حقيقة البيعة والطاعة عند الإخوان المسلمين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
حقيقة البيعة والطاعة عند الإخوان المسلمين


مقدمة

حظيت جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها على العديد من الاهتمام في شتى المجالات لما ظهرت به من فكر جديد وأعمال واقعية جعلت الجميع يحللون كريزمة هذه الجماعة التي أصبحت أكبر وأقوي حركة إسلامية على الساحة الإسلامية، حتى دفعت العديد من المخابرات العالمية لدراستها أو محاربتها ومحاولة عرقلة مسيرتها خاصة بعدما برزت أهدافها التي تتصدي للفكر الاستعماري والتبشيري، والعمل على فهم الإسلام المعتدل وفق ما جاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة.

ومنذ القرن السابع عشر تعرض العالم الإسلامي برمته للخطر الخارجي في صورة أعتى مما عرف في أي وقت مضى، فلقد عادت أوروبا مزودة بحضارة وقوة جديدة لتطوق العالم الإسلامي، وبدأ العالم الإسلامي يتهاوى ركنا بعد ركن ويتداعى بصورة غير مسبوقة، فكان لهذا التهاوي ردود فعل قوية لدى بعض الغيورين.

وكان رد الفعل الطبيعي أن تلتهب الحماسة الدينية حتى تصبح النبرة الإسلامية والدعوة لوحدة المسلمين هي الشعار المضطرم في طول العالم الإسلامي وعرضه، وصار تخندق حركات التحرر والكفاح وراء خط الدفاع الأخير – وهو الإسلام- أمرًا بديهيا، لا سيما وأن الإسلام نفسه كعقيدة تعرض حينذاك لحملات غير مسبوقة من التشهير والقذف من جانب المستشرقين وغير المستشرقين.

يقول جمال حمدان:

ثم تعرضت مصر بعد الحرب العالمية الأولى لمؤثرات ذات تأثير مباشر على تقاليد المجتمع، فقد وفدت مع الجيوش الأجنبية مجموعات غير قليلة من أجناس أخرى تخصصت في الترفيه عن الجنود، وباسم الترفيه انتشرت بارات الخمر ونوادي القمار ودور البغاء، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها ورحل الجنود الأجانب، استمرت وسائل الترفيه منتشرة في أنحاء مصر تعمل عملها بين طبقات المجتمع المصري وذلك لاختفاء العنصر الذي قامت من أجله. (1)

وقد كان أثر هذه الأوضاع في نفس الإمام المؤسس حسن البنا بالغا - حيث يقول رحمه الله - في المؤتمر الخامس عام 1939م: كانت في مصر وغيرها من بلدان العالم الإسلامي حوادث ألهبت نفسي وأهاجت كوامن الشجن في قلبي، ولفتت نظري إلى وجوب الجد والعمل، وسلوك طريق التكوين بعد التنبيه، والتأسيس بعد التدريس...

وقد حدد رحمه الله في موقف الجماعة من هذه الأوضاع فيقول

"نعتقد أن كل دولة اعتدت على أوطان الإسلام دولة ظالمة لابد أن تكف عدوانها ولابد من أن يعد المسلمون أنفسهم ويعملون متساندين على التخلص من نيرها".

ومن ثم فقد طالب أفراد الجماعة

"أن تبينوه للناس، وأن تعلموهم أن الإسلام لا يرضى من أبنائه بأقل من الحرية والاستقلال فضلا عن السيادة وإعلان الجهاد، ولو كلفهم ذلك الدم والمال، فالموت خير من هذه الحياة، حياة العبودية والرق والاستذلال" (2)

يكاد يجمع كل من كتب عن الجماعة على وصفها أنها "حركة إسلامية" وهذا هو الوصف الذي حرصت الجماعة على ترسيخه حتى صار مسلمة بديهية عند الأكثر الأعم من الباحثين، وقد كان هذا الوصف الذي أصر عليه الإمام المؤسس في كتاباته، وكذلك كتابها ومفكروها، ولكن يتبقى التعريف بمضمون هذا الوصف الذي ميز الجماعة عن غيرها.

يصف الإمام المؤسس دعوة الإخوان بقوله "دعوتنا دعوة أجمع ما توصف به أنها إسلامية"، وهذا ما تم إقراره في قانونها ونظامها الأساسي في مختلف المراحل، فنرى في بيان جماعة الإخوان عام 1937م تحت عنوان نظام الجمعية: "ولجمعية الإخوان المسلمين نظام إداري خاص بها أقرب ما يشبه به أنه مدرسة شعبية عامة منهجها كتاب الله ومبادئ الإسلام الصحيح" (3)

وقد حرص الإمام المؤسس على تحديد ما هو مفهوم الإسلام الذي تريد أن تتحاكم إليه الجماعة؟ حيث يقول:"نعتقد أن الإسلام معنى شامل ينتظم شؤون الحياة جميعا، ويفتي في كل شأن منها ويضع له نظاما محكما دقيقًا".

وقد حددت الجماعة المصادر الأساسية التي يتم فهم الإسلام من خلالها في النظر مباشرة إلى الأصول الأولى، فكان القرآن الكريم هو الكتاب الجامع المحدد لفهم الجماعة، جمع الله فيه أصول العقائد وأسس المصالح الاجتماعية، وكليات الشرائع الدنيوية، ويفهم القرآن الكريم طبقا لقواعد اللغة العربية من غير تكلف ولا تعسف، ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي مبينة الكتاب وشارحته، ويرجع في فهم السنة النبوية إلى رجال الحديث الثقات.

وعلى هذا الوجه فإن الإخوان يرون أن الإسلام كدين جاء لكل الشعوب والأزمان، جاء أكمل وأسمى من أن يعرض لجزئيات هذه الحياة وخصوصا في تفريعات الحياة الدنيوية البحتة، إنما يضع القواعد الكلية لكل شأن من الشؤون.

أما بالنسبة للأفراد، فإن الجماعة تدعو إلى فتح باب النظر في أدلة الأحكام لمن توفرت فيه القدرة العلمية، وهي بذلك تنادي بالاجتهاد ولكن بشروطه المعتبرة عند أهل التخصص. وحتى لا تقع الأمة في الفوضى الفقهية ألزمت كل من ليس له قدرة الاجتهاد أن يتبع إماما من أئمة الفقه، إتباعا مبصرا، فيتعرف ما استطاع من الأدلة التي أدت إلى الحكم عند إمامه (4)

وفي ظل هذه المرجعية الفكرية، كان دأب الإمام المؤسس أن يضبط ألفاظ الخطاب الإخواني في هذا الإطار، وكان يقظا لاختلاف المفاهيم في الساحة الفكرية

فيقول

"قد تتحدث إلى كثير من الناس في موضوعات مختلفة فتعتقد انك قد أوضحت كل الإيضاح وأبنت كل الإبانة، وإنك لم تدع سبيلا إلى الكشف عما في نفسك إلا سلكتها، حتى تركت من تحدثهم على المحجة البيضاء وجعلت لهم ما تريد بحديثك من الحقائق كفلق الصبح أو كالشمس في رابعة النهار كما يقولون، وما أشد دهشتك بعد قليل حين ينكشف لك أن القوم لم يفهموا عنك ولم يدركوا قولك".

ويذكر رحمه الله أن السبب في ذلك إما أن المقياس مختلف بين الأطراف المتحاورة أو أن القول في ذاته ملتبس غامض وإن اعتقد صاحبه أنه واضح مكشوف. وأمام ذلك حاولت الجماعة أن تصل إلى تصورات فكرية مشتركة مع الأفكار الأخرى، هذا من ناحية، وفي نفس الوقت أن تعيد تقديم الإسلام مستخدمة الألفاظ والمصطلحات السائدة، وذلك بعد أن تحدد مدلول هذا اللفظ بما لا يتنافى مع إطارها المرجعي.

لقد ورثت الأمم الإسلامية داء متشعب المناحي كثير الأعراض، فهي مصابة من ناحيتها السياسية بالاستعمار من جانب أعدائها، والحزبية والخصومة والفرقة من جانب أبنائها، وفي ناحيتها الاقتصادية بانتشار الربا بين كل طبقاتها، واستيلاء الشركات الأجنبية على مواردها وخيراتها

وهي مصابة من ناحيتها الفكرية بالفوضى والمروق، والإلحاد يهدم عقائدها ويحطم المثل العليا في نفوس أبنائها، وفي ناحيتها الاجتماعية بالإباحية في عاداتها وأخلاقها والتحلل من عقدة الفضائل الإنسانية التي ورثتها عن أسلافها، وبالتقليد الغربي يسري مناحي حياتها، وبالقوانين الوضعية التي لا تزجر مجرما ولا تؤدب معتديا ولا ترد ظالما

ولا تغني يوما من الأيام غناء القوانين السماوية، وبفوضى في سياسة التعليم والتربية تحول دون التوجيه الصحيح لنشئها ورجال مستقبلها وحملة أمانة النهوض بها، وفي ناحيتها النفسانية بيأس قاتل وخمول مميت وجبن فاضح وخنوثة فاشية تكف الأيدي عن البذل وتقف حجابا دون التضحية. (5)

أمام هذا الواقع الذي كانت عليه الأمة عامة ومصر والعالم العربي والإسلامي خاصة والذي مثل التحدي التاريخي والذي نشأت فيه الجماعة حيث وضعت شروطا لازمة للنهضة وعلى رأسها عودة المسلمين إلى إسلامهم كما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الأمر في ذاته هو جماع الشروط للنهوض بالأمة

فعملت الجماعة على إعادة بناء ثقة الأمة بالله وبدينها وبنفسها في مواجهة طغيان موجة الانهزام أمام الحضارة المادية، وإطلاق العنان للعقل للتفكر في أسرار الكون وإدراك حقائقه وسنة الله فيه، وجعل القلب المؤمن والعقل المفكر صنوان، و الاستقلال عن الاستعمار.

حرص حسن البنا على تربية أبناء الجماعة على التجرد والتضحية في سبيل أن يكون " الله غايتنا "، فيقول:

"إذا وقف المال حائلا دون هذه الغاية فإن الأخ المسلم الذي يهتف من قلبه "الله غايتنا" مستعد لبذل المال في سبيل الله، وإذا وقف الأهلون والأبناء حائلا دون هذه الغاية فإن الأخ المسلم الذي يهتف من قلبه "الله غايتنا" على أتم استعداد لمفارقة هؤلاء الأهل والأبناء في سبيل الله
لا بل لمجاهدتهم إن وقفوا في طريق دعوة الله، وإن نبت الأوطان بالأخ المسلم وقلاه أهلها وضايقوه في دينه وأخذوا عليه مسالك دعوته فهو مستعد لمفارقة هذه الأرض غير نادم عليها ولا آسف لفراقها في سبيل الله، وإذا ما احتاجت الدعوة يوما إلى الدماء قدم في سبيلها روحه ودمه، وما أرخصه في سبيلها من فداء". (6)

كانت هذه نظرة على جماعة الإخوان المسلمين وأهدافها وتاريخها، حيث ظلت على هذا المنهج الإصلاحي والإطار الفكري حتى وقتنا هذا بالرغم من تعرضها للمحن الشديدة والاضطهاد من الأنظمة الحاكمة بإيعاز من المستعمر الأجنبي.

بيعة في مرمى النقد

النَّقْد البَنَّاء هو عملية تقديم آراء صحيحة ووجيهة حول عمل الآخرين، والتي تنطوي عادة على تعليقات إيجابية وسلبية ولكن بطريقة ودية وليس بطريقة فيها عناد. وفي الأعمال التعاونية، غالبًا ما يكون هذا النوع من النقد أداة قيمة للارتقاء بمعايير الأداء والمحافظة عليها.

ولذا فجماعة الإخوان المسلمين وكثير من أعضائها لا يختلفون مع من يوجه لهم نقدا بناء، أو نصيحة مخلصة حول أفكارها أو أعمالها أو ممارساتها. إلا أن البعض – خاصة الخصوم – يحاولون لى الحقائق من أجل النيل من الجماعة، أو تشويه صورتها، أو بخس حقها، أو نسب كل زور وبهتان لها، ومنها ما يخص ما أطلق عليه الإخوان البيعة.

حيث يقول بابكر فيصل بابكر – وهو كاتب سوداني مناهز للفكر الإسلامي ومتحامل عليه:

لا يرتبط فشل تجربة جماعة الإخوان المسلمين في الحكم بالتطبيق العملي فقط كما يقول مناصروها، بل هو فشل كامن في أصول الأفكار وطرائق التنشئة التي يتربى عليها العضو المنتمي للجماعة، وبالتالي فإن أية حديث أو محاولة لمراجعة التجربة يجب ألا تقتصر على نقد الممارسة العملية، بل أن تبدأ من النظر والتنقيب في تلك الأصول النظرية وفي أساليب التربية المرتبطة بها. (7)

لقد بني بابكر مقارنته ونقده على كون جماعة الإخوان المسلمون حزبا سياسيا مثل الأحزاب السياسية، رغم أن الإمام البنا وضح أن الإخوان ليسوا حزبا سياسيا لكنهم يعملون في السياسة العامة

فيقول في رسالة المؤتمر السادس:

"أما أننا سياسيون حزبيون نناصر حزبا ونناهض آخر فلسنا كذلك ولن نكونه، ولا يستطيع أحد أن يأتي على هذا بدليل أو شبه دليل"، ثم بين حقيقة دعوة الإخوان في رسالة المؤتمر الخامس بأنهم دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية

غير أن ذلك لم يعجب بابكر فيصل فيقول:

"وهذا تعريف مبهم وفضفاض لا يمكن ربطه بالمفهوم المعروف للحزب السياسي" على الرغم أن البنا نفسه لم يجعل جماعته حزبا سياسيا بالمفهوم المعروف للحزب السياسي بل حارب الإمام البنا الحزبية في ذلك التوقيت بسبب صراعها من أجل ارضاء سياسة المحتل البريطاني على حساب القضية المصرية من أجل كرسي الوزارة.

لم يقتصر الأمر على بابكر فيصل بل أن ثروت الخرباوي أدلى بدلوه بسيل من الافتراءات حتى أنه صور بأن هذه البيعة مأخوذة عن الماسونية حيث وصف أن البناء التنظيمي لجماعة الإخوان يطابق التنظيم الهرمي للجماعة الماسونية، حتى درجات الانتماء للجماعة، وطريقة البيعة وأسلوبها وعبارتها واحدة في التنظيمين، مع تأكيده على أن المرشد الثاني للجماعة "حسن الهضيبي" كان ماسونيًا بامتياز والدليل على ذلك تأكيده على منهج البنا الذي يرفض فكرة الوطن والمواطنة وهو الهدف الماسوني الأكبر لفكرة الحكومة العالمي. (8)

ما هي البيعة؟

كتب محمد زيدان يقول:

البيعة من أبرز جوانب الفعل السياسي الذي تمارسه الأمة؛ إذ إنها في الرؤية الإسلامية هي التي تضفي الشرعية على نظام الحكم بل وتسبق إنشاء الدولة في الخبرة الإسلامية في عهد رسول الله، فهي ميثاق تأسيس المجتمع السياسي الإسلامي وأداة إعلانه التزامه بالمنهج والشريعة والشورى وهي صيغة تمكين الأمة لا خضوعها، قبل الدولة، وبعدها.
والبيعة هي ميثاق الولاء للنظام السياسي الإسلامي أو الخلافة الإسلامية والالتزام بجماعة المسلمين والطاعة لإمامهم، فهي ميثاق إنساني لكنه يتأسس على رؤية عقيدية ويتضمن ثلاثة أطراف هي الخليفة نفسه والقائمون بالبيعة أي الأمة، والمبايع عليه وهو الشريعة، ولا تنتهي مسئولية الأمة بعقد البيعة بل تستمر في تحمل تبعة حفظ الدين وتطبيق الشريعة من خلال الشورى، والرقابة على الحاكم، ونصحه إذا حاد، وعزله إذا لزم الأمر واقتضت المصلحة العليا للبلاد والعباد.
وإذا كان الكثير من الكتابات القديمة والحديثة قد ركز عند دراسة البيعة على بعد "الطاعة"، أو الالتزام السياسي من جانب الرعية، وفصلت في شروط الخليفة وكيفية توليته وصلاحياته؛ فإن هناك من المحدثين من يرى أن البيعة حق وليست التزاما فحسب، فهي حق لكل مسلم، رجلا كان أو امرأة
لأنها الطريقة الشرعية الوحيدة لتنصيب رئيس الدولة، ولأن الأمة هي صاحبة السلطة والشأن في توليته وعزله، واقترح بعض أنصار هذا الرأي "صيغة" لبيعة الخليفة للأمة تقوم على الالتزام بالشريعة والعدل والشورى، وهي البيعة التي تمثل الوجه الآخر للالتزام السياسي، وهو التزام الحاكم، في مقابل الالتزام السياسي للأمة بالطاعة. (9)

البيعة في اللغة والاصطلاح

لغة: البيعة مصدر بايع بيعة ومبايعة، وهي الصفقة على إيجاب البيع وعلى المبايعة والطاعة، والبيعة المبايعة والطاعة، وبايعه عليه -مبايعة- عاهده، وبايعته من البيع والبيعة جميعًا.

اصطلاحا: هي إعطاء العهد من المبايع على السمع والطاعة للإمام في غير معصية، في المنشط والمكره والعسر واليسر وعدم منازعته الأمر وتفويض الأمور إليه.

يقول ابن خلدون: أعلم أن البيعة هي العهد على الطاعة، كأن المبايع يعاهد أميره على أن يسلم له النظر في أمور نفسه وأمور المسلمين، لا ينازعه في شيء من ذلك، ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر على المنشط والمكره، وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيدا للعهد، فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري، فسمي بيعة مصدر باع، وصارت البيعة مصافحة بالأيدي، هذا مدلولها في عرف اللغة ومعهود الشرع وهو المراد في الحديث في بيعة النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة العقبة وعند الشجرة.

وقد وردت لفظة بايع في القرآن الكريم كما في سورة التوبة: الآية 111 قال تعالى: "فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ"، وفي سورة الفتح في الآية العاشرة: "إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ" وفي الآية 18: "لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ".

كما وردت لفظة البيعة في كثير من أحاديث الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - كما في قوله في مسند الإمام أحمد: "من مات وقد نزع يده من بيعة كانت ميتته ميتة ضلالة"، وفي مسند الإمام أحمد أيضا أنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يصافح النساء في البيعة، وفي صحيح البخاري في باب الجنائز "أخذ علينا النبي عند البيعة ألا ننوح".

وقوله صلى الله عليه وسلم : "ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر" رواه مسلم (1844).

وقوله صلى الله عليه وسلم : "إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما" رواه مسلم (1853).

مستويات البيعة

تنقسم إجراءات البيعة إلى مستويين متتابعين متلازمين:

  1. بيعة الانعقاد: وبموجبها ينعقد للشخص المبايع السلطان ويكون له بها الولاية الكبرى دون غيره حسما للخلاف حول من يتولى أمر المسلمين، وهذه البيعة هي التي يقوم بها أهل الحل والعقد، ودلائل هذه البيعة واضحة تماما في انعقاد البيعة للخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم أجمعين- فقد كان أهل الاختيار يقومون باختيار الإمام ثم يبايعونه بيعة انعقاد أولية.
  2. البيعة العامة أو بيعة الطاعة: وهي بيعة شعبية عامة للكافة من الأمة، أي بيعة سائر المسلمين للخليفة، وهذا ما تم بالنسبة للخلفاء الراشدين جميعا، فأبو بكر الصديق -رضي الله عنه- بعد أن بايعه أهل الحل والعقد من المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة، دُعِي المسلمون للبيعة العامة في المسجد، فصعد المنبر بعد أن أخبرهم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- باختيارهم له، ومبايعتهم إياه، وأمرهم بمبايعته فبايعه المسلمون، وما حدث مع أبي بكر الصديق حدث مع كل الخلفاء الراشدين، وهي البيعة التي تمت تاريخيا في عاصمة الدولة ومركز الحكم ثم كان يطلب من كل وال من ولاة الأمصار أخذها للخليفة. (10)

الإخوان المسلمون والبيعة

تختلف الدعوات وتتعالى الصيحات ولكل منها عقيدة تقوم عليها وركائز تستند إليها هذه العقيدة هي التي تحركها وتحدد أهدافها ومبادئها ولقد اختار الإمام البنا عقيد الإسلام الذي ارتضاه الله للمسلمين ديناً ليقيم عليها دعوته ويجدد من خلالها أهدافه, ويضع على أساسها وسائله.

يقول راجي سلطاني:

ولقد اعتبرت البيعة سبباً في كثير من الأحيان في لغط وجدال وممارسات تسبب الكثير من الإشكالات داخل الجماعة، حيث انحصرت فقط البيعة في جزئية الطاعة. والطاعة كما أمرنا الله بها لا تكون طاعةً عامةً بلا شرط إلا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولا تكون لأحدٍ من بعدهما إلا بشرط موافقته لهما، وإلا فلا طاعة له كائناً من كان.
وبالتالي فالثقة والطاعة والبيعة عند الإخوان لقادتهم مشروطة بموافقة هؤلاء القادة للحق والصواب بمفهومه الشرعي أولاً  ، فإذا كان الخيار في أمر ما بين حلال وحرام، فلا يكون رأي القادة ولا توجههم إلا ناحية الحلال، وإلا فلا طاعة لهم، ويُضرب برأيهم عرض الحائط، وهذا يقيناً كان معروفاً ومقصوداً في منهج الإمام البنا وفي توجهه، وليس كما يروج أعداء الإخوان بالطاعة العمياء.
وإذا ما كان الخيار للقيادة في أمرٍ ما بين مفضول وفاضلٍ، أو بين رأيين سياسيين أو حركيين ليس فيهما حلالٌ وحرام، فلا طريق حينها إلا أن يجتهد القادة فيما بينهم، معتمدين على الشورى في قرارهم. فلا ثقة لفرد مهما علا تنتج طاعة عمياء له، فلا معصوم إلا محمداً صلى الله عليه وسلم، والفتنة لا تؤمن على حيّ. أهـ (11)

والبيعة ليست ملزمة لقيادة لا تحترم الشورى، ولا قواعدها، أو تتجاوز حدود شريعة ربها، كما أنها ليست بيعة كبري للدين لكنها كوثيقة احترام عمل بين جميع الاطراف الذين ارتضوا العمل فيما بينهم، ويجب فيها المراجعة والمحاسبة حتى لا تصبح بيعة عمياء، فليس أفسد على أية قيادة مهما كانت من أن تسير وراءها جموع تسبح بحمدها وتثق فيها ثقة عمياء  ، فتسير وراءها أياماً وليالي وسنين، فلا تسأل: لم سرنا؟، وإلى أين نسير؟، وأي طريق هذا الذي سرنا فيه؟، وهل من رجوع وعودة؟.

فالبيعة متعددة صورها، ومنها البيعة على الإسلام والتوحيد، والبيعة على النصرة والمنعة، والبيعة على الهجرة، والبيعة على السمع والطاعة

يقول محمد زيدان:

"والأخيرة هي التي تقصدها معظم الكتابات تأسيسا على الممارسة في عصور الملك المتتالية، وهي التي تتبادر للذهن إذا أطلقت كلمة البيعة دون تحديد، وهي التي كانت تعطي للخلفاء تاريخيا عند توليهم في ظل الدول والممالك، وقد اجتهدت الحركة الإسلامية المعاصرة
وأخذت بيعة على الطاعة لتوحيد الصفوف، وأضافت إليها السعي للعمل المنظم في سبيل إرجاع الخلافة الإسلامية، ولا شك أنه هدف يتطلع إليه الكثيرون، لكن تلك البيعة اقترنت بالعمل السياسي والتنظيمي، وأهدر في إطارها بعض قيم الشورى فخرجت عن اطارها المرجو" (12)

ولقد حدد الإمام البنا أركان البيعة عند الإخوان فقال في رسالة التعاليم: أركان بيعتنا عشرة فاحفظوها: "الفهم، والإخلاص، والعمل، والجهاد، والتضحية، والطاعة، والثبات، والتجرد، والأخوَّة، والثقة".

غير أنه وضع معايير لهذه البيعة فلا هى بيعة عمياء، ولا ضد شريعة الرحمن سبحانه، فقال في رسالة مشكلتنا في ضور النظام الاسلامي: وما الحجر الأسود إلا موضع الابتداء، ونقطة التميز فى هذا البناء، وعنده تكون البيعة لرب الأرض والسماء على الإيمان والتصديق والعمل والوفاء: اللهم إيمانًا بك -لا بالحجر- وتصديقًا بكتابك لا بالخرافة، ووفاءً بعهدك -وهو التوحيد الخالص- لا الشرك، واتباعًا لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم محطم الأصنام. (13)

لم يقصد البنا بالبيعة التي وضعها أنها بيعة للإسلام من خرج منها فقد خرج من الاسلام لكنها أراد بها بيعة تنظيميه لشئون الجماعة وأن يلتزم الجميع بخط العمل الجماعي تحت قيادة موحدة فيما موافق لشرع الله وللصالح العام.

يقول الشيخ عصام تليمة:

أما عن بيعة الجماعات، فهي أشبه ما تكون بعهد، يقطعه الإنسان على التعاون مع الجماعة في البر والتقوى، وعلى عمل الخير، وعلى الوسيلة، التي يصلح بها دنيا الناس، وتستقيم بها طاعتهم، وليست البيعة للجماعات هنا هي البيعة التي للحكام، ولا البيعة التي للإسلام.

ولقد كتب الدكتور توفيق الواعي حول هذه البيعة فقال:

إن البيعة كانت معهودة منذ القدم وكانت معروفة في عهد الرسالات السابقة، وكان أصحاب الأنبياء يبايعونهم إما علي النصرة والحماية، وإما علي إعلاء كلمة الله تعالي، وتشير إلى هذا آية سورة الصف في قوله تعالى : " كما قال عيس ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين" (الصف: 14).

وقد ورد في ذلك بعض الأحاديث عن رسول الله (صلي الله علية وسلم)، أما في شرعنا فإن رسول الله (ص) قد بايع الناس في مواقف متعددة واختلفت طرق البيعات اختلافا كثيرا، فمن أشهر البيعات السابقة علي الهجرة بيعة الأنصار ليلة العقبة، وقد بايعوه علي نحو بيعة النساء المذكورة في سورة الممتحنة في قوله تعالى : "يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك علي أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرفن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم" (الممتحنة، 12).

ثم بايع الرسول (صلي الله علية وسلم) بعدها الأنصار بيعة أخرى حين قدم المدينة وآخي بين المهاجرين والأنصار، وآخن بين المهاجرين أنفسهم، وتلك البيعة كتب فيها كتاب، أمر الرسول بكتابته ولم يرد كثير من تفاصيل الأمور فيها، ثم بايعهم بيعة أخرى عندما أراد غزوة بدر فبايعوه علي القتال

وكانوا قبل ذلك إنما بايعوه علي الحماية، مما يحمون منه أنفسهم وأهليهم، ثم من أشهر البيعات بعد هذا بيعة الرضوان التي بايع عليها أصحابه بالحديبية تحت الشجرة، وهذه البيعة التي خلدها الله تعالى في سورة الفتح في قوله: " لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة " (الفتح: 18)، وكانت بيعة علي الموت حب ما جزم به كثير من أصحاب رسول الله (صلي الله علية وسلم) الذين بايعوه عليها

وقد أنكر ذلك ابن عمر وذهب إلي أنها فقط كانت علي القتال وألا يفروا عنه، ومعني ذلك أن ابن عمر أنكر من قال بايعناه علي الموت بزعم أن القائل لذلك أنهم سيبذلون أنفسهم حتى الموت، والمقصود أنهم لا يفرون عنه، وهذه هي البجعة علي الموت لأن الشخص إذا كان سيصبر مهما كلفه ذلك الأمر فمعناه أن سيستعد للموت وسيبذل نفسه في سبيل المبايع

وهذه البيعة هي التي أكدها الله في كتابه في قوله: " إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم" (الفتح: 10). وقد روي عن "الرسول" بيعات غير هذه، من ذلك أنه بايع أبا بكر وتسعة من أصحابه آخرين بيعة خاصة، وهي ألا يسألوا أحدا شيئا، وكان أبو بكر وهو خليفة إذا سقطت عصاه لم يكن يأمر أحدا أن يناوله إياها بل ينزل إليها حتى يأخذها، لأنه بايع رسول الله (صلي الله علية وسلم) علي ألا يسأل أحدا شيئا.

وكذلك بايعه بعض أصحابه الذين أسلموا بدون قتال بايعوه بيعة خاصة من ذلك بيعة عمرو بن العاص التي هي في صحيح البخاري بايعه علي أن يغفر له ما تقدم من ذنبه، فقال له: "أما علمت أن الإسلام يجب ما قبله، والهجرة تجب ما قبلها".

وكذلك بيعة خالد بن الوليد، ومن ذلك بيعة جرير بن عبدالله التي رواها البخاري ومسلم في صحيحيهما أنه قال:

" بايعني رسول الله (صلي الله علية وسلم) علي إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، فشرط علي والنصح لكل مسلم "، وكذلك بيعة ضمام بن ثعلبة الذي جاء من قبل نجد فقال بعد أن التزم ما علمه رسول الله (صلي الله علية وسلم) فقال: "وأنا رسول من ورائي" فكانت البيعة لنفسه وللذين أرسلوه بطريق النيابة. وكذلك بايع النجاشي جعفر بن أبي طالب لرسول الله إلى بالنيابة عنه، وكتب إليه كتابا بذلك.

ومثل ذلك كثير من البيعات التي تكون منوعة فكل هذا التنوع يدلنا علي أن البيعة ليست ثابتة علي منهج موحد وأنها قابلة للتغيير بحسب الحال ،، بيعة النساء تختلف عن البيعة علي القتال، وتختلف عن البيعة علن الموت وهكذا.

فهذا التطور يدلنا علي أن البيعة ليست مثبتة علي وضع واحد لا يتغير، وأنها تتطور مع المصلحة، وإذا نظرنا إلي المصلحة المتوخاة من البيعة فإننا نعلم أنها رباط وعهد بين الشخصين، وأيضا يكون الحق المترتب عليها من السمع والطاعة والامتثال والالتزام بالأوامر يكون حقا ناشئا عن عقد

وهذا أثبت الحقوق وأوثقها، فإن الحقوق تنقسم إلى قسمين: حقوق غير ناشئة عن عقد، وهذه وإن كانت موكدة مثل حقوق الله علي عباده بأن يعبده ولا يشركوا به شيئا، ومثل حقوق الوالدين في برهما والسمع لهما وطاعتهما والدعاء لهما ونصيحتهما.

إلا أن القسم الثاني من الحقوق وهو الناشئ عن عقد أيضا تتعلق بمروءة الشخص، فإذا لم يف بها فإنه قد أخل بمروءته والتزامه، وكان كمن لا ذمة له ولا عقد، وهذه العقود منها مثلا عقد النكاح الذي سماه الله تعالى ميثاقا غليظا، وكذلك عقد البيع، وعقد الشركة، وعقد الحلف، التي فسر بها زيد بن أسلم - رحمه الله تعالى - قوله تعالي: " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " (المائدة: 1).

فعلي هذا فإن تنوع البيعة يكون ناشئا عن المصلحة، فإذا كان المقصود بها الرباط الروحي الذي يربط المبايع والمبايع فكان ذلك مدعاة لعلاقة دنيوية سببها عقد، مع أن النسب غير موجود بين المبايع والمبايع، وإنما جاء الربط بسبب هذه البيعة والالتزام كان لذلك تسمي صفقة اليمين كما في قوله : "أيما رجل بايع أميرا فأعطاه سويداء قلبه وصفقة يمينه لا يبايعه إلا علي عرض من الدنيا إن عطاه رضي وإن منعه سخط، فقد برئت منه ذمة الله ورسوله" ، أو كما قال الرسول في الحديث المعروف.

فهذا يدل علي أن المقصود بالبيعة هو الرباط الروحي أساسا، ولهذا قال أعطاه سويداء قلبه، فالمقصود محبة وطاعة، وكذلك قوله صفقة يمينه تدل علي أن المقصود هنا انعقد حتى يكون الحق بين الطرفين ناشئا عن عقد، وعلي هذا فقد كان بعض الناس يشترط بعض الشروط فيه

وهذه الشروط تشترط في بعض الأحيان علي المبايع وتشترط على المبايع، فمثلا لما طالب يزيد بن معاوية أهل المدينة بالبيعة له في واقعة الحرة، شرط علي كل من يبايع له أن يبايع أنه يطيع لأمير المؤمنين، معناه أنه مطيع طاعة التابع إلا علي بن عبدالله بن العباس فقد قام أخواله بنو الحارث بن كعب فقالوا بل يبايع علي أنه ابن عم أمير المؤمنين، فبايع علي أنه ابن عم أمير المؤمنين.

وعلي هذا فإن تطور البيعة إذا أمر طبيعي وللنظر إلي واقعة البيعة عبر التاريخ، فلما مات رسول الله (صلي الله علية وسلم) ونقله الله إلي دار الكرامة لم يأمر ببيعة أحد من الصحابة ولا عهد بها لأحد بعده، فاتفق أن الأنصار قد اجتمعوا ورأوا أنه لا يمكن أن يترك الناس هملا دون إمام

وحاولوا أن ينصبوا إماما يبايعونه، فرشحوا لذلك سعد بن عبادة بن دليم، واجتمعوا لبيعته في سقيفة بني ساعدة، فكانت المبادرة لهم ولم تكن لقريش في ذلك الوقت مبادرة إلا بعض الآراء الفردية، فمثلا كان أبو سفيان بن حرب يميل إلى أن يبايع علي بن أبي طالب، وقال هذا لجبر خاطر بني هاشم وفيه إصلاح لقريش وهو أولى الناس بهذا لقرابته وصهارته وخالفه المهاجرون السابقون الأولون فلم يروا أن يبايعوا قبل دفن رسول الله (صلي الله علية وسلم) فلم يتفقوا علي أحد

وفي هذا يقول أحد شعراء قريش:

حمدا لمن هو بالثناء خليق
ذهب اللجاج وبويع الصديق

كنا نقول لها علي والرضا

عمرو أولاهم بتلك عتيق

فكانوا يرشحون هؤلاء الأشخاص الثلاثة:

علي بن أبي طالب، وعمر بن الخطاب، وأبا بكر الصديق، فلما علم المهاجرون بأن الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة لبيعة سعد، انطلق إليهم ثلاثة من المهاجرين هم أبو بكر، وعمر، وعبيدة بن الجراح، فكلموهم بالكلام المشهور المعروف، ثم اتفق رأي الجميع أن يبايعوا أبا بكر الصديق، وقالوا رضيك رسول الله (صلي الله علية وسلم) لديننا أفلا نرضاك لدنيانا؟..
فانعقدت البيعة له وبايعه المهاجرون أيضا، ثم بايعه عموم الناس في المسجد ولم يتخلف عنه إلا نفر قليل من أصحاب رسول الله (صلي الله علية وسلم)، فلم يبايعه سعد بن عبادة لما كان في السقيفة وتأخر علي بن أبي طالب شهرا ولم يبايعه، ومع ذلك فقد استمرت إمامته منذ دفن رسول الله (صلي الله علية وسلم)، ولم يضره أن بعض الأفراد لم يبايعوه فانعقدت البيعة عليهم ببيعة الجميع.

ولما حضرت أبا بكر الوفاة عهد بالأمر إلى عمر، وكتب له كتابا بذلك وبايع الناس عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بيعة المسجد، ثم لما جرح عمر وحضره الموت عهد بالأمر إلي أهل الشورى الستة الذين توفى رسول الله (صلي الله علية وسلم) وهو عنهم راض، وعلي أن يختاروا أحدهم للخلافة وهم أول الناس بذلك، وهم الذين يدور عليهم الأمر

فتنازل ثلاثة لثلاثة وتنازل الثالث للاثنين بشرط أن يجعل الاختيار له وهو عبدالرحمن بن عوف، فاختار بيعة عثمان، وبقيت البيعة بعده لعلي، ثم لما قتل عثمان كانت البيعة من عهد عمر لعلي بن أبي طالب، بسبب تنازل إخوانه، ثم بعد علي كانت ستعود لبقية الستة فلم يكن أحد منهم حيا وقت قتل علي بن أبي طالب غير سعد بن أبي وقاص

فكان اللازم أن يبايع سعد، ولكن قدر الله وما شاء فعل، فتجدد نوع آخر من البيعة وبايع معاوية الناس علي شروط شرطها عليهم وأيمان يقسمونها، وكذلك كما ذكرنا طالب يزيد الناس علي بيعة أخرى ، فتطور الأسلوب عبر التاريخ.

وهكذا كانت تشترط الأيمان بالطلاق والعتاق، مع أن الرسول (صلي الله علية وسلم) نهي عن الحلف بهما وقال: "من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت"، وقال: "من حلف له بالله فليرض"، ومع هذا فقد جاء الملك العاض وأجبر الناس علي هذه الأيمان، وأفتي بعض العلماء بعدم لزوم هذه الأيمان، ورأي أن ذلك من الإكراه، ومن هؤلاء العلماء الإمام مالك أبو عبدالله رحمه الله تعالى .

وكل هذه التطورات عبر التاريخ في أسلوب البيعة وفي متضمنها وطريقتها، بالإضافة إلي بعض التطورات التي طويناها ولم نشر إليها، مثل تفريق الرسول (صلي الله علية وسلم) بين أصحابه في البيعة، كذلك في بيعة النساء فقد اختلفت الأساليب، فروي أنه كان يدخل يده في إناء فيه ماء ثم يغمس النساء أيديهن في ذلك الإناء

وروي أن عمر كان يبايع الناس بالنيابة عنه، وروي أنه كان يبايعهن من وراء ردائه، وكل هذه الأحاديث فيها مطعن لأهل العلم، والثابت عنه (صلي الله علية وسلم) أنه كان يبايعهن بالكلام، ولم يكن يبايعهن بصفقة اليد، ولذلك قال: "إني لا أصافح النساء، وإنما مقال لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة"، فهذه التطورات في البيعة كلها ترشدنا إلي أن البيعة ليست ثابتة علي منهج محدد فهي تدور مع المصلحة حيث دارت.

ولاشك أن كون القائد أو الأمير واحدا هو الأصل وهو المطلوب الشرعي والموافق للمقصد في عدم التنازع وعدم التشاكس، ولكن اقتضت الضرورة قيام بيعات أخرى ، وأصل البيعة هي العهد علي الطاعة في المعروف شرعا.

والأصل أن الإمام إذا أعطي بيعة قام بمصالح المسلمين وأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر لأنه لابد من سلطة تتحمل عبء الدعوة إلي الله تعالى لتبليغها إلي آفاق الأرض، لابد من سلطة مؤمنة مجاهدة، ترتبط بحبل الله وحبل الأخوة في الله، سلطة تقوم على هاتين الركيزتين لتحقيق منهج الله في الأرض وإقراره في الحياة الإنسانية ومباشرة تنفيذه في الداخل والخارج.

والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقرار الخير بين الناس. تكليف شديد وليس بالأمر الهين أو اليسير، إذا نظرنا إلى طبيعته وإلى اصطدامه بشهوات الناس ونزواتهم وأهوائهم ومصالحهم ومنافعهم، وغرور بعضهم وكبرياء الآخر، وفيهم الجبار الغاشم، وفيهم الحاكم المتسلط وفيهم الهابط والمنافق الذي يكره الجد، وفيهم المسترخي الذي يكره الصعود، وفيهم المنحل الذي يكره الفضيلة، وفيهم الظالم الذي يمقت العدل، وفيهم المنحرف الذي يكره الاستقامة.

وهؤلاء وأولئك يحتاجون إلى تكاتف ورعاية حتى تستطيع الدعوة أن تطوعهم للخير ويستطيع الدعاة أن يجدوا منهم آذانا صاغية وقلوبا مفتوحة تنقلهم نقلة كريمة إلى منهج الله وهديه. إن إقامة هذه السلطة ضرورة من ضرورات قيام المنهج ذاته، فمنهج الله في الأرض لا يقوم بمجرد الوعظ والإرشاد والبيان فقط

وإن كان هذا يمثل شطرا من الدعوة أما الشطر الباقي فهو قيام سلطة وقيادة تحمل منهج الله في الأرض، وتقوم به وتبلغه للناس بما ترسمه من الوسائل والخطط وبما تنظمه من إمكانات وتدربه من دعاة وتبثه من إعلام، ثم تحيط كل ذلك بسياج وحماية ورعاية كما تقوم تلك السلطة بصيانة تقاليد الجماعة وحمايتها من أن يعبث بها كل ذي هوي وكل ذي شهوة وكل ذي مصلحة.

علي هذا قامت الجماعة الأول في المدينة، واستمرت به الدعوة الإسلامية بعد ذلك في العصور الإسلامية المجيدة، حيث كانت يتنفس في رحابها هذا المنهج ويتحقق في صورته الواقعية، المعروف فيها هو الخير والفضيلة والعدل، والسيادة فيها لأوامر الله، والمنكر فيها هو الشر والرذيلة والباطل والظلم، عمل الخير فيها أيسر من عمل الشر، والحق فيها أقوي من الباطل والعدل أنفع من الظلم، فاعل الخير فيها يجد علي الخير أعوانا وصانع الشر يجد مقاومة وخذلانا.

للمحسن فيها أجر إحسانه، وللمسيء فيها جزاء بطلانه، تعطي للرجال منازلهم وللأبطال أماكنهم، ولأهل الحق درجاتهم، لا يضيع فيها أجر المحسنين أو ثواب العاملين، أو جزاء المخلصين، لهدا طوف الإسلام في أرجاء الأرض وشرق وغرب ودخل الناس في دين الله أفواجا.

ولكن إذا لم تكن هناك سلطة تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر أو منعت السلطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

هل يستكين الناس، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فريضة لازمة؟

وهل ينتظرون سلطان ؟

وهل يشترط للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إذن الإمام أو الحاكم ؟

قال العلماء:

ولا يختص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأصحاب الولايات، بل ذلك جائز لأحاد المسلمين ولا يشترط له إذن الإمام أو الحاكم.

قال إمام الحرمين:

والدليل عليه إجماع المسلمين، فإن غير الولاة في الصدر الأول، والعصر الذي يليه كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر مع تقرير المسلمين إياهم وترك توبيخهم علي التشاغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير ولاية إذن من الإمام .

قال الإمام أبو حامد الغزالي رضي الله عنه في ذلك:

"واستمرار عادات السلف علي الحسبة علي الولاة أي أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر قاطع بإجماعهم علي الاستغناء عن التفويض أو الإذن في ذلك، بل كان من أمر بمعروف فإن كان الوالي راضيا به فذاك، وإن كان ساخطا له فسخطه له منكر يجب الإنكار عليه فكيف يحتاج إلي إذنه في الإنكار عليه ويدل علي ذلك عادة السلف وما روي عنهم في الإنكار علي الأئمة".

رأي الإمام محمد عبده في وجوب إقامة جماعة للدعوة إلى الله

قال الإمام محمد عبده - رحمه الله :

الدعوة في الصدر الأول قد تيسر بغير تعليم صناعي ولا تأليف جمعيات معينة، أما في هذا الزمان فإنه يتوقف فهم الدين علي التعلم الصناعي، وتتوقف الدعوة إليه، والأمر بما جاء به من المعروف وما حظره من المنكر علي تعليم خاص وتأليف جمعيات خاصة تقوم بهذا العمل، ولا ينتشر الدين ولا يحفظ علي وجهه إلا بهذا كما تقدم التنويه به في قوله تعالى :"ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير"، (السورة).

فالمراد التنويه به، فالمراد بالأمة التي ذ قيمها الأمة لذلك ما يعبر عنه في عرف هذا العصر بالجمعية. قال الأستاذ الإمام: ومن أعمال هذه الأمة الأخذ علي أيدي الظالمين، فإن الظلم أقبح المنكر، والظالم لا يكون قويا ولذلك اشترط في الناهين عن المنكر أن يكونوا أمة، لأن الأمة لا تخالف ولا تغلب كما تقدم، فهي التي تقوم عوج الحكومة والمعروف أن الحكومة الإسلامية مبنية علي أصل الشورى، وهذا صحيح والآية أدل دليل عليه ودلالتها أقوي من قوله تعالى : " وأمرهم شورى بينهم " (الشوري: 38)

لأن هذا وصف خبري لحال طائفة مخصوصة أكثر ما يدل عليه أن هذا الشيء ممدوح في نفسه محمود عند الله تعالي، وأقوي من دلالة قوله: " وشاورهم في الأمر" (آل عمران: 159)، فإن أمر الرئيس بالمشاورة يقتضي وجوبه عليه ولكن إذا لم يكن هناك ضامن يضمن امتثاله للأمر فماذا يكون إذا هو تركه ؟

وأما هذه الآية فإنها تفرض أن يكون في الناس جماعة متحدون أقوياء يتولون الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو عام في الحكام والمحكومين، ولا معروف أعرف من العدل ولا منكر أنكر من الظلم، وقد ورد في الحديث " لابد أن يأطروهم علي الحق أطرا".

ثم يقول الأستاذ الإمام محمد عبده – رحمه الله تعالي: ما مثاله مع شيء من التفصيل:

إذا كان كل فرد من أفراد المسلمين مكلفا الدعوة إلن الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمقتضى الوجه الأول في تفسير الآية، فهم مكلفون بمقتضى هذا الوجه الثاني أن يختاروا أمة منهم تقوم بهذا العمل لأجل أن تتقنه وتقدر علي تنفيذه إن لم يوجد ذلك بطبعه كما كان في زمن الصحابة، فإقامة هذه الأمة الخاصة فرض عين يجب علي كل مكلف أن يشترك فيه مع الآخرين
ولا مشقة في هذا علينا، فإنه يتيسر لأهل كل قرية أن يجتمعوا ويختاروا منهم من يرونه أهلا لهذا العمل، وعبارة الأستاذ: ويختاروا واحدا منهم أو أكثر، كأنه يريد بالواحد أن ينضم إلى من يختار من سائر القرى والبلاد لأجل الضرب في الأرض للدعوة إلى الإسلام في غير بلاده، أو لإقامة بعض الفرائض والشعائر، أو إزالة بعض المنكرات من بلد آخر من بلاد المسلمين
وإلا فالواجب علي أهل القرية أن يختاروا جماعة يصح أن يطلق عليهم لفظ "الأمة" ويعملوا ما تعمله بالاتحاد والقوة ليتولوا إقامة هذه الفريضة فيها، كما يجب ذلك في كل مجتمع إسلامي سواء كان في الحواضر أو البوادي، فإن معني الأمة يدخل فيه معني الارتباط والوحدة التي تجعل أفرادها علي اختلاف وظائفهم وأعمالهم - حتى في إقامة هذه الفريضة عند تشعب الأعمال فيها -كأنهم شخص واحد كما هو ظاهر وصرح به الأستاذ في هذا المقام.

قال:

وهذه الأمة يدخل في عملها الأمور العامة التي هي من شأن الحكام وأمور العلم وطرق إفادته ونشره، وتقرير ا لأحكام وأمور العامة الشخصية، ويشترط فيها العلم بذلك، ولذلك جعلت أمة، وفي معني الأمة القوة والاتحاد، وهذه الأمور لا تتم إلا بالقوة ؟الاتحاد، فالأمة المتحدة لا تقهر ولا تغلب من الأفراد، ولا تعتذر بالصف يوما ما، فشرك ما عهد إليها، وهو ما لو ترك لتسرب الفساد إلى مجموع المسلمين .

إلي أن قال:

ثم إن كون القائمين بالأمر والنهي أمة يستلزم أن يكون لا رياسة تدبرها، لأن أمر الجماعة بغير رياسة يكون مختلا معتلا، فكل كون لا رياسة فيه فاسد، فالرأس هو مركز تدبير البدن وتصريف الأعضاء في أعمالها، وكذلك يكون رئيس هذه الأمة مصدر النظام وتوزيع الأعمال علي العاملين، فمنهم من يوجهون إلى دعوة غير المسلمين إلي الإسلام
ومنهم من يوجهون إلى إرشاد المسلمين في بلادهم، ومقام الرياسة يختار بالمشاورة لكل عمل، ولكل بلاد من يكونون أكفاء للقيام بالواجب فيها، لتكون أعمالهم مؤدية إلى مقصد الأمة العام، فإن معني الأمة أن يكون للأفراد الذين تتكون منهم وحدة في القصد من أعمالهم وسيرهم فإذا اختلفت المقاصد فسد العمل باختلاف الآراء وتنكيث القوي، ولذلك جاء بجد هذه الآية النهى عن التفرق والاختلاف.
إذن فالتعاهد علي الدعوة وعلي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والبيعة عليه لازمة، لقوله تعالى :" وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" (المائدة: 2)، ولأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب..

هذا وقد أخذ الرسول (صلي الله علية وسلم) بيعات كثيرة علي الإسلام وعلي البر والتقوى منها:

  1. البيعة علي السمع والطاعة.
  2. البيعة ألا ننازع الأمر أهله.
  3. البيعة علي قول الحق.
  4. البيعة علي القول بالعدل.
  5. البيعة علي الأثرة.
  6. البيعة علي النصح لكل مسلم.
  7. البيعة علي عدم الفرار.
  8. البيعة علي الموت.
  9. البيعة علي الجهاد.
  10. البيعة علي الهجرة.
  11. البيعة فيما أحب الإنسان وكره.
  12. البيعة علي ألا ننوح.
  13. البيعة فيما يستطيعه الإنسان من الخير.
  14. البيعة علي الإسلام.
  15. البيعة علي الطاعة.
  16. البيعة علي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وهذه البيعات روتها كتب السنة الصحاح مثل البخاري ومسلم وابن ماجة والنسائي والإمام أحمد.. عن جابر بن عبدالله قال في البيعة: فقلنا يا رسول الله علام نبايعك قال: تبايعوني على السمع والطاعة فى النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم فيه لومه لائم

وعلى أن تنصروني إذا قدمت يثرب فتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة.. فقمنا نبايعه فاخذ بيده أسعد بن زرارة وهو أصغر السبعين، فقال رويدا يا أهل يثرب: إتا لم نضرب إليه أكباد المطى إلا ونحن نعلم أنه رسول الله إن إخراجه اليوم مفارت العرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم قوم تصبرون على السيوف إذا مشتكم

وعلى قتل خياركم وعلى مفارقة العرب كافة فخذوه و أجركم على الله عز وجل، لم أما أنتم قوم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر عند اسه، قالوا، يا أسعد بن زرارة أمط عنا يدك فو الله لانذر هذه البيعة ولا نستقيلها، فقمنا إليه رجلا رجلا يأخذ علينا بشرطة العباس ويعطينا على ذلك الجنه . أخبرنا الحسن بن أحمد قال: حدثنا أبو الربيع قال أنبأنا حماد قال حدثنا أيوب عن محمد عن أم عطية قالت: "أخذ علينا رسول الله البيعة على أن لا ننوح" .

بايع رسول الله (صلي الله علية وسلم) النسوة علي أن يتخلين عن النوح المحرم، وهذا شيء كان يكفي فيه الأمر، ولكنه حصلت فيه بيعة.

البيعة على النصح لكل مسلم

أخرج أحمد عن جرير قال:

بايعنا رسول الله (صلي الله علية وسلم)، علي إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم. وهكذا وردت الأحاديث الكثيرة في كثير من البجعات ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونشر الإسلام، وتحمل التبعات الجسام في سبيل ذلك، ومنها الجهاد.

ولما كان الإسلام قد جعل التخلف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كبيرة وترك فريضة، ولم يجعل في هذا إذنا لأحد ولا للسلطة كما ذكرنا، فإن إقامة أحكام الإسلام وإعادة وحدة المسلمين فريضة علي كل مسلم، ولا يمكن أن يتحقق هذا إلا بتعاون المسلمين، وإقامة جماعة، ولهذا قال "من فارق الجماعة شبرا فمات مات ميتة جاهلية".

وقد أورد الشاطبي في الاعتصام أن الجماعة هنا إما جماعة أهل الإسلام، أو جماعه الإمام وأهل الحل والعقد، أو جماعة المجتهدين. ولما كانت القاعدة، أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فقد انتهي الإمام حسن البنا إلى أن إعادة الخلافة والوحدة الإسلامية

وحكم الإسلام لا سبيل له إلا عن طريق إقامة جماعة وتعاون من الجميع، حتى تكون عصبة للحق وسندا للدفاع عنه وتحقيقه في الأمة، ولهذا يقول عمر بن الخطاب ذاكرا فضل الجماعة في الإسلام: " لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بطاعة، ولا طاعة إلا ببيعة ".

فإذا كانت البيعة في المعروف وعلي نصرة الإسلام وإقامة حدوده أفلا يكون هذا هو صلب الإسلام وصلب دعوته، وهو الحق الذي لا مريه فيه في هذا الزمان وغيره. (14)

الخاتمة

إن البيعة عند الإخوان ليست بيعة الإسلام من خرج عنها أو نقضها فقد خرج من الإسلام لأن جماعة الإخوان ذكرت في أدبياتها ودراستها أنها جماعة من المسلمين وليست جماعة المسلمين، وأن البيعة داخلها لتنظيم العمل داخل الجماعة والتناغم بين الأفراد واحترام القيادة المنتخبة.

فالتكييف الفقهي لبيعة الجماعات، أنها من باب الاتفاق على العمل للإسلام بصيغة معينة، ولبلوغ الهدف للعمل بالإسلام، ولنيل رضى الله سبحانه، حتى أن الإمام البنا ذكر في رسالة نظام الأسر قوله: "تجديد البيعة على السمع والطاعة والصبر والثبات فى سبيل الفكرة"، فهي بيعة في سبيل الفكرة وليست في سبيل أفراد.

المراجع

  1. جمال حمدان، العالم الإسلامي المعاصر، كتاب الهلال، القاهرة، 1993م، صـ 175.
  2. حسن البنا، مجموعة الرسائل، دار الشهاب، بيروت، الطبعة الرابعة، 2004م- ص 150 - 184
  3. مجلة جريدة الإخوان الأسبوعية العدد (4)، السنة الخامسة 1356هـ - 1937م.
  4. |مجموعة رسائل الإمام حسن البنا، رسالة التعاليم، دار الشهاب، مرجع سابق.
  5. عماد حسين محمد: مدرسة المنار بين التحدي والاستجابة، مجلة المسلم المعاصر، العدد 131، الثلاثاء, 31 آذار - مارس 2009م
  6. مجلة النذير، العدد (27) السنة الأولى، 1357هـ- 1938م.
  7. بابكر فيصل بابكر: في نقد مفهوم البيعة عند الإخوان المسلمين (1) الحرة،
  8. ثروت الخرباوي: سر المعبد، دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، 2012م.
  9. محمد زيدان: البيعة إخوان ويكي
  10. محمد زيدان: مرجع سابق.
  11. راجي سلطاني: الثقة كركن من أركان البيعة عند الإمام البنا.. تفسير وضبط
  12. محمد زيدان: مرجع سابق.
  13. رسالة مشكلتنا في ضوء النظام الإسلامي، صـ753
  14. توفيق الواعي: الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية شبهات وردود، شروق للنشر والتوزيع، 2005م.