عشرون عاماً سقطت عمداً من جهود الإخوان
إعداد: ويكيبيديا الإخوان المسلمين
مقدمة
ما زلنا نتابع أصداء ثورة 25 يناير وما حدث فيها من تغييرات إيديولوجية ومحورية في المجتمع سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي، غير أننا نرى بعض المثقفين ما زالوا لا يعترفون بجهود فصيل له دور كبير وسط المجتمع ومتواجد منذ أكثر من ثمانين عاما وضحى بكثير من أبناءه في سبيل تحرر هذا الوطن وفي سبيل إصلاح المجتمع مما شابه من أمراض وعلل اجتماعية وسياسية، وقدم مشروعا اقتصاديا أتى ثماره وكانوا يحرصون فيه على إعطاء العامل حصة من الأسهم حتى يشعر بأن له جزء في المصنع أو الشركة ولا يعمل أجير عند أحد.
لقد حاول النظام العسكري طيلة أكثر من ستين عاما يعمل على تشويه صورة الإخوان بشتى الطرق وكان يساعده بعض المثقفين الذين ساروا في ركابه، وحينما حررت ثورة 25 يناير الشعب المصري من هذا النظام تبارى بعض المثقفين للتحامل على الإخوان وبدأوا حملة تخويف من هذا الفصيل، وكان بعض المثقفين –وما زالوا- يتعمدون أن يسقطوا عشرون عاماً من تاريخ وجهود الإخوان في إصلاح المجتمع والتصدي للمحتل البريطاني منذ نشأة الجماعة حتى اغتيال مرشدها الأول الأستاذ حسن البنا، فلقد غفل كثير من المؤرخين والمثقفين عن عمد هذه الفترة التي قدم فيه الإخوان نموذجا عظيما في جوانب الإصلاح المتعددة، وتمسكوا ببعض الحوادث واعتبروها هي كل رصيد الإخوان كما أنهم اختزلوا جماعة وصفها الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس حينما وصف حسن البنا الرجل الذي يتبعه النصف مليون اختزلوا تاريخها في مقتل الخازندار أو النقراشي.
لقد وصف الإمام الشهيد حسن البنا ما سيتعرض له الإخوان بقوله في رسالة بين الأمس واليوم : أحب أن أصارحكم أن دعوتكم لا زالت مجهولة عند كثير من الناس، ويوم يعرفونها ويدركون مراميها ستلقى منهم خصومه شديدة وعداوة قاسية، وستجدون أمامكم كثيرًا من المشقات وسيعترضكم كثير من العقبات.
ثم يؤكد يوضح الأصناف التي ستعادي الدعوة ورجالها فيقول: ستجدون من أهل التدين ومن العلماء الرسميين من يستغرب فهمكم للإسلام وينكر عليكم جهادكم في سبيله، وسيحقد عليكم الرؤساء والزعماء وذوو الجاه والسلطان، وستقف في وجهكم كل الحكومات على السواء، وستحاول كل حكومة أن تحد من نشاطكم وأن تضع العراقيل في طريقكم.
وسيتذرع الغاصبون بكل طرق لمناهضتكم وإطفاء نور دعوتكم، وسيستعينون في ذلك بالحكومات الضعيفة والأيدي الممتدة إليهم بالسؤال وإليكم بالإساءة والعدوان. وسيثير الجميع حول دعوتكم غبار الشبهات وظلم الاتهامات، وسيحاولون أن يلصقوا بها كل نقيصة، وأن يظهروها للناس في أبشع صورة، معتمدين على قوتهم وسلطانهم، ومعتدين بأموالهم ونفوذهم.
فلقد آمن كل فرد في الجماعة بهذه العقبات، وان أصحاب الرسالات دائما مستهدفون من قبل قلة تريد أن تشوه تاريخها ونضالها، ومن منطلق ذلك يجب ان نتوقف بعض الشئ لنعرف جهود الإخوان المسلمين في عشرين عاما أسقطها المثقفين سواء اليساريين أو العلمانيين او الكارهين لجماعة الإخوان المسلمين، وهي العشرين عاما التي عمل فيها الإمام البنا وإخوانه وفق مشروع إسلامي متكامل لنهضة الوطن.
جهود الإخوان في الإصلاح
أولاً: الإصلاح السياسي
منذ بدء الإمام الشهيد دعوته لإحياء مجد الإسلام وأسس جماعة الإخوان المسلمين وهو يدعو إلى الإسلام بمعناه الشامل الكامل، الذي يتضمن معاني الإصلاح جميعًا، وبالرغم من محاربة الإمام البنا للحزبية لكن كان السبب هو التنافسية البغيضة بين الأحزاب والتي كانت تأتي على مصالح الوطن، إلا أنه لم يهمل جانب النصح والعمل السياسي المؤسسي بمفهومها الواسع وليس مفهومها الحزبي، فقد كان موقفها من الحكومات التي كانت تفرض على الأمة باختيار الملك لرئيس الوزراء والوزارة المشكلة معه كان موقفا أخر، فكان موقف الإخوان في تلك الفترة موقف الناصح الأمين للحكومات المختلفة، لم يعارضوا أو يعترضوا على حكومة دائما بل كان رائدهم في التأييد والمعارضة مواقف تلك الحكومة وقربها أو بعدها عن الإسلام، وقد ركز الإخوان في تلك الفترة على مطالبة الحكومات المختلفة بالإصلاح الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
وعندما جاءت وزارة علي ماهر وخطت بعض الخطوات الإصلاحية كتب الإمام الشهيد يؤيد تلك الإصلاحات في مقال بعنوان "خطوات موفقة".
وفي افتتاحية العدد الأول من "مجلة النذير" 30 مايو 1938م يقول الإمام حسن البنا: "نحن حرب على كل زعيم، أو رئيس حزب، أو هيئة لا تعمل على نصرة الإسلام بمثل هذا الأسلوب نخاطب الناس، ونكتب لرفعة النحاس باشا، ومحمد محمود باشا، وعلي ماهر باشا، وحسين سري باشا، وغيرهم ممن نريد أن نعذر إلى الله بإبلاغهم الدعوة، وتوجيههم إلى ما نعتقد أن فيه الخير والصواب لهم وللناس.
ومن هذا المنطلق دأب الإخوان على إرسال المذكرات للملك ولرؤساء الوزراء اعتراضا على فساد الحكومة أو سياستها نحو القضية المصرية أو قضايا المجتمع، فلقد عاب الإخوان على حكومة محمد محمود باشا عزمها إقامة مدينة للملاهي عمادها الخمر والميسر.
وفي وزارة علي ماهر باشا قدم الإخوان له برنامج عملي للوزارة حددوا فيها عدة نقاط وهي:
أ-التسامح التام مع خصومكم السياسيين، وتقدير ملاحظاتهم، والثناء عليهم في الحسن منها، وتلمس العذر لهم في الحملات الشديدة والانتقادات الخاصة، وانتهاز كل فرصة للتفاهم معهم.
ب- دوام الاتصال بالشعب بالزيارات من رفعتكم ومن كبار الحكام في بساطة وتواضع، وبعدٍ عن كلفة الرسميات، وأبهة المناصب.
ج- القضاء التام على الرشوة والمحسوبية وداء الوساطة التي تفشت في كل شيء عند كل الطبقات.
د- الاقتصاد التام في الكماليات، وفي أبهة المناصب، وتعديل المرتبات الضخمة، وإلغاء مظاهر الترف الرسمي في دواوين الحكومة ومصالحها، وليبدأ بذلك حضرات الوزراء أنفسهم ثم كبار الموظفين من بعدهم.
ز- العناية بالشئون الاقتصادية، وتوفير المشروعات الإصلاحية.
س- التشدد التام في حقوق الأمة القومية، وعدم اللين فيها، مهما كانت الظروف ضاغطة.
ش- المحافظة التامة على الشعائر الإسلامية.
الاهتمام بالقضية الفلسطينية، ودعوة الحليفة "إنجلترا" إلى الإفراج عن المعتقلين السياسيين في فلسطين، والسماح بالعودة للمهاجرين والاعتراف لهذا الوطن العربي الباسل الكريم بكامل حقوقه غير منقوصة.
كما شارك الإمام البنا والإخوان في انتخابات مجلس النواب عامي 1943 و1945م، إلا أن الضغط والتزوير منعهم من الفوز، وليس ذلك فحسب بل قدم الإخوان نموذجا سياسيا لقضايا الوطن غير ان الحكومات لم تكن تستجيب لهذه المقترحات.
وحينما توجه النقراشي لعرض القضية المصرية على مجلس المن أرسل النحاس باشا برسالة لرئيس المجلس يخبره أن النقراشي لا يمثل الشعب المصري، فشكل ذلك ضربة قاصمة في ظهر القضية المصرية، مما دفع الإمام البنا لأن يرسل رسالة لرئيس مجلس الأمن يخبره أن الشعب المصري يقف خلف النقراشي في عرض القضية.
ثانياً: الإصلاح الاقتصادي
كما ذكرنا أن المشروع الإسلامي الذي عمل له الإمام البنا والإخوان كان برنامجا شاملا يشمل نواحي الحياة جميعا، ومنها المحور الاقتصادي والذي اعتنى به الإخوان في ظل سيطرة المحتل الانجليزي وأتباعه على الحياة الاقتصادية فمن المعروف أن اليهود كانوا اكبر فصيل مسيطر على اقتصاد مصر وكان دور المصريين هم العمالة فقط عند هؤلاء، فكان دافعا للإخوان في تشكيل مؤسسات اقتصادية وشركات تتصدى لسيطرة الشركات الغربية، وكما عمل طلعت حرب على تحرير الاقتصاد المصري سار على نهجه الإخوان.
فيقول الإمام البنا: «إننا في أخصب بقاع الأرض وأعذبها ماء، وأعدلها هواء، وأيسرها رزقًا، وأكثرها خيرًا، وأوسطها دارًا، وأقدمها مدنية وحضارة وعلمًا ومعرفة، وأحفلها بآثار العمران الروحي والمادي والعملي والفني، وفي بلدنا الموارد الأولية والخامات الصناعية والخيرات الزراعية وكل ما تحتاج إليه أمة قوية تريد أن تستغني بنفسها، وأن تسوق الخير إلى غيرها، وما من أجنبي هبط هذا البلد الأمين إلا صح بعد مرض، واغتنى بعد فاقة، وعز بعد ذل، وأترف بعد البؤس والشقاء، فماذا أفاد المصريون أنفسهم من ذلك كله؟ لا شيء.. وهل ينتشر الفقر والجهل والمرض والضعف في بلد متمدن كما ينتشر في مصر الغنية مهد الحضارة والعلوم وزعيمة أقطار الشرق بغير مدافعة؟».
وقد جاء في أول لائحة للجماعة حملت بين طياتها جوانب الإصلاح التي ينوى الإخوان القيام بها، ومما جاء في اللائحة في المادة الأولى: تنمية روح التعاون الاقتصادي والتعاملي بين أعضاء الجماعة بتشجيع المشروعات الاقتصادية وتكوينها والنهوض بها. (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) [المائدة: 3] ومنها.
أ- تأسيس المنشآت النافعة للأمة روحيًا واقتصاديًا ما أمكن ذلك كالمشاغل والمستوصفات الطبية والعيادات الخيرية والمساجد وإصلاحها وترميمها والإنفاق عليها والإشراف على إدارتها وإحياء الشعائر فيها: "فِى بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ" [النور: 36].
ب- تنمية روح التعاون الاقتصادي والتعاملي بين أعضاء الجماعة بتشجيع المشروعات الاقتصادية وتكوينها والنهوض بها: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى" [المائدة: 2].
كما أن الإخوان قد نادوا بعدة أمور منها:-
1-الدعوة إلى الاستقلال الاقتصادي عن السيطرة الأجنبية عن طريق:
1. استقلال النقد المصري عن الإنجليزي والاعتماد على الرصيد من الذهب.
2. تمصير الشركات وإحلال رؤوس الأموال الوطنية محل الأجنبية ما أمكن.
3. تأميم البنك الأهلي والشركات الأجنبية، وتوزيعها بالعدل على أبناء المجتمع المصري وتحريم تملك الأرض المصرية للأجانب.
4. التحريم الربا في كل المعاملات.
2- النهوض بالاقتصاد الوطني عن طريق:
1. استغلال منابع الثروات الطبيعية بصورة منتجة.
2. تشجيع الصناعات اليدوية لبث الروح الصناعية في الأمة.
3. التحول إلى الصناعة بجانب الزراعة.
4. إرشاد الشعب إلى التقليل من الكماليات، والاكتفاء بالضروريات.
5. العناية بالمشروعات الوطنية المهملة –آنذاك- مثل مشروع خزان أسوان.
6. إعادة النظر في نظام الملكيات في مصر.
فيقول الإمام البنا في رسالة التعاليم لأبناء حركته: -
1. أن يزاول العضو عملا اقتصاديا مهما كان غنيا، وأن يقدم على العمل الحر مهما كان ضئيلا.
2. أن يخدم العضو الثروة الإسلامية بتشجيع المصنوعات الوطنية، فلا يقع قرشه في يد غير إسلامية، ولا يلبس، ولا يأكل إلا من صنع وطنه.
3. أن يدخر جزءا من دخله ولا يتورط في الكماليات أبدا.
ولقد استجاب كثيرا من الإخوان –بما فيهم الإمام البنا- وساهموا فى إنشاء الشركات مثل:-
1. شركة المعاملات الإسلامية (أنشأت مصنعا للنحاس وآخر للبلاط والأسمنت).
2. الشركة العربية للمناجم والمحاجر (لإنتاج الأسمنت والبلاط وأجهزة الطبخ).
3. شركة الإعلانات العربية.
4. شركة الإخوان المسلمين للغزل والنسيج بشبرا الخيمة.
5. شركة التجارة وأشغال الهندسة (لإنتاج مواد البناء وتدريب العمال في حرف السباكة والكهرباء والنجارة).
ولقد وضع الإخوان برنامج اقتصادي، وضحوا فيه رؤيتهم والتي تمثلت في:
1- تحقيق الاكتفاء الذاتي.
2- توفير وسائل العيش لكل طبقات الشعب والوصول إلى مجتمع الرفاهية.
3- تحقيق المشروعات الضرورية للأمم الناهضة.
4- تعويد الشعب على الاقتصاد في كل شيء "زيادة الادخار وعدم إهدار الموارد".
وحاول الإخوان النهوض بالاقتصاد المصري عن طريق إنشاء الشركات وتشجيع المصريين على الاستثمار والتخلص من التبعية الغربية، والاهتمام بالصناعات الضرورية، والتقليل من الصناعات الكمالية والاستيراد من الخارج، والاعتماد على المنتج المصري وتشجيعه، وانتهاج نهج الأمم المتقدمة في الصناعة بأخذ التقنية الحديثة منها، وأن تتكاتف المصانع في جهة من الجهات حتى يحسن التوجيه والإرشاد، ويحاول كل مصنع العمل على الأخذ بالنهضة الصناعية، وعمل دعامات مصرفية قوية حتى يسهل عليه منافسة المنتج الأجنبي.
لم يكتف الإخوان بالكلام حول الاقتصاد فحسب بل اقتحموا الجانب العملي وانشئوا الشركات، وفي مجلس شورى الإخوان الأول – 15/6/1933م – قرر المجتمعون إنشاء مطبعة للإخوان، لكن ذلك لم يتحقق إلا بعد أن قرر مجلس الشورى الثاني – 19، 20/1/1934م – إنشاء شركة مساهمة تعاونية من الإخوان المسلمين للطباعة والنشر برأس مال ابتدائي ثلاثمائة جنيه مصري، مقسمة على 1500 سهم، قيمة السهم الواحد عشرون قرشًا، وكانت اللجنة التي تقوم على تلك المهمة مكونة من: حضرة علي أبو زيد تهامي أفندي . "رئيسًا" وحضرة محمد حلمي نور الدين أفندي. "أمين صندوق لجنة المشروع" وثلاثة من الأعضاء هم: "أسعد أفندي راجح، وعبد الرحمن أفندي الساعاتي، وأحمد أفندي السراوي"، وقد استقرت المطبعة في مقرها الجديد 7حارة الرسام من شارع الغورية بالقاهرة في فبراير 1935م.
وفي عام 1939م تقدم الأستاذ محمد عبد الوهاب باقتراح على الإمام الشهيد بإنشاء شركة مساهمة للإخوان في الأعمال الاقتصادية، بحيث يكون لهم نشاط نافع في المشروعات الإسلامية المالية، والتي تحفظ على المسلمين ثرواتهم، وتدربهم على خوض ذلك الميدان الذي استأثر به اليهود والأجانب، وقد اتفق الإمام البنا معه على ذلك المبدأ، بشرط:
1- عدم الخلط بين نشاط الدعوة والنشاط الاقتصادي لا في الشكل ولا في الموضوع، فتكون عناوين الأعمال بغير اسم الإخوان وفي غير دورهم، ولها نظامها المادي والاقتصادي، فالدعوة شيء والمال والاقتصاد شيء، وإن كان كل منهما يعين الآخر، ولكن لكل لونه ووسائله وأساليبه.
الثاني: أن لا تكون لـ "المرشد العام" صلة بهذه الأعمال من قريب أو من بعيد، وذلك صيانة لشخص المرشد ووقته. ولقد وافق الإمام البنا على ذلك وسارع الإخوان بإنشاء شركة المعاملات الإسلامية -شركة مساهمة- برأسمال أربعة آلاف جنيه مصري، مقسم إلى ألف سهم، قيمة السهم أربعة جنيهات مصرية.
وتم بيع هذه الأسهم بالنقد وبالتقسيط، حيث يباع السهم بالقسط على أربعين شهرًا بواقع عشرة قروش شهريًّا.
ومن أهم الشركات التي أنشأها الإخوان المسلمين:
1- شركة المعاملات الإسلامية .
2- الشركة العربية للمناجم والمحاجر تأسست عام 1947م.
3- شركة الغزل والنسيج تأسست عام 1948م.
4- شركة الإخوان للصحافة وشركة المطبعة الإسلامية تأسست عام 1946م.
5- شركة التجارة والأشغال الهندسية.
6- شركة التوكيلات التجارية .
7- شركة الإعلانات العربية تأسست عام 1947م.
لقد رأينا مدى اهتمام الإخوان بالجوانب الاقتصادية عمليا لا نظريا فحسب فأنشأوا الشركات والمصانع وتعاملوا مع العمال بأنهم شركاء في المؤسسة.
ثالثاً: الإصلاح الاجتماعي
لقد فرق الاستعمار بين عموم الشعب المصري خاصة والوطن الإسلامي عامة بين الطبقات فيه ليضمن تخلف هذه الشعوب ومولاة الأغنياء له ورجال الساسة، لكن منذ أن نشأة الجماعة وقد أخذت على عاتقها للتصدي للفساد المستشري في البلاد سواء بمواجهة حملات التبشير الموجودة أو محاربة أماكن اللهو والخمر والميسر ومحاربة البغاء والطبقية والفقر وإهمال التعليم.
ففي بداية الدعوة اهتم الإخوان بكل عناصر التخريب الموجودة في مصر واخذوا يحاربونها، فقد وقفوا في وجه البهائية والقاديانية حيث كشف الإخوان زيف البابية والبهائية وأظهروا حقيقتها وحذروا المسلمين من خطرها، ولقد نشرت "مجلة النذير" تحت عنوان: "البهائية" مقالاً لأحد الإخوان يوضح هذه الحقائق ويكشف زيف هذه الحركة الهدامة التي غزت المجتمع.
وقد صعّد الإخوان هجومهم على القاديانية، حيث شرح الإمام البنا في "مجلة المنار" للرأي العام نشأة هذه الطائفة وفساد عقيدة مؤسسها غلام أحمد الذي ادعى أنه المسيح الموعود به، وأن روح الله قد حلت فيه، وأنه المهدي المنظر....إلخ".
كما تصدى الإخوان للبغاء وعملوا على إلغاءه ومن الاجراءات العملية التى قاموا بها:
1- إنشاء دار التائبات بمدينة الإسماعيلية.
2- مساندة الجمعيات التي تحارب البغاء.
3- سخروا صحفهم في محاربة البغاء.
4- رفع العرائض للمسئولين للمطالبة بإلغاء البغاء.
فمثلا في السويس قرر المجلس المحلي بجلسته المنعقدة يوم السبت 6ربيع الأول 1359ه الموافق 13 أبريل 1940م إلغاء البغاء بناء على طلب جمعية الإخوان المسلمين بها، وكان هذا القرار بإجماع أعضاء المجلس عدا رئيس المجلس، وقد وجه الإخوان للمجلس رسالة شكر جاء فيها: "لا يسعنا إلا أن نشكر مجلس السويس المحلي على هذه الغيرة الإسلامية التي تجلت في قراركم الحكيم، ونخص بالذكر حضرة صاحب العزة الدكتور محمد أنيس بك مفتش صحة السويس على موقفه النبيل في هذا الشأن"، كما شكر الإخوان مأمور مركز ميت غمر على قراره بإلغاء البغاء السري والعلني، كما وقف الإخوان مع من تعلن توبتها من هؤلاء النسوة عن البغاء السري مطالبين الحكومة بتوفير العيش الكريم لهن حتى لا يعدن مرة أخرى له.
5- تصحيح الأفكار الخاطئة في محاربة البغاء.
6- المطالبة بتشريع تجريم البغاء.
ومن المظاهر أيضا التي حاربها الإخوان مظاهر التعري والسفور حيث نددوا بالصحف التي تنشر صور النساء عاريات وأيضا المخالفات التي تحدث في المصايف، ولقد استجابت الحكومة لهذه النداءات المتكررة فأصدرت وزارة الداخلية قانونًا للمحافظة على الآداب العامة في سنة 1934م، وقد قام الإخوان بشكر هذه الخطوة الحكيمة، وطلبوا من الحكومة أن تمنع بعض المجلات الأجنبية التي تأتي من خارج مصر كمجلة "لاسورير" الفرنسية التي تحتوي صورًا عارية فاضحة.
ولقد ذكر الإمام البنا في رسالتي نحو النور والمؤتمر السادس الذي عقد في 20 من ذى الحجة 1359ه قوله: لابد من:
1- مقاومة التبرج والخلاعة وإرشاد السيدات إلى ما يجب أن يكون, والتشديد فى ذلك بخاصة على المدرسات والتلميذات والطبيبات والطالبات ومن فى حكمهن.
2- إعادة النظر فى مناهج تعليم البنات ووجوب التفريق بينها وبين مناهج تعليم الصبيان فى كثير من مراحل التعليم.
3- منع الاختلاط بين الطلبة والطالبات, واعتبار خلوة أى رجل بامرأة لا تحل له جريمة يؤاخذان بها.
4- تشجيع الزواج والنسل بكل الوسائل المؤدية إلى ذلك, ووضع تشريع يحمى الأسرة ويحض عليها ويحل مشكلة الزواج.
5- إغلاق الصالات والمراقص الخليعة وتحريم الرقص وما إلى ذلك.
كما كان للإخوان دور كبير للتصدي للفكر الشيوعي الذي بدا ينتشر بعد دعوة هنري كوريل له بداية الأربعينيات ووضحوا ما ينطوي عليه هذا الفكر.
ولقد اهتم الإخوان بالنواحي الصحية فأنشأوا المستوصفات والوحدات الصحية ووفروا الأطباء وحينما ظهر وباء الكوليرا عام 1947م شارك الإخوان للتصدي له بدأ من القرين بمحافظة الشرقية والتي ظهر فيها المرض وقد أصيب منهم عدد ممن كانوا يقومون على رعاية المصابين، حتى أن مستوصف كمستوصف طنطا عالج خلال عام واحد ما يقرب من 3774 مريضا.
رابعاً: إصلاح التعليم
لقد اهتم الإخوان بالتعليم لأنه المدرسة الأولى التي تخط في شخصية الإنسان إما إلى طريق الاستقامة أو طريق الضياع إن كان في التعليم ومناهجه خلل.
ولقد اعتني الإخوان منذ نشأة الجماعة بالتعليم فنجد الإمام البنا يحرص على ذلك وينشأ معهد حراء للبنين ومدرسة أمهات المؤمنين للفتيات، ومعهد حراء هو أول معهد بناه الإخوان المسلمون بالإسماعيلية، وكان مقره فوق مسجد جمعية الإخوان المسلمين بالإسماعيلية.
ولقد طالب الإخوان بعدة أشياء لإصلاح التعليم:-
أولاً: العناية الجدية ببث روح الدين والأخلاق في نفوس الطلاب جميعًا.
ثانيا: انتداب المحاضرين أو المرشدين النابهين الأخصائيين في علوم الدين والأخلاق من رجال وزارة المعارف والأزهر الشريف والهيئات الإسلامية العاملة، لإلقاء محاضرات "خلقية" حرة على الطلاب -في أوقات فراغهم خلال اليوم المدرسي- وفق نظام خاص يوضع لذلك.
ثالثًا: زيادة عدد الدروس المقررة للدين والأخلاق في المدارس الابتدائية والثانوية، بحيث تصبح ثلاثًا في كل فرقة على الأقل، وجعلها داخل الجدول لا خارجه، مع التشديد على أن تصرف فيما وضعت له.
رابعًا: تعميم هذه الدروس في كل سني الدراسة في التعليم الثانوي إلى السنة الخامسة التوجيهية، فلا تقتصر على السنوات الثلاث الأولى فقط، كما هو الشأن الآن، وتقريرها في كل أنواع التعليم الفني والصناعي والتجاري.
خامسا: إلقاء محاضرات دورية بنظام خاص في فلسفة التشريع الإسلامي وسمو مقاصده على طلاب الجامعة والمدارس العليا.
سادسا: تخصيص درس من دروس المطالعة في كل مراحل التعليم لإجادة القراءة في المصحف الشريف. ولقد قدم الإخوان مقترحات عملية سواء لإصلاح التعليم العام او التعليم الأزهري والجامعات.
لم تقتصر جهود الإخوان على هذه النواحي بل امتدد الإصلاح للثقافة والأزهر وكل مناحي الحياة في مصر بالإضافة أنهم قدموا رؤية كاملة لعلاقة البلاد الإسلامية مع بعضها البعض وكيفية محاربة المستعمر الغربي وطرده من البلاد الإسلامية.
المراجع
1- جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية.
2- عبد العظيم رمضان، تطور الحركة الوطنية في مصر من 1918 إلى 1936، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة، 1986م.
3- عبد الرحمن الرافعي: في أعقاب الثورة المصرية ثورة 1919 – الجزء الأول – الطبعة الثانية - طبعة دار المعارف - القاهرة 1409هـ / 1989م.
4- مجموعة رسائل الإمام البنا: دار النشر والتوزيع الإسلامية.
5- إسحاق موسى الحسيني: الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية الحديثة, دار بيروت للطباعة والنشر, بيروت, 1952.
6- زكريا سليمان بيومي: الإخوان المسلمون والجماعات الإسلامية في الحياة السياسية المصرية – مكتبة وهبة - القاهرة – الطبعة الثانية – 1412هـ/ 1991م.
7- محمود عبدالحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، الجزء الأول، دار الدعوة، 1979م.
8- الدكتور عبد الحميد الغزالي: حول الفكر الاقتصادي عند الإمام الشهيد حسن البنا وعند بعض من سار على دربه، دار النشر للجامعات، 2007م.