سيف عبدالفتح يكتب: مَنٌّ استبدادي .. لا عفو رئاسي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
سيف عبدالفتح يكتب: مَنٌّ استبدادي .. لا عفو رئاسي


(6/21/2015 )

سيف عبدالفتح

دعونا نسمي الأسماء بمسمياتها.. لا نحاول تجميل القبيح بعد ذلك المهرجان الذي ظل يشغل وسائل الإفك الإعلامي أيامًا بين تبشير بعفو رئاسي لعدد يفوق المائة وستين شابًا وبين تهليل وتطبيل لهذا القرار بالمن المهين.

وبدت وسائل الإعلام تلك وبطريقة مهرجانية تقيم الموالد المختلفة لتحسين صورة المنقلب واستبداده وطغيانه، قالوا عنه أنه "عفو رئاسي" وما هو كذلك في حقيقة الأمر إن هذا لم يكن إلا "منّ المستبد" الذي يقوم به في محاولة لتحسين صورته، والقيام بما يشبه "الضحك على الذقون".

يبدو ذلك واضحًا من أمور عدة سنأتي عليها، إلا أن أخطر ما في هذا الأمر من مشاهد إنما يرتبط بإعلام يحاول جعل الظلم بكل أشكاله صورة من صور العدل والانصاف والرحمة والتسامح؛ غايتهم في ذلك أن يجعلوا من كل عمل قبيح يتصل بالظلم الفادح والجور الواضح أنه هو العمل الذي يجب أن يكون، ليحقق ما يمكن تسميته بتبييض الصورة وغسل القبح في عملية كبرى تتسم بالنفاق والمداهنة والمراوغة والتلبيس والتدليس.

تضمنت قائمة المفرج عنهم عددًا أُصدر بحقه ما سُمي "عفوا" وهو في حقيقة أمره كان على أعتاب انقضاء مدته في حركة تدليس واسعة، يحاول المستبد فقط أن يبيّض من وجهه أو يُحسّن من فعله، ولكنه في حقيقة الأمر يقوم بكل ذلك طلبا لسياسة ثابتة يقوم بها ألا وهي سياسة "اللقطة" ليعبر بشكل مهرجاني بتلك الأعداد الهزيلة المنتقاة من جانبه في محاولة لإشاعة رحمة مزورة وتسامح زائف.

وفي حقيقة الأمر أن هذا لا يسمى عفوًا رئاسيًا ولكنه في واقع أمره منَّا استبداديا يمارسه المستبد وسدنته، من دون أن يتساءلوا هل اعتقل هؤلاء لأي أسباب حقيقية، أو بقضايا جوهرية، أم أن المسألة كانت ضمن صناعة وطن الخوف واستجلاب أعداد كبيرة خرج منها من خرج واعتقل من اعتقل حتى أن بعض الجهات الحقوقية قد جعلت تلك الأعداد من خرج منهم ومن استبقي يفوق المائة ألف؛ ماذا يعني ذلك سوى أن تجعل هذا البلد بدلا من أن يكون بلدا آمنًا مطمئنًا إلى بلد يملأه خوفًا وذعرًا.

تناسى هؤلاء في غمرة "الموالد" التي يقيمونها و"المهرجانات" التي يصطنعونها لتبييض صورة المستبد القبيح ولإخفاء عتمة ظلمه الرهيب، تناسى هؤلاء مركزين كاميراتهم على عفو زائف ورحمة مصطنعة ولم يسألوا أنفسهم من قبل: كم قتل وكم اعتقل وكم طارد وكم حرق وخنق وكم قام بكل عمل دنئ يستبيح الحرمات والنفوس ويُقدم على كل عمل يؤدي إلى هدم بنيان وكيان الانسان؟

نقول لهؤلاء قبل أن تقول له عفوت، وما هو بعفو، قولوا له ظلمت وأجحفت وقمت بكل عمل يؤكد على سواد أفعالك وظلمة سياساتك، زرعت الكراهية بين الناس حتى جعلتهم يفرحون في أذية بعضهم بل وحرضتهم على أن يقوموا بالابلاغ عما اعتبرته خصمك أو من معارضيك، ماذا فعلت بمجتمع كان رأس ماله الاجتماعي في لحمته وتماسكه فإذا بك تفرقهم شيعا وشعوبا تسلمهم بفعلك المأفون الى عتبة الاقتتال الأهلى.

أخطر من هذا أن نرى أن استجابة تتعلق بهذا الإفراج عن المظلومين أقول عنه إفراجًا لا عفوًا، فإذا بالبعض يقول إنهم من الإخوان، إنها الصفقة، والبعض يقول إنهم من حزب النوروالقائمة أملاها "برهامي"، والبعض يقول أين هؤلاء النشطاء السياسيين من قائمة المفرج عنهم.

أقول لكل هؤلاء إن ردود الفعل تلك لا يرد عليها إلا كلمة واحدة أطلقها الأستاذ "جمال عيد" "الحقوقي الصادق" حينما يقول "ما هي أحط المشاعر ؟" وضع هذا السؤال ثم أجاب: "أن ترغب في استبدال حرية مظاليم لا تعرفهم بمظاليم تعرفهم ولا تتمنى الحرية لكل مظلوم" أى علينا أن ندفع وندافع عن كل مظلوم عرفناه أم لم نعرفه، أترى ماذا فعل هذا المستبد بجنون طغيانه في هذا البلد حينما لا يُدافع عن المظلوم لكونه مظلوما ويدافع فقط عمن يعرفه أو كان منه أو من عصبته، ماذا فعلت أيها المستبد حينما قتلت مجتمعا واغتصبت معاييره وقلبت قيمه وموازينه في محاولة منك أن تجعل من كل عمل قمت به شروعا فى فتنة في المجتمع وللمجتمع؟.

نقول أن ذلك منَّا استبداديًا بكل المعايير حينما لا نعرف لماذا خرج من خرج ولماذا لم يخرج من بقى؟، وما هي المعايير التي تؤدي إلى عفو عن هذا وحبس ذاك واستمرار اعتقاله؟، وإن كان هؤلاء يتخطون المائة والخمسين، فماذا عن آلاف مؤلفة ظُلموا وقُهروا واعتُقلوا لا نعرف عنهم شيئا؟، وماذا عن هؤلاء الذين قضوا تحت سياط التعذيب في معتقلاتك وسجونك؟، وماذا عن هؤلاء الذين اُختطفوا واختفوا قسريا؟، وماذا عن مئات أخرى قمت باعتقالها بعد أن أفرجت عن هؤلاء؟ وكأنك تخرج مئة لتعتقل مئات!

الظالم لا يعرف العفو والمستبد لا يعرف التسامح، إنها صناعة الخوف في وطن الخوف، صناعة الفرقة في وطن هُدمت فيه المعايير وصار فيه الناس لا يبالون بما يحدث لغيرهم من ضرر عظيم حتى لو كان ذلك في استباحة نفوسهم وإراقة دمائهم، أليس هذا هو المن الاستبدادي؟!

في عهد الانقلاب البائس هكذا يفعل الجبناء، يقومون دائمًا بجعل سقف مطالبنا أقل ما يكون، فبعد أن كنا نطالب بثورتنا بتنا نطالب فقط بالإبقاء عن حياتنا أو كياناتنا، يريدون بذلك أن ننسى أو نكبت في أنفسنا كل أشواق الثورة وكل أحلام التغيير وكل أمل في بناء المستقبل، ها هم يفعلون "يحبسوا الولاد.. ويطلعوا شوية منهم ويقفلوا محطة سنتين ويفتتحوها ..

ويخطفوا بنوتة ويخبوها .. وبعدين تظهر عندهم في السجن فأهلها يفرحوا أنهم وجدوها".. هذه هي إنجازات العهد البائس، كما تشير إلي ذلك واحدة من أساتذة العلوم السياسية ممن يمارسن رأيهن بكل جرأة وشجاعة، أيريد هؤلاء أن يجعلوا من آمالنا حطامًا ومن ثورتنا خسرانًا ومن شبابنا محبطين بلا أمل وإيمانا، إيمانا بربهم وعدله ببلدهم وفضله وثورتهم أملا وشوقا ووطنهم عزا وكرامة وكيانا ومكانة.

وتأتي قمة المهزلة في هذا المن الاستبدادي ليعلن هؤلاء عن منَّهم هذا بطريقة مفجعة تتسم بالفجاجة والبجاحة.. فها هو أحد المفرج عنهم يأمره أحد رجال الشرطة بأن يخرج من سجنه مشيرًا إليه بمكان سجوده ومستعدا بكاميرات صحفييه ليسجلوا ذلك المشهد المفتعل، فكيف يأمر بالسجود ممن لا يعرف معنى السجود؟ وكيف يجعل السجود لله عبودية له وبأمر منه؟

وكيف يجعله تمثيلية هزلية حينما يطالب من سجد بإعادة سجدته لأسباب تتعلق بالصورة والتصوير"سجود هنصور"، يسخر الشباب من كل هذا الأمر فيتندرون "اسجد .. الصورة تطلع حلوة"، ما لهؤلاء يتبجحون بأفعالهم ويمنُون علينا بحريتنا كما يعبثون بمواطنيتنا وجنسيتنا فجعلوا منها العقوبة، وجعلوا منها المصيدة، وفي كل الأحوال أهدروا كرامة المواطن والوطن والانسان.

بئس المَّن بما قمت، بئس العفو الذي زيفت، بئس الظلم الذي أرسيت، بئس القتل والإعدام وما قضيت، بئس ما اتخذت قاعدة من إهدار الدماء وما طلبت وفُوضِت، بئس كل عمل قمت به تخويفًا وترويعًا وخنقت وحرقت، بئس إنسانية نزعت من جوفك فلست إلا وحشا قد افترست..

أيها الظالم المستبد المنقلب المغتصب عفوك مردود عليك، ومصيرك سيكون من جنس عملك، لأن الله سبحانه وتعالى إذا أخذ الظالم لم يفلته، اللهم عليك بالظالم وأعوان الظلمة فإنهم لا يعجزونك.

المصدر