شريف عبدالغني يكتب: جمال سليمان وعادل إمام.. المجد والعار!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
شريف عبدالغني يكتب: جمال سليمان وعادل إمام.. المجد والعار!


(6/27/2015)

شريف عبدالغني

(1)

عندما عرضت الفضائيات قبل سنوات لأول مرة مسلسل «حدائق الشيطان» للنجم السوري جمال سليمان، أسرت شخصية «مندور أبو الذهب» التي قدمها سليمان جموع المشاهدين لأسباب مختلفة.
بعضهم رأى فيه القوة التي يفتقدها ويتمناها في نفسه، والبعض الآخر- خاصة النساء- وصل إعجابهن بهذه الشخصية إلى حد الولع.
إنهن أمام رجل مكتمل الرجولة، قد يبدو عنيفا وديكتاتورا في مظهره لكنه يحمل بداخله مشاعر فياضة وحنانا بلا حدود، اتضحت معالمهما عندما تذكر حبه لابنة أحد العاملين عندهم، وإجهاض والده العنيف لمشاعره بدعوى عدم التكافؤ، وكذلك في مشهد تقبيله والدموع تكاد تترقرق من عينيه لابن أخته، فضلا عن مشاهده الأخيرة مع «قمر»- سمية الخشاب- والتغير الجذري على شخصيته بسبب حبه لها وتأكده في النهاية من أنها تبادله نفس المشاعر.
وانتقل حب الكثيرين من «مندور أبو الذهب» إلى جمال سليمان نفسه!

(2)

ومثلما فاجأ سليمان الجمهور المصري بهذا العمل، حيث لم يكن كثيرون يعرفون مكانته الكبيرة في الدراما العربية بأعماله الإبداعية المتميزة، فإنني فوجئت شخصيا أن هذا النجم هو في الحقيقة خليط من الجانب الحسن في شخصية «مندور»، فضلا عن ثقافة رفيعة ورؤية ثاقبة للواقع العربي بمختلف جوانبه الاجتماعية والسياسية، بما يجعله سفيرا فوق العادة للفن العربي وواجهة مشرفة لممثلي الأمة كلها وليس لبلده سوريا فقط.
من يتابع إحصائية أهم 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية والعربية، سيجد شكري سرحان يحتل المقدمة بـ17 فيلما منها «البوسطجي» و»قنديل أم هاشم» و»الزوجة الثانية» و»رد قلبي» و»شباب امرأة» و»اللص والكلاب» وغيرها من الأعمال الخالدة.
وأجمع النقاد على أن هذا الفنان لم يكن يتسنى له الوصول إلى هذه المكانة دون ثقافة واسعة وقراءة دائمة مكنته من حسن اختيار أدواره وتمييز الغث من السمين بين السيناريوهات التي تعرض عليه، فضلا بالطبع عن موهبته التمثيلية، غير أن الفارق الذي ميزه عن غيره من الموهوبين هو الثقافة، وبالتالي خلد اسمه.

(3)

أظن أن جمال سليمان يسير على درب شكري سرحان، وإذا كانت محدودية الإنتاج السينمائي السوري لم تتح له تقديم كم من الأفلام العظيمة، فإنه عوّض هذا الأمر بأعمال درامية تشكل علامة فارقة في هذا المجال، وعلى رأسها «التغريبة الفلسطينية»، حيث اختار هذا العمل الرائع لأنه «أحسن كتابة قرأتها بين كتب ودراسات كثيرة عن قضية الصراع العربي- الإسرائيلي» حسب قوله، بما يؤكد أن اطلاعه وقراءاته يساهمان في حسن اختياره لأدواره وأعماله.
أخذت هذه الفكرة عن «جمال» بعدما رأيته مؤخرا في برنامج تلفزيوني وقرأت له أكثر من حوار صحافي، يدلي بآراء في مختلف الشؤون، بداية من نفسه وحياته الشخصية، وانتهاء بالشؤون والشجون العربية.
كلماته تخرج بلغة عربية متمكنة، يطعمها بعامية شامية ومصرية محببة لتقريب المعنى الذي يريده للمشاهد العادي. في أحد حواراته الصحافية شرح بدايات المأساة السورية، بطريقة تسلسلية، وكيف أن نظام الأسد أضاع فرصة الاستجابة لمطالب الشعب بالإصلاح، حتى اتخذ موقف الإبادة للمعارضة والمظاهرات، ومن هنا جاء قرار سليمان بالانضمام للثورة والوقوف في صف الشعب.
موقف جمال سليمان هذا هو الموقف المتسق مع الفنان الحقيقي، الذي يجب أن يكون بجانب الحق ومساندا للضحية، لا في صف الباطل وداعما للقاتل، كما يحدث من كثيرين في سوريا ومصر للأسف يحملون لقب فنان زورا وبهتانا.

(4)

ومثلما كان سليمان واضحا في رؤاه السياسية، فقد كانت كلماته تنضح بالصدق والثقة بالنفس وهو يتحدث عن حياته الشخصية، وكيف أنه تزوج متأخرا نسبيا في الخامسة والأربعين من عمره، بعد خطبات فاشلة وعقد قران لم يكتمل بالزفاف.
كان يروي طريقة تعارفه وخطبته لزوجته كأنه شخص عادي وليس نجما كبيرا، يعتاد أمثاله والأقل منه بمراحل إذا تحدث في أمور كهذه أن يلمح إلى صعوبة اختياره الزوجة في ظل طابور المعجبات الواقف أسفل منزله.
رغما عني عقدت مقارنة بين جمال سليمان وعادل إمام باعتباره واجهتنا في مصر للفن. جمال يقدم أعمالا ترتقي بالجمهور وتجعله يفكر في حاله وأحوال أمته، وعادل غالبية ما يقدمه للتسلية فقط وتغييب العقول.
جمال مثقف ويقرأ وصاحب رؤية وموقف ويقف في صف الشعب ضد سلطة الجزار الأسد.
وعادل ثقافته سماعية ورؤيته الوحيدة تتمثل في الترويج للسلطة القاتلة وقذف الطوب على معارضيها.
جمال يؤكد دعمه للمقاومة في العالم العربي من حركة «حماس» إلى «الجبهة الديمقراطية» باعتبار أن المقاومة ورقة ضغط في يد المفاوض العربي. وعادل يتهجم ويتهكم على المقاومة ويعتبرها سبب بلاء الأمة.

جمال- الممتلئ شبابا- يتحدث بواقعية عن أن المعجبات ينظرن للممثل بعدما يتخطى سن الثلاثين أو الخامسة والثلاثين نظرة مختلفة، ويحبونه لتمثيله وليس لشخصه.

وعادل- الكبير مقاما وسنا- يتحدث عن المعجبات وكأنه كازانوفا بلاد العرب والعجم، ويؤكد في حواراته أن «كل الستات بيحبوني»، ويصر في كل أفلامه على أن يظهر في صورة الفحل، ويوزع قبلاته وأحضانه على ممثلات في عمر ابنته.

(5) المشكلة ليست في عادل إمام، وإنما في الهالة التي تصنعها الدولة حوله، وكأنها تروّج لهذا النموذج فقط، بينما يذهب إلى وادي النسيان نظراء جمال سليمان في مصر مثل محمود حميدة وخالد الصاوي.

لكن يبقى أجمل ما في جمال هذا الحب الكامن في نفسه. كم كان معبرا وهو يتحدث عن ابنه «محمد»، معلقا على كلام المذيع بأن محمد أحدث تحولا في حياته، بقوله وعيناه تلمعان بالدموع: «بل انقلابا وثورة»، منوها بحرصه على تصوير مشهد ولادة محمد وسقوط الكاميرا من يديه مع أول صرخة يطلقها.

يا جمال.. بارك الله لك في محمد. وبوركت لنا واجهة مشرفة للفن والفنان العربي والمصري، لتعوضنا عن وكستنا في فنانينا!


المصدر