خطاب الأستاذ مصطفى مشهور في اللقاء الذي ضم زعماء الأحزاب في مصر عام 1999م

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مقالة-مراجعة.gif
خطاب المرشد العام الأستاذ مصطفي مشهور في اللقاء الذي ضم زعماء الأحزاب في مصر في رمضان سنة 1421 هـ 1999 م


ووافق ذلك مرور 70 عاماً على نشأة دعوة الإخوان المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم
الأستاذ مصطفي مشهور

الحمد لله الذي أنعم علينا بالصوم طهارة للقلوب وصفاء للنفوس ، وتوثيقاً لروابط وعرى الحب والود والتعاطف .. وكل عام وأنتم بخير ، أعاد الله علينا وعليكم وعلى أخوة العروبة والإسلام في مختلف الأرجاء والديار رمضان وكل رمضان بالخير والعافية والنصر والتقدم والعزة والكرامة ..

أيها الأخوة والأخوات :

يواكب لقاؤكم الكريم هذا العام .. ثلاث مناسبات كريمات .. لعلها من يمن الطالع ومن بركات ونفحات شهر رمضان ، تبرز فيها قيم عظيمة نلتقي ونجتمع حولها وعليها ..

مناسبة تستحق أكثر من وقفة للتأمل والتدبر والتأكيد على معالم وأصول .. هي عميقة في صدور وعقول أبناء هذا البلد الطيب .. صاحب التاريخ العريق والأمجاد العظيمة .

مناسبة تتمثل في أن هذا اللقاء يأتي مع العام السبعين في عمر جماعة الإخوان المسلمين .. عبرت خلاله العديد من المحن والعديد من أنماط الابتلاء لتواصل وتستمر في مسيرتها الدعوية .. لأنها التزمت ما جاء في الكتاب والسنة – وهو ما التزم به السلف الصالح دون غلو أو تطرف .

ومن ذلك .. الالتزام بنهج الاعتدال والوسطية .. والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة امتثالاً لقوله عز وجل " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " مع اعتمادها الحوار أسلوباً للإقناع والاقتناع .. أهم دعائمه الدليل والحجة النابعان من الكتاب والسنة ، في احترام للرأي الآخر ، وإحسان للظن بالغير ، وتغليب العام على الخاص والزهد في زخرف الحكم والجاه والسلطان ، والسعي لرضا الله والحرص على حسن جزائه في الآخرة والتماس النصيحة عند المحبين ، والصبر والاحتساب إزاء الإساءة والإيذاء ، بل التسامح مع طلب المغفرة لأولئك الذين يكيلون الاتهامات والافتراءات للدعاة أو ينسبون للجماعة ما يحاولون به تشويه الصفحة البيضاء .. أو الإساءة للتاريخ الحافل بالخير والحب والإخلاص لهذا البلد والتبشير بين الناس بالحب والأخوة والعدل والإنصاف ، والأمن والحرية حقاً فطرياً للكافة .. في مجال الرأي والفكر والاعتقاد والعبادة .. والأخذ بسلاح العلم والمعرفة في مجال النهوض والتقدم ..

وكان من ثمار ذلك أن خرّجت دعوة الإخوان أجيالاً على الفهم الصحيح للإسلام مرتكزاً على الإيمان العميق بالإسلام عقيدة وشريعة ، ديناً ودولة ، ونظام حياة شاملاً مقترناً بالعمل والتطبيق .. أجيالاً تفوقت في مراحل التعليم المختلفة وفي مجال العلم والإبداع ، وفي تحمل المسئوليات والنهوض بالواجبات في أمانة وعطاء .

كما كان لها في ميادين وساحات الجهاد في فلسطين وعلى ضفاف القنال صولات وجولات زلزلت الأرض تحت أقدام قوات الاحتلال البريطانية في القنال ، وتحت أقدام الصهاينة المحتلين في فلسطين .

وفي هذه المناسبة نذكر بكل الخير والتقدير الإمام الشهيد حسن البنا – رحمه الله - الذي أرسى البناء وحدد أصوله وقوائمه ومنهجه مقتبساً ذلك ، وقد رسم الطريق وقال : إنه طويل وشاق ولكن ليس هناك طريق غيره .من سيرة الرسول ثم الإمام حسن الهضيبي – رحمه الله – الذي عاصر المحن وكان رمزاً للصبر والثبات ، وقد جنب الجماعة فكر التكفير .

ثم جاء الأستاذ عمر التلمساني – عليه رحمة الله – وقد نهض بالجماعة بعد محنة طويلة لتواصل امتدادها بالخير وللخير ،وأزال عن الوجه المشرق كافة ما ألصق به من اتهامات باطلة – خلال المحنة وبذل جهده ووقته حتى آخر لحظة .

ثم جاء الأستاذ المجاهد السيدمحمد حامد أبوالنصر – رحمه الله – وقاد الجماعة بحكمة رغم كثرة العراقيل حتى لقي ربه محتسباً صابراً ، نسأل الله أن يتقبلنا وإياهم ، وأن يجازيهم عن الإسلام والمسلمين خيراً وأن يعيننا لنواصل المسيرة غير مغيرين ولا مبدلين .

كما كان من الجماعة الشهداء الأبرار الذين سطروا أروع نماذج التضحية .. والوفاء .. نسأل الله أن يتقبل الإمام الشهيد حسن البنا مؤسس هذه الجماعة .. والعالم الفقيه عبد القادر عودة ، صاحب التشريع الجنائي في الإسلام ، وسيد قطب ، صاحب الظلال ، وكافة الشهداء الأبرار في مواكب الشهداء في سبيله .. وفي فسيح جناته .. إنه أكرم مسئول وأعز مأمول ..

إن حفلكم الكريم يواكب ذكرى العاشر من رمضان .. حيث عبر جنود مصر الأبطال القنال مكبرين مهللين يحملون رايات الجهاد .. فكلل الله عبورهم بالنصر على عدو غاصب ، زعم في غرور وتبجح أن لديه جيشاً لا يقهر .

لقد نجح جنود مصر الأبطال في العبور تحت رايات الجهاد ،وسيظل انتصارهم على بني يهود ومن خلفهم أمريكا يؤكد أن الطريق الموصل إلى القدس والسبيل الذي يحقق تحرير الأرض والديار من البحر إلى النهر .. هو سبيل الجهاد .

مضى عليه صلاح الدين وقطز .. وأولى خطواته جمع شمل الأمة العربية والإسلامية على كلمة واحدة وتربية أجيالها على البذل والعطاء والتضحية .. وحشد كافة طاقاتها وإمكاناتها ليوم اللقاء .

و الإخوان المسلمون الذين خاضوا حرب فلسطين سنة 1948، وسالت دماء شهدائهم على أرضها .. مشاركين الجيش المصري معاركه في هذه الديار المقدسة ، يحيون كل خطوة تسعى لتوحيد الأمة العربية والإسلامية على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية ، كما يحيون كل خطوة لتحرير الإرادة ، وتحرير الاقتصاد ترفض الهيمنة الأمريكية ، وتواجه الصلف والتبجح الصهيوني .

إننا نحيي كل خطوة على درب توثيق وتعزيز العلاقات الحيوية والمصيرية مع السودان العربي المسلم الشقيق .. وتسعى لتأكيد وتعزيز أمن مصر القومي في بعده الجنوبي والممتد مع امتداد حدود السودان جنوباً وشرقاً وغرباً .

كما نرحب بكل خطوة على درب تعزيز العلاقات مع الأقطار الإسلامية في إطار مصالح الأمة العربية والإسلامية .. وندين ونستنكر ما يجري على أرض الجزائر الشقيقة من إرهاب وصل إلى مستوى المجازر والتصفيات الجسدية الجماعية في خروج سافر على تعاليم الإسلام ، الذي جاءت شريعته تؤكد تحريم إزهاق الأرواح ، وقتل الأنفس وترويع الآمنين وتخريب المنشآت وتدمير الموارد .

ونعلن على الملأ أن هذه الأعمال الإجرامية ليست من الإسلام ، إنها الخروج على قيم ومثل وشريعة الإسلام ..

نسأل الله عز وجل الأمن والسلامة والسلام للجزائر الحبيبة وأن يكلأ شعبها الشقيق بالرعاية والعناية ، وأن يكلل بالنجاح والتوفيق مساعي الوفاق والمصالحة في الصومال الشقيق ، وأن يبعد عن تركيا الشقيقة ألاعيب ومكائد المتآمرين الذين يحاولون إبعادها عن وجهتها الصحيحة .. أو الإساءة لوجهها الإسلامي الأصيل بربطها بعجلة الغرب والتحالف مع الكيان الصهيوني الغاصب ضد أشقائها العرب والمسلمين .

وإذا كان العام الماضي قد حفل بأحداث عنف تركت بصماتها محفورة في أعماق النفوس ألماً وغضباً ، وأعماق القلوب عزماً وحزماً ، وإن ذلك ليشكل ظاهرة غريبة وخطيرة على قيم ومثل هذا البلد الكريم ..

فإنه في نفس الوقت حشد جميع القوى لتمعن النظر في أهمية وضرورة المواجهة الجذرية لاقتلاع جذور العنف والإرهاب ، والانتقال من طور الاستنكار والتنديد إلى طور المشاركة في العمل والتعامل والتصدي .

Ikhwan-logo1.jpg

وإن الإخوان المسلمين ليمدون أيدهم لكافة الجهات والقوى للالتقاء على المشاركة الفاعلة والتصدي الحاسم لكافة أعمال العنف والإرهاب وللقضاء على كافة أشكال التطرف .. وكافة أشكال الهدم والعدوان ، ويرون أن إطلاق الحرية للرأي والتعبير .. توفر أنجع السبل للكشف عن كل فكر متطرف أو منحرف كما تكفل الفرصة لكافة القوى التي تملك الفكر المستقيم كي تصحح وتعالج وتقوم .

كما يرون أن الإصلاح السياسي الذي التقت على معالمه وأبعاده أحزاب المعارضة والقوى الشعبية المصرية يمثل الحلول الإيجابية للقضايا والأزمات التي تفتح الأبواب أمام مظاهر الفساد والانحراف .. وتعوق المسيرة وتبدد الجهود المخلصة في الإصلاح والتعمير .. كما أن الإصلاح السياسي هو قرين الإصلاح الأخلاقي والاقتصادي .. كضرورة لتأكيد الوجود ، والنهوض بالدور الحضاري المنشود .

إن التأكيد على التزام التعددية وتداول السلطة .. وحرية تكوين الأحزاب وإطلاق الحرية للعمل الحزبي في الإطار الديمقراطي الصحيح الذي يعني إلغاء القوانين الاستثنائية ورفع القيود عن حرية الرأي والتعبير وتوفير الأمن لكافة المواطنين وتأكيد حق الشعب في اختيار مسئوليه وممثليه في نزاهة يعني نهوض الشعب بدوره ومواجهته من خلال كافة الأحزاب والقوى الشعبية لأي عمل يهز الاستقرار أو يخل بالأمن .. ولكل فكر يجافي قيم ومثل وأصالة وهوية مصر العريقة ..

إن الإخوان الذين يؤكدون التزامهم بالديمقراطية والتعددية وتداول السلطة وحرية تشكيل الأحزاب وحرية العمل الحزبي ، والأمن والحرية حقاً فطرياً لكل مواطن .

يؤكدون أيضاً أن السلطة أو الحكم ليس غايتهم أو هدفهم وهو ينأون بأنفسهم عن المصارعة أو التصارع حول سلطة أو نفوذ أو سلطان ، لأن غايتهم كما أعلنوها وسعوا ويسعون من أجلها على مدى سبعين عاماً هي رضا الله عز وجل .. وكل ما فيه مصلحة مصر والعروبة والإسلام وما فيه الخير والنفع للناس كافة وسبيلهم هو سبيل الدعاة إلى الله المستمد من القرآن والسنة وعلى نهج السلف الصالح ..

وهم من هذا الالتزام والمنطلق يطلبون رفع كافة القيود التي تعترض طريق الدعاة وحواجز وعقبات القوانين الاستثنائية التي تحول دون ممارستهم لعملهم الدعوي وتمثل قيوداً على أمن وحرية وكرامة الدعاة إلى الله .. وكافة المواطنين .. في حرص على وحدة الكلمة .. والمشاركة الفاعلة الهادفة في كل ما يحقق المصلحة العامة .

لقد كنا نأمل ألا ينصرم العام الماضي إلا وقد أفرج عن إخوان لنا في السجون صدرت في حقهم أحكام من المحاكم العسكرية .. لم يرفعوا سلاحاً في الوجوه .. ولم يغتصبوا حقاً لجهة من الجهات .. ولم يهددوا أو يروعوا إنساناً ، ولم يخرجوا عن خط أو درب الدعاة .. سلاحهم الكلمة الطيبة وحب الناس لهم وثقتهم فيهم ، وشيمتهم العمل والإنجاز والعطاء .. وروابطهم وعلاقاتهم مع الكافة أساسها الحب المتبادل .. والثقة العميقة ..

إن الإخوان المسلمين جماعة من المسلمين من يوم أنشئت وحتى اليوم .. دعاة وليسوا بالقضاة .. نذروا النفوس للدعوة إلى الله ، وهم جزء من نسيج هذا المجتمع العربي المسلم تمتلؤ قلوبهم حباً للكافة وحرصاً على الكافة وسعياً لصالح الجميع ، يقفون مدعمين مشاركين لكافة الجهود التي تبني وتشيد وتمد جسور العلاقات الطيبة مع الأهل والعشيرة عربياً وإسلامياً أو تسعى لفك الحصار المضروب حول شعوب عربية وإسلامية دون ذنب أو جريرة أو تتصدى للهيمنة الأمريكية أو العدو الغاصب الصهيوني .

إنهم مع كل عمل مثمر يسعى في تواصل ومثابرة وإخلاص من أجل غد مشرق ملوؤه النور والعدل والمساواة والحرية والأمن .

شكر الله لكم تلبيتكم الدعوة .. وأعاد الله علينا وعليكم شهر رمضان بالخير والبركة .. وشمل مصر وعالمنا العربي والإسلامي بالرعاية والعناية ووقاها من كل سوء .

ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير .. ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تحدث فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين في هذا اللقاء عن دعوة الإخوان صاحبة العطاء والأعمال وعم كفاحها الدعوي ، وتحملها في سبيل ذلك صنوف الابتلاءات والمحن ، وصبرها على الأذى والضرر ، مع أنهم داعين إلى الله " بالحكمة والموعظة الحسنة " كسلفهم الصالح ، وحسب تعاليم دينهم الحنيف ، معتمدين لغة الحوار والحجة والبرهان ، محترمين للرأي الآخر ، محسنين الظن بالآخرين ، زاهدين في الجاه والسلطان ، طاهري القلب واليد ، غافرين للمسيئين والمتهمين لهم زوراً وبهتاناً ، يمدون أيديهم لكل مصلح مخلص ، مشاركين للقوى الفاعلة في كل خير وبر ومعروف .

ثم نوه فضيلته بجهود الإخوان المسلمين في شتى نواحي الإصلاح المختلفة ، وجهادهم في محاربة المغتصب في فلسطين ، وفي إخراجهم للمستعمر من مصر . ثم بين أن السبيل الوحيد بعد الإيمان والاتحاد والتكاتف لإخراج المحتل من فلسطين وتحرير المسجد الأقصى من يد العدو ، هو الجهاد .

ثم تحدث عن الإصلاح السياسي فقال :

يرى الإخوان أن الإصلاح السياسي هو مفتاح الاستقرار والتقدم ، وأن إطلاق الحريات للتعبير عن الرأي هو أنجع السبل للكشف عن كل متطرف ومنحرف ، كما أنهم يؤكدون على التزام التعددية الحزبية وتداول السلطة وحرية تكوين الأحزاب ، وإطلاق حرية العمل الحزبي في الإطار الديمقراطي الصحيح ، كما بين أن الإخوان تدين العنف وتعتبره جريمة تتنافى مع الإسلام وقيمنا الأصيلة وتطالب بالتصدي له سواء كان من الدولة أو من الأفراد والجماعات ، ثم دعا فضيلته للأمة العربية والإسلامية بالتوفيق والسداد ، وهذا الخطاب الجامع قد ألقى الضوء على توجهات الإخوان وبرامجهم السياسية والإصلاحية في هذا العصر .