د. أكرم رضا: تحديد الأهداف والقدوة سبيل الشباب لإدارة الذات
[07-01-2004]
مقدمة

- للالتزام بيئةٌ يجب أن ينشأ فيها.
- ممارسة الشباب للأنشطة الطلابية تعود بالفائدة على الشباب والمجتمع معًا.
- على الطلاب الموازنة بين أنشطتهم وبين المحافظة على تفوقهم.
- أدعو الشباب إلى عدم التقيد بالتخصص وتأهيل الذات لمواجهة الواقع.
الدكتور "أكرم رضا" من الأسماء التي ترددت كثيرًا في وسائل الإعلام، ولاسيما المرئية والمقروءة منها، كما أن له العديد من المطبوعات التي ظهرت في الفترة الأخيرة.. جاء تميزه في مجال الدراسات النفسية والإدارية، وتحديدًا في مجال الاستشارات النفسية والاجتماعية، وبالرغم من أنه في بداياته لم يتخصص في مجال الدراسات النفسية والاجتماعية، إلا أنه حاز إعجاب الكثيرين من العلماء والمتخصصين في هذه المجالات؛ وهو ما عزاه إلى أن يُصقل نفسه بالدراسة في هذه المجالات بصورة أكثر تخصصًا.
نص الحوار
أجرينا معه هذا الحوار، الذي حدثنا فيه عن تجاربه الشخصية، وعن بعض القضايا المتعلقة بالشباب، فإلى نص الحوار...
- في البداية نسأل الدكتور "أكرم" عن ظروف النشأة والالتزام؟
- الالتزام في حياة الفرد له معنيان:
- الأول:هو التحوُّل من حالة الانحلال إلى الإسلام.
- الثاني: هو التأثر بالبيئة الملتزمة من حوله، وبالنسبة لي فأنا من أصحاب النوع الثاني من الالتزام؛ حيث ظهر خلال فترة السبعينيات نشاط ملحوظ للحركة الإسلامية على جميع المستويات؛ على مستوى حياة الناس عامة، وعلى مستوى الحياة الطلابية، فبعد حرب أكتوبر انتشر التوجه الإسلامي، وكان أبلغ دليل على ذلك انتشار وذيوع صيت الكثيرين من المشايخ والعلماء، مثل: الشيخ "محمد الغزالي"، والشيخ "كشك"، والدكتور "طلعت عفيفي"، والدكتور "يوسف القرضاوي"، وكوكبة من العلماء والمشايخ؛ وذلك لأن حرية التعبير كانت مكفولة لكل الاتجاهات في ذلك الوقت.
- هل معنى ذلك أنَّ للالتزام بيئة يجب أن ينشأ فيها؟
- بالطبع، فالإنسان وليد للبيئة التي نشأ فيها، إن كانت بيئة صالحة نما الخير والصلاح، وإن كانت بيئة فاسدة انتشر الفساد والانحلال الخُلقي، فكان الجو في هذه الفترة تُربةً مهيئةً لالتزام الشباب بتعاليم الإسلام، وليس الشباب فقط، بل المجتمع ككل، أصبح الالتزام صبغةً مميزةً للمجتمع في ذلك الوقت.
- ما أهم المؤثرات التي تأثرت بها في فترة الشباب الأولى؟
- أولاً: القراءة؛ حيث كنت محبًّا للقراءة منذ الصغر، وكانت قراءاتي متنوعة؛ حيث إننى أذكر أنه لم يقع في يدي كتاب إلا وقد قرأته، وفي جميع المجالات الأدب والتاريخ والفكر، وكنت محبًّا للشعر، خاصةً شعر المهجر، فكنت أقرأ لـ"إليا أبوماضي"، و"جبران خليل جبران"، ولكن بعد أن توجهت الوجهة الإسلامية بدأت أميل في قراءاتي إلى القراءات ذات الطابع الإسلامي.
- ثانيًا:القرآن الكريم؛ حيث كنت مرتبطًا به تلاوةً وحفظًا.
الفترة الجامعية
- بالنسبة لفترة الجامعة ما هي أهم ذكرياتك عن تلك الفترة؟
- فترة الجامعة هي امتداد لما قبلها؛ حيث إنني قد حصلت على الثانوية في عام 1976م، وكانت الأجواء- كما قلت- مهيئة للالتزام والطاعة، فكانت الأنشطة الطلابية تُمارَس بشكلٍ مكثف داخل الجامعة، كانت الجامعة مركز ثِقَل وتأثير، وكانت الاتحادات الطلابية مُفعَّلة ونشطة.
- في رأيك.. هل ممارسة الشاب للأنشطة الطلابية داخل الجامعة لها تأثير إيجابي عليه؟
- التأثير الذي يحدث نتيجةً لممارسة الشاب للأنشطة في الفترة الجامعية، لا يعود على الطالب فقط بالفائدة، بل له تأثير أيضًا على المجتمع ككل؛ حيث إن الجامعة تمدُّ المجتمع بالكفاءات والكوادر في جميع المجالات؛ لأن الجامعة تعتبر معملاً لإخراج وصقل هذه الكفاءات، وذلك من خلال ما يُمارسونه من أنشطة تولد الانفتاح.
- وهل ممارسة العمل الاجتماعي عمومًا عائق عن التفوق الدراسي أو المهني؟
- هذا الموضوع بالغ الأهمية؛ حيث إن هناك مَن يشغله العمل التطوعي أو الخدمي عن أن يتميز في مجال تخصصه؛ سواء كان هذا التخصص دراسي، أو مهني.. وحل مثل هذه المشكلة يكمن في أن يعرف الشاب أو الفرد الملتزم أن له عددًا من الأدوار يُمارسها في حياته، وهذه الأدوار منها ما هو مقيد بزمان ومكان محدَّدَيْن، مثل:
- الدراسة التي هي مقيدة بفترة معينة (هي فترة الدراسة)، والتي هي فترة اجتهاد وتحصيل، والمهمة الأساسية للطالب في هذه الفترة هي التفوق، وحتى إن كان متفوقًا فعليه البحث عن مزيد من التفوق، وإذا آثر العمل التطوعي أو الخدمي على تفوقه الدراسي أو المهني سيكون له أثر سلبي عليه هو شخصيًّا، وعلى العمل نفسه، ويصبح هذا الطالب المتعثر صورة سيئة للعمل نفسه أو للمؤسسة التي ينتمي إليها؛ وهو ما يفقد العمل الذي يُمارسه قيمته، وبالتالي يفقد زملاؤه في هذا العمل جهدَهم.
- والنبي- صلى الله عليه وسلم- حضَّ في أحاديثه الشريفة على إتقان العمل، وعلى التفوق في جميع الميادين، ودور الطالب الأساسي هو تأدية ما عليه تجاه دراسته، وبجانب هذا الدور الأساسي يمكنه أن يُمارس أعمالاً أخرى بشرط ألا تكون هذه الأعمال عائقًا عن تفوقه كطالب.
- وما رأيك فيما يُمارَس من تقييدٍ للأنشطة الطلابية داخل جامعتنا الآن؟
- تقييد الأنشطة الطلابية على طلاب الجامعة، ومنعهم من ممارسة هذه الأنشطة، يحرم الطلاب من فرص الاحتكاك واكتساب الخبرات؛ وبالتالي ينعكس تأثيره على المجتمع كله؛ حيث إن هذا التضييق من شأنه حرمان المجتمع من الكفاءات الشابة التي تحيا فترة الجامعة دون أن تكتسب الخبرات المؤهِّلة لها؛ لكي تتعامل مع المجتمع.
- كما أن هذا التضييق من شأنه إمداد المجتمع بشباب منغلق ومنطوٍ على نفسه؛ وهو ما يُصيب المجتمع بالخمول نتيجةً لهذا التقيد المُمارَس ضد الشباب، ويؤدي إلى قتل الانتماء داخل النفوس.
- من هنا ننطلق.. ما هي الآلية السليمة التي يجب على المسئولين التعامل بها مع الشباب، ولاسيما الطلاب؟
- أنسب أسلوب للتعامل مع الشباب في فترة الجامعة هي فتح المجال للطلاب لممارسة الأنشطة المختلفة، والأخذ بأيديهم وإرشادهم إلى الصواب باللين والعطف؛ لأن النتائج ستكون خطيرةً لو ضيق على هؤلاء سوف تتخرج نماذج سلبية تكون عالة على المجتمع، والأخطر أنه إذا تم التضييق على أصحاب النشاطات- ولا سيما المعتدلين والشرفاء منهم- سوف تظهر نماذج سلبية؛ إما أن تكون فاسدة، أو متطرفة، وفي كلتا الحالتين الضرر الأكبر يعود على المجتمع والشباب.
- ولو كانت إدارة الجامعة ترى أن هذه النماذج، التي ترغب في المشاركة؛ سواء كانت من التيار الإسلامي أو غيره، أو تلك التي تسعى إلى المشاركة في العمل والأنشطة الطلابية نماذج سلبية، فعليها تركهم يمارسون الأنشطة مثلهم مثل غيرهم، والحكم يُترك لعموم الطلاب؛ لكي تحكم وتختار الأصلح.. إن كانو يمارسون دورًا جيدًا ومفيدًا، فسوف تعم الفائدة عليهم وعلى الطلاب، وإن كانوا غير ذلك فسوف ينكشفون أمام الناس، وهذا يعد من الذكاء الإداري، والتقيد والكبت يولد الاحتقان، ومن شأنه إنماء الحقد، وتعكير الصفو، وشيوع جو من التوتر بين الطلاب.
- وعلى إدارة الجامعة أو المعنين بتربية وتوجيه الشباب توفير جو صالح ينشأ ويتربى فيه الشباب؛ حيث إنه إذا توافرت البيئة الصالحة ظهرت نماذج صالحة وجيدة تقود المجتمع إلى الخير، وتختفي القيم والنماذج السلبية، وهذا من شأنه ترسيخ قيم قلَّتْ- بل ندرتْ- داخل مجتمعاتنا، مثل: الإخاء، والتعفف عن الحرام، وحفظ المال العام.
التميز
- بالنسبة لك.. من المعلوم أنك حاصل على بكالوريوس في الصيدلة، ومع ذلك جاء تميزك في مجال غيره تمامًا؛ وهو مجال العلوم السلوكية والإدارية؛ فما تفسيرك لذلك؟
- بالنسبة قضية التخصص الجامعي، ففي الغالب تسوق الطالب ظروف معينة إلى تخصص بعينه، مثل: الضغوط الأسرية، أو التنسيق الجامعي، وفي أغلب الأحيان تكون على غير رغبة صاحب الشأن نفسه، ولكن بعد فترة معينة تضعف هذه الظروف، ويحدث أنه يملُّ التخصص، ويستشعر الضيق، ويبدأ الإحساس بأنه لا ينتج ولا يبدع في هذا المجال، ويصبح العمل بلا روح، أو أنه يُمارس هذا العمل كمصدر للرزق فقط، أو أن هذا التخصص ليس له فرص عمل تكفي الخريجين، وفي هذه الحالة من الممكن أن يقع الشاب فريسة للبطالة، ومن ثم الإحباط والضيق.
- وبالنسبة لي حينما زالت بعض العوامل التي ربطتني بمجال الدراسة، ومنها: الأهل؛ حيث إن الدراسة الفكرية والأدبية ليس لها رواج عند الأهل، والأهل حينما يتفوق ابنهم ويحصل على درجات عالية لا يسمحون له إلا بالالتحاق بالكليات العلمية الأكثر رواجًا، مثل: الطب، والصيدلة، وحينما زالت هذه العوامل أصبح لِزامًا عليّ أن أُعيد إدارة الذات، وإعادة النظر في مجال التخصص، فوجدت أني غير راضٍ عن المجال الذي تخصصت فيه مع أهميته، ولكن الموضوع مجرد ميول شخصية، ومع حلول عامل آخر مهم؛ وهو ظهور رسالة معينة أُريد أن أُوصلها إلى الناس من خلال الدراسات الإدارية والنفسية، وهذا التحول لم يتم فجأةً ولكن بالتدريج.
- وبدخولك مجال الدراسات النفسية والشرعية؛ هل كان هذا لمجرد الميول الشخصية، أم أنك أصقلت نفسك بالدراسة في هذا المجال؟
- بالطبع كان لِزامًا عليَّ أن أصقل نفسي بالعلم في المجال الذي أُريد أن أدخله وأتميز فيه، فبدأْت الدراسةَ في هذا المجال بالدراسة في كلية دار العلوم، فحصلت على الدبلومة في الشريعة الإسلامية، وساعد في ذلك قوة الصحوة الإسلامية في ذلك الوقت، وشدة إقبال الشباب والناس على طلب العلم.. وفي مجال الدراسة النفسية درست علم نفس النمو، وأعددت دراسة في هذا الموضوع مع الدكتور "فؤاد أبوحطب" والدكتورة "آمال صادق"، وقرأت ما كُتِبَ في هذا المجال للدكتور "حامد زهران" والدكتورة "سعاد بهادر"؛ وهو ما كوَّن لديَّ ثقافةً في مجال التخصص، تساعد على اقتحام هذا المجال، وفي مجال العلوم الإدارية؛ حاليًا أدرس (دبلومة) في الجامعة الأمريكية بعنوان (الإدارة التنفيذية)، فأصبح مجال التخصص هو العلوم الإدارية والنفسية، بجانب أنه رغبةٌ وموهبةٌ تشكل بالعلم والتخصص.
- في ظروف التضييق على العمل الجماعي الدعوي، برزت أدوار أخرى- البعض يهملها- مثل: دور الفرد، والأسرة.. نرجو إلقاء الضوء على ذلك؟
- هذا الموضوع بالغ الأهمية، هناك مشكلة كبيرة لاحظتها مع الاحتكاك المباشر بالبيوت، ومن خلال ما يصل أو يعرض عليَّ من مشاكل؛ حيث إن هناك عدم دراية كافية بفن إدارة الحياة الزوجية، وعدم دراية بكيفية تربية الأبناء تعيشها أسرنا، ونتيجة بعض الممارسات الخاطئة من الآباء في تربية أبنائهم تؤدي إلى أن يفقد الأبناء الانتماء للأسرة، ونتيجةً لهذه الضغوط يتمردون على قيم الآباء.
- فيجب على الآباء أن يتعلموا فن إدارة الأسرة، وكيف يوجهون ويربون أبناءهم، ولا يحاول الآباء عزل أبنائهم عن مجتمعاتهم نتيجةً للخوف المفرط، والنبي- صلى الله عليه وسلم- لم يعتزل المجتمع، فيجب على الأسر أن تعيش المجتمع بكل ما فيه من خلال تعاليم الإسلام، والحمد لله مجتمعاتنا ما زال فيها خير كثير، والفرد والأسرة لهما أهمية كبيرة- لا يُستهان بها- في حركة الإصلاح الشاملة لأمتنا، وعلينا أن نقوم بتربية أبنائنا من خلال عادات وتقاليد المجتمع التي لا تتعارض مع الإسلام، ومن خلال المنهج الإسلامي؛ لأن الانفصال عن الأسرة الكبيرة- وهي المجتمع- له مضار كثيرة، وبقليل من الوعي والحنكة يحدث نوع من أنواع التمازج بين الأسرتين؛ الأسرة الكبيرة بعمق تجربتها وبتاريخها، والأسرة الصغيرة بفهمها الجديد للإسلام.
- من الملاحظ أن هناك بعض الممارسات المرفوضة داخل مجتمع الشباب، الناتجة عن الاختلاط غير المنضبط بين الجنسين، لا سيما داخل الجامعة، مثل: الحب، أو الزواج العرفي؛ فما قولكم في هذا؟
- الواقع أن الله- سبحانه وتعالى- أوجد نوعًا من أنواع الجذب بين الجنسين؛ لأنها غريزة بين الرجل والمرأة والشاب والفتاة، فلا يستطيع أحد إلغاء هذا الجذب، فهذا ضرب من المستحيل، فالله تعالى خلق الأنثى تجذب الرجل، والرجل يجذب الأنثى، وتلك هي الفطرة.
- من أجل هذا يجعل الله تعالى ضوابط (للخلطة الطبيعية) بين الرجل والمرأة داخل المجتمع، والعلاقة بين الرجل والمرأة، ففي عصر النبي- صلى الله عليه وسلم- كانت تتم بصورة طبيعية ومُوفَّقة، فلم يكن هناك شوارع للرجال وشوارع للنساء، أو محال للرجال ومحال للنساء، فكان الرجل يشتري من المرأة، والمرأة تشتري من الرجل، لكن الإسلام وضع مجموعةً من الضوابط لمشاركة الرجل المرأة؛ سواء كان ذلك في العمل، أو في الدراسة، وتتنوع هذه الضوابط؛ فهناك ضوابط للرجل، وثانية للمرأة، وثالثة للمجتمع.
- فبالنسبة للمرأة، عليها الالتزام بالحشمة والوقار؛ كأن تستر عورتها، وللأسف هناك بعض الدعاوى التي تُنادي بأن تكشف المرأة عورتها، وأن تظهر مفاتنها للناس بدعوى الحرية والتمدن، وأنه ليس هناك ضرر من أن تكشف المرأة مفاتنها أمام الآخر، وهذا الكلام مخالف للفطرة، ومن يدعو إلى ذلك فهو يخدع نفسه؛ لأن الجذب للجنس الآخر أمر طبيعي وفطري.. وللعلم، فالغرب الذي خرجت منه هذه الدعاوى بدأ يعي خطورتها، بعد أن وصل الانحلال وانتشار الأمراض الاجتماعية مداه، تلك الأمراض الناتجة عن الاختاط غير المنضبط؛ وهو ما يهدد بقاء هذه المجتمعات وتماسكها، فظهرت هناك جمعيات ومؤسسات أُسِّسَت حديثًا في الغرب والولايات المتحدة تدعو إلى العودة إلى الفطرة، وإلى أن تُسْتَر المرأة، وتدعو إلى الفصل بين الجنسين في المدارس؛ حيث إن هذا الاختلاط أثّر بشكلٍ كبيرٍ على أخلاقيات وسلوكيات الطلاب هناك، وما يترتب على هذا الاختلاط من أضرار فاق جميع التصورات.
- وبالنسبة للشاب أو الرجل، فعليه واجبان:
1-الاستعفاف. 2-غض البصر.
- فيستعفف الشاب احترامًا لذاته ولنفسه ولتقوى الله- سبحانه وتعالى- ويغض البصر لمنع هذا الدافع الداخلي من الاندفاع والطيش، وهناك فرق بين غض البصر وكف البصر؛ أي بمعنى عدم التطلع إلى العورات.
- أما بالنسبة للمجتمع، فينبغي أن يكون طاهرًا، لا وجود فيه الفاحشة، وإن كانت هناك فاحشة، فهي مستترة، لا أن يصبح أهل الفاحشة هم المعلنون، وهم النجوم! وعلى المجتمع كبت الرذيلة، وعدم إظهارها، وعرضها على الناس، فالإعلانات على الجدران في شوراعنا وفي وسائل الإعلام من مجلات وفضائيات مليئة بما يخدش الحياء ويساعد على نشر الرذيلة.
- نتيجة لهذا الاختلاط غير المنضبط تطورت بعض هذه العلاقات بين الجنسين، ويتصور البعض أنها حب؛ فما تعلقيكم على مثل تلك العلاقات؟
- لنا وقفة مع ما يطلق عليه الشباب مسمى (الحُب)! هذا ليس حبًّا؛ لأن مفهوم الحب من خلال ما وصل إلى الشباب مفهوم خاطئ ومغلوط، فالحب ليس عواطف وأحاسيس ومشاعر؛ الحب فعل وسلوك وتصرف، والحب نتيجة أخيرة للعشرة والمودة والتضحية، وهذا ما وضحه الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ (الروم: 21)، فكل ما تراه من علاقات يتوهم أصحابها أنها حب؛ إنما هي مجرد إعجاب في أغلبه جنسي بحت، أما الحب الحقيقي هو ما يتطور في ظل علاقة سوية بين الزوج والزوجة بالعشرة والمعاشرة يتطور إلى حب، وهذا لا يحدث في مثل تلك الحالات؛ حيث تنتهي نهايات غير سعيدة، بعد أن يكون الشاب والفتاة قَطَعَا شوطًا من التنازلات والتراجع الأخلاقي في علاقاتهم تلك.
- فهناك مراحل محددة قبل الحب، ويجب أن تتم هذه المراحل في بيئة صالحة تقية،وما غير ذلك هو حب ينبت في الصحراء، فيذبل وسرعان ما يموت؛ إنما الحب الذي ينبت في بيئه حسنة في النور هو الحب الذي يدوم، وللأسف هناك انفصام تعيشه وسائل الإعلام، فنجدها تتكلم عن سلوكيات الشباب وأزمات الشباب، في حين أن ما يعرض في إعلامنا أحد الأسباب الرئيسة لهذه الأزمات.
- أما بخصوص العلاقة المحترمة بين الشاب والفتاة، فيجب أن تقوم على الأسس السابقة في ظل التزام القواعد التي ذكرتها، وأن تكون هذه العلاقة علاقة تبادل للمصالح والمنافع فقط، إذا كان الموقف يستدعي هذه العلاقة، وإن كنا- في رأيي- في غنىً عن هذه العلاقة، وهناك مبدأ مهم جدًّا يضبط هذا الموضوع الشائك؛ وهو أن "كل علاقة تتم في الخفاء تقود إلى الخطأ"، وهذا من المؤكد.
- هناك حالة من الجفاء بين الآباء والأبناء، خاصة الجامعيين منهم، ومن الملاحظ أن البعض في أوساط الملتزمين أُصيبوا بهذه الحالة من الجفاء؛ فما سبب هذا الجفاء؟ وما العلاج؟
- يرجع سبب هذا الجفاء إلى عدم معرفة الوالدين بطبيعة المرحلة التي يمر بها الأبناء؛ حيث إنهم في نهاية مرحلة عمرية، وعلى أعتاب مرحلة عمرية أخرى، يشعرون فيها بالحاجة إلى الشعور بالذات والاستقلالية، خاصة مع طول فترة الدراسة في بلادنا، فهم مؤجلون بفعل الدراسة، وبعد الدراسة مؤجَّلون أيضًا بفعل البحث عن عمل؛ وهو ما يضيف ضغوطًا نفسية على الطرفين، فتسبب توتر العلاقة بين الطرفين، وهذا له أثر كبير في تشكيل سلوكيات الشاب، فمنهم مَن لا يُبالي، وتصبح حياته مزيدًا من الفوضى والتمرد.
- وبالنسبة لسؤالك: كيف يعالج الشاب هذه الحالة من الجفاء، ولاسيما الملتزمين منهم؟
- أقول لكل شاب:
- بر الوالدين مقدم على كثير من العبادات الأخرى؛ لأن بِر الوالدين حينما ورد في القرآن اقترن بتوحيد الله، فليس من المعقول أن يكون الشاب مُصلّيًّا ومحافظًا على عباداته، وتكون علاقته بأبويه وأسرته علاقة جافة أو متوترة، أو ما يشبه المعركة، فعلى الشاب الملتزم أن يحسن هذه العلاقة، وأن يكون شامةً، يُشار إليه بالبنان وسط أسرته وأهله، وذلك بسبب حسن خلقه وبره بوالديه، فتقبيل الأيادي والاسترضاء والطاعة والبر، كل هذه لأشياء من شأنها إرجاع الود والحب بين الآباء والأبناء.
- أما بالنسبة للوالدين فعليهما أن يفهما طبيعة المرحلة السنية لأبنائهما، ومناقشة هذه المشكلة بهدوء، وأن يحاولا- قدر المستطاع- تقريب الأبناء من جو الالتزام ومن الإسلام والطاعة لله، وهذا هو العلاج لأي مشكلة تواجه الأسرة المسلمة؛ لأن التزام الشاب بمعاملة والديه معاملة حسنة لابد أن يكون نابعًا من شعوره بأن هناك كبيرًا نلجأ إليه في أحكامنا، والكبير هو الله، والالتزام النابع من الخوف من القانون أو العرف أو الناتج عن الخوف من العقاب أو الحرمان، هذا الالتزام لا يدوم ويتميز بالهشاشة والضعف.
- هناك الكثير من التحديّات التي تواجه الشباب، خاصةً في ظل الظروف المحيطة بهم؛ وهو ما يؤدي إلى فقدان تحديدهم لأولويات حياتهم، فمن الممكن أن يتخذ الشاب بعض القرارات أو الخطوات المتسرعة التي لم يحن وقتها بعد؛ فما النظام الأمثل لترتيب أولويات الشاب، خاصةً بعد انتهاء المرحلة الدراسية؟
- في البداية أوضح أنه ليس هناك نظام معين من الممكن أن يسير عليه الشاب في ترتيب أولوياته؛ لأن الظروف تختلف من فرد إلى آخر، فهناك ما يصلح لفرد ولا يصلح لآخر، ولكن هناك بعض القواعد البسيطة التي بها يستطيع الشاب أن يرتب أولوياته..
- أول هذه الوسائل: التوكل على الله، وأن يعلم الشاب ويوقن أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فمن المستحيل أن يحصل على شيء لم يكن الله قد كتبه الله له، وأقول لكل شاب: عليك أن تتوكل على الله، أركن إلى الله، ولا تحزن على شيء فاتك، ولا تفرح بشيء يأتي لك.
- الأمر الثاني:هو الشورى، والشورى ليس معناها أن يأخذ الإنسان برأي الأكثرية، ولكن الشورى في بدايتها هي أن أختار مَنْ أستشيره من أهل العقل والتخصص، فمن الممكن أن أستشير أحدًا في الأمور المادية، ولكنه لا يستطيع أن يُعطِيَ رأيًا في أمور الزواج، فعلى الشاب أن يُنشئ مجموعة من العلاقات تؤهله لأن يستشير ويعرض الأمور التي يقبل عليها على من هم أكثر خبرةً، ويناقش الأمر من جميع جوانبه، والمشورة هي الاحتكاك بين الآراء لكي يخرج الرأي السليم.
- الأمر الثالث:الاستخارة، وفيها يقف الإنسان بين يديَّ الله- سبحانه وتعالى- يسأله فيما هو مقدم عليه.
- الأمر الرابع:العزيمة؛ حيث ينبغي أن أمتلك العزم والإرادة وأنا مقدم على هذا الأمر، ولا أقدم على القرار على سبيل الاختيار أو التجربة، ولا أقدم على شيء مصيري وأنا متردد، كل ذلك مع الأخذ في الاعتبار أن اتخاذ القرار يتم بعد كل هذه الخطوات مع عمل دراسة مستفيضة للموضوع الذي أقدم عليه، وسواء كانت هذه الخطوة زواجًا، أو مشروعًا للرزق.
- فمثلاً: لو أراد الشاب أن يعمل فعليه دراسة سوق العمل المنتمي إليه، وينظر في حاجات سوق العمل، ويحاول أن ينمي المهارات التي تؤهله للعمل والتميز، فلا يقعد ويركن، وعليه أن يعمل حتى وإن كان هذا العمل يشعر بممارسته بضيق، يعمل ما لا يحب حتى يجد ما يحب، وليس هناك عمل مهين ما دام حلالاً، فيقبل عليه الشاب حتى يجد ما يحب، وألاّ يتقيد بالتخصص، ويُنمي المهارات التي تعينه في المجال الذي يرغب العمل به، ولا ييأس، فمن أدمن طرق الأبواب يوشك أن يفتح له، ويحسن ويطور من ذاته لكي يستطيع أن يستوعب الحياة؛ لكي لا يقع فريسة للإحباط واليأس.
كلمة أخيرة
أوجه كلامي إلى الشباب الذين هم عصب أمتنا، أدعوهم إلى عدم العجلة في أمر حياتهم، خاصةً في موضوع الارتباط الزوجي، ويحاول بقدر الإمكان- عند الإقدام على هذه الخطوة- أن يكوِّن صورةً جيدةً لمن يريد أن يتزوجها، وهذا التصور جيد.
حدد أهدافك جيدًا.
خطط لحياتك جيدًا.
ابحث عن قدوة جيدًا.
حافظ على وقتك جيدًا.
استمتع بوقتك جيدًا.
عندها تستطيع إدارة ذاتك جيدًا.
المصدر
- حوار: د. أكرم رضا: تحديد الأهداف والقدوة سبيل الشباب لإدارة الذات موقع اخوان اون لاين