الفرق بين المراجعتين لصفحة: «هل يمكن أفغنة فلسطين؟»
Attea mostafa (نقاش | مساهمات) ط (حمى "هل يمكن أفغنة فلسطين؟" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد))) |
Attea mostafa (نقاش | مساهمات) لا ملخص تعديل |
||
سطر ١: | سطر ١: | ||
'''<center> هل يمكن أفغنة | '''<center><font color="blue"><font size=5>هل يمكن أفغنة [[فلسطين]]؟</font></font></center>''' | ||
[[ | '''بقلم : الدكتور [[عبد العزيز الرنتيسي]]''' | ||
''' | [[ملف:د.عبد العزيز الرنتيسى.jpg|تصغير|250px|يسار|'''<center>د.[[عبد العزيز الرنتيسي]]</center>''']] | ||
لقد أعلن بوش الحرب على كل من [[إيران]] و [[العراق]] و كوريا الشمالية ، حيث قال في خطابه : | لقد أعلن بوش الحرب على كل من [[إيران]] و [[العراق]] و كوريا الشمالية ، حيث قال في خطابه : | ||
سطر ٩: | سطر ٩: | ||
"إن حربنا ضد (الإرهاب) قد بدأت ، و إن [[العراق]] و [[إيران]] و شمال كوريا و حلفاءهم (الإرهابيين) ينشئون محور الشر" ، كما أعلن الحرب أيضا على المقاومة المشروعة في [[فلسطين]] و [[لبنان]] ، و قد خص بالذكر الحركات الإسلامية المجاهدة: | "إن حربنا ضد (الإرهاب) قد بدأت ، و إن [[العراق]] و [[إيران]] و شمال كوريا و حلفاءهم (الإرهابيين) ينشئون محور الشر" ، كما أعلن الحرب أيضا على المقاومة المشروعة في [[فلسطين]] و [[لبنان]] ، و قد خص بالذكر الحركات الإسلامية المجاهدة: | ||
حماس و الجهاد الإسلامي و حزب الله ، متهما إياها بـ (الإرهاب) ، و في الوقت الذي لا نتصور فيه أن بوش الذي حظي بدعم دولي في حربه ضد [[أفغانستان]] قادر على تحقيق هذا الدعم إذا ما وجه آلته العسكرية ضد [[العراق]] أو [[إيران]] ، و لا أعتقد أن الإدارة الأمريكية تجهل هذا الأمر ، ندرك أن ضربة أمريكية لن توجه لأي من الدولتين ، فهل كان ذكرهما إذن في خطابه من باب لفت الأنظار عما تدبره أمريكا و الكيان [[الصهيوني]] في الخفاء و في العلن من عدوان شامل على شعبنا | حماس و الجهاد الإسلامي و حزب الله ، متهما إياها بـ (الإرهاب) ، و في الوقت الذي لا نتصور فيه أن بوش الذي حظي بدعم دولي في حربه ضد [[أفغانستان]] قادر على تحقيق هذا الدعم إذا ما وجه آلته العسكرية ضد [[العراق]] أو [[إيران]] ، و لا أعتقد أن الإدارة الأمريكية تجهل هذا الأمر ، ندرك أن ضربة أمريكية لن توجه لأي من الدولتين ، فهل كان ذكرهما إذن في خطابه من باب لفت الأنظار عما تدبره أمريكا و الكيان [[الصهيونية|الصهيوني]] في الخفاء و في العلن من عدوان شامل على شعبنا ال[[فلسطين]]ي و قواه المجاهدة ؟ هذا ما نرجحه في هذه المرحلة بالذات ، و أفضل وسيلة ربما تمخضت عنها العقلية الصهيو – أمريكية الإرهابية لمواجهة القوى المجاهدة في [[فلسطين]] هي أفغنة الحالة ال[[فلسطين]]ية . | ||
و قد بدا واضحاً خلال اللقاءات التي عقدها شارون مع كل من بوش و تشيني و كوندوليزا رايس أن الإدارة الأمريكية تفضل تطبيق النموذج الأفغاني في [[فلسطين]] ، و الصحف العبرية ترى أن الأفغنة تعني تصعيد الحملة القمعية ضد الحركات | و قد بدا واضحاً خلال اللقاءات التي عقدها شارون مع كل من بوش و تشيني و كوندوليزا رايس أن الإدارة الأمريكية تفضل تطبيق النموذج الأفغاني في [[فلسطين]] ، و الصحف العبرية ترى أن الأفغنة تعني تصعيد الحملة القمعية ضد الحركات ال[[فلسطين]]ية المجاهدة ، في الوقت الذي يتم فيه التخفيف عن المدنيين ال[[فلسطين]]يين ، و جوهر صفقة بوش لشارون بناء على الصحف العبرية يقوم على : "قدموا وعداً بامتيازات اقتصادية للمدنيين الفلسطينيين و ستحصلون مني على تغطية للحرب ضد (الإرهابيين)" ، و هو ما كان أشار إليه بوش خلال استقباله شارون في البيت الأبيض عندما قال إنه قرر تخصيص 300 مليون دولار لدعم السكان ال[[فلسطين]]يين الذين يواجهون خطر الجوع عبر منظمات غير حكومية . | ||
و لكن نجاح النموذج الأفغاني في [[أفغانستان]] كان بسبب توفر عوامل عدة لا يمكن توفرها في الحالة الفلسطينية ، فهل يمكن إذاً أفغنة [[فلسطين]] ؟ | و لكن نجاح النموذج الأفغاني في [[أفغانستان]] كان بسبب توفر عوامل عدة لا يمكن توفرها في الحالة الفلسطينية ، فهل يمكن إذاً أفغنة [[فلسطين]] ؟ | ||
واقع الحال يقول إن النموذج الأفغاني لا يمكن تطبيقه على الحالة الفلسطينية ، و ذلك للأسباب الآتية : | '''واقع الحال يقول إن النموذج الأفغاني لا يمكن تطبيقه على الحالة الفلسطينية ، و ذلك للأسباب الآتية :''' | ||
أولا : | '''أولا :''' | ||
من العسير على أمريكا و الكيان [[الصهيوني]] أن يجدا من يقف معهما في خندق واحد في وضح النهار كما فعل حلف الشمال ، لينسق معهما الضربات ضد الحركات المجاهدة التي تحظى بتأييد واسع في الشارع | :من العسير على أمريكا و الكيان [[الصهيونية|الصهيوني]] أن يجدا من يقف معهما في خندق واحد في وضح النهار كما فعل حلف الشمال ، لينسق معهما الضربات ضد الحركات المجاهدة التي تحظى بتأييد واسع في الشارع ال[[فلسطين]]ي و العربي و الإسلامي ، و إن وجدوا حليفا [[فلسطين]]يا لهم فلن يتبوأ هذا الحليف مكانة حلف الشمال بل مكانة المليشيات اللحدية ، مما يسهل مقاومته و إسقاطه جماهيريا ، و كما نعلم أن نجاح أمريكا في [[أفغانستان]] اعتمد كثيرا على حلف الشمال الذي قبل بلعب الدور الذي تريده أمريكا في ضرب طالبان و تنظيم القاعدة لحساب الغزو الأمريكي ، لا أقول لأفغانستان فقط و لكن لأواسط آسيا ، و لقد نجحت أمريكا في تسديد ضربات قوية لطالبان و القاعدة دون أن تتكبد خسائر في الأرواح ، لأنها اتخذت من حلف الشمال مخلبا تضرب به طالبان و القاعدة . | ||
ثانيا : | '''ثانيا : ''' | ||
الحركات المجاهدة في [[فلسطين]] لا تملك قواعد تدريب ولا حتى مكاتب أو مقرات يمكن ضربها من الجو، فالحركات المجاهدة في [[فلسطين]] تشكل حالة جماهيرية منصهرة في بوتقة الشعب ، ليس كما ذكر بوش في خطابه أن المجاهدين في [[فلسطين]] يعيشون في أدغال و كهوف ، و لذا لا يمكن القضاء عليها إلا بالقضاء على الشعب ، و لقد حاول الكيان [[الصهيوني]] ذلك على مدى عقود من الزمان ، عن طريق الاعتقال و الاغتيال و الإبعاد ، ثم ما لبث أن أعلن فشله لأن الحركة الإسلامية المجاهدة كانت تزداد قوة مع كل ضربة يقوم بها العدو ، فضربات العدو كانت تؤدي إلى ازدياد التلاحم الجماهيري معها ، لأنها بجهادها و تضحياتها إنما تعبر عن ضمير هذا الشعب المجاهد ، و تشكل أمله في الخلاص من ذل الاحتلال . | :الحركات المجاهدة في [[فلسطين]] لا تملك قواعد تدريب ولا حتى مكاتب أو مقرات يمكن ضربها من الجو، فالحركات المجاهدة في [[فلسطين]] تشكل حالة جماهيرية منصهرة في بوتقة الشعب ، ليس كما ذكر بوش في خطابه أن المجاهدين في [[فلسطين]] يعيشون في أدغال و كهوف ، و لذا لا يمكن القضاء عليها إلا بالقضاء على الشعب ، و لقد حاول الكيان [[الصهيونية|الصهيوني]] ذلك على مدى عقود من الزمان ، عن طريق الاعتقال و الاغتيال و الإبعاد ، ثم ما لبث أن أعلن فشله لأن الحركة الإسلامية المجاهدة كانت تزداد قوة مع كل ضربة يقوم بها العدو ، فضربات العدو كانت تؤدي إلى ازدياد التلاحم الجماهيري معها ، لأنها بجهادها و تضحياتها إنما تعبر عن ضمير هذا الشعب المجاهد ، و تشكل أمله في الخلاص من ذل الاحتلال . | ||
ثالثا : | '''ثالثا : ''' | ||
إن الذي كان يحدد زمان و مكان المواجهة مع طالبان هو العدو الأمريكي ، و لكن الأمر في [[فلسطين]] مختلف تماما ، ففي الوقت الذي يتمكن فيه العدو من تسديد ضربات للمجاهدين باستخدام أدواته القمعية الأمريكية ، يتمكن المجاهدون من تسديد ضربات أشد إيلاما للعدو في المكان و الزمان و الأسلوب الذي تحدده المقاومة و لا يستطيع العدو أن يمنع حدوثها باعتراف قادته العسكريين و السياسيين الذين كرروا عشرات المرات مقولتهم المشهورة "لا نستطيع أن نفعل شيئا لرجل يريد أن يموت" . | :إن الذي كان يحدد زمان و مكان المواجهة مع طالبان هو العدو الأمريكي ، و لكن الأمر في [[فلسطين]] مختلف تماما ، ففي الوقت الذي يتمكن فيه العدو من تسديد ضربات للمجاهدين باستخدام أدواته القمعية الأمريكية ، يتمكن المجاهدون من تسديد ضربات أشد إيلاما للعدو في المكان و الزمان و الأسلوب الذي تحدده المقاومة و لا يستطيع العدو أن يمنع حدوثها باعتراف قادته العسكريين و السياسيين الذين كرروا عشرات المرات مقولتهم المشهورة "لا نستطيع أن نفعل شيئا لرجل يريد أن يموت" . | ||
رابعا : | '''رابعا :''' | ||
لقد وجدت أمريكا من بين دول العالم من يشكل معها شبه حلف دولي في حملتها ضد [[أفغانستان]] ، و أشك أنه في مقدورها أن تجد على الأقل شركاء لها على صعيد العالم العربي و الإسلامي ، بل على النقيض من ذلك ستجابه بحالة من الرفض الشديد على الصعيدين الرسمي و الشعبي ، مما لا يهيئ لها الأجواء الملائمة لتحقيق النجاح في [[فلسطين]] . | :لقد وجدت أمريكا من بين دول العالم من يشكل معها شبه حلف دولي في حملتها ضد [[أفغانستان]] ، و أشك أنه في مقدورها أن تجد على الأقل شركاء لها على صعيد العالم العربي و الإسلامي ، بل على النقيض من ذلك ستجابه بحالة من الرفض الشديد على الصعيدين الرسمي و الشعبي ، مما لا يهيئ لها الأجواء الملائمة لتحقيق النجاح في [[فلسطين]] . | ||
خامسا : | '''خامسا : ''' | ||
قد تمكنت أمريكا من خداع الشعب الأفغاني بزعمها أنها تقف معه ضد طالبان ، و بدت في دعمها للحلف الشمالي كمن يدعم شريحة من الأفغان ، لكن الحالة الفلسطينية لا تسمح لأمريكا بممارسة هذه اللعبة ، لأن أمريكا في حربها ضد المجاهدين إنما تدعم العدو [[الصهيوني]] ، و دعمها المتواصل للصهاينة على كل الصعد لا يخفى على أطفال [[فلسطين]] ، الذين لا يترددون في حرق العلم الأمريكي مع العلم [[الصهيوني]] ، و لذلك لن تجد أمريكا في [[فلسطين]] شعبا ساذجا يتعاطف معها في حربها ضد الحركة المجاهدة ، إلا من باع نفسه بثمن بخس ، و لا يشكل هؤلاء في مجتمعنا | :قد تمكنت أمريكا من خداع الشعب الأفغاني بزعمها أنها تقف معه ضد طالبان ، و بدت في دعمها للحلف الشمالي كمن يدعم شريحة من الأفغان ، لكن الحالة الفلسطينية لا تسمح لأمريكا بممارسة هذه اللعبة ، لأن أمريكا في حربها ضد المجاهدين إنما تدعم العدو [[الصهيونية|الصهيوني]] ، و دعمها المتواصل للصهاينة على كل الصعد لا يخفى على أطفال [[فلسطين]] ، الذين لا يترددون في حرق العلم الأمريكي مع العلم [[الصهيوني]] ، و لذلك لن تجد أمريكا في [[فلسطين]] شعبا ساذجا يتعاطف معها في حربها ضد الحركة المجاهدة ، إلا من باع نفسه بثمن بخس ، و لا يشكل هؤلاء في مجتمعنا ال[[فلسطين]]ي إلا شرذمة قليلة منبوذة متهمة . | ||
سادسا : | '''سادسا : ''' | ||
إن الأفغان كانوا يعيشون حالة من الحرب الأهلية مما يسر على أمريكا النفاذ لشق الصف الأفغاني ، بينما يعيش الفلسطينيون مرحلة من الوحدة صنعتها الانتفاضة ، و صقلها خندق المواجهة تكاد تكون غير مسبوقة في تاريخنا الجهادي الطويل . | :إن الأفغان كانوا يعيشون حالة من الحرب الأهلية مما يسر على أمريكا النفاذ لشق الصف الأفغاني ، بينما يعيش الفلسطينيون مرحلة من الوحدة صنعتها الانتفاضة ، و صقلها خندق المواجهة تكاد تكون غير مسبوقة في تاريخنا الجهادي الطويل . | ||
سابعا : | '''سابعا : ''' | ||
إن عدالة القضية الفلسطينية لها حضورها و ثقلها في الحالة | :إن عدالة القضية الفلسطينية لها حضورها و ثقلها في الحالة ال[[فلسطين]]ية ، مما يجعل العنوان الذي اتخذته أمريكا ذريعة لها في حربها القذرة ضد المسلمين في [[أفغانستان]] - محاربة (الإرهاب) - لا يمكن تسويقه على العالم عند إعلان الحرب على الإسلام في [[فلسطين]] ، فهنا أرض محتلة و ممارسات صهيونية إرهابية ضد شعب أعزل لا تخفى على أحد . | ||
ثامنا : | '''ثامنا : ''' | ||
لا يمكننا أيضا تجاهل الحالة النفسية المنهارة التي يعيشها الجندي [[الصهيوني]] في مواجهته للمجاهدين | :لا يمكننا أيضا تجاهل الحالة النفسية المنهارة التي يعيشها الجندي [[الصهيونية|الصهيوني]] في مواجهته للمجاهدين ال[[فلسطين]]يين ، الذين يؤمنون بنبل هدفهم و عدالة قضيتهم ، فهناك عدد كبير من الضباط الصهاينة قد شكلوا حالة من التمرد برفضهم الخدمة في الضفة و القطاع ، خوفا من ضربات المجاهدين ال[[فلسطين]]يين و ليس لإنسانية فيهم كما يزعم الإعلام [[الصهيونية|الصهيوني]] ، و نلمس هذا الانهيار في تصريح أحد الجنود الصهاينة المكلف بحراسة مستوطنة الحمرة التي اقتحمها أحد المجاهدين من [[حماس]] ، فقد صرح الجندي بوضوح كما جاء في الصحف [[الصهيونية]] قائلا : | ||
"حين بدأ القتال اختبأت تحت السيارة" . | "حين بدأ القتال اختبأت تحت السيارة" . | ||
من كل ذلك نقول إن ما يبدو نجاحا أمريكيا في أفغانستان ، لا يمكن تحقيقه في [[فلسطين]] ... | من كل ذلك نقول إن ما يبدو نجاحا أمريكيا في [[أفغانستان]] ، لا يمكن تحقيقه في [[فلسطين]] ... | ||
== المصدر == | == المصدر == |
المراجعة الحالية بتاريخ ١٤:١٢، ٢ يونيو ٢٠١٤
بقلم : الدكتور عبد العزيز الرنتيسي
لقد أعلن بوش الحرب على كل من إيران و العراق و كوريا الشمالية ، حيث قال في خطابه :
"إن حربنا ضد (الإرهاب) قد بدأت ، و إن العراق و إيران و شمال كوريا و حلفاءهم (الإرهابيين) ينشئون محور الشر" ، كما أعلن الحرب أيضا على المقاومة المشروعة في فلسطين و لبنان ، و قد خص بالذكر الحركات الإسلامية المجاهدة:
حماس و الجهاد الإسلامي و حزب الله ، متهما إياها بـ (الإرهاب) ، و في الوقت الذي لا نتصور فيه أن بوش الذي حظي بدعم دولي في حربه ضد أفغانستان قادر على تحقيق هذا الدعم إذا ما وجه آلته العسكرية ضد العراق أو إيران ، و لا أعتقد أن الإدارة الأمريكية تجهل هذا الأمر ، ندرك أن ضربة أمريكية لن توجه لأي من الدولتين ، فهل كان ذكرهما إذن في خطابه من باب لفت الأنظار عما تدبره أمريكا و الكيان الصهيوني في الخفاء و في العلن من عدوان شامل على شعبنا الفلسطيني و قواه المجاهدة ؟ هذا ما نرجحه في هذه المرحلة بالذات ، و أفضل وسيلة ربما تمخضت عنها العقلية الصهيو – أمريكية الإرهابية لمواجهة القوى المجاهدة في فلسطين هي أفغنة الحالة الفلسطينية .
و قد بدا واضحاً خلال اللقاءات التي عقدها شارون مع كل من بوش و تشيني و كوندوليزا رايس أن الإدارة الأمريكية تفضل تطبيق النموذج الأفغاني في فلسطين ، و الصحف العبرية ترى أن الأفغنة تعني تصعيد الحملة القمعية ضد الحركات الفلسطينية المجاهدة ، في الوقت الذي يتم فيه التخفيف عن المدنيين الفلسطينيين ، و جوهر صفقة بوش لشارون بناء على الصحف العبرية يقوم على : "قدموا وعداً بامتيازات اقتصادية للمدنيين الفلسطينيين و ستحصلون مني على تغطية للحرب ضد (الإرهابيين)" ، و هو ما كان أشار إليه بوش خلال استقباله شارون في البيت الأبيض عندما قال إنه قرر تخصيص 300 مليون دولار لدعم السكان الفلسطينيين الذين يواجهون خطر الجوع عبر منظمات غير حكومية .
و لكن نجاح النموذج الأفغاني في أفغانستان كان بسبب توفر عوامل عدة لا يمكن توفرها في الحالة الفلسطينية ، فهل يمكن إذاً أفغنة فلسطين ؟
واقع الحال يقول إن النموذج الأفغاني لا يمكن تطبيقه على الحالة الفلسطينية ، و ذلك للأسباب الآتية :
أولا :
- من العسير على أمريكا و الكيان الصهيوني أن يجدا من يقف معهما في خندق واحد في وضح النهار كما فعل حلف الشمال ، لينسق معهما الضربات ضد الحركات المجاهدة التي تحظى بتأييد واسع في الشارع الفلسطيني و العربي و الإسلامي ، و إن وجدوا حليفا فلسطينيا لهم فلن يتبوأ هذا الحليف مكانة حلف الشمال بل مكانة المليشيات اللحدية ، مما يسهل مقاومته و إسقاطه جماهيريا ، و كما نعلم أن نجاح أمريكا في أفغانستان اعتمد كثيرا على حلف الشمال الذي قبل بلعب الدور الذي تريده أمريكا في ضرب طالبان و تنظيم القاعدة لحساب الغزو الأمريكي ، لا أقول لأفغانستان فقط و لكن لأواسط آسيا ، و لقد نجحت أمريكا في تسديد ضربات قوية لطالبان و القاعدة دون أن تتكبد خسائر في الأرواح ، لأنها اتخذت من حلف الشمال مخلبا تضرب به طالبان و القاعدة .
ثانيا :
- الحركات المجاهدة في فلسطين لا تملك قواعد تدريب ولا حتى مكاتب أو مقرات يمكن ضربها من الجو، فالحركات المجاهدة في فلسطين تشكل حالة جماهيرية منصهرة في بوتقة الشعب ، ليس كما ذكر بوش في خطابه أن المجاهدين في فلسطين يعيشون في أدغال و كهوف ، و لذا لا يمكن القضاء عليها إلا بالقضاء على الشعب ، و لقد حاول الكيان الصهيوني ذلك على مدى عقود من الزمان ، عن طريق الاعتقال و الاغتيال و الإبعاد ، ثم ما لبث أن أعلن فشله لأن الحركة الإسلامية المجاهدة كانت تزداد قوة مع كل ضربة يقوم بها العدو ، فضربات العدو كانت تؤدي إلى ازدياد التلاحم الجماهيري معها ، لأنها بجهادها و تضحياتها إنما تعبر عن ضمير هذا الشعب المجاهد ، و تشكل أمله في الخلاص من ذل الاحتلال .
ثالثا :
- إن الذي كان يحدد زمان و مكان المواجهة مع طالبان هو العدو الأمريكي ، و لكن الأمر في فلسطين مختلف تماما ، ففي الوقت الذي يتمكن فيه العدو من تسديد ضربات للمجاهدين باستخدام أدواته القمعية الأمريكية ، يتمكن المجاهدون من تسديد ضربات أشد إيلاما للعدو في المكان و الزمان و الأسلوب الذي تحدده المقاومة و لا يستطيع العدو أن يمنع حدوثها باعتراف قادته العسكريين و السياسيين الذين كرروا عشرات المرات مقولتهم المشهورة "لا نستطيع أن نفعل شيئا لرجل يريد أن يموت" .
رابعا :
- لقد وجدت أمريكا من بين دول العالم من يشكل معها شبه حلف دولي في حملتها ضد أفغانستان ، و أشك أنه في مقدورها أن تجد على الأقل شركاء لها على صعيد العالم العربي و الإسلامي ، بل على النقيض من ذلك ستجابه بحالة من الرفض الشديد على الصعيدين الرسمي و الشعبي ، مما لا يهيئ لها الأجواء الملائمة لتحقيق النجاح في فلسطين .
خامسا :
- قد تمكنت أمريكا من خداع الشعب الأفغاني بزعمها أنها تقف معه ضد طالبان ، و بدت في دعمها للحلف الشمالي كمن يدعم شريحة من الأفغان ، لكن الحالة الفلسطينية لا تسمح لأمريكا بممارسة هذه اللعبة ، لأن أمريكا في حربها ضد المجاهدين إنما تدعم العدو الصهيوني ، و دعمها المتواصل للصهاينة على كل الصعد لا يخفى على أطفال فلسطين ، الذين لا يترددون في حرق العلم الأمريكي مع العلم الصهيوني ، و لذلك لن تجد أمريكا في فلسطين شعبا ساذجا يتعاطف معها في حربها ضد الحركة المجاهدة ، إلا من باع نفسه بثمن بخس ، و لا يشكل هؤلاء في مجتمعنا الفلسطيني إلا شرذمة قليلة منبوذة متهمة .
سادسا :
- إن الأفغان كانوا يعيشون حالة من الحرب الأهلية مما يسر على أمريكا النفاذ لشق الصف الأفغاني ، بينما يعيش الفلسطينيون مرحلة من الوحدة صنعتها الانتفاضة ، و صقلها خندق المواجهة تكاد تكون غير مسبوقة في تاريخنا الجهادي الطويل .
سابعا :
- إن عدالة القضية الفلسطينية لها حضورها و ثقلها في الحالة الفلسطينية ، مما يجعل العنوان الذي اتخذته أمريكا ذريعة لها في حربها القذرة ضد المسلمين في أفغانستان - محاربة (الإرهاب) - لا يمكن تسويقه على العالم عند إعلان الحرب على الإسلام في فلسطين ، فهنا أرض محتلة و ممارسات صهيونية إرهابية ضد شعب أعزل لا تخفى على أحد .
ثامنا :
- لا يمكننا أيضا تجاهل الحالة النفسية المنهارة التي يعيشها الجندي الصهيوني في مواجهته للمجاهدين الفلسطينيين ، الذين يؤمنون بنبل هدفهم و عدالة قضيتهم ، فهناك عدد كبير من الضباط الصهاينة قد شكلوا حالة من التمرد برفضهم الخدمة في الضفة و القطاع ، خوفا من ضربات المجاهدين الفلسطينيين و ليس لإنسانية فيهم كما يزعم الإعلام الصهيوني ، و نلمس هذا الانهيار في تصريح أحد الجنود الصهاينة المكلف بحراسة مستوطنة الحمرة التي اقتحمها أحد المجاهدين من حماس ، فقد صرح الجندي بوضوح كما جاء في الصحف الصهيونية قائلا :
"حين بدأ القتال اختبأت تحت السيارة" .
من كل ذلك نقول إن ما يبدو نجاحا أمريكيا في أفغانستان ، لا يمكن تحقيقه في فلسطين ...
المصدر
- مقال:هل يمكن أفغنة فلسطين؟المركز الفلسطينى للإعلام