منهج الإخوان في الإصلاح والتجديد

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.



منهج الإخوان في الإصلاح والتجديد


بقلم: الشيخ محمد عبدالله الخطيب


يقول الإمام الشهيد حسن البنا، واضع نظريات العمل الإسلامي ومجدد الإسلام في القرن العشرين، موجِّهًا كلامَه للإخوان يحدِّد دورَهم بوضوح: "إنكم دعاةُ تربية، وعمادُ انتصاركم إفهامُ هذا الشعب وإقناعُه، وإيقاظُ شعورِه من كل نواحيه على قواعدِ الإسلام وتعاليم الإسلام ومبادئ الإسلام، وهذه غايةٌ لا تُدرَك في أيامٍ ولا تُنال بأعوامٍ قليلة، ولكنَّه الجهادُ الدائب والعمل المتواصل، ومقارعة جيوش الجهالة والأميَّة والمرض والفقر والأحقاد والأضغان وخفة الأحلام وتقطيع الأرحام، وتنظيف رواسب قرونٍ عدة سرى الفسادُ فيها إلى كلِّ مكان.. أفترون أو يرى الناس أنَّ هذا أمرٌ يسيرٌ؟!


بل إنَّ غايتكم أوسعُ من هذا.. فأنتم تريدون من هذا الشعبِ أمةً نموذجيةً، لتنسج على منوالها الأممُ الشرقية جميعًا، وتريدون من هذه الأمم وحدةً إسلاميةً تأخذ بيد الإنسانية جميعًا إلى تعاليمِ الإسلام.. هذه حدود مهمتكم التي يراها الناسُ بعيدةً وترونها أنتم في الإسلامِ الذي فرضه الله على عباده قريبًا، وذلكم هو الشعاع الذي أشرق على قلوبِكم من شمس قوله تعالى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ (سبأ: من الآية 28).


وضوح الطريق

إنَّ منهج الإخوان في التجديد والإصلاح يضع أيديَنا على الخط الصحيح في مسيرةِ العمل الإسلامي، والفكر الإسلامي في العصر الحديث.. لقد كان من أكبر أسباب التوفيق الذي أصابوه هو أنَّ الله ألهمهم الصواب ووضع في أيديهم التشخيص الصحيح لعلل المسلمين، وفي نفس الوقت ألهمَهم ووفقهم إلى الطريق الصحيح لوصفِ العلاج الوحيد الذي يُذهب الداءَ بإذن الله تعالى.. إنهم رصدوا حالةَ الأمة ثم عملوا على إنقاذها، يقول الإمام الشهيد: تحت عنوان "نظرات ثلاث":


فأما النظرة الأولى: فإلى ما وصلت إليه الحال في وطننا العزيز وادي النيل.. من فسادٍ تغَلغَل في كل المرافق، وشمل كل مظاهر الحياة:

1- مطالبنا الوطنية لم نصل فيها إلى شيء.

2- وروح الشعب المعنوية محطمة أشد تحطيم؛ بسببِ هذا الركود والشقاق والخلاف يملك نفوس القادة والزعماء، حاكمين ومحكومين على السواء.

3- والجهاز الإداري أفسدته المطامع الشخصية.. وسُوء التصرفات وضعف الأخلاق.

4- والقانون قد ذهب سلطانه على النفوس والأوضاع لكثرةِ ما اقتحم عليه من تحايل واستثناءات.

5- وشدة الغلاء، وكثرة المتعطلين لقلةِ الأعمال وانخفاض مستوى المعيشة إلى حدٍّ لا يتصوره إنسان بين الأغلبية من السكان.

6- والأخلاق قد انتهى أمرها أو كاد.. وانتشرت الرذائل ومظاهر الانحلال الخلقي في كل مكان.

ثم تحدث في النظرة الثانية عن الأوطان الإسلامية التي أُهدرت بسبب تعطيل فريضة الجهاد.

وفي النظرةِ الثالثةِ تحدَّث عن انحدار مستوى الزعماء في العالم، واختفاء المُثُل العُليا، ومسخ إنسانية الإنسان" (مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي).


هذه بعض الأمراض التي ألمَّت بهذه الأمة، والعلة ليست من النوع البسيط الذي يسهل التعامل معه بالأسلوب البسيط، وإنما العلة من النوع المعقد الذي نَمَا واستشرى خلال قرونٍ ونتيجة ظروف.

وأساس هذه العلل وغيرها الانصراف عن منهج الله.. البعد عن كتابِ الله وسنة رسوله.. إذن العلاج يكون في العودة إلى منهج الله.. الالتزام بكتاب الله وسنة رسوله، الله غايتنا.. والرسول زعيمنا.. والقرآن دستورنا.. يقول الإمام البنا- رضي الله عنه-: "وإذا لم تقم في الدنيا (أمة الدعوة الجديدة) تحمل رسالة الحق والإسلام فعلى الدنيا العفاء، وعلى الإنسانية السلام" (المرجع السابق).


ثم يقول عن واجبنا ودورنا الضروري حتى نخرج من المسئولية بين يدي الله: "وإنَّ من واجبنا، وفي يدنا شعلة النور، وقارورة الدواء أن نتقدم لنصلح أنفسنا، وندعوَ غيرَنا، فإن نجحنا فذاك وإلا فحسبنا أن نكون قد بلغنا الرسالة، وأدَّينا الأمانة، وأردنا الخيرَ للناس، ولا يصحُّ أبدًا أن نحتقر أنفسَنا، فحسبُ الذين يحملون الرسالات ويقومون بالدعوات من عوامل النجاح أن يكونوا بها مؤمنين ولها مخلصين وفي سبيلها مجاهدين، وأن يكون الزمن ينتظرها والعالم يترقَّبها، فهل من مجيب..؟! ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46)﴾ (سبأ).

هكذا تصوَّر الإمامُ البنا- رضي الله عنه- طريقَ العلاج، لا بالعنفِ ولا بالعجلةِ إلى قطف الثمرة قبل أوانها، ولا من خلال الحماس الفائر المندفع، الذي يضرُّ ولا ينفع ويؤخر ولا يقدم.. إنَّ الإمامَ لم يتصور العلة وعلاجها في صورة آليةٍ مثالية، لم يتصور المسألة على أنها زِرٌّ معطَّلٌ في آلة يكفي إصلاحها لتعاود الآلة نشاطَها من جديد، ولم يفهم الكتاب والسنة على أنهما نصوصٌ إلهيةٌ تملك في نفسها قدرةً غيبيةً على العمل والإصلاح، وإنما فهم الكتاب والسنة على أنهما طريقا عملٍ ودليله.. عمل طويل متشعِّب لا بد أن تترابط أجزاؤه، وتستحكم حلقاته في مجالات كثيرة متعددة، هي نفسها مجالات الحياة الإنسانية على اتساعها".


ويوضح هذا الفهم ويبين معناه بأجلى عبارة الأستاذ الشهيد سيد قطب- رحمه الله- فيقول: "إنَّ هذا الدين منهجٌ إلهيٌّ للحياة البشرية، يتم تحقيقُه في حياة البشر بجهد البشر أنفسهم، في حدودِ طاقتهم البشرية، وفي حدود الواقع المادي للحياة البشرية في كل بيئة، ويبدأ العمل من النقطة التي يكون البشر عندها، حينما يتسلم مقاليدهم، ويسير بهم إلى نهاية الطريق في حدودِ طاقتهم البشرية، وبقدرِ ما يبذلونه من هذه الطاقة".


وكان رحمه الله يرد بهذا على فهمِ البعض وتصورهم أنَّ الإسلامَ ما دام من عندِ الله فيجب أن يعمل في حياةِ الناس بطريقةٍ خارقة سحرية، لا تخضع للأسباب، وهذا النوع من التصور يُصاب أصحابُه حين لا يجدون ما فهموه واقعًا بخيبةِ أمل لم يكونوا يتوقعونها، فالعودة إلى الكتاب والسنة إنما تعني جهدًا منظَّمًا ومتشعِّبًا لإصلاح الفساد الذي أصاب هذه الحياة من جميع جوانبها المختلفة، كما تعني أيضًا- لكي تتحقق في الواقع- بأن تحمله أمةٌ تؤمن به إيمانًا كاملاً وتستقيم عليه- بقدر طاقتها- ثم تبذل طاقتَها لتحقيقه عند الآخرين، وصدق الله العظيم ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية 11).


دعاة لا قضاة

ولقد رأى الإخوان- وكان ذلك بتوفيقٍ من الله عزَّ وجل- أنَّ مهمتهم ودورهم الحقيقي ليس محاكمةَ الناس أو إدانتهم، وإنما دورُهم أن يكونوا أطباءَ يشخِّصون العلة، ويساعدون المريض على تناول الدواء، إنهم لم يطلبوا من الناس أن يلتزموا بمستوى الصحابة، وإنما فتحوا عيونَهم على ما في حياةِ الصحابة من عظمةٍ وسموٍّ، وأسوة وقدوة وبساطة وصدق.


وهذا البعض حين يفعل ذلك إنما يُكلِّف الناسَ في الحقيقة بما لا يطيقون، لقد بُعِثَ- صلى الله عليه وسلم- في خير القرون، كما حدَّثنا هو عن نفسه- صلى الله عليه وسلم- حين قال: "بُعثتُ من خيرِ قرون بني آدم قرنًا قرنًا، حتى كنتُ من القرن الذي كنتُ فيه" (أخرجه البخاري).


ولقد كان في قرنه خير جيل من المسلمين، وفيهم قال- صلى الله عليه وسلم-: "لا تسبوا أصحابي، فلو أنَّ أحدكم أنفق مثل أُحدٍ ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه"، وعن الصحابةِ- رضوان الله عليهم- أخذنا الإسلامَ كُلَّه قولاً وعملاً، وبجهادهم وصبرهم وثباتهم قامت أركانُ الإسلام وأمةُ الإسلام ودولةُ الإسلام، ومع كل هذه الخصوصيات وهذا المستوى من الفضل كان- صلى الله عليه وسلم- يتخوَّلُهم بالموعظة مخافةَ السأم؛ لأنهم بشر..


وكان إذا أمَرَهم أمرَهم من الأعمال ما يطيقون؛ لأنهم بشر.. وليس معنى هذا تبرير الواقع المريض، أو التماس الأعذار له أبدًا لا، إنما العكس هو الصحيح، ومعناه: أنَّ الدعاة إلى الله عليهم أن يشقُّوا على أنفسهم، ويرفقوا بغيرهم.. أن يُبشِّروا ولا ينفِّروا.. أن ييسِّروا ولا يعسِّروا.. أن يفتحوا للناس جميعًا أبوابًا واسعةً في رحمةِ الله، حتى لا ييأس عاجزٌ أو ضعيفٌ مهما كان نصيبُه من الإيمان والعمل، وكان الداعية الأول- صلى الله عليه وسلم- يقول لأمثال هؤلاء: "يخرج من الناس مَن قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار مَن قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير".


لم يجلس الإخوان في الأبراج بعيدًا عن الناس، وإنما ذهبوا إليهم في بيوتهم وكفورهم ونجوعهم، يعرضون عليهم هذه الرسالة، ويخاطبونهم بما يفهمون، يُذكِّرونهم ويعلِّمونهم من غير استعلاء ولا منٍّ ﴿بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ (الحجرات: من الآية 17).. هذا الذي نقوله يشهد به ويزكِّيه مئاتُ الألوف من الأتباع والأنصار والأحباب، الذين تزدحم به المدن والقرى ومعاهد العلم، تعرفهم بسيماهم، هم العنصر الحي في هذه الأمة، التي قتلها الاستعمار وأشقاها الجهل، وأضناها الفقر.


هم العقل الجديد والروح الجديد، وهم دعاة الحق والخير، وهم حملة النور الذين يزهدون في الدنيا بما فيها من متاعٍ وغرور، إنك تفتقدهم في دنيا اللهو وصالات السينما، وحانات الخمور، ولكنك تجدهم بسهولةٍ في المساجد والمحاريب، والتهجد، وحلقات القرآن، إنهم يكثرون عند الفزع ويقلون عند الطمع، عند كل نداءٍ صادقٍ يلبُّون، وكل مشروعٍ مفيدٍ يعطون ويساعدون، وصدق الله العظيم ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (104)﴾ (آل عمران).


هذا جانب من منهجنا في الإصلاح والتجديد، وهذا هو طريقنا مع القريبِ والبعيد، والحاكم والمحكوم، صِدْقٌ في النصيحة وتجرَّدٌ في القولِ والعمل، وعطاءٌ دائمٌ، حتى يفتحَ الله بالحق وهو خير الفاتحين.