فأخذه وقال لمسئول بيت مال المسلمين: "اجعل لهذا وأمثاله نصيبًا من بيت مال المسلمين، لا بارك الله فينا إن أكلنا شبيبتهم- أي عملوا عندنا وهم شباب- ثم تركناهم عالةً على الناس"، ولم يكن هذا التصرف نابعًا من اجتهاد عمر، بل هو أصلٌ أَرستْه دولةُ النبوة التي قال حاكمُها (عليه السلام): "من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك ذريةً ضعفاءَ فليأتني فأنا مولاه"، ويقصد بذلك بيت مال المسلمين.

فيا أيها العمال على كل ثغرٍ.. هذه هي موازين العمل وِفق دستورنا الإسلامي، فالجدَّ الجدَّ على ثغوركم، واجعلوا من أدائكم كمسلمين نموذجًا للبراعة والجودة والإتقان، وتذكروا أنَّ دولاً فتَحها الإسلام بالعمَّال والتجَّار، كانوا إسلامًا يمشي على الأرض، فأقيموا دولة الإسلام في نفوسكم، واجعلوا معايير الجودة وصايا نبيكم، ومراقِب الأداء خوفُكم من بارئكم، وزِيدوا على أجر الدنيا حسن ثواب الآخرة، وليكن عملكم دعوةً للإصلاح في كل مجال، ولسان الحال- لا القول- منكم ﴿يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ (هود:88).

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى وآله وصحبه وسلم، والله أكبر ولله الحمد

القاهرة

في: 19 من ربيع الأول 1426هـ

الموافق 28 من أبريل 2005م