فاروق جويده .. ولقاء مع حسين الشافعي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٢٣:٤٢، ٨ يوليو ٢٠١١ بواسطة Rod (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
فاروق جويده .. ولقاء مع حسين الشافعي


بقلم : فاروق جويدة

حسين الشافعى.jpg

كانت أكوام التراب تحاصرنا ونحن نتجول في طرقات مبني قيادة مجلس الثورة‏..‏ كيف تركنا هذا المبني الجميل يتحول إلي هذه الصورة القبيحة علي شاطيء نيلنا العظيم‏..‏ أطلال تطاردها أطلال‏..‏ وصمت قاتل يحيط بكل شيء في المكان‏..‏ كان في الأصل مرسي لليخوت الملكية ولم يدخله الملك فاروق‏,‏ فقد تم إنشاؤه قبل قيام الثورة بشهور قليلة‏..‏ وبعد أن قامت ثورةيوليو أصبح أهم مكان في مصر كلها‏.. ‏ كنت حزينا وأنا أشاهد الاهمال يرسم صورة قبيحة فوق أطلال مكان جميل‏..‏ ولا أعرف كيف وصل الحال بهذا المبني إلي ماهو عليه الآن؟‏!‏

في هذا المكان التقيت مع السيد زكريا محيي الدين‏..‏ وحاولت أن أقنعه بأن يتكلم لأن لديه الكثير‏..‏ ونشرنا في الأسبوع الماضي مادار بيننا وقد أثار تساؤلات كثيرة وردود أفعال واسعة في عشرات الرسائل التي وصلتنا‏..‏ وقلت للسيد زكريا محيي الدين عشية نشر اللقاء‏:‏ مازلنا ننتظر أن تقول كلمتك لأنها من حق أجيال ستجيء ومن حق تاريخ يجب أن نوفر له كل ظروف الأمانة والموضوعية‏..‏ وقد وعد‏..‏

بعد أيام قليلة كنت أجلس مع السيد حسين الشافعي‏..‏ نائب رئيس الجمهورية في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ‏,‏ وأحد رموز ثورة يوليو‏,‏ كان وزيرا للشئون الاجتماعية والتخطيط والأوقاف ونائبا لرئيس الجمهورية في عام‏1967,‏ وعضوا في اللجنة التنفيذية للاتحاد الاشتراكي‏,‏ ورئيسا للمجلس الأعلي للدفاع المدني‏.‏ واذا كانت المشكلة في لقاء السيد زكريا محيي الدين أن الرجل تكلم بعد ثلاثين عاما من الصمت‏..‏ فإن المشكلة مع السيد حسين الشافعي أنه قال كلمته ومضي‏..‏

ولأنني تابعت تقريبا كل ماقال السيد حسين الشافعي وهو كثير‏,‏ فقد كان من الضروري أن أحدد معه بعض القضايا التي تحتاج إلي تأكيد أو توضيح‏..‏ أو إعادة نظر‏.‏

وكانت لجنة متحف ثوار يوليو تجلس مع السيد حسين الشافعي ويرأسها د‏.‏ يونان لبيب رزق وتضم نخبة من أساتذة التاريخ في الجامعات المصرية‏,‏ بجانب المسئولين عن ادارة المتاحف في وزارة الثقافة‏.‏

كان الحديث عن محمد نجيب هو أول قضية أتوقف معها في لقاء السيد حسين الشافعي‏..‏ ان جميع الضباط الأحرار تقريبا قد اتفقوا في رواياتهم علي أن دور محمد نجيب كان دورا هامشيا وان قائد الثورة الحقيقي هو الزعيم الراحل جمال عبدالناصر‏..‏ وكانت شهادة السيد زكريا محيي الدين في الأسبوع الماضي آخر تأكيد لهذه القضية‏..‏ وكان السؤال الذي دار في رأسي‏..‏ اذا كان محمد نجيب وهو ضابط في رتبة لواء‏..‏ وأكبر سنا من كل أعضاء مجلس قيادة الثورة قد وافق علي الانضمام إلي هذه الكتيبة من الثوار‏..‏ أليس في ذلك موقف تاريخي للرجل؟‏..‏ وما هو مصير نجيب لو أن الثورة فشلت‏..‏ ان المؤكد أن الرجل قام بموقفه وتاريخه وعمره مع هؤلاء الثوار وكان علي استعداد لأن يدفع ثمن ذلك‏..‏ كيف نقول بعد ذلك ان دوره كان هامشيا‏..‏ فهل المقامرة بالحياة دور هامشي؟‏..‏

قال السيد حسين الشافعي‏:‏ لا خلاف علي ذلك‏..‏ كان من الممكن أن يدفع محمد نجيب ثمن هذا الموقف مثلنا تماما وربما أكثر لأنه أكبر من حيث الرتبة والمسئولية‏..‏ وهذه نقطة لايستطيع أحد أن يسلب محمد نجيب حقه التاريخي فيها‏,‏ انه وافق أن يكون في صدارة ثورة يمكن أن تنجح أو تفشل‏,‏ ومعني هذا أنه كان علي قناعة تامة بأنه يستطيع أن يتحمل نتائج الفشل قبل النجاح‏..‏ وكان من الممكن جدا أن يكون ثمن ذلك غاليا‏..‏ وليس هناك أغلي من حياة الإنسان‏.‏

واذا كنا لانستطيع أن نسقط دور محمد نجيب حينما وافق علي أن يكون في صدارة هذه الثورة‏,‏ إلا أنه لاينبغي أن نبالغ في أهمية هذا الدور‏..‏ لقد اختلفنا مع محمد نجيب في مناسبات كثيرة‏,‏ ربما كان أخطرها محاولات نجيب المستمرة للتقارب مع رموز عهد ماقبل الثورة‏..‏ كانت لنجيب بحكم موقعه علاقات قديمة مع بعض القيادات الحزبية ولا شك أن هؤلاء قد تركوا أثرا في فكر محمد نجيب‏.‏ ومن هنا كان الخلاف بيننا‏..‏ وفي كثير من القضايا كنا نشعر أن محمد نجيب يحاول أن يجنح بالثورة إلي طرق أخري‏..‏ والدليل علي ذلك أننا وجدنا عبدالقادر عودة وهو من قيادات الاخوان يقف بجوار نجيب وهو يلقي واحدة من خطبه عندما كان الخلاف بينه وبين أعضاء مجلس قيادة الثورة مشتعلا‏..‏

وأستطيع أن أؤكد أن الأمر كان قد وصل إلي مفترق طرق‏..‏ إما نجيب‏..‏ أو مجلس قيادة الثورة‏..‏ والخطأ الأساسي الذي وقع فيه محمد نجيب بعد أن زادت شعبيته في الشارع المصري‏,‏ أنه تصور أنه قادر علي تنحية مجلس قيادة الثورة علي أساس عودة الجيش لمواقعه وتسليم السلطة للأحزاب القديمة تحت دعوي الديمقراطية‏.‏ كنا قد اتفقنا نجيب ومجلس قيادة الثورة علي أن نناقش قضية الديمقراطية بعد ثلاث سنوات نكون فيها قد قمنا بتأمين الثورة من كل جوانبها واجراء الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي قامت الثورة من أجلها‏..‏ ولكن نجيب كان يلح بعودة الأحزاب القديمة ومن هنا حدثت المواجهة التي انتهت بغياب محمد نجيب عن الساحة السياسية تماما‏.‏ ويضيف السيد حسين الشافعي‏:‏ واذا كنت مع موقف مجلس قيادة الثورة في الخلاف مع محمد نجيب ودوره إلا أنني أعتقد أن معاملة نجيب بعد تركه السلطة كانت فيها تجاوزات كثيرة‏,‏ ولم يكن يستحق ذلك أبدا‏..‏ لقد كان خطأ نجيب الأساسي أنه كان يحاول أن يغازل التيارات والأحزاب السياسية من وراء ظهر مجلس قيادة الثورة وقد ساعده علي ذلك اتساع شعبيته في السنوات الأولي لقيام الثورة‏.‏

قلت للسيد حسين الشافعي ‏:‏ ما هو أول شرخ حدث في مجلس قيادة الثورة‏..‏ اذا كان هناك اتفاق بينكم حول كل القضايا تقريبا بما في ذلك قضية تأجيل الديمقراطية ثلاث سنوات‏..‏ متي اختلفتم؟‏..‏

قال‏:‏ جاء الخلاف بيننا بعد رحيل محمد نجيب من السلطة مباشرة‏..‏ اتفقنا علي رحيله‏..‏ ثم اختلفنا تماما بعد رحيله ولم يكن الخلاف هذه المرة بسبب نجيب‏,‏ ولكن كان بسبب ترقية عبدالحكيم عامر إلي رتبة لواء متجاوزا بذلك كل أعضاء مجلس قيادة الثورة‏..‏ وكان هناك عدد كبير من الضباط يسبق عبدالحكيم عامر في الرتبة‏..‏ وفي التقاليد العسكرية نحن نحترم أقدمية اليوم الواحد‏..‏ فما بالك وقد أصبح عبدالحكيم عامر أعلي رتبة منا رغم أنه كان أقل رتبة من معظم أعضاء المجلس عندما قمنا بالثورة‏..‏

كانت ترقية عبدالحكيم عامر وتوليه مسئولية الجيش أكبر خلاف حدث بيننا‏..‏ بل ان هذا القرار هدد بعنف الموقف في الجيش حيث شهد حالات من التمرد‏,‏ كان أعنفها وأقساها ماحدث في سلاح الفرسان‏..‏ ويومها ذهب جمال عبدالناصر بنفسه والتقي بالضباط المتمردين ودار بينه وبينهم حوار استمر حتي الثالثة صباحا‏..‏ وفي هذا الحوار اتضحت كل الاتجاهات السياسية حيث أن هؤلاء الضباط المتمردين كانوا يمثلون كل طوائف المجتمع المصري من بقايا الملكية والأحزاب السياسية والتيارات الاجتماعية المختلفة‏..‏ وبعد أن انتهي لقاء عبدالناصر مع سلاح الفرسان‏..‏ جئت إلي هذا المكان ـ مجلس قيادة الثورة ـ وقضيت فيه خمسة عشر يوما أواصل الليل بالنهار‏.‏

وعقبت علي كلام السيد حسين الشافعي قائلا‏:‏ هناك أقدار غريبة في مسيرة عبدالناصر وعلاقته بالمشير عبدالحكيم عامر‏..‏ ان يكون أول شرخ في مجلس قيادة الثورة بسبب ترقية عامر‏..‏ وأن تكون أكبر ضربة في تاريخ عبدالناصر أيضا بسبب عبدالحكيم عامر‏..‏ مصادفة غريبة في تاريخ الرجلين‏.‏

قلت للسيد حسين الشافعي‏..‏ ولماذا كان قرار مجلس قيادة الثورة بتأجيل قضية الديمقراطية ثلاث سنوات‏..‏ لماذا جاءت هذه القضية في البند السادس من أهداف ثورة يوليو رغم أن مصر بكل المقاييس كانت جديرة بتجربة ديمقراطية كاملة؟‏..‏

قال‏:‏ كانت لدينا قضايا أهم‏..‏ كانت قضية تحرير الارادة المصرية هي أهم وأخطر قضايانا‏..‏ كان هناك الاحتلال الانجليزي الذي استباح أرضنا وكنا نعتقد أن تحرير الارادة هو أهم من أي شيء آخر بما في ذلك قضية الديمقراطية‏..‏ وكنا نخاف من عودة الأحزاب السياسية لأنها قادرة بحكم تاريخها في الشارع المصري وممارساتها السياسية أن تقلب موازين كثيرة‏..‏ كانت هناك أحزاب لها تأثيرها القوي وهي قادرة علي أن تثير الجماهير ضد الثورة‏..‏ وقد كانت استقالة محمد نجيب في عام‏1954‏ أخطر المواجهات التي عاشتها الثورة في بدايتها‏..‏ كنا قد قدمنا محمد نجيب كرمز لهذه الثورة والتف الشعب حوله وأحبه وكان من الصعب جدا أن يختفي نجيب فجأة من الساحة السياسية‏..‏ وأنا أعتقد أن معركة نجيب واستقالته ثم رحيله من السلطة أهم وأخطر معركة خاضتها الثورة بعد سقوط الملك‏.‏

وقد بقيت ظلال محمد نجيب بعد ذلك حتي أن الانجليز أثناء العدوان الثلاثي علي مصر كانوا يفكرون في إيجاد بديل للحكم عند سقوط عبدالناصر‏,‏ وقد فكروا في عودة محمد نجيب‏ ,‏ ولم يكن ذلك بتنسيق مع الرجل حتي لا أظلمه‏,‏ ولكنه كان في ظل سياسة البحث عن بدائل مقبولة للحكم في الشارع المصري‏.‏

كان من الصعب جدا أن تنفذ الثورة برامجها في التغيير في ظل الأحزاب القديمة أو في ظل ديمقراطية يمكن أن تعيد هذه الأحزاب للسلطة مرة أخري‏.‏

ويضيف السيد حسين الشافعي‏ :‏ وفي تقديري أن تحرير الارادة المصرية كان يعني لدينا الكثير‏..‏ ان مصر دولة أساسية في العالم‏..‏ ومهما كانت انجازات الشعوب وتفوقها إلا أن التبعية تفقدها أهم مقومات وجودها وهي الارادة الحرة‏..‏ وهذا ماكنا نسعي إليه ونريده‏..‏ كان تحرير الارادة أهم منجزات وأهداف ثورة يوليو‏.‏ قلت للسيد حسين الشافعي‏:‏ وماذا عن المحاكمات؟‏..‏

قال‏:‏ شهد هذا المبني معظم محاكمات الثورة وفي هذا القفص وقف رؤساء الأحزاب والساسة أثناء محاكماتهم في بداية الثورة‏,‏ وقد كنت رئيسا للمحكمة في بداية الثورة وبعد نكسة‏67‏ وقف في هذا القفص‏52‏ متهما كان من بينهم صلاح نصر وكنت أنا رئيس المحكمة ويومها قال الناس انها محاكمة الـ‏52..‏ أي ثورة يوليو‏52.‏

بينما كنا نهبط علي سلم مبني مجلس قيادة الثورة‏..‏ قال أحد المرافقين ان تجديد هذا المبني سوف يشمل اقامة جناح يضم تاريخ كل عضو من أعضاء مجلس قيادة الثورة الاثني عشر‏..‏

وقال‏:‏ ان الميزانية التي رصدتها الحكومة لترميم المبني بلغت أربعين مليون جنيه‏..‏ ونظر السيد حسين الشافعي متعجبا وهو يسمع رقم الأربعين مليون جنيه‏..‏ وتعجبت أنا أيضا‏.


للمزيد عن حسين الشافعي

حسين الشافعي شاهداً على العصر

مقالات أخرى

تابع مقالات أخرى

وصلات فيديو

.

للمزيد عن ثورة 23 يوليو

وصلات داخلية

كتب متعلقة

ملفات وأبحاث متعلقة

مقالات متعلقة

متعلقات أخرى

وصلات خارجية

مقالات خارجية

.

وصلات خارجية

مقالات خارجية

وصلات فيديو

.

وصلات فيديو