عبد اللطيف زايد

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الشيخ عبد اللطيف زايد .. التربية الواقعية


إخوان ويكي

مقدمة

إن الموت قدر محتم على كل حي، لا ينجو منه كبير ولا صغير، غير أن رحيل العلماء وهم بمثابة بركات الأرض ورحمات السماء، ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار، كما ذكر الحسن البصري. والشيخ عبداللطيف زايد ترك بصمات تربوية وعلمية كبيرة كان لها دور في النهضة العلمية والتربوية التي شهدتها دولة قطر.

حياته

في بلدة أويش الحجر (يطلق عليها قرية القرآن الكريم بالدقهلية لكثرة حفاظها) التابعة لمدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية بدلتا مصر، ولد الشيخ عبد اللطيف زايد عام 1924م.

حفظ القرآن صغيرا، ودرس في معاهد المنصورة وطنطا والزقازيق .. ثم التحق بكلية أصول الدين وتخرج فيها عام 1955م. نال العالمية مع الإجازة وحصل عليها عام 1956، كما التحق بمعهد الدراسات العربية العالي عام 1957م وتخرج فيه عام 1959م.

عمل في بداية حياته مدرسا بمدرسة الشرق الخاصة بالقاهرة، قبل أن يتعاقد مع دولة قطر عام 1959م لينتقل للعمل في المعهد الديني الذي أسسه الشيخ يوسف القرضاوي، وظل به حتى أصبح وكيلا للمعهد ثم مديرا له في فترة من فتراته والتي سعى للنهوض بالمعهد وترك بصمات في كل المدرسين وطلاب المعهد. وبعد عمله في المعهد نقل إلى التوجيه الشرعي مع الشيخ عبد المعز عبد الستار أوائل يونيو من عام 1984م.

حيث يحكي الدكتور القرضاوي عن هذه الرحلة في مذكراته بقوله:

"وبعد مدة من الزمن لا أذكر كم استغرقت، عدنا إلى دراستنا في كلياتنا. وعاد عبد اللطيف زايد الذي زاد حبي له. وبعد ذلك تخرجت، وتخرج هو بعدي، وتفرّقت بنا الأيام، حتى شاء الله أن نلتقي مرة أخرى في قطر، فقد سافر إلى قطر قبلي متعاقدًا لتدريس العلوم الشرعية في مدارسها. وذهبت إلى قطر مُعارًا من الأزهر لأعمل مديرًا للمعهد الديني الثانوي.
وقد كان من أوائل ما طلبته من فضيلة الشيخ عبد الله بن تركي المسئول الأول عن العلوم الشرعية وتدريسها ومدرسيها، هو تحويل الشيخ عبد اللطيف زايد إلى التدريس بالمعهد الديني. فقال: أنا لا أمانع في ذلك، ولكن هو يعمل في أم صلال علي، وأرى أن من المناسب أن تزور شيخ القرية الشيخ علي بن جاسم آل ثاني، وتستأذنه في نقل الشيخ عبد اللطيف إلى المعهد، وأعتقد أنه سيلبّي طلبك.
وهو ما حدث بالفعل. فقد زرت الشيخ عليّ في مجلسه واحتفى بي، وتحادثنا في شئون العلم والأدب، وكان مهتمًا بذلك، وكان مالكي المذهب، وكانت جلسة طيبة. ثم فاتحته في حاجتي إلى الشيخ عبد اللطيف ليعاونني في المعهد الديني. فوافق الرجل، ولم يتردَّد. رحمه الله وغفر له.
وقد كان الشيخ عبد اللطيف نِعم العون لي، طوال فترة إدارتي للمعهد. وقد تولى إدارة المعهد فترة من الزمن، ثم عمل مفتشًا للعلوم الشرعية مع فضيلة شيخنا الشيخ عبد المعز عبد الستار".

ويقول الشيخ حسني جرار:

كان الشيخ عبداللطيف نعم العون لمدير المعهد في توجيه الشباب، خصوصا في الرحلات مع شباب المعهد، حيث كان حسن الصلة بالطلاب، محببا إليهم ويعاملهم برفق.

وهو ما يؤكده الشيخ القرضاوي – مدير المعهد – بقوله:

واخترتُ معي الأخ الكريم الشيخ عبد اللطيف زايد، مرافقًا ومشاركًا في الإشراف على الطلاب، وكان حسن الصلة بهم، محببًا إليهم، يتعامل معهم بالرفق وبالحزم معًا، وهذا هو المطلوب، ثم هو قريب مني كما أني قريب منه، فهو ابن الدعوة، وابن القرية، وهو من الناس الذين يؤثرون على أنفسهم، ومثل هذا يريح في السفر، وقد قال الأقدمون: الرفيق قبل الطريق، والجار قبل الدار.

كما شارك في لجان التأليف بوزارة التربية والتعليم لكتب العلوم الشرعية، ولجان تطوير المناهد الدينية. كما ظل يعمل خطيبا في مسجد أبو بكر الصديق لفترات طويلة.

بين صفوف المقاومة

كان لتربية الشيخ عبداللطيف زايد ومعرفته بطلبة الإخوان المسلمين، وما لمسه منهم من حب الجهاد والتضحية في سبيل الدين والوطن، مما دفعه للسير في ركابهم وتسجيل اسمه ضمن الطلاب الذين سجلوا أسمائهم للتوجه إلى القنال للاشتراك في مقاومة الإنجليز مع كثير من طلاب الجامعات المصرية الذين شكلوا فرق الفدائيين على القنال عام 1951م بعدما ألغى النحاس باشا معاهدة 1936.

يقول الشيخ يوسف القرضاوي في مذكراته:

(وقد عرفت الأخ الشيخ عبد اللطيف أول ما عرفته حين كان طالبًا في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، وكان ذلك في معسكر التدريب، الذي أقمناه في رحاب كليات الأزهر بالدرَّاسة بجوار الجامع الأزهر العريق. وكان هذ المعسكر يستقبل الطلاب الراغبين في السفر إلى منطقة القناة، لمقاومة الاحتلال البريطاني. وهم في هذا المعسكر يتلقون التدريبات الأولية التي لا بدّ منها، ومعظمها نظري، لأننا نعيش في منطقة سكنية، لا تتحمّل تجربة إطلاق النار من بندقية أو رشاش، أو إلقاء قنبلة، أو تفجير ديناميت أو نحو ذلك.
وكان الذي لفت نظري إلى عبد اللطيف زايد أحد رفاقه من بلدته "ويش الحَجَر" مركز المنصورة، وقد سألوني عنه، وأعينهم تذرف، فقلت لهم: إنه بخير، فقالوا لي: إنك لا تعرفه، إنه شهيد حي. فهو رجل نقي السريرة، طاهر السيرة، مستقيم السلوك، صوّام قوّام، غيور على الإسلام، مُحبٌّ لله ورسوله، مُتَفَان في خدمة إخوانه... إلى آخر ما وصفوه لي، وقالوا: إن مثله أهل للشهادة؛ ولذا نريد أن نلقاه قبل سفره، فقد يكون هذا اللقاء الأخير!.
هذه الكلمات من قوم عرفوا الرجل معرفة معايشة ومرافقة طويلة، حبَّبت إلي الرجل، وجعلتني أقترب منه وأجد في حب مثله شفاعة لي يوم القيامة. فأنا كما قال القائل: أحبُّ الصالحين ولست منهم!).

في آتون المحنة

كان لانضمام الشيخ وهو طالبا في صفوف الإخوان المسلمين وكتيبة المجاهدين في حرب القنال أثر عليه حينما تولى العسكر السلطة، حيث تم القبض عليه أوائل عام 1954م حيث ظل في المعتقل لمدة ثلاثة أشهر حتى أفرج عنه، لكنه لم يعتقل الاعتقال الأكبر بعد حادثة المنشية في أكتوبر 1954م.

سافر إلى قطر وأثناء عودته لقضاء الأجازة في مصر عام 1965م تم القبض عليه من بيته وزج به في السجن الحربي حيث لاقى من التعذيب الكثير والكثير، حيث قضى فيه عدة سنوات ولم يفرج عنه إلا بعد النكسة، وحينما خرج منع من السفر مرة أخرى إلى قطر (وهو ما حدث مع صديقه القرضاوي إلا أنه القرضاوي ساعده من أخرجه من مصر)، حتى سمح له بالسفر مرة أخرى عام 1969 أو 1970م.

يقول الشيخ القرضاوي:

أما الشيخ عبد اللطيف، ومعه الأستاذ أحمد المنيب، وكذلك الأستاذ محمد المهدي البدري فقد بقوا، ولم يفرج عنهم إلا بعد عدة سنوات، بعد نكبة حزيران (يونيو) 1967 بمدة طويلة.

مواقف تربوية

ومن المواقف التي يذكرها له الشيخ حسني جرار أن إمرأة من أهل قطر جاءته وأخبرته بأنها قامت ببناء مسجد وتريد خطيبا وإماما له، فتكلم مع الشيخ عبداللطيف فوافق على أن يكون إمام وخطيبا وبالفعل تسلم المسجد فزاد رواده فأقام دروس أسبوعية توعوية وتنموية وشرعية.

ففرحت السيدة لما رأته، فقامت بنناء بيت بجوار المسجد ليكون سكنا للشيخ لكنه رفض بشده قبول المنزل، وظلت السيدة عامين تلح عليه بقبوله حتى قبله في النهاية بعد قسمها عليه، وبعد فترة ترك البيت وظل يمارس مهامه في المسجد.

كان ضمن من استقبلوا الأستاذ عمر التلمساني في الدوحة بعد توليه منصب المرشد العام حيث تناقشوا في شئون الدعوة وكيفية العمل على انتشارها.

كتاباته

كان الشيخ معلما وخطيبا وكاتبا حيث كتب تحت عنوان "القُرآن العظيم وأثره في الاستراتيجيات العبقرية للنبي صلى الله عليه وسلم في الغزوات والمعارك الحربية":

إنّ شخصية نبينا مُحمد صلى الله عليه وسلم تقف وحيدة بين شخصيات العالم وعظماء التاريخ، فريدة في تاريخ البشرية كُلّها، فإنّ جميع المحامد والفضائل العُليا وجدت فيه، وانتهت إليه، دون سواه من النّاس، فهو صلى الله عليه وسلم قمة شمَّاء، من أي جهة إليه وجدّته عظيماً، وصدق فيه قول الله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) "القلم: 4" ..
وللنبي الحبيب صلى الله عليه وسلم ميزة ثانية، وهو أنّ سيرته العطرة، وجميع تصرفاته وما صدر عنه، كله مسجل ومدون في كتب متعددة من كتب الحديث والسيرة النبوية، وهذه الكتب شاملة لكُلّ ما جاء عنه، حتى شملت هذه المدونات الأمور الخاصة التي في البيت، ومع نسائه أمهات المؤمنين، وما عُرف عن أحد قط حديثاً أو قديماً، تحدّث عن نفسه بهذه الصراحة والوضوح ..
والميزة الثالثة أنّ كُلّ ما صدر عن الرّسول صلى الله عليه وسلم قد بُحث ونُوقش و وُضع تحت منظار العقل والنّقل، بطريقة فريدة في العالم، وهذا البحث وهذه المناقشة كانت من طبقات من الرّجال لا عهد للعالم كله بأمثالهم، فقد امتازوا بالصدق، ودقّة الضّبط والنقل ..
والميزة الرابعة أنّه نتيجة لبحث ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نشأت علوم ومعارف وأبحاث تكاد أن تبلغ الغاية، وتصل إلى النهاية تحت قُبَّة السنة المُطهّرة والسيرة العطرة، وهذه العلوم خاصّةٌ بالمسلمين وحدهم دون سواهم ..
وهُناك أمر يخص هذا البحث وهو الجانب الاستراتيجي العسكري عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثر التربية القُرآنية في تنمية مواهبه وصقْل تجاربه وخبراته وإبرازها في إدارة ميادين المعركة ومُلاقاة وتأديب المعتدين على الدولة الإسلامية الوليدة من خلال الغزوات التي شارك فيها، وكذلك السرايا التي أمر بها صلى الله عليه وسلم
فالرّسول صلى الله عليه وسلم يُعتبر قائداً رائداً كبيراً في الأمور الاستراتيجية ومسائل الدولة السياسية والعسكرية في الغزوات والمعارك الحربية، وفيما يخص العبقرية العسكرية للنبي صلى الله عليه وسلم في إدارة الغزوات، فقد ابتكر النبي صلى الله عليه وسلم أموراً في فنيّة القتال ومُواجهة الأعداء، وبعض هذه الجوانب لم يعرفها ولم يأخذ بها القادة في الاستراتيجيات العسكرية إلا في العصور المتأخرة ..
هذا والله سبحانه وتعالى أسألُ أن ينفعنا بهذه السيرة العطرة، فجزى الله رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم خير ما يجزي نبيّاً عن أُمَّته، وبعد .. فإنّ النّبي محمد صلى الله عليه وسلم اختاره الله عزّ وجلّ واجتباه واصطفاه ليهدي النّاس إلى الصراط المستقيم، ويُبيّن لهم معالم الحقّ، ويُخرجهم من الظُّلُمات إلى النُّور، ويصل بهم إلى السَّلام الكامل في الدُّنيا والآخرة ..
ولقد أشار الله عزّ وجلّ إلى هذه الأمور في كثير من الآيات مُبيّناً لها ومُوضّحاً ومُحدّداً لها ومُفصّلاً .. فمن أمثلة ذلك؛ قول الله تعالى:
(وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) "الشورى: 52". وقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) "الصف: 33".
وقوله جلّ شأنه: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد) "إبراهيم: 1". وقوله سبحانه: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47). "الأحزاب: 45 – 47".
والأمثلة على ذلك كثيرة والشّواهد مُتعددة. هكذا كان محمد صلى الله عليه وسلم، وبهذا أُرسل وبُعث، وبهذا كان رحمةَ للعالمين، قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) "الأنبياء: 107". وقال هو نفسه صلى الله عليه وسلم: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ)) (1)
وهو سيد ولد آدم ولقد اصطفاه الله من سلسلة سادة كرام، قال صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ)) (2) وقال صلى الله عليه وسلم: ((لَمْ يَلْتَقِ أَبَوَايَ فِي سِفَاحٍ، لَمْ يَزَلِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يُنَقِّلُنِي مِنْ أَصْلَابٍ طَيِّبَةٍ إِلَى أَرْحَامٍ طَاهِرَةٍ، صَافِيًا، مُهَذَّبًا، لَا تَتَشَعَّبُ شُعْبَتَانِ، إِلَّا كُنْتُ فِي خَيْرِهِمَا)) (3)
ومع هذا الاصطفاء والتميز فالرسول صلى الله عليه وسلم بشر فيه جميع صفات البشر التي خلق الله الناس عليها. لقد نشأ كما نشأ غيره من البشر، تربى في مكة ودرج على أرضها، وأكل الطّعام الذي يأكله أهلها، وجلس على تُرابها، وعاش في قُريش كرجل منهم يتعامل معهم ويُشاركهم أيّامهم، ويرعى أغنامهم، ويُتاجر في أموالهم، وتزوج من نسائهم وأنجب أولاداَ عاشوا معهم ..
وقد أصرَّ الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الرسالة على أن يُؤكد هذه البشرية تأكيداَ كبيراً حتى لا يُغالي فيه الناس، كما حدث لبعض الأنبياء السابقين حينما تغالى فيهم قومهم، ولعلنا نذكر ما حدث لعيسى عليه السلام حينما غالى فيه النّصارى فجعلوه ابن الإله، أو جعلوه أُقنُوماً ضمن أقانيم ثلاثة، هي "الله" بزعمهم؛ تعالى الله عن ذلك عُلُوّاً كبيراً، قال تعالى: (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) "المائدة: 73" ..
ولقد أكّد الرسول صلى الله عليه وسلم هذه البشرية بما لا يدع مجالاً للغُلوّ والتطرف، قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ ..)، وقال جلّ شأنه: (قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا) "الإسراء: 93". وفي حديث عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا خَطَبَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى"، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ، قُلْ: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: ((فَقَدْ غَوِيَ)) (4)
يُريد بذلك أن مجرد جمعه مع الله عزّ وجلّ في ضمير واحد في قوله: " وَمَنْ يَعْصِهِمَا " قد يُوهم مساواته لله سُبحانه وتعالى، وفي حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَاجِعُهُ الْكَلَامَ، فَقَالَ: "مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ". فَقَالَ: ((جَعَلْتَنِي لِلَّهِ عَدْلًا ! مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ)) (5)
وفي لفظ آخر: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ"، قَالَ: ((جَعَلْتَ لِلَّهِ نِدًّا، مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ)) (6). وفي صحيح البخاري من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أنّهُ سَمِعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ)) (7)
قال الإمام الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قال ابن الجوزي – رحمه الله: لا يلزم من النَّهي عن الشيء وقوعه؛ لأنّا لا نعلم أحداً ادَّعى في نبينا صلى الله عليه وسلم ما ادَّعته النَّصارى في عيسى عليه السلام، وإنَّما سبب النَّهي فيما يظهر ما وقع في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه لمـَّا استأذن في السُّجود له فامتنع ونهاه، فكأنَّه خشي أن يُبالغ غيره بما هو فوق ذلك، فبادر إلى النَّهي تأكيداً للأمر" ..
وقال ابن التين رحمه الله: معنى قوله: " لا تَطَرُوِني " لا تمدحوني كمدح النَّصارى، حتى غَلا بعضهم في عيسى عليه السلام فجعله إلها مع الله، وبعضهم ادَّعى أنَّه هو الله، وبعضهم ابن الله، ثم أردف النَّهي بقوله: " أنا عبد الله "، قال: والنُّكتة في إيراد عمر هذه القصة هنا: أنَّه خشي عليهم الغُلو، يعني: خشي على من لا قُوة له في الفهم أن يظن بشخص استحقاقه الخلافة، فيقوم في ذلك مع أن المذكور لا يستحق، فيطريه بما ليس فيه فيدخل في النَّهي" (8).

وفاته

ظل الشيخ عبداللطيف عاملا بين التعليم والخطابة لا يكل ولا يمل حتى وفاته المنية يوم الاثنين 14 ديسمبر 1992م، الموافق 19 جمادى الآخر 1413هـ حيث شيعته جموع غفيرة حيث دفن بمقبرة أبو هامور، وأقيم له العزاء في مسجد عمر بن الخطاب في الدوحة.

وكتب الشيخ القرضاوي قائلا: لقد ترك فراق عبد اللطيف:

عبرات في العين، وزفرات في الصدر، وحزانًا في القب. وأحيانًا إذا فقد المرء حبيبًا، ذكّره بآخرين من الأحبة ماتوا قبله، فهو إذا بكى فإنما يبكي على الجميع، ولهذا بكيت بموت عبد اللطيف: موت أخي مصباح محمد عبده الذي وافاه المنون في قطر، ودُفن في قريته محلة أبو علي، وبكيت بموته موت أخي محمد الدمرداش مراد، وبكيت أحبّة شتَّى.

المصادر

  1. حسني أدهم جرار: ذكريات الوطن والغربة، دار المأمون للنشر والتوزيع، عمان الأردن، طـ1، 2006م، صـ97- 99.
  2. مذكرات الشيخ يوسف القرضاوي: وفاة الأخ الشيخ عبد اللطيف زايد سنة 1992م، 17 يوليو 2019