علماء اجتماع يعترفون:25 يناير أشعلت ثورة فى الشخصية المصرية
غيرت أجواء الثورة التى تعيشها مصر هذه الأيام نظرة الكثيرين من علماء الاجتماع إلى الشباب وإلى الشخصية المصرية، التى وصفت فى آخر مؤتمر سنوى للمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية بأنها تتسم بالسلبية واللامبالاة، وأن الكثير من المصريين يرون فى الإيجابية والاقدام مجلبة للمتاعب والمشكلات، وأغلبهم يرضون بالواقع، ويبتعدون عن التطلع والطموح كمحاولة للتكيف واتقاء شرور الكبار تحت مظلة «اللى مالوش كبير يشترى له كبير.. الميه متطلعش فى العالى.. أنا كبير وانت كبير ومين يسوق الحمير» كما جاء فى إحدى أوراق المؤتمر.
بل ووصف علماء اجتماع شاركوا فى المؤتمر الشخصية المصرية بأنها تتحايل على الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بكبت المشاعر والبلادة والتخفى والنفاق والتكاسل فى العمل والفهلوة، وعدم قبول التغيير السريع، والاستكانة والصبر، والمرونة التى تجعلها قادرة على التكيف مع كل المتغيرات المجتمعية المحلية والعالمية.
وهنا يقول عالم الاجتماع د. محمود عودة الاستاذ بجامعة عين شمس بأن على الكثير من علماء النفس والاجتماع وأساتذة الجامعة والمفكرين من الجيل القديم أن يعترفوا بأن الإحباطات، التى واجهوها جعلتهم يسيئون تقدير الشباب، ولم تمكنهم من رؤية بذور التغيير الكائنة وراء الركود الطويل، الذى رصدناه فى امتثال الشخصية المصرية الشديد للقهر والاستكانة والقنوع والسلبية.
وأوضح عودة لـ«الشروق» أن التنبؤ بثورة الشباب كان موجودا لدى قلة من علماء النفس والاجتماع المصريين، لكن الغالبية العظمى لم تر من الشباب سوى نصف الكوب الفارغ، الذى كنا نراه فى الشباب المصطنع فى الاتحادات الطلابية المزورة وفى الحزب الوطنى، ولم نر منهم سوى المتسكعين والمتعاطين للمخدرات، واكتفينا بالحوار الظاهرى معهم، الذى أفقدنا الأمل فيهم بحسب رأيه.
ولفت عودة إلى أن الحقبة المصرية الأخيرة التى اتسمت بالقهر والاستبداد وانتشار الفقر هى التى غيرت شخصية المصريين، من الشخصية المسالمة إلى الشخصية العنيفة التى عانينا كثيرا منها، لأن المصريين لم يكونوا قد حددوا من هو عدوهم الحقيقى، فكان الواحد منهم يوجه هذا العدوان على الآخر المشابه بحسب المثل الشعبى «ما اقدرش على الحمار يعض فى البردعة»، إلى أن عرف أن النظام الاجتماعى والسياسى والاقتصادى هو عدوه فحدثت هذه الصحوة، التى قادها أكثر الفئات وعيا فى المجتمع، ليسقط الزواج غير الشرعى بين الثروة والسلطة، ولن تعود الشخصية المصرية إلى ماقبل 25 يناير مرة أخرى.
وقال د. أحمد زايد أستاذ الاجتماع بآداب القاهرة: إننى هاجمت خلال المؤتمر السنوى الأخير للمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية كل الأوراق، التى وصفت الشخصية المصرية بصفات السلبية والخضوع، باعتبارها صفات انطباعية لم تكن مبنية على الواقع، موضحا أن دراسات ما يسمى بالشخصية القومية قد بدأت خلال الحرب العالمية الثانية وتخلى عنها علماء الاجتماع الآن، ومن كانوا يصفون المجتمع المصرى بهذه الصفات يريدون أن يظهروا بدور البطل المثقف الشريف الذى يدافع عن الفضيلة، وبالتالى يدفعون عن أنفسهم صفات السلبية والانصياع والخضوع التى يصفون بها باقى المجتمع، بعد شعور عام بالانهيار الاخلاقى للقيم المصرية، لافتا إلى أن المجتمع المصرى بعد 25 يناير سيكون أكثر إيجابية فى المشاركة فى العمل الاجتماعى والسياسى، وستسود الشفافية والمساءلة فى مناخ أكثر نضوجا ووعيا وتضامنا وتعاونا، ولن يتمكن أى شخص بالاستئثار بالقرار مرة أخرى، بعد ثورة الشباب المنفتح على عوالم الحرية على شبكة الإنترنت، لإحساسهم بالتباين الطبقى وعدم العدالة.
أما د. محمد عفيفى ــ رئيس قسم التاريخ بآداب القاهرة ــ الذى أشار فى كتابه «المستبد العادل» الذى صدر مؤخرا إلى انتهاء مفهوم الزعامة فى العالم العربى، وأن القادم فى المنطقة هو دول ديمقراطية، فقال إن الجيل الجديد لا يؤمن بفكرة الزعيم ولا الأب الرئيس، بل بفكرة الرئيس الذى يأتى ويذهب، ويوضح ان الشخصية المصرية شخصية تنبع من المجتمع الفلاحى، الذى يمسك الفأس ليزرع ويأتى بالخير، وليس ليقتل ويحارب، مسالم لكن عندما يفيض به الكيل يثور، وقد تأخذ فترة المسالمة فترة طويلة يظن فيها أن لحظة الثورة لن تأتى، وقد لا يرى البعض أن لحظة الثورة تولد، ،وقد يفاجأون بها، ولهذا فشباب ثورة 25 يناير جيل بلا آباء، بمعنى أنهم تخلصوا من عيوب شخصية الآباء والأجداد، ليس فقط الشباب الذين قاموا بالثورة، ولكن أيضا الشباب الذين سهروا يحرسون البيوت والشوارع، فقد تغيرت علاقة هذا الجيل بآبائه، ولهذا لا يعترفون بفكرة «الرئيس الأب»، وسيأخذ التغيير الاجتماعى فترة أطول ليشمل باقى فئات المجتمع، وما حدث فى مصر سيهز العالم العربى كله، وسيغير شكل الصحافة والإعلام والكتابة وأشياء أخرى كثيرة.