التغيير بالإحلال .. لا بالقوة والعنف

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
التغيير بالإحلال ، لا بالقوة والعنف

بقلم / الدكتور محمد منصور

إنه معني ومفهوم ومُلخص ومقصد ما يُطلق عليه تطبيق الشريعة الذي يُطالِب به ويسعي إليه المسلمون الآن ..

إنه تغيير سلميّ إسلاميّ شرعيّ نبويّ عقليّ واقعيّ تدريجيّ عميق مضمون مستمرّ

الدكتور محمد منصور

إنك إن أردتَ أنْ تغيِّرَ فاسدا ًفي مكان ما ، وعلي أي مستويً كان ، فانصحه بالحسني ، وبكل صدق وودّ ، وبكل كلام مناسب ، وبكل فِعل مفيد ، وبكل قدوة صالحة مُمكنة أمامه ، وفي توقيت ملائم ، وبالتدريج وعلي فترات ، واقبل تغيّره نحو الخير حتي ولو كان بطيئا ، أو حتي لو كان تقدّما وتراجعا ً ثم تقدما مع بعض تراجُع إلي أن يصل إلي تقدّم دون تراجُع ... فإذا انتصح فبها ونِعمت ، وقد تحقق المطلوب وسعِد الجميع في الدنيا ، ثم أكثر وأتمّ وأخلد في الآخرة لمن يؤمن بها ، بعودة الصلاح وانتهاء الفساد ... وإن لم ينتصح ، فاستخدم أسلوب التغيير بالإحلال.

وهو يعني بكل بساطة وعمق وتلخيص ووضوح استخدام أسلوب التربية والتخصص ، أي أن ُتربِّي جيلا ً منذ ولادتهم علي الأخلاق ، أخلاق الإسلام ، لأنها أكمل أخلاق ، لأنه جاء ليكمل كل الشرائع والقوانين والأديان ، لتسعد الحياة البشرية سعادة كاملة قلبية وعقلية وجسدية .

فإذا ما ترَبَّي الإنسان قبل ولادته وبعدها وسط أسرة أخلاقية هانئة هادئة بين أبوين ودوديْن مُتفاهميْن مُتسامحيْن مُتعاونيْن عادليْن مُحسِنيْن ، خرج للحياة ونمَيَ فيها كذلك بهذه الصفات ، في حضانته ومدرسته وجامعته وعمله وتخصصه ، مع والديه وجيرانه وأقاربه وأصدقائه وزملائه وأساتذته وكل الناس ، علي اختلاف أديانهم وثقافاتهم وبيئاتهم وظروفهم وأحوالهم.

فإذا ما تخصَّص هؤلاء المُترَبّون الأخلاقيون كلّ منهم في مجال ٍما من مجالات الحياة المختلفة وأجاده ، أزاحَ مسئوله الفاسد هذا وحَلَّ محله تدريجيا وتلقائيا حينما يتقادَم أو يتقاعَدَ أو يموت ، دون أيّ عنف أو تصادُم أو تعارُك أو إراقة دماء أو أموال أو حتي بذل جهود ٍكبيرة !

فإذا ما ُطلبَ منه فسادا كرشوة مثلا أو خيانة أو ظلم أو غشّ ٍأو كذب أو غيره لم يفعله ، ولن يستطيع أصلا أن يفعله ! لأنه لا يعرفه ! لأنه لم يَترَبَّ عليه من قبل ! فهو لا يعرف إلا الصلاح .. والسعادة .. وهذه الأخلاق الفاسدة تُتعسه ومن حوله فلماذا يفعلها ؟! ... وبذلك يَسعد الجميع في الداريْن

إنَّ أسلوب التربية والتخصص مأخوذ من قوله تعالي : " إن خير من استأجرت القوي الأمين " ( القصص : 26 ) والذي قال فيه الإمام السعدي في تفسيره : " أي القوة والقدرة علي ما استؤجِرعليه والأمانة فيه بعدم الخيانة ، وهذان الوصفان ينبغي اعتبارهما في كل مَن يتولي للإنسان عملا بإجارة أو غيرها ، فإنَّ الخلل لا يكون إلا بفقدهما أو فقد إحداهما ، وأما باجتماعهما فإن العمل يتمّ ويكمل "

وأمَّا أسلوب التغيير بالإزاحة فإنه يُفهَم ضمنا من قوله تعالي : " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض " ( البقرة : 251 ) والذي قال فيه الإمام الزمخشري في تفسيره " الكشاف " : " ولولا أنَّ الله يدفع بعض الناس ببعض ويكفّ بهم فسادهم لغلبَ المُفسدون وفسدت الأرض وبطلت منافعها وتعطلت مصالحها " ، ومعني دَفعَ الشيء ، كما وَرَدَ في المعجم الوجيز ، أي َنحَّاه .. فالله تعالي من فضله وحبه لخلقه وحرصه علي إسعاد حياتهم يُعين الصالحين علي تنحية وإزاحة المفسدين بمجرد أن يبدأوا في اتخاذ الأسباب الصحيحة الكاملة ما أمكن ، حتي ينصلح الجميع ويسعدوا ، ولذا ختمَ سبحانه الآية الكريمة بقوله : " ولكنَّ الله ذو فضل علي العالمين "

وهذا ما يؤكده قوله تعالي : " ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم " ( المائدة : 105 ) والذي قال فيه الإمام ابن عاشور في تفسيره " التحرير والتنوير" : " أي اشتغلوا بإكمال اهتدائكم ... وقد شمل الاهتداء جميع ما أمرهم به الله تعالي ، ومن جملة ذلك دعوة الناس إلي الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلو قصّروا في الدعوة إلي الخير والاحتجاج له وسكتوا عن المنكر لضرَّهم مَنْ ضلّ .. "

فإذا بدأ كل مُصلح بنفسه ، فأصلح حاله وأسعده بأخلاق الإسلام ، وكان نموذجا مثاليا في السعادة والنجاح ، أثبت لغيره ومَنْ حوله عمليا أنَّ الإسلام يُسعد الحياة ويُصلحها ، وكان دافعا قويا لهم ليتمسكوا هم أيضا به ليُصبحوا سعداء ناجحين تمام السعادة والنجاح ، لأنَّ كل نفس بفطرتها تبحث عنهما .. وبهذا تتسِع دائرة الإصلاح والسعادة ، وتزيح الفساد والتعاسة تدريجيا وتلقائيا .. والله تعالي " لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم " ( الرعد : 11 ) فلوابتدأ كل فرد بنفسه فغيَّرها بالتدريج والرفق نحو الخير ، لتَغيَّر القوم كلهم والمجتمع كله نحوه ، ولعَمَّت السعادة الجميع ، كما وَعَدَ ربنا

وهذا أيضا هو ما يُفهم ضمنا من وعده سبحانه – ووعده الحق والأكيد – بقوله : " ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم " ( فصلت : 34 ) والذي قال فيه الإمام الرازي في تفسيره : " ادفع سفاهتهم وجهالتهم بالطريق الذي هو أحسن الطرُق ، فإنك إذا صبرتَ علي سوء أخلاقهم مرة بعد أخري ، ولم تقابل سفاهتهم بالغضب ولا إضرارهم بالإيذاء والإيحاش ، استحيوا من تلك الأخلاق المذمومة وتركوا تلك الأفعال القبيحة ..... وانقلبوا من العداوة إلي المحبة "

فالفاسد لابدّ وسيأتي يوما مُتغيِّرا نحو الأحسن بحُسْن المعاملة كما وَعَدَ بذلك ربنا ، حتي ولو كان من قبل عدوا ، وحتي لو بقي علي فساده وضلاله لفترات ! فما بالك إذا كان فاسدا غير عدو ؟ إنَّ تغييره سيكون ولاشك أسرع وأكثر احتمالية ! وذلك لأن الخالق الكريم الرحيم قد وضعَ في عقل كل مخلوق صفة دوام مراجعة لذاته ولتصرفاته لينتفع في حياته ويَسعَد

إنَّ هذا التغيير بالإزاحة ، أي بالتربية والتخصص ، هو فِعل الرسول (ص) وصحابته الكرام علي أرض الواقع فعليا ، فقد ربَّيَ جيلا تدريجيا علي الأخلاق الحسنة ، وصبَرَ علي أخطائهم وصَوَّبَها بالحسني والحب والقدوة شيئا فشيئا ، ثم وَجَّههم وعاونَ كلا َّمنهم علي تخصصه الذي يُحبه ويُجيده .. فهذا مثلا أبو بكر الصديق في العلاقات العامة ، وعمر في الإداريات ، وعثمان وابن عوف في الاقتصاديات ، وعليّ وعمرو في السياسيّات ، وابن عمر وابن مسعود وابن عباس في الشرعيات ، وخالد في العسكريات ، وهكذا .. فصنعوا رضي الله عنهم أجمعين مجتمعا متكاملا صالحا سعيدا ، لأنه يُدير كل شئون حياته بعدل وأخلاق وتخصص وحرفية وارتباط بربّ ٍيُعين علي كل خير ... صنعوه بإزاحتهم للفاسدين قبلهم والإحلال محلهم مع الوقت بأخلاقهم وتخصصاتهم

لا يغير الله ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم

ثم هذا المجتمع الصالح يختار وينتخب بوعي ٍوحرية واستقلالية فيما بينه حكاما ومسئولين صالحين صادقين أخلاقيين متخصصين مناسبين يُديرون كل شئونه باحتراف وعلم وتخطيط ، فيُقيموا دولة أخلاقية إسلامية وطنية مؤسَّسيَّة عادلة سعيدة لجميع مواطنيها مسلميهم وغير مسلميهم يشاركون جميعا في إدارتها ورعاية مصالحها وتطويرها وإسعادها بغضّ النظر عن الدين أو الثقافة أو الطائفة طالموا كانوا وطنيين أخلاقيين متخصصين ، ويكون لها قوانينها وُنظمها وضوابطها التي ُتعين علي استمراريتها دون الاعتماد والارتباط بأفراد ٍبعينهم بحيث إذا زالوا زالت بزوالهم

ثم هذا المجتمع الصالح الأخلاقي الوطني السعيد يبدأ في دعوة غيره من المجتمعات حوله الأقرب ثم الأبعد بالحسني وبكل الوسائل السلمية المُمكِنة لأخلاق إسلامه ، ليسعدوا تمام السعادة هم أيضا مثله ، فتتسع بذلك تدريجيا دائرة الدول الأخلاقية الوطنية الإسلامية الصالحة السعيدة

ثم دولة إسلامية أخلاقية وطنية شراكية تعاونية قوية صالحة سعيدة بجوار أخري وثالثة ورابعة وخامسة تَتَّحِد فيما بينها ليتكوَّن منها اتحادا إسلاميا أخلاقيا وطنيا صالحا ( أي خلافة إسلامية ) يكون له نظامه السياسي الحرّ الذي يسمح بتعدّد الآراء الصالحة الصادقة النافعة وبتعدّد المسئولين المُنتَخَبين الصالحين الصادقين المتخصصين النافعين " وأمرهم شوري بينهم " ( الشوري : 38 ) ، ويكون له مِن القوَيَ البشرية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والعلمية والإعلامية والرياضية والفنية والعسكرية وغيرها ما يُمّكنه مِن نشر الإسلام بالحسني للعالم كله ، وما يُمكنه من منع أي ظلم ودفع أي احتلال وإخافة أي باغ ٍيُفكر في الاعتداء مستقبلا ، فتسعد الأرض كلها بأخلاق الإسلام ، ويفرح الله تعالي بأنْ تحقق مراده من الخلق وهو إسعادهم فيها ثم في آخرة أتمَّ وأخلد سعادة لمن يؤمن بها " ويومئذ يفرح المؤمنون " ( الروم : 4 )

إنَّ هذا النوع من التغيير هو تغيير عميق لا سطحي ، َتدَرّجِيّ ُمَطمْئِن مقبول محبوب مُرَحَّب به مَحْمِيّ من الشعوب لا َطفريّ ُفجائيّ عنيف ُمْقلِق َتعجّليّ مرفوض مكروه مصدود عنه ملفوظ منهم ، ولذا فاحتمالية استمراره وبقائه بين البشر لفترات زمنية طويلة مُسعِدة هو احتمال كبير ، وحتي لو حدث أيّ تراجُع بسبب نسيانه أو البُعد عنه فإنهم ولاشك سيعودون إليه سريعا بأقل تذكرة من المُصلحين والدعاة حينما يُقارنون حالهم التعيس الحاليّ بالسعيد السابق

إنَّ هذا النوع من التغيير لا يعني أبدا جُبْن المسلم عن قول الحق أو تخاذله عن تغيير السيء والباطل والمنكر الذي يُنكره العقل المُنصف وتلفظه الفطرة قبل الأخلاق والشرع ! كما لا يُنافِي أبدا حديث الرسول (ص) المعروف (وما يُشبهه من أحاديث أو حتي آيات ) : " من رأي منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبقلبه فإن لم يستطع فبلسانه وذلك أضعف الإيمان " ( رواه مسلم )

وذلك لأن معني التغيير باليد ليس فقط استعمال السلاح والضرب والتصادُم والخروج بالقوة ! لأن هذا له شروطه وضوابطه الصارمة قبل فِعله ، وملخصها ألا ّيؤدي إلي فتنة وضرر ، وأن يغلب علي الظن غلبة شبه أكيدة القدرة علي التغيير وتحققه بهذه القوة المُتاحَة ، لأن هدف التغيير أصلا هو إسعاد الناس وإصلاحهم لا إتعاسهم وإضرارهم!

إنَّ هذا هو ما يُفهم من شرح الإمام العيني في " عمدة القاري شرح صحيح البخاري " لحديث الرسول (ص) : " مَنْ رأيَ مِن أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه فإنه مَن فارق الجماعة شبرا فمات إلا مات ميتة جاهلية " وحديث عبادة بن الصامت قال : " دعانا النبي (ص) فبايعنا فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا علي السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعُسرنا ويُسرنا وأثرَة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان " ، حيث يقول الإمام العيني : " .. والمراد بالأمر الملك والإمارة ، وزاد أحمد من طريق عمير بن هانيء عن جنادة " وإن رأيت أنَّ لك " ، أي في الأمر حقا لك ، فلا تعمل بذلك الرأي بل اسمع وأطع إلي أن يصل إليك بغير خروج عن الطاعة ....... وقال الداودي : الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إنْ قدَرَ علي خلعه بغير فتنة ولا ظلم وَجَبَ وإلا فالواجب الصبر ، وعن بعضهم لا يجوز عقد الولاية لفاسق ابتداء ً، فإن أحدثَ جورا بعد أن كان عدلا ، اختلفوا في جواز الخروج عليه ، والصحيح المنع إلا أن يكفر فيجب الخروج عليه "

وقال الإمام القاري في " مرقاة المفاتيح " في تعريف لفظ " أهله " في قوله (ص) : " .. وأن لا ننازع الأمر أهله " : " والمراد بالأهل مَنْ جعله الأمير نائبا عنه " أي كل مسئول

إنَّ التغيير باليد أوسع وأشمل ، إنه يعني إزاحة الفساد وتصحيح آثاره تدريجيا مع الوقت وإحلاله بالصلاح ، كما يُفهم ضمنا من شرح الإمام ابن رجب لمعني " فليغيره بيده " في كتابه " جامع العلوم والحِكم " حيث يقول : " قال أحمد : التغيير باليد ليس بالسيف والسلاح ، وحينئذ فجهاد الأمراء باليد أن يزيل بيده ما فعلوه من المنكرات ... أو يبطل بيده ما أمروا به من الظلم إنْ كان له قدرة علي ذلك .. "

بل لهذا النوع من التغيير ثوابه العظيم ، لأنه يحفظ الدماء ويُؤسِّس المؤسسات الأخلاقية المتخصصة التي تُحسن إدارة البلاد لتسعدها ، فهو من باب " فصبر جميل " ( يوسف : 18 ) ، أي الصبر الإيجابي ، الصبر مع التحضير والتجهيز للتغيير المُسْعِد ، لا الصبر السلبي المستسلم للواقع المُتباكِي عليه دون سعي لتصحيحه والذي يُتعس فاعله ويُخزيه في الدنيا ويؤثمه في الآخرة

إنه الصبر العمليّ الذي له ثواب المجاهدين " وفضَّل الله المجاهدين علي القاعدين أجرا عظيما " ( النساء : 95 ) الذين يسيرون في كل ُطرق وأنواع الجهاد المختلفة ، جهاد الدعوة والتربية والكلمة والعلم والتخصص والإعلام والاقتصاد والإدارة والسياسة ونحو ذلك ، كما يُفهم ضمنا من تعدّد صور الجهاد في قوله تعالي عن القرآن الكريم : " وجاهدهم به جهادا كبيرا " ( الفرقان : 52 ) وقوله (ص) : " جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم " ( رواه أبو داود ) ... إضافة بالطبع إلي الجهاد بكل أنواع القوة وأكملها وبالقدْر المناسب للمعتدين من غير المسلمين علي المسلمين إذا استخدموا هم القوة وبدأوا بها " فمن اعتدي عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم " ( البقرة : 194 ) " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة " ( الأنفال : 60 )

إنَّ التغيير بالقوة وإراقة الدماء ، أي تغيير الرأس دون الجسد ، أي تغيير المسئول أو الرئيس وخلعه وإبعاده دون تغيير أخلاق المرؤوسين وتربيتهم ، أي التغيير من أعلي لا من أسفل ، أي التغيير دون إقناع ٍوإصلاح وتربية وتخصّص وإحلال وإزاحة سلمية تدريجية تلقائية زمنية طبيعية ، له أضراره وسلبياته الكبيرة الخطيرة

فيكفي إراقة دم بريء واحد ، سواء أكان مسلما أم غير مسلم ، ذكرا أم أنثي ، كبيرا أم صغيرا ، آدميا أم حتي حيوانا أم نباتا أم جمادا

ويكفي بالقهر والإجبار والإكراه وعدم الإقناع ، وهو الذي ينافِي بكل صراحة ووضوح قوله تعالي : " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي " ( البقرة : 256 ) ، تكوين أفراد جبناء منافقين سلبيين لا يعملون عملا إلا تحت تأثير التهديد ، فهل هؤلاء سعداء أو يُصلحون لإسعاد أنفسهم ومَنْ حولهم ؟!! وهل أنزل الله تعالي الإسلام لإرهاب الناس هكذا ، وليُنشِيء أناسا ضعفاء جبناء غير أمناء غير آمنين تعساء ؟!!

ويكفي أنه لا ضامِن لمَنْ يُغيِّر بالقوة ألا َّيصِلَ اليوم الذي فيه يأتيه مَنْ هو أقوي منه غير أخلاقي فيقضي عليه كما فعل هو مِن قبْل ويسود الفساد ويَعمّ الظلم لمصلحة هذا المُتغلبِّ بالقوة ؟!! إنَّ الذي يُغيِّر بالقوة يبدو أنه يريد دولة إسلامية قلقة متوترة مُتقلبة تعيسة مؤقتة تدوم فقط ليوم أو شهر أو سنة أو عدة سنوات لا إلي قيام الساعة !

إنَّ أهم وأقوي ما يحمي أيَّ مسئول أو رئيس ويُعينه علي نجاح مهمته والرُقيّ بهم وبلدهم وسعادتهم هو مرؤوسيه ، هو مَنْ يُديرهم أو يرأسهم ، يحمونه بتجمعهم معه بإمكاناتهم وخبراتهم وعقولهم وجهودهم ، وبحبهم له وحبه لهم ، وبعلاقات الود والوفاء والصدق والوضوح والأمانة والعدل والحوار والتعاون والتكامل وحُسن التخطيط والإدارة وتوزيع المهامّ فيما بينهم .. ثم يحميه بعد ذلك وجود نظام مؤسَّسِيّ عادل مُنتخَب بحُرّية من عمومهم وأغلبيتهم له لوائحه وضوابطه الأخلاقية كما جاء بها الإسلام بحيث يُدير المُتخصصون الأخلاقيون بكل طوائفهم وثقافاتهم ودياناتهم إدارة جماعية أخلاقية سواء وُجِد الرئيس أم لا ، وهذا لن يحققه أسلوب التغيير بالقوة أبدا ، بل يحققه فقط أسلوب التربية والتخصص.

فكن أيها الداعي إلي الله والإسلام مِمَّن يُغيِّرون بأسلوب الرسول (ص) وصحابته الكرام ، فهو أفضل وأكمل وأضمن أسلوب ، لأنه مُؤيَّد من الخالق العالِم بالخلق وما يُصلحهم ويُسعدهم : " وما ينطق عن الهوي " ( النجم : 3 ) .. كن ممّن يُغيّرون بالتعايُش الودود والقدوة الحسنة والصبر الجميل والتدرّج الرفيق المُطمْئِن المقبول ، ثم بالإزاحة لمن بقِيَ مُصِرَّا ًعلي الشر رافضا العودة إلي الخير ... ولا تكن مِمَّن يُغيّرون بالعنف والتصادُم والتنافر وإراقة الدماء وإضاعة الأموال والتي ستُسأل عنها يوم القيامة والتي ستؤدي إلي إساءات وتعاسات من حيث أردتَ إحسانات وسعادات " ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر " ( آل عمران : 159 ) ..... وبذلك تسعد ولا تتعس في الداريْن " إنا لا نضيع أجر المصلحين " ( الأعراف : 170) .