سليمان القابلي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٤:٢٢، ١٠ يناير ٢٠٢٣ بواسطة Admin (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
سليمان القابلي والدعوة في ربوع العراق


إخوان ويكي

مقدمة

سليمان-القابلي.2.jpg

الصلاح هو الغاية المطلوبة من العباد في الاعتقاد والأقوال والأعمال، والإصلاح منهج متكامل يقيم الحكم على أساس الكتاب، ويقيم القلب على أساس العبادة. ومن ثم تتوافى القلوب مع الكتاب؛ فتصلح القلوب، وتصلح الحياة. إنه منهج الله، لا يعدل عنه ولا يستبدل به منهجاً آخر إلا الذين كتبت عليهم الشقوة وحق عليهم العذاب.

والمصلحين يهتمون بإصلاح جيلهم الحاضر، ولا يهملون تأسيس أسس إصلاح الأجيال الآتية؛ إذ الأجيال كلها سواء في نظرهم الإصلاحي. وأصحاب الدعوة إلى ربوبية الله وحده وتطهير الأرض من الفساد الذي يصيبها بالدينونة لغيره، هم صمام الأمان للأمم والشعوب. والأستاذ سليمان القابلي وحدا من الذين سعوا للاصلاح في الأرض ونشر الخير فيها بالحسنى حتى لقى الله وهو على ذلك.

حياته

ولد سليمان محمد أمين صديق محي الدين قابل (المعروف بالقابلي) في شهر صفر 1341هـ الموافق تشرين الثاني - نوفمبر عام 1926 في محلة بريادي بمدينة كركوك من عائلة عريقة عرفت بالتقوى والصلاح، فوالده أحد عرفاء الجيش العثماني وشهد الكثير من المعارك ضد احتلال القوى الغربية لبلاد المسلمين، وعاش فترة في قلعة آربيل حينما كان والده موظفا في محكمتها.

درس الابتدائية في محافظة كركوك وأكمل دراسته الثانوية ببغداد قبل أن يلتحق بكلية الحقوق عام 1946م لكن لم يكمل دراسته بسبب نشاطه الدعوي في الكلية ووقوع حادثة مؤسفة مع عميد الكلية واضطهاده لسليمان مما اضطره لترك الدراسة والاتجاه للوظيفة الحكومية.

حصل عام 1954م على شهادة الدورة التربوية ذات السنة الواحدة بعد الإعدادية وعين في البداية في شركة نفط العراق لكنه تركها وعين موظفاً في دائرة كاتب عدل كركوك، ثم المحكمة الشرعية إلى أن بلغ مرتبة الكاتب الأول، الى أن أحيل على التقاعد.

صفاته

كان القابلي مثقل القلب والفكر بهموم المسلمين ، وكان يتحرق ألماً لما يحدث لعموم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها . وكان في غاية العمق في تفكيره وإدراكه للواقع الذي يعيش فيه ، كيف لا وقد لازم الشيخ أمجد الزهاوي رئيس رابطة علماء العراق والشيخ محمد محمود الصواف رئيس جمعية الأخوة الإسلامية.

تميز باطلاع واسع وثقافة كبيرة في مختلف العلوم والمعارف حيث ألف كتاب مبادئ الاقتصاد الإسلامي وترجم مع المحامي نور الدين الواعظ كتاب أسرار الماسونية. اتصف بالجرأة والشجاعة في الذود عن الحق حتى أنه رفض بيع كتب حزب البعث في مكتبته وهم في أوج طغيانهم ولما سأله المحافظ وكان يشرف على تنظيم مكتبات كركوك قال: "إن هذه الكتب فيها كفر ولا يجوز بيعها".

ورث الكثير من الأموال لكن سخاء يده وبذله المعروف والإنفاق على الفقراء كانت شغله الشاغل، حتى أنه يقسم راتبه إلى نصفين يضع نصفاً لأهله والنصف الآخر للمعوزين.

بين صفوف الدعوة بالعراق

تعرف القابلي على دعوة الإخوان أثناء دراسته في كلية الحقوق حيث أصبح أحد زعماء الحركة الطلابية الإسلامية في الكلية مما عرضه للعنت من قبل العميد.

حيث يقول:

عام 1945م وأنا طالب بالحقوق كنت أتجول في سوق الأعظمية فقابلني صديقي نظام الدين فقال لى ياسليمان هناك درس يلقيه أحد الأساتذة المصريين تعالى نحضره، فقلت له: اان مشغول، فجرني من يدي فاستجبت له، وحينما استمعت له لم انقطع عن دروسه، أنه الدكتور حسين كمال الدين أحد تلاميذ الإمام حسن البنا.

ساهم بشكلٍ فاعل في تأسيس نواة للعمل الدعوي في مدينته، وأسس مكتبة الأخوة الإسلامية عام 1953م تيمناً بمسمى الجمعية آنذاك واستطاع إبقائها بهذا الاسم بالرغم من تغير الظروف السياسية في البلاد ينشر الكتب الشرعية والدعوية، حتى أنه ألف كتاب بعنوان "مبادئ الاقتصاد الإسلامي" نشرته دار النذير ببغداد.

كما ترجم مع المحامي نورالدين واعظ كتاب أسرار الماسونية (عن التركية) تأليف : الجنرال جواد رفعت اتلخان والمنشور بيروت، في مكتبة المثقف، سنة 1376هـ.

كان واحد من مؤسسي الحزب الإسلامي بالعراق برئاسة الأستاذ نعمان عبدالرازق السامرائي في 26 أبريل 1960م حيث أقيم احتفال بهذه المناسبة وتم انتخاب السامرائي رئيسا للحزب والأستاذ إبراهيم منير المدرس نائبا للرئيس وكلام من سليمان القابلي وطه العلواني ووليد الأعظمي وفاضل دولان وفليح حسن السامرائي ونظام الدين عبد الحميد كأعضاء المكتب السياسي للحزب وذلك في 29 يوليو 1960م.

محنه

تعرّض للمضايقات والاعتقال لكنه صمد بوجه الترغيب والترهيب أمام السلطات المتعاقبة ولم يتنازل عن دعوة الحق.

فبعد تأسيس الحزب عام 1960م انتقد سياسة عبد الكريم قاسم قائد الانقلاب في العراق بسبب إلغاءه القوانين الإسلامية المتعلقة بالأحوال الشخصية والتي فرح لها الشيوعيين، مما اضطره لاعتقال أعضاء المكتب السياسي للحزب الإسلامي لمدة 9 أشهر وكان ينتظر منهم استرحاما أو اعتذارا لكنهم لم يفعلوا. حينما أطلق سراحهم اجتمع به في وزارة الدفاع في 14 مارس 1961م الموافق 27 رمضان 1380هـ وأخذ يوضح لهم جهوده وخطأهم في البيان لكنهم جادلوه بقوه وأظهروا أخطاءه.

وألمح لهم بأن مثقفون وعلماء ويجب أن يكون لهم مناصب عليا في الدولة، فهنا انبرى له الحاج سليمان القابلي وقال له: لسنا طلاب مناصب ولا مال ولا أرض، ولكننا جند الله ندافع عن أمتنا وعقيدتنا، لا نبغي بعملنا شيء، وليعلم سيادة الرئيس بأن الإخوان لا يمكن استدراجهم إلى أسواق البيع والشراء والمساومة.

ثم قال له: يا استاذ يقول الله سبحانه:"للذكر مثل حظ الأنثيين" وأنت جعلت نصيب الذكر مثل نصيب الأنثي، وهذا تبديل وتغير أحكام القرآن، فلمن نسمع أو نصدق؟ أأنت أم القرآن؟ إن ما تراه حقا لا يجب أن يخالف تعاليم الله سبحانه. فأخبرهم باستمرار إغلاق مقرات الحزب مما دفعهم للعمل غير العلني.

حتى أنه بمناسبة مرور أربعين عاما على استشهاد سيد قطب ورفاقه أقام احتفالا كبيرا حضره الآلاف وتحدث فيه عن مآثر سيد قطب وعن دعوة الإخوان حتى أن الحكومة تفاجأت بما قام به الحاج سليمان. وهناك الكثير من المواقف التي سردها محبيه وردت في كتاب حازم ناظم فاضل.

وفاته

ظل على عهده بالعمل لدعوته وخدمه مجتمعه إلى أن وافاه الأجل في 9 صفر 1416هـ - 7 تموز/ يوليو 1995م بعد أداءه صلاة الجمعة.

قالوا عنه

يصفه أحد محبّيه في سطور ، فيقول : كان كثيراً ما يردد هذه الآية : "قل: كلٌ يعمل على شاكلته"،ولعله كان يستشهد بالآية على مفهوم الاعتراف برأي الآخرين وأساليبهم . وكان كثيراً ما أسمعه يقول مع نفسه – ويسّمعنا بطريقة غير مباشرة ، هذا الدعاء باللغة التركمانية مناجياً ربه :"من ئيتيم سه ن ئيتمه"أي: لا تجازيني مثلما فعلت انا.

وكان حريصاً على تسوك فمه ، وكان يتحدث بنعمة الله على صحة وسلامة أسنانه الى هذا العمر وقد بلغ عتياً ببركة استعمال السواك. وكان ذا ورع ظاهر معروف، كما كان شديد الاعتناء بصحته ونظافة مظهره، وكان يحب النكات النظيفة البريئة ، ويضحك لها ويستمتع بها من كل قلبه، وكان يتفقد باهتمام واضح أحوال إخوانه في حالة مرضهم وغيابهم وسفرهم .

كان يحمل قلباً كبيراً حيال ما يبدر من إخوانه الصغار خاصة من بعض الاخطاء وسوء أدب غير متعمد . كان يتحرج في أخذ الأحاديث النبوية او سردها بلا سند أكيد وتحقيق دقيق . كان كثير السخاء في تقديم بعض الرسائل والكتب مجاناً للمحتاجين مادياً ومعنوياً . كان نزيهاً نادر النزاهة في صرف أموال الدعوة .

لم أرَ طوال صحبتي له ومعرفتي به أنه أحرج باي شكل من الاشكال ، أخاً من إخوانه في موقف . كان شهماً حقاً . كان شديد الاعجاب بأستاذه العلاّمة الشيخ أمجد الزهاوي – رئيس رابطة علماء العراق في زمانه – وكان ينقل عنه فتاواه ومواقفه في قضايا مهمّة تذكرة لنا وتبصرة بأمور الدين والدنيا .

كان صبوراً مع أهله في البيت وشديد الحب والرعاية لأولاده، وربما قاطع ذوي قرباه لبدعهم وتحزبهم وابتعادهم عن الدين ومخالفتهم الشرع رغم تواصله معهم ، ومحاولاته للتمسك بأهداب الدين وحقائقه ، ومشاركته في مشاكلهم وايجاد الحلول لها عقلاً وشرعاً .

كان شفوقاً وشغوفاً بالحيوانات ، وخاصة بالقطط ، وله معها حكايات وحكايات طريفة . وكان يحب أطفال إخوانه ويلاعبهم ويشجعهم ويقدّم لهم الحلويات، وكان يحب السفرات المقصودة للتربية والدعوة والترفيه . كان شجاعاً لا يخاف أحداً من الناس ، وله في ذلك مواقف واحداث، كما كان يعيش ببساطة في مأكله وملبسه وأثاث بيته ، وكان قانعاً براتبه ومعاشه ، ولا يشكو ولا يتذمر .

كان له إهتمام وهواية مشهورة عن جغرافية العالم الاسلامي وخرائطه، وكان غالباً يستعمل صيغة المجهول في بيان مواقف مشرفة من الاعمال (إخفاءً لنفسه الذي هو صاحب الموقف ذلك) ، كأن يقول : يقول أحدهم من المسلمين ،(وهو يقصد نفسه من غير أن ينسب ذلك العمل الى شخصه أدباً وتواضعاً وخوفاً من الرياء وقطعاً لحب الظهور ) .. والله أعلم .

كان شديد الثقة بإخوانه ، ولم يكن يسيء الظن بهم، وكانت حياته العملية مثالاً مجسماً للزهد من متع الدنيا . كان بحق إنساناً عملياً أكثر منه داعية متكلماً أو خطيباً او واعظاً، وكان يعتبر نفسه تلميذاً للإمام ابي حامد الغزالي – من غير تصريح قولي – ويستشهد بأقواله وقصصه في كل مقام مناسب .

كان غيوراً على إخوانه ، لا يقف مكتوف الأيدي لمن يعتدي عليهم أو يُهينهم أو يغتابهم، وكان كثير التفكر والتأمل ، وله ملاحظات دقيقة وأراء سياسية مشهودة له في قضايا قطرية واسلامية وعالمية . كان لسلوكه المستقيم المعتدل الرزين اللطيف يقدره ويحترمه حتى اعداء الاسلام ومبغضو الإخوان رغم مواقفه الصلبة الصارمة في بعض الاوقات وفي بعض القضايا .

كان حريصاً جداً على إظهار شخصية (مكتبة الأخوة الإسلامية) في كركوك كفارس من فرسان الجهاد ، وكان يعتقد مؤمناً أنه يرابط في ثغر من ثغور الاسلام اليوم. كان حرصه شديداً على نصح إخوانه بطريقة غير مباشرة أو ينفرد بهم من غير تشهير ولا تفضيح ولا تخجيل كلما بدر منهم من خطأ او جهل او مخالفة، وكانت له أوقات مخصصة لتلاوة القرآن يومياً .

وكان شديد الاهتمام والعناية لتصحيح الأغلاط المطبعية للمصاحف الجديدة . واذا صادف كتاباً اسلامياً فيه عبارة او كلمة مخالفة للدين والشريعة أزالها او علّقَ عليها، وإذا كثرت الآراء او الافكار المعارضة للإسلام مزّقها وأحرقها في محرقة خاصة له في المحل ، وإذا رأى ورقة مكتوبة عليها آية او حديث او اسم من اسماء الله او اسم النبي r مرميّة على الأرض رفعها وجمعها ثم أحرقها ودفن رمادها في تراب طاهر . كان يحب المشاهد الخلاّبة للطبيعة ، يبتهج لها ، ويحمد الله عليها تهليلاً وتسبيحاً .

كان يسأل ابسط المسائل الفقهية من بعض العلماء للتأكيد والتذكير ، وكأنه أميّ. كان يهتم بجدّ بمناسبات ذكريات الأيام الاسلامية المباركة، كالمولد النبوي والهجرة ويعلنها بأسلوبه الخاص بعرض اللافتات وتوزيع الحلوى . ولم يكن يحب الجدال والمناقشات مثلنا ، بل يحب الحوار الهادىء وتبادل الآراء ؛بقلب متفتح ولسان مهذب .

كان أحياناً يروي لنا عن أبيه (محمد أمين) كاتب عدل كركوك آنذاك ، هذه العبارة بلغة قومه : (قوميّت فنادر) ، أي : التعصب القومي خطر على الايمان ، محذراً ومنبهاً .ولم تكن تحس منه حقداً ولا حسداً ولا سبّاً ولا لعنةً ولا تشنجاً ولا غضباً واستنكاراً مشهراً مع اخوانه.

وكان يتحرش ببعض إخوانه بالكلام والتعليق والمواقف ؛ وله مقلبات مشهورة معهم ، كل ذلك يفعله حباً وتكريماً وتلطيفاً للجوّ وذهاباً للهموم . وكان اذا ذُكر احدهم اسم النبي صلى الله عليه وسلم او أورد حديثاً نبوياً عنه تأدب في الجلوس حالاً كأن كان واضعاً رجله على رجل .

كان واعياً كل الوعي في تطبيق كثير من السُنن النبوية ما استطاع، وكان فطناً شديد الحساسية في معرفة أساليب أعداء الاسلام ، فلقد طالما ينبه إخوانه على عدم نقل نكات الملحدين او نشرها بين الناس والتي فيها إستهزاء وسخرية بالدين وأهله بطريقة خبيثة ماكرة يتقبلها الناس المغفلين أمثالنا وينشرونها هنا وهناك.

للمزيد

حازم كاظم فاضل: الداعية الصامت الحاج سليمان محمد أمين القابلي في عيون محبيه، طـ1، مطبعة آسيا- كركوك العراق، 2016.