د."مغارية": قدمنا نموذجًا راقيًا للممارسة الديمقراطية.
[19-12-2003]
مقدمة
• منهجنا الوسطي دفع الجزائريين للالتفاف حولنا.
• هُويتنا الإسلامية واللغة العربية خطوط حمراء ننتفض للدفاع عنها.
• قدمنا 400 شهيد ضريبة تمسكنا بالمنهج المعتدل.
حركة مجتمع السلم (حمس) بالجزائر تستحقُّ الوقوف على تجربتها؛ حيث نجحت هذه الحركة في تقديم نموذج ديمقراطي إسلامي يؤكد للجميع أن الإسلاميين لديهم القدرة على تحقيق الديمقراطية وممارستها بفاعلية من منطلق إسلامي، كما تستحق هذه الحركة الوقوف على تجربتها لنجاحها في تقديم نموذج إيجابي في التعاون المشترك مع النظام الحاكم والأحزاب السياسية الأخرى.
وفي هذه السياق التقينا بالدكتور "محمد مغارية"- رئيس مجلس الشورى الوطني لـ(حركة مجتمع السلم)، ونائب بالمجلس الشعبي الوطني- فأكد لنا أن الحركة قدمت نموذجًا إيجابيًا للممارسة الديمقراطية، إضافةً إلى تمسكها بالاتجاه الوسطي المعتدل؛ ما دفع الجزائريين إلى الإقبال الشديد على الحركة، كما ألقى لنا الضوء على وضع الحركة وأدائها في المجتمع الجزائري... وآلان إلى تفاصيل الحوار:
نص الحوار
- في البداية نريد أن نتعرف على وضع (حركة مجتمع السلم) في الخريطة السياسية للجزائر؟
- حصلت الحركة في الانتخابات الأخيرة على 38 مقعدًا في المجلس الشعبي الوطني، ولها موقعها ونشاطها السياسي المكثف وتشارك في الجهاز التنفيذي للحكومة بأربع وزارات هي (الصيد البحري والأشغال العمومية والصناعية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، كما أنها على المستوى المحلي في الولايات والمحافظات لها أكثر من 1100 عضو ولهم دور واضح في الحياة الجماهيرية.
- هل تمثيل الحركة بهذا الرقم داخل البرلمان الجزائري يعبر عن الحجم الحقيقي للحركة في الشارع؟
- ليست مسألة أنها تعبر أم لا، فقد خضنا الانتخابات المحلية في أكثر من 1200 بلدية من أصل 1541، خلاف الدورة السابقة التي خضنا الانتخابات فيها في 700 بلدية فقط، ومن ثمّ فنحن نعتبر أن هناك تطور في هذا الجانب.
- إذن ما سبب تراجع مقاعدكم في البرلمان خاصة وأنه قد كان لكم 69 مقعد في الدورة السابقة؟!
- التراجع يعود إلى عدة أسباب؛ أهمها أسباب ذاتية حيث سجلت الحركة بعض القصور من جانبها ظهر في طغيان العمل السياسي داخل الحركة على حساب العمل التربوي إضافة إلى أن كثيرًا من الشباب لا يتحركون إلا ببطء، ولذلك حرصنا في المؤتمر الأخير على وضع الحركة في ثوب جديد تحت عنوان (نحو طور جديد) تبركًا بما كان موجود في السابق في أدبيات (الإخوان المسلمين)، ونأمل أن يكون للحركة في هذا الطور الجديد مجال أفضل للتحرك.
وإضافة إلى المسئولية الداخلية لهذا التراجع؛ هناك أيضًا مسئولية على عاتق السلطة التي قامت بتزوير الانتخابات والتضييق على الحركة.
- وما هي إذًا محاور هذا الطور الجديد؟
- يهدف هذا الطور في الأساس إلى الاهتمام بالداخل؛ حيث كنا نهتم في العهد السابق بأمور كثيرة خارج الحركة، أما الآن فنحن نريد أن نهتم أكثر بالفرد فهو البداية الحقيقية لتقدم الحركة.
- وقد بدأ هذا الطور في الظهور في المؤتمر الأخير للحركة وما ظهر فيه من شفافية وتطوير للعمل الانتخابي داخل الحركة شهدت كل مستوياتها بداية من الأسرة مرورًا بالمجموعة ثُمّ البلدية فالولاية ثم المؤتمر العام وقد تم انتخاب 1200 شخص من جملة أربعين ولاية قاموا بانتخاب مجلس الشورى الذي يتكون من 207 عضو ثم قام مجلس الشورى بانتخاب رئيس الحركة بالاقتراع السري، ثم زكاه المؤتمر العام.
- وقد جعلت هذه التجربة الثريّة الأحزاب الأخرى العلمانية والوطنية والقومية تتعجب من نجاح الحركة الإسلامية في ممارسة الديمقراطية داخل هياكلها التنظيمية، وهو الأمر الذي دفع كثيرًا منهم إلى الثناء على هذه التجربة خاصة وأنه كان هناك خصوم كثيرون للحركة يراهنون على أنه بعد وفاة الشيخ "محفوظ نحناح" -رحمه الله- سوف تنقسم الحركة وتزول ولكن ثبت عكس ذلك تمامًا، فبانت الشفافية والنزاهة والأخوة والتجرد والاعتراف بالاختلاف.
أداء الحركة
- هناك شِّقان أرى أنه من خلالهما يمكن تقييم أداء الحركة على المستوى الرسمي هما البرلمان والوزارات التي تشاركون بها في الحكومة؟
- الحركة بدأت المشاركة في الجهاز التنفيذي عام 1994م بدخول مجلس انتقالي، معين ثم جاءت الانتخابات الرئاسية 1995م وشارك فيها الشيخ "محفوظ نحناح" وحصلت الحركة على 25 % من أصوات الناخبين وأُعْطيت للحركة وزارتان هما الصيّد والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ثم دخلتا انتخابات البرلمان 1997م وحصلت الحركة على 69 مقعدًا وأُعْطيت لها 7 وزارات ثمّ انتخابات 1999م وانتزعنا 6 وزارات ثم جاءت انتخابات 2002م وحصلت الحركة على 4 وزارات وقد أكسبتنا هذه التجربة كثيرًا من العلاقات ووسائل التعرف على الآخر، وتذويب كثير من الجليد بين الإسلاميين وغيرهم وبين الإسلاميين أنفسهم، إضافة إلى نجاحنا في كسب كثير من المهارات داخل الجهاز التنفيذي.
- واعترافا بكفاءتهم وجدِّيتهم وحِرْصهم على تسيير شئون هذه الوزارات، نجحت الحركة الإسلامية في أن تثبت أنهم يستطيعوا أن يفكروا ويدبروا ويتجاوبون مع الآخر.
التعاون مع الآخر
- هل هناك ثمّة تعاون وتنسيق بينكم وبين القوى الأخرى لمناهضة النظام الحاكم في بعض القضايا؟
- لدينا ما يُسمّى بالثوابت في القضايا المتعلقة بالهوية العربية والإسلامية وكذلك اللغة العربية فهذه الأمور هي خطوط حمراء لا ينبغي أن نتجاوزها فإذا تعرضت لشيئ ننتفض للدفاع عنها ولا يمكن أن نلين في هذه الأمور، ومثل هذه الأمور نتحالف فيها مع الآخر.
- وأذكر أن المجلس الشعبي الوطني " البرلمان " في دورته الأخيرة كان يناقش الموازنة وعرض قانونًا ينظم استيراد الخمور من الخارج، فتحالف الإسلاميون والقوميون المنتسبون لجبهة التحرير الوطني لإسقاط هذا القانون هذا بالإضافة إلى قوانين أخرى تمَّ التعامل معها بهذه الصورة مثل قانون الأسرة حيث حاولوا أن يجعلوه علمانيًا.
- هذه المبادئ استشهد من أجلها مليون ونصف المليون شهيد وجاهد من أجلها المخلصون ولذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نفرط في إسلامنا، خاصة وأن بيان أول نوفمبر المعروف في الثورة المباركة كان أول بنوده أن يقال بعد الاستقلال دولة ديمقراطية في إطار المبادئ الاسلامية.
- معروف عن الشيخ "محفوظ نحناح" أنه كان أحرص الناس في الجزائر على دعم القضية الفلسطينية، وكان يحارب عنها بكل ما يملك حتى وقت الاحتضار كان ينطق بكلمة فلسطين، إضافة إلى موقف الشيخ "نحناح" فإنّ الشعب الجزائري عن بكرة أبيه يقاوم بكل ما يملك في سبيل ذلك، وقد نُظم في هذا السياق كثير من المهرجانات والمنتديات لدعم القضيتين الفلسطينية والعراقية.
- وما هي إذًا أشكال الدعم الذي تقدمه (حركة مجتمع السلم) للقضية الفلسطينية؟
- أول ما نهتم به هو التوعية، وكل يتحرك حسب إمكانياته، ونحن نعمل على دفع الناس إلى القيام بواجبهم تجاه فلسطين والعراق وتجاه الأقليات المسلمة في مجمل أنحاء العالم.
- تحدثنا عن العلاقة مع الأحزاب الأخرى ماذا عن العلاقة مع السلطة؟
- هذه الحركة قبل أن تكون حزبًا كانت جمعية تُسمى بـ(الإرشاد والإصلاح) تأسست عام 1989م وتحولت بعد عام ونصف إلى حزب سياسي ولكن بقيت الجمعية، وقامت هذه الجمعية في ذلك الوقت بطرح ما يُسمى بالتحالف الوطني الإسلامي أي الجمع بين التيارات الوطنية والإسلامية وفتحت الجمعية منذ ذلك الوقت حوارًا مع السلطة.
- ولذلك شاركنا في مجلس "معين" لأنّ البلد كانت في حالة فتنة بالرغم من الأحزاب الأخرى كانت ترفض في هذا الوقت المشاركة مع السلطة، إلا أن هذه الأحزاب عادت للمشاركة في السلطة فيما بعد، وقد حرصنا في علاقتنا هذه على أن نقول للمُحْسن أحسنت وللمسيئ أسأت.
- هل يعني ذلك أن السلطة لديكم لم تلجأ إلى إقصاء الفصائل السياسية الأخرى التي تختلف معها؟
- السلطة الجزائرية ترحب بكل من يريد أن يشارك في حلِّ الأزمة وفي استقرار البلد ورغم ذلك توجد بعض الأمور الخلافية مع السلطة، فنحن نختلف معهم ولكن لا يؤدي هذا الاختلاف إلى تصادم بل نحرص على تأجيل بعض القضايا حتى نجد لها حلاً في المستقبل.
مستقبل الحركة
- كيف ترون مستقبل الحركة على مستوى الأوضاع المحلية وعلى المستوى الدولي، خاصة في ظل وجود تكتلات تناهض أي حركات ذات منطلق إسلامي؟
- (حركة مجتمع السلم) تعمل بالمنهج المعتدل وسوف تظل متمسكة بهذا المنهج الاعتدالي خاصة وأنها أصبحت الحركة الرائدة في هذا الاتجاه، وهو الأمر الذي دفع الناس إلى الالتفاف حول هذه الحركة بعد أن أدركوا أنها كانت تنادي دومًا بالحوار والاعتدال ونبذ العنف خاصة فترة الفتنة وقد دفعت الحركة ثمن موقفها الاعتدالي 400 شهيد وشهيدة ورغم ذلك سوف نتمسك بهذا الطريق لأننا نعتقد أن هذا المنهج هو نهج النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ولذلك سوف نظل ندعو بالطرق السلمية والمشروعة وسوف نوصل صوتنا وتجربتنا إلى غيرنا.
- هل تواجهكم بعض المضايقات في ظل الحملة الأمريكية ضد ما يسمى بالحرب على الإرهاب؟
- نحن في الجزائر نتمتع بحرية تامة وأعتقد أنه لا يوجد قطر أو بلد عربي تتمتع فيه الحركة الإسلامية بحرية مثلما تتمتع به الحركة الإسلامية في الجزائر، ولكن هذه الحرية مشروطة بالابتعاد عن العنف اللفظي والمسلح وتلزمنا باحترام الدستور.
- هل هذا المناخ يساعد الحركة على أن تكون لها وجود أكبر؟
- لو لم يكن هذا المناخ موجودًا لما كنا نُقيم مثل هذا المؤتمر في حرية تامة أدرنا خلاله شئوننا بالشكل الذي نريد.
- عادة اجماهير تنظر إلى الإسلاميين على أنهم مصلحون وتنتظر منهم الكثير في تحقيق هذه الآمال؟
- تجربة (حركة مجتمع السلم) في الجهاز التنفيذي جرت في أوضاع غير عادية وغير مستقرة وسط قتل وإرهاب وبالتالي، نحن ساهمنا بهذه التجربة بما نستطيع وكان هدفنا هو استقرار مؤسسات الدولة حيث لم يكن هناك في هذا الوقت أي مؤسسات شرعية وقد عملت الحركة بمشاركتها في المجالس المحلية والشعبية على ترسيخ مبادئ الشرعية والمؤسساتية.
الحركات الأخرى
- أنتم كحركة هي في الأساس دعوية ما مدى تعاونكم مع الحركات الإسلامية في مختلف بلدان العالم؟
- نحن نتعاون مع كل الحركات الإسلامية ونتعاون حتى مع الفكر الإنساني ونستفيد من كل التجارب الفكرية الموجودة في العالم، وقد تأثرنا داخل الجزائر بجمعية (العلماء المسلمين) وهي جمعية كان لها شأن في فكرها التربوي والاجتماعي ولها علماء أجلاء وشأن على مستوى الجزائر وأحيانًا على المستوى العربي مثل الشيخ "البشير" الذي زار مصر والتقى بالإمام الشهيد "حسن البنا" -رحمه الله-، إضافة إلى ذلك فإن (حركة مجتمع السلم) استفادت من (الجماعة الإسلامية) في باكستان و(الإخوان المسلمين) في مصر.
- واستطعنا من خلال الاستفادة من هذه التجارب أن نقيم منهجًا وسطيًا في الإصلاح.
المصدر
- حوار: د."مغارية": قدمنا نموذجًا راقيًا للممارسة الديمقراطية. موقع اخوان اون لاين