شهر رمضان شهر العبادة والجهاد والإحسان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
شهر رمضان شهر العبادة والجهاد والإحسان


بقلم / الأستاذ صالح عشماوي

الأستاذ صالح عشماوي

ها هو ذا رمضان العظيم، وشهر الوحي والتنزيل، الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان يطل بوجهه المشرق، ويطالع المسلمين بسناه المنير، فتنتبه قلوب غافلة، وتستيقظ مشاعر جامدة، ويهتف في ضمير كل مسلم صوت من السماء:

"يا باغي الشر أقصر، ويا باغي الخير هلم".

وإن لله نفحات، والعاقل من تعرض لنفحات ربه، وفيوضات مولاه، وأيام رمضان موسم للعبادات والطاعات، وفصل من فصول السنة يزخر بالرحمة والمغفرة والرضوان. وفيه يتضخم العمل وتزداد الحسنات.. (من تقرب فيه بخصلة كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة فيه، كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه.. أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار).

فلنقبل عليه بالتوبة الصادقة والاستغفار ولنطهر فيه قلوبنا، ونزكي نفوسنا، حتى تتعالى عن الدنايا والأهواء، وتتسامى عن المطامع والشهوات، وليمض الواحد منا يومه صائما وليله قائما، يرجو رحمة ربه ويخشى عذابه، ويرتل القرآن ويسبح في عالم علوي مشرق بالنور، تسعد فيه نفسه، ويطمئن قلبه، وتقر عينه بما ادخر له من ثواب وجزاء حين يقرأ: "تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" .

وشهر رمضان العظيم ليس شهر صيام وقيام، وذكر واستغفار فحسب، ولكنه بجانب ذلك ومعه، شهر الغزو والجهاد والفتح، ففي اليوم السابع عشر منه وقعت غزوة بدر، وبدأ عهد العزة الإسلامية لأن حق المسلمين ابتداء يعتمد على القوة بجوار الدعوة، فقد كان المسلم قبل بدر يتكلم بالحجة والبرهان فلا يسمع له ولا ينصت إليه إلا المنصفون من أصحاب العقول والأفهام، ولكنه لم يشعر به أحد من عبيد المال والشهوة والجاه، حتى رفع سيفه فجأة يوم بدر، وتكلم به في الرقاب كلاما بليغا فهمه الحمقى والعقلاء، والمكابرون والمنصفون، والنفعيون والمخلصون، والمتغطرسون، والمتواضعون!

وفي العشرين منه فتحت "مكة"، وحطمت الأصنام، ودانت جزيرة العرب لله الواحد القهار و.. (جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) .

وشهر رمضان المعظم كما جمع في أيامه بين العبادة والجهاد، فهو أيضا موسم الإحسان والزكاة والخيرات، "كان رسول الله أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن فلرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة"

فإذا مضى الشهر وآذن بالانتهاء، وكانت النفس قد ذاقت مرارة الحرمان من الطعام والشراب، فرقت وشفت وأحست بإحساس الفقراء، كان على المسلم أن يخرج زكاة الفطر، وأن يسعى بها إلى الفقير تكريما للإنسانية، وتحقيقا للأخوة الإسلامية، وإذا لم يخرج الزكاة لم يقبل منه صوم، وما أروع قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (صوم رمضان معلق بين السماء والأرض لا يرفع إلا بزكاة الفطر).

رمضان 22.jpg

وأخيرا.. لقد قدم رمضان هذا للناس (نبيا وكتابا) أو (زعيما ومنهاجا) قامت عليهما أعظم نهضة، وتمت بها أضخم رسالة، فكان النبي والزعيم محمدا صلى الله عليه وسلم، وكان الكتاب والمنهاج هو القرآن الكريم، وكانت الرسالة إنشاء دين – هو دين الفطرة والخلود – وإحياء أمة، هي خير أمة أخرجت للناس، وإقامة دولة هي أعدل دولة ظهرت في الوجود.

ولقد سجل التاريخ أمما عظيمة، نهضت من كبوتها، وقامت من عثرتها، ونفضت عنها رواسب القرون، وتخلصت من حياة الذل والهوان لتعيش عيشة العزة والسيادة وتم كل ذلك على أساس (قائد ومنهاج) وأمام المسلمين سيرة المثل الكامل للإنسان الذي أرسله ربه رحمة للعالمين، وأنقذ الله به الدنيا، وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأمام المسلمين كتاب الله وقرآنه، وهو منهاج كامل للنهضة والبعث، يذكرهم به شهر رمضان، ويرتلونه في المحراب، ويسمعونه من المذياع. وأمام المسلمين كذلك (الإخوان المسلمون) يدعونهم إلى اقتفاء أثر الزعيم، وحسن اتباع النبي العظيم، كما يلفتونهم إلى الدستور الخالد، والمنهاج الكامل.. القرآن العظيم.

لقد عزم الإخوان المسلمون أن يسيروا قدما، وهم لن يترددوا أو يضعفوا، داعين كل مخلص لهذا الدين، غيور على الأخلاق محب لهذا الوطن المسكين، أن ينضم إلى (الكتيبة) ويلحق بصفوف المجاهدين، وإلا فقد أعذروا، ولم يبق بعد الإعذار إلا أن يحملوا العبء ويضطلعوا بالأمانة، وينفروا خفافا وثقالا في سبيل الله، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.


المصدر : مجلة الدعوة أول رمضان 1370هـ / 5 يونيه 1951م.