دور الإخوان في إصلاح المجتمع ومحاربة الفساد (13)
دور الإخوان في إصلاح المجتمع ومحاربة الفساد (13)
الاهتمام بالخدمات الصحية (1- 2)
دخل الاستعمار البلاد فحلَّت النكبات على الشعوب، هذا الأمر يلخِّص أوضاع البلاد التي تقع تحت محتل أجنبي؛ لأنه يحرص كل الحرص على أن تعيش البلاد المحتلة في ثالوث المرض والفقر والجهل؛ حتى لا تخرج الأمور من يده، وكانت مصر من ضمن هذه البلاد التي عاشت أوضاعًا صحيةً مزريةً؛ بسبب الاحتلال، وليس ذلك فحسب، بل جلب المحتل الأمراض الفتاكة معه مثل مرض الكوليرا الذي حمله جنوده القادمون من آسيا عام 1947م.
واستكمالاً للجهود التي بذلها الإخوان المسلمون في إصلاح المجتمع في مختلف المجالات كانت لهم أيضًا جولات حول إصلاح الناحية الصحية؛ برفع العرائض للملك ووزيري الداخلية والصحة، وأيضًا إنشاء المستشفيات والمستوصفات التي خدمت قطاعًا كبيرًا من الشعب، وتطور الأمر أن خصَّص الإمام البنا قسمًا في الجماعة سُمِّي بـ"القسم الطبي"، وكان يشرف عليه الدكتور محمد سليمان، ولأهمية الأمر خصَّص الإمام البنا لهذا القسم عضوًا في مكتب الإرشاد ليشرف عليه؛ فكان الدكتور محمد عضوًا في المكتب أيضًا.
ومنذ أن نشأت الجماعة جاء في قانون جمعية الإخوان المسلمين في المادة الثانية أن من أغراض الجماعة تأسيس المنشآت النافعة للأمة روحيًّا واقتصاديًّا ما أمكن ذلك؛ كالمشاغل والمستوصفات الطبية والعيادات الخيرية والمساجد، وإصلاحها وترميمها، والإنفاق عليها والإشراف على إدارتها، وإحياء الشعائر فيها (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) (النور: من الآية 36)، وعلاج الآفات الاجتماعية كالمخدرات والمسكرات والمقامرة والبغاء ونشر الدعاية الصحية، خصوصًا في القرى والأرياف وإرشاد الشباب إلى الاستقامة الصحيحة (وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا) (الجن: 16).
جهود الإخوان قبل الحرب العالمية الثانية
صاحب حالة الفقر والبؤس التي كان يعيشها حينئذ الشعب المصري تدهورٌ عامٌّ للحالة الصحية؛ فالخدمات الطبية ضئيلة، والمستشفيات قليلة، وخاصةً في القرى؛ أضف لذلك ضعف الوعي الصحي بسبب انتشار الأمية في المجتمع المصري آنذاك، ومن ثم انتشرت الخزعبلات والوصفات القديمة والأساطير والخرافات لعلاج شتى أنواع الأمراض المنتشرة في ذلك الوقت.
ولقد استغل التنصير هذه النقطة في الانطلاق لأغراضهم المدمرة وسط المجتمع المسلم؛ فوفروا الأطباء المنصِّرين الذين أخذوا يجوبون البلاد، وأنشؤوا المستوصفات المجانية لينصروا الناس ويفتنوهم عن دينهم بحجة التداوي، وعندما علم الأستاذ حسن البنا بذلك دعا إلى أن يكون هناك بين الأطباء المسلمين في كل قرية من قرى مصر من يتصدَّى للتنصير ويداوي الناس، وأن يطوف طبيب مؤمن في قرى مصر ليخفِّف من ويلات المسلمين، ويعالج المرضى ويحفظهم من المنصِّرين.
وبالفعل استجابت بعض النماذج الخيِّرة من الإخوان لدعوة فضيلة المرشد، فقاموا يواسون المرضى الفقراء ويعالجونهم ويخفِّفون من ويلات المسلمين، دون انتظار أي أجر أو شكر إلا ابتغاء وجه ربهم، وقد ذكرت جريدة (الإخوان) قصةً؛ مثالاً على ذلك في قليوب.
ولقد التفت الإخوان إلى هذه الناحية؛ فأقبلوا على تأسيس المستشفيات والمستوصفات في مختلف المدن لمعالجة المرضى, وعملوا على الإكثار منها لسد الحاجة في بيئات العمال والقرويين, حتى إن مستوصفًا كمستوصف طنطا عالج خلال عام واحد ما يقرب من 3774 مريضًا.
ولقد اهتمَّ الإخوان بنشر الوعي الصحي بين أفراد الشعب، فقد طالب الأستاذ محمد عبد الباسط بركات الحكومةَ بذلك في مقال له بعنوان: "مزايا الإسلام الطبية" قال فيه: "ورجاؤنا أن تحقق وزارة الأوقاف اقتراح طبيبنا النابغة؛ فتتكاتف مع مصلحة الصحة على نشر التعاليم الصحية، وبث الوسائل الواقية، مستعينةً بخطبائها في المساجد ووعَّاظها في الأقاليم؛ فيكونوا رسل خير ورحمة لإخواننا الفلاحين الذين تكثر بينهم الأمراض وتنتشر بينهم العلل، ورجاؤنا أيضًا من أصحاب الفضيلة القائمين بالوعظ والإرشاد أن يقوموا بجانب دعوتهم الدينية؛ بلفت نظر إخواننا في الأقاليم إلى تكوين لجان لإصلاح ذات البين بين الأسر والعائلات، ومحاربة الأمية ونشر المبادئ الصحية إلى غير ذلك؛ حتى تتم الفائدة، ويستتب الأمن، ويعمَّ الخير، وتعيش البلاد في يسر ورخاء، ترفل في ثوب العز والهناءة".
ولم يقصر الإخوان اهتمامهم بالنواحي الصحية على ذلك الأمر فحسب، بل اهتموا أيضًا بتوجيه الشعب للعادات الصحية السليمة وتوعيته صحيًّا، ولذا كتبوا سلسلة مقالات عن الغذاء وأثره في حياة الإنسان، وأحيَوا فيها ضرورة الاحتراس من الإكثار من تناول الطعام؛ فإن الزائد منه يبقى على حالته في الأمعاء، وأشاروا أيضًا فيها لأهمية العناية بنظافة الأسنان، والطريقة الصحية للاستفادة من اللبن، وأشاروا لضرر الخمر، وأبطلوا الادعاءات التي تقول إنها تزيد الشهوة للطعام أو تدفئ جسم الإنسان أو تزيد الميل الجنسي، ومن أهم أضرارها التي ذكروها أنها تضعف القوى العقلية وتؤدي للجنون، وتضعف القلب، وقد تؤدي للسكتة القلبية، وأشاروا إلى أضرار المخدرات صحيًّا وماديًّا، وخبث لحم الخنزير؛ حيث يؤدي للإصابة بمرض الدودة الشريطية، كما أن الكلب أيضًا ينقل هذه الدودة للإنسان.
ويذكر الأستاذ فرج النجار اقتراحًا جميلاً قام به مع إخوانه في قريته ميت خاقان بشبين الكوم؛ حيث قاموا بحصر أسماء المواليد في سنة معينة؛ عن طريق صرَّاف القرية، وعرفوا أسماءهم وأسماء آبائهم، وبدءوا يترددون على بيت المولود ليطمئنوا عليه وعلى صحته، وإذا كان أحدهم مريضًا اصطحبوه للدكتور، وأتوا له بالدواء، واشترَوا له كسوة الشتاء والصيف، وبذلك نشروا الثقافة الصحية والرعاية الطبية وسط المجتمع.
ولقد جاء في المؤتمر الذي عُقد في البحر الصغير بمحافظة الدقهلية في الجلسة الخامسة- الدورة الثالثة بهذا الخصوص ما يلي:
تتقدم جمعية الإخوان المسلمين بالمنزلة باسم الإسلام والمسلمين وبواجب المحافظة على الشئون الصحية بعرض الآتي:
لقد كانت بمدينة المنزلة مدرسة لجماعة التنصير البروتستانتية تُدعى بمدرسة السلام، وكان الغرض منها بثّ الروح المسيحية في نفوس الفتيات والأمهات المسلمات، وقد ظهرت آثار ذلك في العام الماضي أيَّما ظهور؛ مما أدمى القلوب وأسال الدموع أسى وحسرة!.
ولمَّا قامت ضجة المسلمين وغضبهم وآزرتهم الحكومة المصرية الرشيدة في الحفاظ بدينها الرسمي في العام الفارط، هدأت حركة هؤلاء المنصّرات ظاهرًا، ولكن ما لبثت أن تجلَّت للأنظار في تحويل هذه المدرسة إلى دار لمعالجة العيون، مع أن القصد منها إنما هو محاربة الديانة الإسلامية وبث تعاليمهم المسيحية في صور شتى وألوان مختلفة حسبما يتراءى لهن، ولذلك فهن قبل البدء في المعالجة يلقين على المرضى دروسًا في التمسك بالديانة المسيحية ونبذ العقائد الإسلامية والسخرية بصاحب الشرع الشريف صلوات الله عليه، والمعروف عن هؤلاء المنصِّرات أنهن لا يحملن شهادات علمية تجيز لهن مزاولة طب العيون الدقيقة التي تحتاج إلى مهارة فنية ودراية علمية، والسكوت على مثل تلك الحالة السيئة مما يزيد في أمراض العيون بل مما يجعلها مستعصية بعد على المعالجين.
وإنا لنكتب إليكم بما تشعر به نفوسنا من أن الواجب على كل إنسان أن يُعمِلَ جهده على نشر الدعوة الصحية ومحاربة الجهال الذين يأخذون في مداواة المرضى وهم لا يعرفون أصول العلاج الصحيحة.
ولما كان لا يتسنَّى لنا أن نحارب هؤلاء في عملهم إلا بنفوذكم؛ فقد قمنا بواجبنا لتتداركوا الأمر بحكمتكم وسديد آرائكم، ولتقطعوا على الجهال سبيلهم ولتوقفوهم عند الحد الذي حدده القانون لهم.
نكتب هذا ونلجأ إليكم بما لكم من الرقابة على أعمال الصحة العمومية لتَحُولوا بين الأمة وبين من يريد العبث بعقيدتها والضرر بصحتها.
وأكبر ظننا أنكم عاملون على إغاثتنا، ومدّ يد المساعدة لحمايتنا ممن يهاجموننا في عقيدتنا وصحتنا، وكم يكون خيرًا وأعظم أجرًا إذا ما عملتم على إيجاد طبيب للعيون في مستشفى المنزلة المركزي؛ الذي لا يزال فرع "طب العيون" به خاليًا من تهيئة للعمل، على أن تعداد أهالي المطرية مما يربو على العشرين ألفًا والمنزلة مما يقرب من هذا العدد، وما حواليها من القرى مما يزيد على الستين ألفًا من الأنفس، والمسافة بين المنزلة والمطرية تفوق أحد عشر كيلو مترًا؛ فهذه الحالة تناشدكم أن تُذهبوا الصعاب التي يعانيها الأهالي وخاصةً الفقراء في الانتقال إلى مستشفى الرمد بالمطرية لبُعد المشقة وشدة الحر الذي يساعد على ازدياد الآلام.
نلجأ إلى سعادتكم في تحقيق هذا الطلب؛ الذي هو من ألزم المصالح التي تهتمون بها، ومواقفكم في العناية بالأهالي معروفة، وكلها مشرفة تشهد بهمتكم وصادق يقظتكم، وعظيم إسراعكم في إنجاز الخير للبلاد.
ولنا وطيد الأمل في الفوز بنصيب وافر من تحقيق هذا الرجاء بأكبر سرعة ممكنة، ولو بانتداب حضرة حكيمباشي مستشفى الرمد بالمطرية للعمل بمستشفى المنزلة ثلاثة أيام في الأسبوع أو حسبما يتراءى لكم؛ حتى يتسنَّى للمرضى أن يصلوا إلى دار العلاج بدون مشقة ولا كبير عناء، وحتى لا يلجأ الفقراء إلى مستشفى المبشرات الذي له أسوأ الأثر في نفوس الأهلين.
والله نسأل أن ينفع بكم الأهلين، ويشد بكم أزر الدين، ويوفقكم لما فيه الخير للبلاد، آمين.
كما نبَّه الإخوان عبر صحفهم على خطورة الأمراض السرية كالسيلان والمضاعفات التي تنتج عنها، مهددةً بذلك الأفراد والجماعات ذكورًا وإناثًا، وتحدثوا عن الأمراض المعدية وطرق انتقالها وطرق الوقاية منها لكي يأمن الناس شرها، كما كانوا يصدرون بعض التوجيهات الصحية للناس، مثل: تناول الطعام في مواعيد، وعدم الإكثار من تناول الطعام، ومضغه جيدًا حتى لا تتعب المعدة في هضمه، وتجنب المسكرات، والإكثار من الاستحمام والنشاط وعدم الكسل والنوم مبكرًا والاستيقاظ مبكرًا.. إلخ.
كما أشاروا إلى حكمة الصوم وما له من فوائد في تقوية المعدة وحمايتها، وإلى الأسلوب الصحيح لتناول الإفطار بعد الصيام حتى لا تذهب فائدة الصوم وتضر المعدة.
واهتم الإخوان بتوجيه النصح للحجيج وتوعيتهم صحيًّا؛ حيث إن الكثير من الأمراض والأوبئة كانت تنقل عن طريقهم إلى باقي القطر، وبينوا لهم نصوص الاتفاقية الصحية الدولية المنعقدة في باريس، ومن الإرشادات التي وجهوها للحجيج: المحافظة على خلوِّ الملابس والجسم من القمل والبراغيث؛ إذ إن هذه الحشرات تنقل عدوى بعض الأمراض المهلكة، وتغيير الملابس أولاً بأول وغليها عند غسلها، والحذر من الذباب والناموس والذهاب لمكتب الصحة لأخذ التطعيم ضد الكوليرا والجدري والتيفود قبل السفر.
كما تطرَّقوا إلى موضوع هام يهم الجميع، وهو العناية بالأم أثناء الحمل وبعد الولادة لضمان وضع طبيعي لها وعدم تعرُّضها للمتاعب التي تلي الولادة؛ فكتب الدكتور إبراهيم أبو سنة مقالاً تحت عنوان: "العناية بالأم أثناء الحمل" اشتمل على عدة نقاط هامة، وهي: المتابعة المستمرة من الطبيب لصحة الأم طوال فترة الحمل التي يستطيع منها الطبيب وقاية الأم وإزالة أي مرض تتعرض له، ومعرفة ما إذا كانت هناك أسباب قد تؤدي إلى عسر الولادة والعمل على إزالتها واتخاذ الاحتياطات اللازمة نحوها عند الوضع، وإعطاء التعليمات الخاصة بالولادة للأم كي تحضر نفسها جيدًا.
كما قدم بعض النصائح الهامة للأم مثل: نظام المعيشة، التغذية، الاستحمام، الملابس، التمرينات الرياضية، الأشغال المنزلية، العناية بالثديين، وعلامات الخطر التي يجب على الحامل عرض نفسها على الطبيب.
كما وجَّه الإخوان الأب إلى واجبه نحو صحة ابنه بمراعاة القواعد الصحية في التغذية؛ بحيث تكون المقادير والأنواع مناسبة لكل سن وشاملة للمواد الأساسية دون إفراط أو تفريط؛ ففي سن الابتدائي مثلاً يجب أن يشمل الغذاء أنواعًا سهلة الهضم مغذية، وأن يكون عدد الوجبات أربعًا في اليوم، أما في الثانوي فيحتاج لكميات أكبر من الغذاء حيث ينمو بسرعة، ووجَّهوا الآباء على ضرورة تطعيم أولادهم من الأمراض الخطرة وأهمية العناية بالنظافة والراحة وأوقات النوم وعدد ساعاته وتنظيم أوقات اللعب حتى لا يرهق البدن ويؤثر على التفكير.
كما حرصوا على العناية بالطفل في فصل الصيف؛ حيث ينتشر كثير من الأمراض؛ فقدموا نصائح وقواعد هامة يجب على الأمة ملاحظتها واتباعها لحماية الأطفال من أمراض الصيف.
ومن اهتمامات الإخوان بالناحية الصحية توجيه الشعب لضرورة وجود صيدلية في كل منزل، وواجب ربة المنزل في التعرف عليها وكيفية استعمالها، وما يجب أن تحتويه هذه الصيدلية للإسعافات البسيطة مثل: أربطة شاش، شاش معقم، قطن معقم، حقنة شرجية، ترمومتر، كيس ثلج، قربة ماء ساخن، كاسات هواء، ملقط، قطارات، وفائدة كل من هذه الأشياء واستخداماتها.
ومن المعلومات الصحية المفيدة التي أرشد إليها الإخوان ماهية الهواء الجوي وأثره في الصحة؛ فهو كالطعام والماء من أهم العوامل الضرورية للحياة، وقدموا بعض النصائح للوقاية من فساد الهواء؛ كالامتناع عن نوم عدة أشخاص في مكان ضيق ومغلق، وفتح النوافذ لغرف النوم بالنهار في الشتاء وإغلاقها قبل المساء، أو التحفظ من الهواء البارد الرطب عند النوم، وبعد التعب وعند وجود العرق، والاعتناء بدورة المياه، وردم البرك والمستنقعات المجاورة للمساكن.
وأرشد الإخوان في صحفهم المصريين لبعض النباتات المغذية وفوائدها الطبية مثل: الحبة الغالية وخميرة الغراب والملوخية وبذور الكتان والحلبة وغيرها.
فأما فاتح الشهية فمنها: الكبر، الحبة السوداء.
والمليّنات مثل: الجعضيض أو الجلوين والخروع والعرقسوس والهلوك.
والمسهلات مثل: الحنظل وحشيشة اللبن واللعبة المرة والعسار.
ومدرَّات البول مثل: بذور الخلة والدمسيسة.
وطاردات البول مثل: بذور القرع والشيح وقشر الرمان.
كما أصدرت جريدة الإخوان عددًا خاصًّا بالصحة حرره نخبة من كبار الأطباء، وتكرر هذا الأمر لمدة أسبوعين أي خلال عددين من الجريدة أسبوع الصحة الأول والثاني، وجاء على غلاف المجلة: "عدد صحي ديني خاص".
ولقد كتب الشيخ محمود علي أحمد إمام وخطيب مسجد الرفاعي بالقلعة في المجلة يقول: "لقد غفل المسلمون عن أسرار الطهارة وجهلوا موضع النظافة من الدين فأصيبوا بالعلل والأسقام ولم يحافظوا على نظافة أبدانهم وشبابهم فانتشرت الأمراض الفاتكة والحميات القاتلة وكثر الرمد والعمى.
والضعف وانحطاط القوى وعمت (البلهارسيا) وغيرها وقامت مصلحة الصحة تنشئ المصحَّات والمستشفيات وتنتشر الدعاية الصحية والنصائح الطبية وتدعو لتطهير المياه وتنظيف الأجسام وإبادة القمل الذي ينقل حمى التيفوس والبعوض الناقل للملاريا، وغير ذلك مما تبذله مصلحة الصحة من جهد طيب واهتمام عظيم، ولو تأمل المسلم دينه لعلم أنه دعا إلى كل ما يوصي به الطب، ولوجد أن محمدًا صلى الله عليه وسلم ابن الصحراء من أمهر الأطباء وأحذق الحكماء، ولو تمسك المسلم بالأوامر الدينية لسبق مصلحة الصحة إلى ما ترجوه للناس من خير وقوة".
وفي بور فؤاد رفع الإخوان عريضة لوزير الصحة يطالبوا بمستشفى للمدينة جاء فيها: "نظرًا لأنه لا توجد مستشفى في بور فؤاد قامت الجمعية بتقديم طلب من سكان المدينة في أبريل سنة 1935 إلى حضرة صاحب السعادة وكيل وزارة الداخلية للشئون الصحية بالتماس إنشاء مستشفى ببور فؤاد وللآن لم يتم شيء".
كما شارك الإخوان المسلمون في المحافل والمؤتمرات التي ناقشت موضوع تحديد النسل؛ كالمؤتمر الذي عقدته الجمعية الطبية المصرية حول هذا الموضوع بكلية الطب في مايو 1937م، ودعت للحضور فيه المرشد العام الأستاذ حسن البنا، وألقى فيه كلمة، كما قدم الأستاذ عيسى عبده بحثًا بعنوان: "رأي في تحديد النسل أو تنظيمه بحث من الناحيتين الإسلامية والاقتصادية"، وكانت كلمة فضيلة المرشد العام بعنوان: "خطر يتهدد الأمة وينذر بفنائها كيف ولم نلتمس لتحديد النسل" قال فيه: نشكر للجمعية الطبية أن أتاحت لنا هذه الفرصة لنتحدث في هذا الموضوع الدقيق "موضوع تحديد النسل" وأرجو أن تتكرموا حضراتكم بملاحظة أنني حين أتكلم فيه سأعرض إلى ناحية محدودة، هي الناحية الإسلامية، بمعنى أنني سأوضح ما استطعت نظرة الإسلام إلى هذه الفكرة، وسأصدر في ذلك عن رأيي الشخصي بحسب ما علمت، لا عن رأي جماعة الإخوان المسلمين التي أشرف بالانتساب إليها.
ونستكمل جهود الإخوان أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها في الحلقة القادمة إن شاء الله.
المراجع
1- جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية- السنة الخامسة- جمادى الأولى 1356هـ- يوليو 1937م.
2- جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، السنة الثالثة- شوال 1354هـ/ يناير 1936م.
3- إسحاق موسى الحسيني, الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية الحديثة, دار بيروت للطباعة والنشر, بيروت, 1952.
4- جمعة أمين عبد العزيز، أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2004.
5- البصائر للبحوث والدراسات، سلسلة من تراث الإمام البنا، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2006م.