لقطات.. حول التنظيم الدولي للإخوان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

لقطات.. حول التنظيم الدولي للإخوان .. د/ محمد حسني


د/ محمد حسني :

نعرض في هذا المقال لقطات أو زوايا تكمل الصورة عن اتهامات أمن الدولة للإخوان في قضية التنظيم الدولي المزعوم.


اللقطة الأولى: هي حوار دار بين أفراد أسرة أحد معتقلي الإخوان وعددٍ من الضباط ذوي الرتب العالية في وزارة الداخلية أثناء منعهم أي شخصٍ من الوصول إلى مؤتمر نقابة الصحفيين للتضامن مع د. عبد المنعم أبو الفتوح وإخوانه المعتقلين.


قال الشاب (19 عامًا): لماذا تعترضون طريقنا؟

فرد الضابط: دي أوامر من فوق، ولماذا أنت ذاهبٌ للمؤتمر؟

الشاب: لأجيب عن سؤال أخي الصغير ذي الست سنوات "لما المحكمة قالت بابا يروح أُمال ماروحش ليه ومسكوه تاني ليه؟".


فرد الضابط: والله يا بني لو أعرف كنت رديت عليك وعليه.


فقال الشاب: طب وبعدين متى سنعرف الرد؟ ومتى سيعود أبي؟ ومَن صاحب مثل هذه القرارات؟ ولماذا تمنعوننا أن نبحث عن الإجابة؟ وماذا تريدون منا؟ هل نترك البلاد ونرحل؟.


الضابط: والله لو وجدتم فرصة جيدة في الخارج فعليكم بالسفر، وأنا عن نفسي لو وجدت مثلها لسافرت!. (انتهى)


أسرة سافرت ساعات للوصول إلى القاهرة للمشاركة في المؤتمر، ثم مُنعت هي وغيرها من الوصول إلى هناك، ثم هذا الحوار المُعبِّر عن حال بلادنا، وما آلت إليه كرامة الإنسان وحقوقه في مصر من استهانةٍ وتدنٍّ.


مَن يستطيع أن يُجيب على سؤال الصغير الذي في بساطته يحاكم منظومة احترام القانون وتنفيذ أحكامه، ويحاكم قانون الطوارئ الذي يستخدم لانتهاك الحريات وتعطيل تنفيذ الأحكام القضائية، ثم ماذا تقولون في موضوع السفر خارج البلاد هروبًا من الظلم والفساد، حتى الضابط الكبير نفسه يتمنى ذلك.. لكِ الله يا مصر مَن سيقف أمام هذا الطوفان، ترى ألهذا تُلفق للجماعة المرشحة للوقوف في وجه الظلم والفساد؟


اللقطة الثانية: كتب الكاتب الكبير فهمي هويدي عدة مقالات في جريدة (الشروق) تناول في إحداها الكم المبالغ فيه من التنظيمات التي تُضبط، والكم المبالغ فيه من التناقضات وعدم المنطقية فيما يوجه إلى أفراد هذه التنظيمات، وفي الأدلة المزعومة، وفي مقالٍ آخر انتقد الاختراقات الأمنية لوسائل الإعلام، وأنها أصبحت قاعدةً ليس فقط في الصحف القومية وإنما في الصحف المستقلة.


وقد أجرى مقارنةً ذات مغزى بين حملة الأجهزة الأمنية لإدانة د. عبد المنعم أبو الفتوح الأمين العام لاتحاد الأطباء العرب والإخوان، وحملة أخرى لتحسين صورة هشام طلعت مصطفى المحكوم عليه بالإعدام أمام محكمة جنايات (القضاء الطبيعي)، وأنها حملة مدفوعة الأجر وليست لوجه الله.


وفي نهاية المقال ذكر أن المهم في الموضوع هو سيطرة مراكز القوى في البلد على الإعلام: السلطة بنفوذها، ورجال الأعمال بأموالهم، فانتهكت براءة الإعلام، وتحوَّل إلى بوقٍ للتضليل والتدليس، وأصبح الضحية هو القارئ والحقيقة، ولا إضافة لما أوضحه الكاتب الكبير في مقالاته، ومغزاه الخطر.


اللقطة الثالثة: نشر اتحاد الأطباء العرب إعلانًا مدفوع الأجر في أكثر من جريدة ولأكثر من يوم في النصف الثاني من شهر يوليو، يتهم جريدة (المصري اليوم) صراحةً بنشر أخبار وتقارير غير صحيحة عن اتحاد الأطباء العرب ولجانه النوعية وعن الأمين العام للاتحاد د. عبد المنعم أبو الفتوح، وأشار البيان إلى وجود جهات اعتادت توجيه مثل هذه التهم إلى أساتذة الجامعات والمهندسين والأطباء والمدرسين ورجال الأعمال، واختتم البيان بأن الاتحاد سيتخذ الإجراءات القانونية تجاه مثل هذا النشر مستقبلاً.


ويشير هذا البيان إلى نفس الحقائق المذكورة سابقًا من أن الإعلام "المستقل" فضلاً عن الحكومي تحوَّل إلى آلةٍ لاتهام مَن تريد الحكومة اتهامه زورًا وبهتانًا، ويتفنن إعلاميو أمن الدولة في نشر أكاذيب أمن الدولة وكأنها حقائق لتدلس على القارئ وتربكه وتضلله.


وقد أرسل الاتحاد شكوى إلى نقابة الصحفيين من هذا الأمر، وطالب بالتحقيق مع أحمد موسى (الأهرام) وأحمد الخطيب (المصري اليوم)، إلا أن نقيب الصحفيين حفظ الشكوى وامتنع عن التحقيق مع المذكورين.


إنها قضية منظومة إعلامية استشرى فيها الفساد وتغلغل فضاعت الحقائق، وانعدمت القيم، وانقلب الباطل حقًّا بحماية رأس المنظومة (نقيب الصحفيين)، ولم يعد لشرفاء الإعلام وقليل ما هم صوت يسمع إلا قليلاً.


اللقطة الرابعة: حتى لو كان الأمر تصفية حسابات بين الحكومة (ممثلة في أمن الدولة) وبين الإخوان، وضغوط لإيقاف المعونات عن غزة، وتمرير التوريث بمصر، فإن الأمر يمكن أن يتم مع مراعاة الجانب الإنساني.


فمثلاً أن يصدر أمر باعتقال المستشار فتحي لاشين (80 عامًا)، والذي يعيش بمنزله في حالة رعاية طبية مركزة (زرع كبد ورزع كلى مرتين) بسبب حالته وأدوية تثبيط المناعة، ثم تتدهور حالته في المستشفى الذي نُقل إليه فيضطر الأمن إلى إعادته إلى بيته، فهو أمرٌ يدل على التدني الأخلاقي وانعدام الإنسانية والفجور في الخصومة.


وأن يُعتقل عضو مجلس الشعب السابق أ. محمد العزباوي (75 عامًا) رغم سنه وظروفه الصحية المتأخرة والحرجة، فأمر يدل على الاستهتار واللامبالاة وانعدام القيم.


أضف إلى ذلك أن المتوسط السني لمعتقلي قضية التنظيم الدولي يتجاوز الخامسة والخمسين، وأن أغلبهم يعانون من أمراضٍ مزمنة بالقلب ويحتاجون رعاية طبية متواصلة (ومثال د. أبو الفتوح المحتجز بالقصر العيني واضح)، وآخرون يعانون من أمراض السكر والضغط ويحتاجون إلى رعايةٍ طبيةٍ غير متوفرة بالسجون.


هل يمكن أن نتخيل حالة الزوجات والأبناء النفسية وقلقهم على عائلهم من أن يصيبه مكروه نتيجة المرض وعدم الرعاية، فضلاً عن اختطافه من بينهم ظلمًا وعدوانًا، فهل يمكن أن نضع أنفسنا مكانهم ولو للحظات لندرك ما تعانيه هذه الأسر.


نعلم أنهم يحتسبون ذلك عند الله ويرجون منه ما هو أهلٌ له، ولكنهم بشر تفيض مشاعرهم للعزيز الذي مُنعوا عنه ومُنع عنهم.


أرجو أن تكون هذه اللقطات الأربع حول قضية التنظيم الدولي المزعومة قد أدَّت غرضها في بيان بعض الملابسات العامة والخاصة والإنسانية المحيطة بالموضوع.


والسؤال المهم ماذا يستطيع أن يفعله رجل الشارع ليشارك في وقف انهيار المجتمع، وليتصدى للفساد والظلم؟ وهل سيأتي اليوم الذي يتشجع فيه الأفراد المخلصون فيشاركون مع غيرهم أفرادًا وجماعاتٍ لتكوين جبهة حقيقية لا صورية، تعيد الأمل إلى الشباب الذي أظلمت الحياة حوله بسبب ما يرى ويسمع؟ عسى أن يكون ذلك قريبًا

ــــــــــــــــــــــــــ

  • أستاذ بجامعة الأزهر الشريف


المصدر : نافذة مصر