تبصير العوام بمقاصد الحكام

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
تبصير العوام بمقاصد الحكام


ما أشبه الحاكم المستبدّ في نسبته إلى رعيته بالوصيِّ الخائن؛ يتصرَّف في أموال الأيتام وأنفسهم كما يهوى ما داموا ضعافًا قاصرين، فكما أنه ليس من صالح الوصيِّ أن يبلغ الأيتام رشدهم، كذلك ليس من غرض المستبدِّ أن تتنوَّر الرعية بالعلم وتعرف حقوقها، وهكذا الصراع قائم بين الإخوان والاستبداد في كل زمان ومكان، فبينما يسعى الإخوان إلى تنوير العقول، يجتهد المستبدُّ في إطفاء نورها، والطرفان يتجاذبان العوام.

ومن هم العوام؟ هم أولئك الذين إذا جهلوا خافوا، وإذا خافوا استسلموا، كما أنَّهم هم الذين متى علموا قالوا، ومتى قالوا فعلوا.. والعوام إن ظلوا على جهلهم فهم قوة المستبدّ ومركبه؛ بهم يصول وفيهم يجول؛ يغصب أموالهم فيحمدونه على إبقاء حياتهم؛ ويهينهم فيثنون على رفعته؛ ويغري بين بعضهم فيفتخرون بسياسته، وإذا أسرف في أموالهم يقولون كريمًا؛ وإذا قتل منهم ولم يمثِّل يعتبرونه رحيمًا؛ ويسوقهم إلى خطر الموت، فيطيعونه حذر التوبيخ، والحاصل أنَّ العوام يذبحون أنفسهم بأيديهم بسبب الخوف الناشئ عن الجهل، مع أن العوام لو دققوا النظر لعلموا أن خوف المستبدِّ من نقمة رعيته أكثر من خوفهم من بأسه..

- لأنَّ خوفه ينشأ عن علمه بما يستحقُّه منهم، وخوفهم ناشئ عن جهل.

- وخوفه عن عجزٍ حقيقي فيه، وخوفهم عن توهّم فقط.

- وخوفه على فقد حياته وسلطانه، وخوفهم على لقيمات ومأوى.

- وخوفه على كلِّ شيء تحت سماء ملكه، وخوفهم على حياةٍ تعيسة فقط!.

وللمستبد تمويهات لإيقاع الرعب في نفوس الرعية, وهزيمتهم نفسيًّا, حتى لا يفكر أحد في معارضته، فضلاً عن مقاومته, مثل فخامة القصور، وعظمة الحفلات، ومراسيم التشريفات، وعلائم الأبَّهة، وإذا خرج خرج على قومه في زينته, ونحو ذلك مما يسترهب به الحكام رعاياهم عوضًا عن العقل والحكمة، وهذه التمويهات يلجأ إليها المستبدُّ كما يلجأ قليل العزِّ للتكبُّر، وقليل العلم للفتيا، وقليل الصِّدق لليمين، وقليل المال للبهرج الكاذب.

أما العوام إن تسلَّحوا بالعلم باتوا شجعانًا، وأصبحوا كرامًا؛ فإن عدَل الحاكم عندهم أطاعوه، وإن انحرف نصحوه, وإن استبد خلعوه..

والخلاصة أنَّ الاستبداد والإخوان ضدان متغالبان، فكلُّ إدارة مستبدة تسعى جهدها في إطفاء نور العلم، وحصر الرعية في حالك الجهل، والإخوان يسعون جهدهم لنشر العلم والحكمة وتعريف الناس بدينهم وما ضمن لهم من حقوق ليطالبوا بها، والغالب أنَّ رجال الاستبداد يُطاردون رجال الإخوان وينكلون بهم.

إنَّ أخوف ما يخافه المستبدون من الإخوان أن يعرف الناس حقيقة أنَّ الحرية أفضل من الحياة، وأن يعرفوا النفس وعزَّها، والشَّرَف وعظمته، والحقوق وكيف تُحفَظ، والظلم وكيف يُرفع، والإنسانية وما هي وظائفها، والرَّحمة وما هي لذاتها، ولذلك فأفئدتهم هواء ترتجف من صولة العلم، كأنَّ العلم نار وأجسامهم من بارود.

فهل فهم العوام مقاصد الحكام؟! وهل أدرك العوام أنهم أقوى من أي استبداد, وهل هم حريصون على تعلم دينهم واستمداد العز والكرامة منه؟ وهل فهم الإخوان لماذا يرهبهم الحكام؟ يا لها من معادلة صعبة: الحكام بين رهبة الإخوان وإرهاب العوام!.