فلسطين.. بين وحشية الأعداء وخذلان الأولياء!
بقلم:الإستاذ محمد مهدي عاكف
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله، النبي الأمِّي الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعينَ بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد..
في قلب عالمٍ فَقَدَ سمات الإنسانية، ومن بين أطلالِ قوانين الجَوْر ولوائح الخزي ودساتير العار، وعلى أعتابِ قرنٍ ظنَّ أن عالمَ الغاب قد غيَّبته صفحات التاريخ.. تقف فلسطين على خارطة الدنيا وحيدةً أسيرةً محاصرةً، تئنُّ ويعلو أنينُها، فيجيبها العازفون في استقبال قاتليها عبر بروتوكولات الاستقبال الرسمية، وتصرخ فيلبي صرخاتِها ولاةُ الأمر، شاهرين سيوفَ النجدة في ساحات الرقص!!.
هذا هو واقع أمتنا الرسمي، "تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها"، أمةٌ تجوعُ، وأقواتها تغذِّي أعداءها في ثكنات احتلال غير رسمي يسمُّونه قواعد عسكرية.. أمةٌ يقرص البرد أطراف بنيها، بينما يسري الدفء عبر مضخَّات البترول العربية في بدن قاتلها.. أمةٌ ترفضُ أن تصافح بني جلدتها، بينما تفتح أحضانَها لسالبي خيراتها وسافكي دمائها ومدنِّسي مقدساتها!!.
إن الإخوان المسلمين عندما يحمِّلون العالمَ مسئوليةَ الصمت على المؤامرةِ عليهم في فلسطين، فإنهم لا يستثنون من هذه المسئولية دينًا أو لونًا أو جنسًا، وإنما يحمِّلون الإنسانَ على سطحِ البسيطةِ المسئوليةَ في الدفاعِ عن إنسانيته ضدَّ وحشٍ يرتدي زيَّ البشر، ويستعذبُ قتلَ كافة أشكالِ الحياة دونما تفريقٍ بين رضيعٍ في "حضَّانةٍ" أو عجوزٍ على جهاز تنفس صناعي، أو صاحب ألمٍ لا يجد ما يملأ بطون صغاره ويدفئ بردَ شتائهم القارس!!.
وأنتم يا حكَّام أمتنا، وولاة الأمر فيها..
إن الإخوان المسلمين اليوم لا يسعون إلى إعلانِ موقفٍ قدر سعيهم إلى تعرية الحقيقةِ؛ حتى يراها كل من دفن رأسه في الرمالِ، واستسلم خانعًا لمعايير الفُرقة ليحتفظ بكرسيه ما بقي حيًّا!!.
كما يسعون إلى إيصال صرخةِ الشعب الفلسطيني إلى آذانٍ قرَّرت أن تصطنع الصممَ؛ حتى لا تسمع الحقيقة المتجسِّدة في صرخات أمٍّ فقدت صغيرَها في ظلامِ الاحتلال الموحشِ، أو صرخة أب مكلوم لفراق فلذة كبده الذي لم يسعفه نفادُ الطاقة!!.
اعلموا يا حكامنا أن محاولات الأعداء إعادةَ صياغة التاريخ وفق أهوائهم، لن تصل بهم في النهاية إلا إلى سراب؛ ففلسطين العربية المسلمة لن تكون يومًا دولةً للكيان الصهيوني، وأهل الرباط فيها لن يتحوَّلوا يومًا إلى هنود حمر جدد، وإذا كان غاصبوها يتترَّسون بكل عتاد الدنيا، فإنهم يفعلون ذلك ليقينهم من وجوب مقاومتهم من قِبَل صاحب الحق والشرعية والأرض؛ فالقضيةُ أوسع من كونها قضيةَ حدودٍ.
وتنطلق الأسئلةُ الداميةُ سيلاً من حممٍ في وجوه المفرِّطين: أي دبلوماسيةٍ تحُول دون أن تقوم الدولُ بحماية أمنها القومي؟! وأي نفسٍ تتحمَّل وأوصالها تتقطع واحدةً تلو أخرى؟! وأي ديمقراطيةٍ تلك التي يجب أن تستثنيَ وتقصيَ وتحاصرَ وتقصفَ وتفجِّرَ؟! وأي مسئولية تلك التي يتحمَّلها حكامنا وبنو جلدتهم يحاصرهم أحفادُ القردةِ والخنازير ويقتلونهم ببطءٍ، بينما يكتفون هم بالاستنكار الرقيق والشجب المهذَّب، والدعوة لاجتماعات قمة بعد شهر؟!
إن الواقعَ أيها الحكام يؤكِّد أن ثمة فجوةً تتسع بينكم وبين شعوبِكم، وهذه هي بداية النهاية؛ فما من قَامعٍ يستتبُّ له الأمر، وما من طاغيةٍ تدوم له الدنيا، وإن اللهَ القوي الجبار قادرٌ على أن يستبدلكم، وقادرٌ على أن يغيِّر من حالٍ إلى حالٍ، فاعلموا أن ما أنتم فيه اليوم أمانةٌ، ويوم القيامة خزي وندامة، وستعلمون ساعتها حقيقة ولائكم وزور حلفائكم ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27)﴾ (الفرقان).
ولا فرقَ بين حاكمٍ قريبٍ في تحمُّل تبعة فلسطين وآخر بعيد؛ لأن مصر والعالم العربي والإسلامي كله يفتديها، فأما مصر فلأن فلسطين حدُّها الشرقي المتاخم، وأما بلاد العرب فلأن فلسطين قلبها الخافق، وواسطة عقدها، ومركز وحدتها، وهي ضنينةٌ بهذه الوحدة أن تتمزَّق مهما كانت الظروف، ومهما كلَّفها ذلك من تضحيات، وأما العالم الإسلامي فلأن فلسطين أولى القبلتين، وثالث الحرمين، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فيا أيها المسلمون، شعوب أمة المليار ومائتي مليون مسلم..
لا يغرنَّكم تفريط الراعي؛ فما به تنصلح أحوال الرعية، وإنما يجب عليكم أن تردُّوا الأمر إلى أصله؛ لتقفوا على أمانة مسئوليتكم تجاه فلسطين الأرض وأهلها المرابطين على أعتاب مقدسات الأمة الواحدة ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)﴾ (الأنبياء)، فاجعلوا من كل فعالكم داعمًا للقضية ونصرةً لمستضعفيها على الصعيد المعنوي والمادي بالدعوات والمهاتفات، والمشاركات في الفعاليات، والتبرعات واستحداث الوسائل التي بها ينكسر الحصار ومعه شوكة العدو.
ويا رايات العز، أهل فلسطين عامةً، والمرابطين في غزة خاصةً..
صمودُكم زادُنا، وعزُكم يرفعُنا، وهاماتُكم تعلينا ﴿وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)﴾ (آل عمران)، فلا يغرنَّكم توحُّشُ العدو؛ فإنهم الجبنُ يسير على الأرضِ ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ﴾ (البقرة: من الآية 96)، كما لا يرهبنَّكم سلاحُه أو متاريسُه؛ فإن وعدَ الله ثابتٌ ﴿لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (14)﴾ (الحشر).
فاصبروا وصابروا ورابطوا، وكونوا دافعًا لأمل الأمة، وبشارةَ النصر التي ترفرف في أفق النفوس؛ بحسن ظنكم بالله ﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة: من الآية 249)، ووعدُ الله ثابتٌ لكم ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ (5)﴾ (القصص)، ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية21).
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.