جهود الإخوان في التصدي للأوبئة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
جهود الإخوان في التصدي للأوبئة



ما يقرب من التسعين عاما هي عمر جماعة الإخوان المسلمين والتي انطلقت من مدينة الإسماعيلية لتجدد نهضة الأمة وترسخ في النفوس البشرية المقهورة معنى الإسلام الحقيقي الذي نزل به القرآن الكريم، فأصبحت أكبر الجماعات في الوسطية والاعتدال وشمول منهجها وفكرها، فلم تقتصر على جانب من جوانب الدين كما أنها لم تهمل جوانب الحياة.

نشأت جماعة الإخوان المسلمون عام 1928م وهدفت إلى الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي من منظور إسلامي شامل، وتسعى في سبيل الإصلاح الذي تنشده إلى تكوين الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم، ثم الحكومة الإسلامية، فالدولة فأستاذية العالم.

ولذا اهتمت الجماعة بنواحي الحياة وسعت إلى الإصلاح وفق أسس ورؤى من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

55شعار-الاخوان.jpg


بداية الرحلة

انطلقت جماعة الإخوان لتربي الفرد المسلم وتنشأ البيت المسلم وتعالج السلبيات التي وقعت فيها الحكومات التي ارتمت في أحضان المحتل لا لشيء إلا لتنعم بنعيم زائل ومصلحة شخصية على حساب الوطن والمواطنين.

ولقد اعتنت الجماعة بكل ما يهم الوطن العربي والاسلامي وكل فرد فيه سواء على الجانب السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي ولذا نجدها في كل جانب لها أثر وبصمة..ومن هذه الجوانب الجانب الصحي والتي اعتنت به بشدة لقناعتها بأن الجسم السليم في العقل السليم.

حتى أن الإمام البنا أعتبره جزءًا من الإصلاح الاجتماعي، وأشار لذلك في رسالة "نحو النور" بقوله: إن الأمم الناهضة في حاجة إلى الجندية الفاضلة، وقوام هذه الجندية صحة الأبدان وقوة الأجسام.

ودلل الإمام على ذلك من القرآن بقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾[البقرة: 247]، ومن السنة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف (1).

كما اهتم الإخوان بنشر الوعي الصحي بين أفراد الشعب، فقد طالب محمد عبد الباسط بركات الحكومة بذلك في مقال له بعنوان: "مزايا الإسلام الطبية" قال فيه: ".. ورجاؤنا أن تحقق وزارة الأوقاف اقتراح طبيبنا النابغة فتتكاتف مع مصلحة الصحة على نشر التعاليم الصحية وبث الوسائل الواقية مستعينة بخطبائها في المساجد ووعاظها في الأقاليم؛ فيكونوا رسل خير ورحمة لإخواننا الفلاحين الذين تكثر بينهم الأمراض وتنتشر بينهم العلل (2).

ولقد صاحب حالة الفقر والبؤس التي كان يعيشها حينئذ الشعب المصري تدهور عام للحالة الصحية، فالخدمات الطبية ضئيلة والمستشفيات قليلة وخاصة في القرى، وذلك مع ضعف الوعي الصحي بسبب انتشار الأمية في المجتمع المصري آنذاك، ولذلك انتشرت الخزعبلات والوصفات القديمة والأساطير والخرافات لعلاج شتى أنواع الأمراض المنتشرة في ذلك الوقت.

لذلك ارتفعت نسبة الفقراء والمرضى بين الشعب المصري، وانتشر التسول حتى بلغ عدد المتسولين في مصر 500 ألف شحاذ وجاء في إحصاء وزارة الصحة عن المرضى في مصر أن 90% منهم مصابون بأمراض العيون، و55% بالبلهارسيا و30% بالإنكلستوما و15% بالملاريا و12% أمراض صدرية و7% بالبلارجا و3% بالسل، ويتضح من إحصائيات أخرى عن الفقر نشرتها وزارة الشئون الاجتماعية أن 12 مليون مصري لا يتمتعون بأية ميزة اجتماعية أو صحية وأنهم يعيشون كأنهم في القرن الخامس عشر (3).

لم يكتفي الإخوان بالجانب الروحي أو المعرفي لكنهم اهتموا بالتربية الجسدية أيضا ، حتى أنهم أوجبوا على كل عضو من أعضائها أن يبادر بالكشف الصحي العام، وأن يأخذ علاج ما يكون فيه من أمراض، وأن يهتم بأسباب القوة الجسمانية، وأن يبتعد عن أسباب الضعف الصحي فيمتنع بتاتًا عن التدخين، وأن يتجنب كل خمر ومسكر، وأن يهتم بالنظافة في كل شيء (4).

عمدوا الإخوان للعمل على علاج الآفات والمعضلات الموجودة في المجتمع ومحاربة الفساد المستشري والتصدي للأوبئة التي استفحل خطرها – بقدر استطاعتهم- ومن اهتماماتهم بالناحية الصحية توجيه الشعب لضرورة وجود صيدلية في كل منزل، وواجب ربة المنزل في التعرف عليها وكيفية استعمالها، وما يجب أن تحتويه هذه الصيدلية للإسعافات البسيطة مثل: أربطة شاش – شاش معقم – قطن معقم – حقنة شرجية – ترمومتر - كيس ثلج – قربة ماء ساخن – كاسات هواء – ملقط – قطارات، وفائدة كل من هذه الأشياء واستخداماتها(5).

كما قامت فرق الجوالة في الريف المصري عام 1943م، بأعمال كنس الطرقات والشوارع وحث القرويين على التردد على المستشفيات والعيادات الطبية (6).

ومن أمثلة ذلك ما قامت به العيادة المجانية للإخوان بالمنصورة، حيث بلغ عدد المرضى المترددين عليها خلال شهري يونيو ويوليو عام 1938م نحو 2060مريضًا منهم 1000طفل، و600امرأة، و357رجلاً، و54مريضًا بالأسنان، و35مصابًا، وأجرت 14عملية جراحية (7).

نحو مجتمع أفضل

وخلال هذه الفترة فكر الإخوان في توسيع العمل الصحي المؤسسي، ولذلك أعد مكتب الإرشاد العام مشروعًا صحيًّا عام 1939م تضمن تقسيم شعب الإخوان وفروعهم إلى مناطق، وقد أعد لكل منطقة وحدة صحية تتألف من أطباء أفاضل من الإخوان ليقوموا بالكشف الطبي العام على جميع أعضاء الإخوان المسلمين وفقًا لاستمارات خاصة تمهيدًا لتشخيص مرض كل عضو، ووصف الدواء اللازم، والإشارة للعلاج الواجب في كل حالة، وقد جعل المسئول عن هذه المهمة الدكتور محمد أحمد سليمان، وتم تحديد أول يوليو عام 1939م لبداية هذا المشروع، وكان يستهدف أن يتم تعميم هذا المشروع لعامة أفراد الشعب، وبالفعل لم يلبث الإخوان أشهرًا قلائل حتى أعلنوا عن تأسيس القسم الصحي (8).

وكتبت "النذير" في عددها الأربعين من السنة الثانية رسالة هذا القسم تحت عنوان: "من القسم الصحي للإخوان المسلمين إلى الإخوان" أشارت فيها إلى الوضع الصحي المتردي لكل طبقات الشعب، وهذا ما جعل الإخوان يفكرون في إنشاء قسم صحي يعمل على تحسين صحة الإخوان، وعلاج مرضاهم، وإرشادهم إلى طرق توقي الأمراض، ومنع تفشي الأوبئة بينهم، وليس ذلك من الكماليات، بل هو من أشد مستلزمات الدعوة التي تهتم بالجانب الروحي والجسدي معًا، وأوكل إلى هذا القسم القيام بالبرنامج السابق للكشف الدوري على الإخوان، كما تعهد بالقيام بكتابة سلسلة مقالات بـ"النذير" في الصحة العامة وطرق الوقاية، وتشخيص بعض الأمراض الكثيرة الانتشار، ثم تطبع في نشرات بعد نشرها في المجلة وتوزع على الإخوان في كل مدينة (9).

وعندما ظهر مرض الملاريا بقنا وأسوان انتفض الإخوان لهذه الكارثة الصحية، وانتقدوا هروب الأغنياء لترك إخوانهم الفقراء والبؤساء دون إعانة أو مواساة، وقد أثنوا على وزارة الصحة في سرعة تقديم العلاج اللازم، لكنهم أخذوا على الحكومة أن الناس كانوا يموتون من الفقر وقلة الطعام لا من قلة الدواء، وكانت النتيجة أن توفي الكثير لسوء التغذية مع توفر العلاج، وأوضح الإخوان أن لو كل مالك نصاب أخرج زكاة ماله ما مات هؤلاء، ولا وجد فقير من الإسكندرية لأسوان، وقد دعا الأستاذ صالح عشماوي رئيس تحرير مجلة الإخوان كافة الإخوان بسرعة التبرع بما لديهم من مال عن طريق جريدة "الأهرام" التي كانت تتلقى التبرعات، وأن يدفعوا كل ذي مروءة وشهامة أن يجود بما لديه من مال أو كسوة أو غذاء، كما طالب بالإلحاح في الدعاء إلى الله لرفع البلاء عن إخوانهم في قنا وأسوان، وأن يشفي مرضاهم ويرحم موتاهم، وطالب إخوان شعبتي قنا وأسوان بضرورة الاعتناء بالمصابين ومواساة المفجوعين، وأن يجعلوا من دور الإخوان معسكرات لتجنيد المتطوعين لتوزيع الدواء في كل مكان، وأن يسعوا إلى الناس في أماكنهم شارحين طرق الوقاية من هذا المرض وأساليب العلاج (10).

وفي هذه الفترة كون الإخوان فرقًا للإنقاذ جاهزة للإسعافات في حالات الكوارث والطوارئ، وكان مقرها المركز العام، وكان يتم تدريب أعضائها تحت إشراف الأستاذ محمد نبيه عبد المجيد مندوب مصلحة الوقاية، وكان يقوم بتدريب الأعضاء على اتقاء الغارات الجوية المحتملة أثناء الحرب العالمية الثانية، ويعد منهم فرقًا للإنقاذ، وقد دعت مجلة "النذير" الإخوان إلى سرعة الاشتراك في هذه الفرق ليقوموا بواجبهم الإنساني والإسلامي في أوقات المحنة (11)، وقد انتشرت هذه الفرق في الأقاليم لتقوم بالدور الذي تقوم به في القاهرة، ومن أمثلة ذلك ما أقامته جمعية الإخوان بدارها بمنوف وتولى الإشراف عليها الدكتور السيد بك حيدر مشالي رئيس الجمعية ومفتش صحة المركز (12). وفي هذه الفترة كان الإخوان ينشئون (الأجزاخانات) الأهلية لتوفير الأدوية الجاهزة والمركبة للمرضى (13).

وقد دعا الأستاذ صالح عشماوي - رئيس تحرير مجلة الإخوان ووكيل الجماعة فيما بعد- كافة الإخوان بسرعة التبرع بما لديهم من مال عن طريق جريدة "الأهرام" التي كانت تتلقى التبرعات، وطالب إخوان شعبتي قنا وأسوان بضرورة الاعتناء بالمصابين ومواساة المفجوعين (14). واهتم الإخوان بتوجيه النصح للحجيج وتوعيتهم صحيًا، حيث أن الكثير من الأمراض والأوبئة كانت تنقل عن طريقهم إلى باقي القطر، وبينوا لهم نصوص الاتفاقية الصحية الدولية المنعقدة في باريس، ومن الإرشادات التي وجهوها للحجيج: المحافظة على خلو الملابس والجسم من القمل والبراغيث، إذ أن هذه الحشرات تنقل عدوى بعض الأمراض المهلكة، وتغيير الملابس أولاً بأول وغليها عند غسلها، والحذر من الذباب والناموس، والذهاب لمكتب الصحة لأخذ التطعيم ضد الكوليرا والجدري والتيفود قبل السفر (15).

الكوليرا القاتلة

اكتشف روبرت كوخ باشيل أو ضفات الكوليرا سنة 1883 بمستشفى الإسكندرية الأميرى عندما اجتاح وباء الكوليرا مصر وأدى إلى حدوث أكثر من أربعين ألف حالة وفاة، وفى سنة 1902 حدث وباء آخر فى مصر أدى إلى حوالى خمسة وثلاثين ألف حالة وفاة.

تعرضت مصر لكارثة كبيرة من جراء انتشار وباء الكوليرا الشهير سنة 1947 والذى انتقل من الهند - موطنه الأصلى المتوطن فيه - عن طريق بعض جنود الاحتلال الإنجليزى، ولقد بدأ الوباء فى معسكر الجنود الإنجليز فى التل الكبير ثم انتقل إلى بلدة القرين بمحافظة الشرقية ثم انتشر كالريح فى جميع أنحاء مصر وقد أدى الوباء إلى حدوث اصابات ووفيات باجمالى الأصابات بهذا الوباء كان 20805 مات منهم10276،وعند حدوث الحرب العالمية الثانية حدثت تحركات بشرية ضخمة من البلاد الآسيوية مما مكن الكوليرا من غزو العالم مرة أخرى. وبعد مدة عادت الكوليرا إلى موطنها الأصلى على ضفاف نهر الجانج والراهما بوترا بالهند ومضت عدة سنوات واعتقد الكثيرون أن أوبئة الكوليرا العالمية قد انتهت. ولكن مع بداية الستينات اجتاحت بعض بلاد العالم موجات من أوبئة الكوليرا بلغت ذروتها فى السبعينات ولكن مسببها لم يكن باشيل الكوليرا الأصلى التى تؤدى إلى مرض الكوليرا المعروف بصورته العنيفة وأوبئته الخطيرة بل كان مسببها هو باشيل كوليرا الطور الذى سبق أن اكتشفه جوتشلش سنة 1905 فى محجر الطور فى مصر أيضا.

تعرضت مصر لعدة أمراض على مدى تاريخها أسفر عن ملايين الأشخاص من الضحايا من بينهم أطفال وشباب وشيوخ.

وكانت أولى تلك الهجمات عام 1347 م بهجوم مرض الطاعون على أهالي القرى المصرية الزراعية، وكانت آخرها هجمة، قيل إنها وهمية من قبل النظام السياسي لإبعاد الشعب عن التفكير في القضايا المطروحة على الساحات وهي هجمة إنفلونزا الخنازير.

وما بين تلك الأوبئة ما هو كان عابرًا، ومنها ما استقر لعدة أعوام، وهو مرض الكوليرا الذي ظهر بين المصريين لعدة مرات متعاقبة، في كل مرة حصد الكثير من الأرواح، وآخر استمر حتى الآن وهو فيروس C، الذي ظهر وما زال مستمرًا في حصد الأرواح حتى الآن.

الطاعون

هاجم وباء «الطاعون» مصر خلال فترات متعددة، فخلال الفترة من أكتوبر 1347م ويناير1349م، لقي نحو200 ألف مصري حتفهم على طريق القوافل الذي يربط ما بين القاهرة وبلبيس، وقيل إن الجثث كانت تتناثر في كل مكان على طول الطريق، وأتى الطاعون والمجاعة بعد ذلك على الأخضر واليابس بين 1347م و1349م.

وفي عام 1947م كانت الحرب العالمية الثانية وضعت أوزارها، وبدأت الأوضاع تستقر ويعود الجنود من حيث أتوا.

وكما ذكرنا أن الهند هي الموطن الرئيسي لهذا الوباء فقد انتقل الوباء إلى مصر عام 1947م عن طريق اثنين عساكر انجليز عائدين من الهند وانتقلت العدوى بعدها إلى اثنين من الفلاحين في قرية القورين التابعة لمركز فاقوس شرقية(آنذاك) فى 22 سبتمبر 1947م وتم تشخصيها وقتها تسمم غذائي لكن بعد يومين ساءت حالة الإصابتين ونقلوا للمستشفى العام ولم يمر يومين حتى مات سبعة حالات وتأكدت وزارة الصحة أن تلك الحالات هي مرض الكوليرا، وقد بلغ إجمالي الإصابات بهذا الوباء 20805 مات منهم 10276 (16).

جهود الإخوان للتصدي للأوبئة

وعندما ظهر وباء الكوليرا واستشرى خطره فى البلاد ساهمت الصحف الإخوانية فى توعية الناس بالمرض ومتابعة أخر تطوراته, وأماكن تمركزه, وكيفية انتشاره, وكيفية الوقاية منه, كما تابعت المجلة أعداد المرضى والوفيات التى نتجت عن هذا المرض, كما تابعت البيانات الرسمية وتصريحات المسئولين حول هذا الوباء, وشارك أطباء من الإخوان بكتابة مقالات عن هذا المرض وتوضيح خطره وطرق الوقاية والعلاج منه، كما شاركوا عمليا فى علاج المرضى- فنجد مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية تتابع الأمر وتتابع الجهود التى تبذل للقضاء على الكوليرا, وتتابع أقوال الأطباء حول المرض, ففى إحدى أعددها كتبت تحت عنوان (وكيل وزارة الصحة يتحدث عن الكوليرا) حيث وضحت وجه نظر الوزارة للتصدي لهذا الوباء كما أنها طالبته بالمزيد من الجهود وعدم التراخي في التصدي لمثل هذه الأوبئة وإلا ستكن وبال على المجتمع (17), كما ذكرت أقوال بعض الأطباء فى المؤتمر الذى عقد بدار الحكمة للبحث فى شئون الوباء واختيار أفضل الوسائل لمقاومة المرض ومنع استفحاله (18).

وكانت الجريدة اليومية من الصحف التي تواجدت في أماكن المرض لتغطية مستجدات الوباء, وساهمت بشكل فعال فى إظهار خطورته والعمل على الحد منه, وكيفية انتقاله, كما تحدثت أن السبب فى دخول الوباء هم الجنود الذين توافدوا على مصر من شرق آسيا للعمل فى خدمة الجيش البريطانى, ففى مقال بعنوان (الهواء الأصفر أو الكوليرا) كتب الدكتور محمد أحمد سليمان -المشرف على القسم الطبى- يوضح كيف تم إكتشاف هذا المرض وطرق تطوره وانتشاره وموطنه الأصلى وكيف ينتقل, ثم ختم المقال بطرق الوقاية والمكافحة (19).

ولم تكف الجريدة عن متابعة المرض, والجهود التى تبذل حتى اختفى نهائيا من مصر, وقد كانت بداية المرض فى قرية القرين بمحافظة الشرقية فى 22 سبتمبر 1947م لقربها من المعسكرات الإنجليزية, وحصد المرض ما يقرب من إثنتى عشر ألف نسمة رغم الجهود التى بذلت للقضاء على المرض وظل المرض حتى نهاية عام 1947م (20).

وقامت المجلة بعد ذلك بعمل باب للرد على ما يصلها من أسئلة طبية ويقوم بالرد عليها أحد الأطباء المتخصصين (21).

كما كتب الدكتور حامد بدرى الغرابى سلسلة بعنوان (الطب والدواء) تحدث فيها عن المعدة وأمراضها ووقايتها, وتحدث فى أخر المقال عن ختان البنات وأوضح الفوائد الطبية التى تعود من جراء الختان, وتحدث عن النوم وفائدته والمكيفات وأضرارها (22).

وخصصت المجلة صفحة أخرى بعنوان (الصحة والرياضة) ناقشت من خلالها بعض الأمراض وفوائد بعض أنواع الطعام, وعلاقة الصحة بالرياضة.

ومن هذه الأمراض التى ذكرتها تلك الصفحة الزكام وأسبابه, والإمساك والوقاية منه والأنيميا, ومن الأغذية التى وضحت فوائدها اللبن والبلح وعصير القصب واللحوم والسمك والبيض, كما قدمت لقراءها أجزخانة منزلية تحتوى على بعض الأدوية الهامة, ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب بل تناولت الصفحة التعريف ببعض أعضاء الإنسان الهامة كالقلب والدم, وليس ذلك وفقط بل كانت تقدم نصيحة أسبوعية للوقاية من المرض كتناول الخضروات والفاكهة الطازجة وفوائدها, ومضغ الطعام جيدا وفوائده, كما قدموا تحت هذه الصفحة بعض التمرينات التى تساعد الجسد صحيا (23).

وعندما اجتاحت الكوليرا مصر عن طريق جنود الاحتلال قرَّر مكتب الإرشاد في جلسة 23 سبتمبر 1947م, 13 ذي القعدة 1366هـ إرسال خطاب لوزير الصحة يعلنون له استعداد أربعين ألف من جوالة الإخوان المسلمين للتطوُّع في فِرَق مكافحة الكوليرا, وفي جلسة 5 أكتوبر 1947 قرَّر المكتب إرسال خطاب آخر لوزير الصحة باستعداد مستوصفات الإخوان للقيام بعملية التطعيم ضد الكوليرا وتجهيز عشر سيارات للمرور في الأحياء الموبوءة لعملية التطعيم ومساعدة وزارة الصحة.

وهذا نص الخطاب: "حضرة صاحب المعالي وزير الصحة العمومية.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد.. في غمرة هذه المحنة التي تهدِّد الصحة العامة للبلاد بوباء الكوليرا، والتي تنادي كلَّ وطني صادق أن يساهم بكل ما يسعه من جهد وطاقة، تتقدَّم إدارة الجوالة العامة للإخوان المسلمين إلى معاليكم ليحملوا نصيبهم من هذا الكفاح الوطني المقدَّس، معلنين أنهم يضعون تحت تصرُّف وزارة الصحة 40 ألف جوال من خيرة شباب الأمة وزهرة أبنائها الأطهار، منبثِّين في جميع أنحاء الوادي من كبريات المدن والحواضر إلى صغريات القرى والكفور كلهم على أتمِّ الاستعداد للقيام بما عُهد إليهم من أعمال لمكافحة هذا الوباء. ومما يزيد الاطمئنان إلى جلال الفائدة المرجوَّة من هذا التجنيد إن شاء الله أن تعلموا- معاليكم- أن هؤلاء الألوف من شباب الإخوان الذين وهبوا لهذا الوطن العزيز أنفسهم وأرواحهم إنما يكوِّنون مجموعاتٍ كاملةَ الأجزاء، محكِّمةً النظام بوحداتها ورؤسائها ومراقبيها ومشرفيها في انتظار الأمر بالعمل في أي مكان. ولمَّا كنا حريصين على العمل الجدي؛ لذلك نتقدَّم إلى معاليكم بنماذج من الأعمال التي يُمكن لهذه المجموعات القيام بها، علاوةً على ما يراه المسئولون من تكليفهم لما يتراءى لهم، وهي:

1- نشر الدعوة الصحية في محيط القطر كله وسرعة إذاعة النشرات والتعليمات الصادرة عن الوزارة مع التكفل بإفهامها للجمهور ومعاونته على التنفيذ.
2- التبليغ عن المصابين والإصابات، كلٌّ في محيط منطقته مع بعض الجمهور، على اعتبار ذلك واجبًا وطنيًّا لا يعذر المتخلِّف عنه.
3- تكوين فرق مختلفة للقيام بأعمال التمريض.
4- مساعدة رجال الجيش في كافة أعمالهم؛ من حصار المناطق الموبوءة، ونقل الإشارات اللاسلكية، وقيادة السيارات.

يا صاحب المعالي: قد جنَّدنا هذا الشباب الطاهر في خدمة الوطن لمحاربة هذا العدو المفاجئ، ولا شكَّ أن هؤلاء الجنود لا ينقصهم إلا أن يتحصَّنوا ضد المرض بالمصل الواقي، وأن تتفق وزارة الصحة مع الوزارات والشركات والمصانع التي يعمل بها هؤلاء الإخوان على انتدابهم لهذه المهمة إذا كُلِّفوا بأعمال نهارية تتعارض مع أوقات أعمالهم الرسمية، مع الاحتفاظ لهم بمراكزهم وأعمالهم عند زوال خطر الوباء عن البلاد قريبًا إن شاء الله. هذا، ويسرنا إلى جانب ذلك أن نضع تحت تصرف وزارة الصحة 1500 شعبة من دَور الإخوان المسلمين تكون مركزًا للأغراض الوقائية والعلاجية ضد هذا الوباء، ولا سيما في المناطق التي ليس للصحة بها مراكز ثابتة. وفى انتظار إجابة فضيلتكم بالقبول، أرجو أن تتقبَّلوا أصدق التحيات. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته حسن البنا - المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين".

كما أصدر المركز العام تكليفات للمكاتب الإدارية فى المحافظات بتكوين لجنة لمكافحة الكوليرا بكل شعبة وأن يختار لها مقر وسكرتير للإشراف عليها, والإهتمام بنشر الدعوة الصحية عن طريق المحاضرات فى المقاهى والآندية والمجتمعات العامة والمساجد بواسطة- أطباء الإخوان, وزيارة الأحياء والقرى والكفور وحث الناس على اتباع تعليمات وزارة الصحة, وتكوين لجان إغاثة لإعانة المنكوبين وأسرهم, والتبليغ الفورى عن الإصابات.

كما قام قسم البر والخدمة الاجتماعية بالاهتمام بتقديم المطهرات للأسر الفقيرة فى الأحياء الفقيرة كالفنيك والصابون, وترسل المكاتبات للمركز العام باسم رئيس مكتب مكافحة الكوليرا حتى لا تحجز أو تتأخر ومن الممكن تبليغها بالتليفون للسرعة (24).

ولقد نشرت جريدة الإخوان المسلمين اليومية موضوعا جاء فيه:"جريدة الإخوان ترحب بكل ما يرد إليها من حضرات الأطباء العلماء عن ذلك الأمر" (25).

لم يقتصر دور الإخوان الطبى على القسم الطبى فحسب بالمركز العام بل تسابقت الشعب على افتتاح المستوصفات التى تخدم أبناء شعبتها والشعب المجاورة, ومن هذه المستوصفات مستوصف مغاغة والتى افتتحه الإخوان, وتطوع للعمل فيه سبعة من الأطباء (26).

وفى منطقة بسيون أنشأ الإخوان أيضا مستوصف خيرى وضعوا فيه ستة أسرة, وكان الكشف فيه بخمسة قروش, وكان يعمل به أطباء مسلمون ومسيحيون أمثال د/خالد الحديدى ود/زكى شادوبيم, كما اشتركت جوالة المنطقة فى مكافحة الكوليرا عام 1947 (27).

وعندما اجتاح وباء الكوليرا البلاد شاركت شعب الإخوان أيضا التصدى للمرض, ففى إمبابة وأثناء جولة الإخوان بالمنطقة للبحث عن مصابين, تبين لهم إصابة أحد الأفراد جهة درب العبد, فسارعوا إلى إبلاغ الجهة المختصة وضربوا حصار حول منزل المريض وحالوا دون وصول أحد إليه حتى حضرت عربة الصحة ونقلت المصاب (28).

وماقام به إخوان إمبابة قام به إخوان محلة زياد وبنى سويف فى مكافحة المرض (29).كما قامت مستوصفات إخوان الإسكندرية بالمشاركة فى تطعيم الأهالى باللقاح الواقى ضد الوباء قى قسم الجمرك, وفى قسم كرموزثان.

كما أعلنت الجريدة عن أسماء مراكز التطعيم فى الإسكندرية حتى يسترشد بها الناس (30).

وتلقى المرشد العام للإخوان الأستاذ حسن البنا من معالي الدكتور نجيب إسكندر باشا وزير الصحة الكتاب التالي:

حضرة صاحب فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين

تحية طيبة وبعد

بالإحاطة إلى خطابكم الخاص باستعداد مستوصفات الإخوان المسلمين بجميع نواحي القطر بعمليات التطعيم في مناطقها ضد الكوليرا فإني أقدر بالعرفان هذا الواجب الوطني لما ينطوي عليه من عاطفة كريمة وروح طيبة نحو مواطنينا الأعزاء وسوف لا تتأخر الوزارة عن قبول مساهمتكم في العمل الذي أشرتم إليه في خطابكم في الوقت المناسب، ولا يسعنا إزاء هذه الوقفة الكريمة إلا أن نبعث لفضيلتكم بموفور الشكر مقدرين حسن معاونتكم لنا في مقاومة وباء الكوليرا.

وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.(31)

وقد ظهر المرض حين اشتبه الدكتور صلاح ذكى مفتش الصحة ببلبيس فى إصابة أحد الأشخاص الذين قد ذهبوا لتلقى العلاج هناك وأخذ عينة أرسلها إلى القاهرة ليقوم بتحليلها وعند تحليل العينة قي القاهرة وجد أنه وصل إلى المعمل عينات أخرى مشابهة حوالى 20 عينة وجاءت النتيجة أن الكوليرا قد بدأت من قرية “القرين”.

ظل الإخوان وجوالتهم في قلب الحدث حتى أنه أصيب عدد من شباب الجوالة أثناء عملية التطهير غير أنهم تلقوا العلاج، وظلت الجماعة مستنفرة حتى أعلنت وزارة الصحة القضاء على مرض الكوليرا.

الهامش

(1) رسائل الإمام البنا (رسالة نحو النور)، ص(74).

(2) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية – السنة الثانية – العدد 16 - 13جمادى الأولى 1353هـ.

(3) الإخوان المسلمون العدد (4) 17 صفر 1363هـ 12 فبراير 1944م مقال تحت عنوان انتشار الأمراض في المجتمع.

(4) المرجع السابق (رسالة التعاليم)، ص(381-383).

(5) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية – السنة الثالثة – العدد 4 – صـ31 – 4صفر 1354هـ / 7مايو 1935م.

(6) ريتشارد ميتشل: الإخوان المسلمون، مكتبة مدبولي، صـ(452).

(7) مجلة النذير، العدد (12)، السنة الأولى، 19جمادى الآخرة 1357ه/ 15 أغسطس 1938م، ص(24).

(8) السابق، العدد (19)، السنة الثانية، 8جمادى الأولى 1358ه/ 27يونيو 1939م، ص(24).

(9) السابق، العدد (40)، السنة الثانية، 16شوال 1358ه/ 28نوفمبر 1939م، ص(5-6).

(10) السابق، العدد (28)، السنة الثانية، 17صفر 1363ه/ 12فبراير 1944م، ص(8، 18).

(11) مجلة النذير، العدد (3)، السنة الثانية، 15محرم 1358ه/ 7مارس 1939م، ص(10).

(12) السابق، العدد (31)، السنة الثانية، 4شعبان 1358ه/ 19سبتمبر 1939م، ص(19).

(13) مجلة الإخوان المسلمين النصف شهرية، العدد (38)، السنة الثانية، 10رجب 1363ه/ 1يوليو 1944م، ص(2).

(14) مجلة الإخوان المسلمين، العدد (28)، السنة الثانية، 17صفر 1363ه/ 12فبراير 1944م، ص(8، 18).

(15) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية – السنة الثالثة – العدد 40 – صـ3، 4 – 19شوال 1354هـ / 14يناير 1936م.

(16)عادل حسنين: مصر والمصريين من الملكية إلى الجمهورية, الطبعة الأولى, دار أمادو للنشر 2002 ص46, 47.

(17) مجلة الإخوان المسلمين الإسبوعية العدد 173السنة 5/ 4 ذو الحجة1366 هـ,18/10/1947 ص14.

(18) مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية العدد 174 السنة5 /11 ذو الحجة 1366هـ, 25/10/1947 ص11.

(19) جريدة الإخوان المسلمين اليومية العدد430 السنة 2/11 ذو القعدة 1366هـ, 26/9/1947 ص6.

(20) عادل حسنين: مصر والمصريين من الملكية إلى الجمهوية, الطبعة الأولى, دار أمادو للنشر 2002 ص46, 47.

(21) مجلة الإخوان المسلمين الإسبوعية العدد 191 السنة 6 /9 جماد أول 1367هـ, 20/3/1948 ص18.

(22) مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية العدد 186 السنة 6 /4 ربيع ثان 1367هـ, 14/2/1948 ص19 وما بعده من أعداد حتى العدد 191 السنة 6.

(23) مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية الأعداد 217, 218, 219, 220, 221, 222, 223, 224, السنة6 /ذو الحجة 1367, ومحرم وصفر 1368, 1948ص23. (24) المركز العام, نشرة أخبارية رقم1 غير منشورة, 8ذو الحجة 1366هـ, أول نوفمبر 1947.

(25) جريدة الإخوان اليومية العدد 422 السنة2/ 2ذو القعدة 1366هـ, 17/9/1947ص3.

(26) مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية العدد 88 السنة 4/29 صفر 1365هـ, 2/2/1946 ص22.

(27) أحمد البس: الإخوان المسلمون فى ريف مصر, دار التوزيع والنشر الاسلامية, ص18.

(28) المصدر السابق العدد 474السنة2/ 5 محرم 1367هـ, 18/11/1947ص3.

(29) المصدر السابق العدد 475 السنة 2/ 6محرم 1367هـ, 19/11/1947ص6.

(30) المصدر السابق العدد 557 السنة2/ 13 ربيع ثان 1367هـ, 23/2/1948ص4.

(31) عباس السيسي – في قافلة الإخوان المسلمين – ص 139، 140