رموز الزور تقود الأمة إلى أين؟!
بقلم: د. توفيق الواعي
يبدو أن أمتنا تعيش زمن الزور، وتمر بعصر البهتان، وتخالط سنيّ الكذب والضلال، كما يبدو أنها قد أُحيط بها والتفَّت حولها "مسيلمات" كثيرة، ودجاجلة عتاة، ومسوخ طغاة، والظاهرة المحزنة والمحيرة في نفس الوقت أن هناك كثيرًا من تلك الشعوب تُقاد بـ"مافيات" عاتية تُسمِّي نفسها دولاً!! وتُدار بعصاباتٍ خطيرةٍ تُطلق على نفسها أنظمة!! تُسخِّر كل إمكانات الأمم الاقتصادية والأمنية والحربية والثقافية والإعلامية لخدمة توجهاتها الشيطانية، وأنشطتها المدمرة، وهذه العصابات والميليشيات ليس لها من حقيقة الدول إلا الأسماء والأشكال والمظاهر، وحتى هذه الكُنَى وتلك الأسماء تم فضحُها، وظهر للعيان زورُها وبهتانُها.
نقرأ في تلك الأيام عن المهازل الانتخابية والمساخر الاقتراعية التي تُجريها تلك الأنظمة لإعادة اختيار المتنفِّذين أو "المافيا" فيها، فنشاهد كيف يصنع الغش رموزًا للدجل، ونرى كيف يخلق الزور عصاباتٍ للنصب والاحتيال، ونسمع كيف يقلب البهتان قتلةَ الشعوب وسفَّاحي الأمم إلى ملائكةٍ للرحمة ومعبودين للجماهير، وإلا فقل لي بربك: ما معنى أن يفوز الطاغية بـ99% من أصوات الناخبين، وأن يُختار جلاد للأمة بنسبة لم يستطع الأنبياء والمرسلون الحصول عليها، أو الآباء والأمهات الاقتراب منها؟! إنه عصر المعجزات!! والغريب أن تجد مع هذا أن هؤلاء الشياطين قد أحاطوا أنفسهم بجوقة أو بـ"كورس" من أدعياء الثقافة، وحثالة المتعلمين، وأصحاب الذمم الخربة، ليطلقوا عليهم ألقاب الجلال، وأسماء التقدُّم، وصفات التحضُّر والإصلاح، ويضفوا عليهم صفات الإلهام والرشاد، وعلى عصورهم المشئومة سمات التنوير لا التزوير، والحرية لا الوحشية، والنزاهة لا الخيانة.
إن كلمة "التزوير" لفظة بشعة طاردتها الأمم حتى انزوت في حثالة الناس، وفلول المنبوذين، ولكنها اليوم تصبح خصالاً وطبائع وعنوانًا على قادة لأمم، وطبائع لحكام العبث والكوارث، كما أنها تكون صفةً على علية القوم، وسمةً لأهل الثقة والريادة.
وعلماء النفس يطلقون الكلمة على أنواعٍ من الأمراض النفسية والخلقية التي تصيب المنحرفين والشواذ الذين يُعمِّرون السجون، فإذا بها اليوم يتصف بها القادة وأذكياء النهضات الكُذَّاب في الشعوب البئيسة.
كما أن علماء الإسلام يطلقون على الكلمة إطلاقات أقلها أنها من الكبائر التي تكون مُضيِّعةً للإيمان "مَن غشنا فليس منا"، وقد حاولت الرسالات والديانات تحصين الأفراد والشعوب من خطرها الماحق، وشرِّها المُبير، وقرر العلماء أن شهادةَ الزور من الكبائر، وهي الكذب المتعمَّد، واتباع الباطل وتزيينه بقصد واختيار، وقالوا: عدلت شهادة الزور بهذا المعنى الشرك بالله تعالى لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِيْنَ لاَ يَدْعُوْنَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ (الفرقان: من الآية 68)، إلى أن قال: ﴿وَالَّذِيْنَ لاَ يَشْهَدُوْنَ الزُّوْرَ﴾ (الفرقان: من الآية 72).
وقال صلى الله عليه وسلم: "عدلت شهادة الزور الإشراك بالله" قالها ثلاثًا لقوله تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ (الحج: من الآية 30).
ومع هذا يدَّعي أصحاب الزور اليوم أنهم أولياء الله، وهم النُّساك والأطهار والأبرار الذين تجب طاعتهم؛ لأنهم أهل الحق والإيمان والفضل، وأنهم هم الفرقة الناجية، ومن سواهم العصبة الباغية فاقدو الإيمان والإسلام!
ولا أظن أن أحدًا حتى لو كان فاقدًا للعقل يستطيع تصديق ذلك؛ لأن مَن يدعي هذا الادعاء، ويملأ به الدنيا صياحًا، يكذبه عمله ويكشف زيفَه فعلُه، للأسباب الآتية:
1- استعداؤهم الغرب على الإسلام والمسلمين واتهامهم بأقذع التهم المنفرة.
2- تجفيف الينابيع الإسلامية في التربية والتعليم، وفي دور العبادة، والمظاهر الاجتماعية الإسلامية.
3- إفساح المجال للملحدين والأفكار المستوردة لتمثل البديل الفعلي للأفكار الإسلامية ولتمييع الهوية الإسلامية.
4- ضرب الحركات الإسلامية بكل قسوة وجلدها إعلاميًّا، وتنفير الناس منها واتهامها، وإدخال رموزها السجون والمعتقلات، بدل ترشيدها وتبنيها واستغلال طهرها.
5- عدم السماح للصوت الإسلامي بالظهور أو الإعلان عن نفسه بالطرق الشرعية، وترك غيره وتشجيعه والاستعانة به.
لهذا وغيره الكثير يصعب تصديق المحاولات المستميتة والتي تقصد تزوير الحقيقة الظاهرة للعيان، والتي قد استبيح في سبيلها كل شيء، والتي قد أظهرت حجم العداء للإسلام ورجاله ومقدار التسلط والقهر المغلف بالدجل الديمقراطي الذي لا يخادع أحدًا هنا أو هناك، ولن يستطيع سماسرة الزور ورموزه حجب الحقيقة طويلاً، وهل ستظل الأمم الثكلى تندب حظها العاثر؟ وهل ستستمر محنتها ويظل كربها أبد الآبدين، أم أنه بعد الكرب الفرج وبعد الصبر النصر بأيدي المخلصين المصلحين؟!
وقد أخبرنا الحق سبحانه أن بعد العسر يسرًا: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)﴾ (الشرح).
ويروي التاريخ أن رجلاً ركب سفينة فانكسرت، فوقع في جزيرة مكث فيها لا يرى أحدًا، فتمثَّل بقول القائل:
إذا شاب الغراب أتيتُ أهلي
وصار القبر كاللبن الحليب
وصار البر مسكن كل حوت
وصار البحر مرتع كل ذيب
فسمع هاتفًا يقول:
عسى الكرب الذي أمسيت فيه
يكون وراءه فرجٌ قريب
فيأمن خائف ويفك عان
ويأتي أهله النائي الغريبُ
فإن يك صدر هذا اليوم ولَّى
فإن غدًا لناظره قريب
قيل فلم يلبث إلا قليلاً حتى ذهب كربه ورجع إلى أهله.
وقيل:
إذا تضايق أمر فانتظر فرجًا
وأضيق الأمر أدناه من الفرج
وقيل:
فلا تجزعن إن أظلم الدهر مرةً
فإن اعتكار الليل يؤذن بالفجر
وقالوا: إن الذي رد يوسف عليه السلام إلى أهله وذويه، قادر على كل شيء والأيام دول، وينبغي أن يكون الأمل والتوكل على الله زاد كل مؤمن وسلاحه، والعمل أسلوبه، والصبر مركبه، والفرج قريب إن شاء الله.
المصدر
- مقال:رموز الزور تقود الأمة إلى أين؟!إخوان أون لاين