خليل العنانى يكتب: "رابعة والنهضة" في ذاكرة الوطن

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
خليل العنانى يكتب: "رابعة والنهضة" في ذاكرة الوطن


(8/14/ 2015)

خليل العنانى

كانت الساعة السابعة والربع صباحاً، حين ألقيت حقائب السفر جانباً بعد أن عدت إلى القاهرة من إجازة قصيرة قضيتها مع عائلتي في إحدى محافظات الدلتا، في أثناء عيد الفطر المبارك قبل عامين.

لحظات قليلة، وسمعت أصوات رصاص وسحابة من الدخان الكثيف تغطي المنطقة التي أقطن فيها، والتي تبعد أقل من ميلين عن جامعة القاهرة التي كانت تشهد اعتصاماً للإسلاميين في ميدان النهضة.

هرعت إلى التلفاز كي استوضح الأمر، حيث كانت هناك أحاديث في الليلة السابقة حول استعداد النظام المصري للقيام بفض اعتصامي "رابعة العدوية" و"ميدان النهضة"، من دون تحديد الموعد.

وما هي إلا دقائق قليلة حتى وجدت نفسي أمام مشاهد مروّعة، كانت وستظل تشكل نقطة فارقة في تكويني النفسي ومواقفي السياسية.

عند ميدان النهضة، من ناحية الدقي، رأيت جثثاً تحترق على الهواء مباشرة، بعد أن تم إطلاق النار عليها من مسافة قريبة، في مشهد لم أره من قبل، وسيظل مطبوعاً في الذاكرة.

وكان المشهد الأبرز لثلاث جثث تفحّمت وأصحابها في وضعية الجلوس، ما يوضح أنه تم الهجوم عليهم غدراً، ومن دون سابق إنذار.

كانت إحدى القنوات الخاصة تنقل عملية حرق الجثث، وما هي إلا دقائق، حتي تم حجب الصورة، ونقل ما يحدث في الجهة الأخرى من الميدان من ناحية تمثال نهضة مصر، ويبدو أن ثمة من نبّه المخرج بتغيير الصورة، بسبب بشاعة الصور التي يتم نقلها، وربما كي لا تُستخدم دليل إدانة لاحقاً.

بعد دقائق قليلة، بدأت الأنباء تنتشر حول فض اعتصام "رابعة العدوية".

وبدأت قنوات التلفاز، العامة والخاصة، نقل عملية الفض، صوتاً وصورة، وسط صريخ وعويل بعضهم من جهة، ونشوة وفرح آخرين من جهة أخرى.

كان مشهد الجثث والأكفان التي يتم نقلها إلى مسجد الإيمان في مدينة نصر مروعاً وكارثياً. وكانت صورة معتصمين تم القبض عليهم، وهم مطأطئو الرؤوس، وأيديهم خلف رؤوسهم، كاشفة ومعبّرة عن طبيعة الصراع.

لم أكن يوماً لأتخيّل رؤية هذه المشاهد في البلد الذي نشأت وترعرعت وكبرت فيه، وعشت على أساطيره حول "حرمة الدماء" و"الأخوّة والتلاحم" و"الشعب الواحد"... إلخ.

ولوهلةٍ، ظننت أنني أمام إحدى مشاهد المجازر الأهلية التي وقعت في رواندا وبوروندي في التسعينات.

وشعرت كما لو أنني في بلد لا أعرفه، أو غريب وسط قوم لا أعرفهم.

لذلك، فبعد انتهاء أحداث الفضّ، مررت بحالة نفسية سيئة، اضطررت معها لاستشارة صديق يعمل بالطب النفسي والأعصاب، فأبلغني بأنني قد أصبت بما يُعرف بـ(panic attack)، وهي حالة نفسية طارئة، تأتي نتيجة للضغط العصبي، وتؤدي إلى الأرق والتوتر الشديد وعدم النوم.

وبعد أن أعانني الله على التخلّص من تلك الأزمة، أدركت، ولو بشيء قليل، حجم المعاناة والألم والصدمة التي ربما أصابت ذوي وأصدقاء وأهالي الشهداء الذين قضوا في المذبحتين.

اختلفت كثيراً، ولا أزال، مع جماعة الإخوان المسلمين ، سواء بسبب جمودها الفكري والإيديولوجي، أو بسبب رعونة مواقف قياداتها.

لكن، ما حدث في مذبحتي "النهضة" و"رابعة" يتجاوز أي خلاف سياسي أو فكري.

وأعتقد أن هذا حال كثيرين رفضوا حكم "الإخوان"، لكنهم لم يقبلوا بأن يتم ذبحهم ونحرهم بسبب الخلاف معهم.

أما أسوأ المشاهد على الإطلاق فكانت مشاهد التهليل والتبرير التي ملأت الصحف والفضائيات، بعد وقوع المذبحتين على طريقة "إحنا شعب، وإنتو شعب".

سقط "الإخوان" من السلطة، لكن مذبحتي "رابعة" و"النهضة" لم ولن تسقطا من ذاكرة الوطن، وستظلان جرحاً غائراً لا يتوقف عن النزيف، ما لم تتم محاسبة من تورط فيهما.

المصدر