الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الشجرة»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لا ملخص تعديل
 
سطر ١: سطر ١:
'''<center><font color="blue"><font size=5>الشجرة</font></font></center>'''
== '''الشجرة'''( قصة من واقع الطفولة ) ==
 


'''أ.د/[[جابر قميحة]]'''
'''أ.د/[[جابر قميحة]]'''


 
[[ملف:د.جابر قميحة.jpg|تصغير|يسار|'''<center>د.[[جابر قميحة]]</center>''']]


يا رَب خضِّرْ ورقتنا
يا رَب خضِّرْ ورقتنا
 
::::على شجرتْنا
على شجرتْنا


إحنا واخواتنا
إحنا واخواتنا
 
::::والعدو يطِقْ يموت
والعدو يطِقْ يموت
 


كان هذا هو النشيد الطفولي الذي كنا نردده في غرة المحرم من كل عام ...
كان هذا هو النشيد الطفولي الذي كنا نردده في غرة المحرم من كل عام ...


تشرق الشمس ، ويدب النشاط في كل بيوت الحارة ، وتقوم الأمهات بطبخ ألوان من الطعام المخصوص في هذا اليوم المبارك ، أما نحن أطفال الشارع فنذهب إلى أرض خضراء كثيرة الشجر ، ويتسلق " رشدي " أقصر الأشجار ليقطع منها عيدانا مورقة ، وندخل حارتنا يتقدمنا رشدي أقوانا وأشدنا ، ونرفع الأغصان كأنها سيوف في أيدي فرسان ، ونردد نشيدنا المحفوظ الذي ذكرته آنفا .
تشرق الشمس ، ويدب النشاط في كل بيوت الحارة ، وتقوم الأمهات بطبخ ألوان من الطعام المخصوص في هذا اليوم المبارك ، أما نحن أطفال الشارع فنذهب إلى أرض خضراء كثيرة الشجر ، ويتسلق " رشدي " أقصر الأشجار ليقطع منها عيدانا مورقة ، وندخل حارتنا يتقدمنا رشدي أقوانا وأشدنا ، ونرفع الأغصان كأنها سيوف في أيدي فرسان ، ونردد نشيدنا المحفوظ الذي ذكرته آنفا .


وسالت جدتي عن معنى هذا الكلام فقالت بصوتها المتهدج : فيه يابني في السما شجرة كبيرة ... كبيرة ، فيها أوراق بعدد الناس كلهم ... لكل واحد من بني أدم ورقة عليها اسمه ، لو ذبلت ورقة ووقعت فهذا معناه أن صاحبها مات . أما الورق اللي يفضل أخضر فدا معناه أن أصحابه عايشين ، لذلك في كل سنة بندعي ربنا أن ورقتنا تفضل خضرة على طول .
وسالت جدتي عن معنى هذا الكلام فقالت بصوتها المتهدج : فيه يابني في السما شجرة كبيرة ... كبيرة ، فيها أوراق بعدد الناس كلهم ... لكل واحد من بني أدم ورقة عليها اسمه ، لو ذبلت ورقة ووقعت فهذا معناه أن صاحبها مات . أما الورق اللي يفضل أخضر فدا معناه أن أصحابه عايشين ، لذلك في كل سنة بندعي ربنا أن ورقتنا تفضل خضرة على طول .


وضحكت جدتي حينما قلت لها : أنا نفسي أشوف الشجرة دي ... أشوفها ولو مرة واحدة .
وضحكت جدتي حينما قلت لها : أنا نفسي أشوف الشجرة دي ... أشوفها ولو مرة واحدة .
**********


وبعد أن انتهينا من نشيدنا في حارتنا والحارات المجاورة قال رشدي المعروف في الحارة ب " الولد الشقي " : يلا بينا يا جماعة نروح ناكل توت .
وبعد أن انتهينا من نشيدنا في حارتنا والحارات المجاورة قال رشدي المعروف في الحارة ب " الولد الشقي " : يلا بينا يا جماعة نروح ناكل توت .


وهذا يعني أننا بالإنشاد قد انتهينا من الفقرة الأولى . أما الفقرة الثانية والأخيرة فهي " أكل التوت " . وهذا يتطلب أن نذهب إلى " فريع " وهي أرض تقع في الطرف الغربي من بلدتنا حيث تكثر أشجار التوت والجميز . وكنا نعزف عن الجميز لأن حمولة الشجرة كلها من " الجميز الباط " الذي لا طعم له ولا رائحة ، لأن كل ثمرة منه تحتاج أن يصعد صاحبها ويشق بموس ناحية منها . وبعد أسبوعين تجنى وتكون في حلاوتها في المرتبة الثانية من التين .
وهذا يعني أننا بالإنشاد قد انتهينا من الفقرة الأولى . أما الفقرة الثانية والأخيرة فهي " أكل التوت " . وهذا يتطلب أن نذهب إلى " فريع " وهي أرض تقع في الطرف الغربي من بلدتنا حيث تكثر أشجار التوت والجميز . وكنا نعزف عن الجميز لأن حمولة الشجرة كلها من " الجميز الباط " الذي لا طعم له ولا رائحة ، لأن كل ثمرة منه تحتاج أن يصعد صاحبها ويشق بموس ناحية منها . وبعد أسبوعين تجنى وتكون في حلاوتها في المرتبة الثانية من التين .


أما أشجار التوت فنوعان : شجر ثماره حمراء تضرب للسواد ، أي أن لونها " أحمر قاني " . وشجر ثماره بيضاء . وكنا نميل إلى النوع الأول ، ونصبغ أكفنا ببعضه بعد أن نشبع منه ، وندخل الحارة مصبوغي الأيدي باللون الأحمر حتى يعرف الآخرون أننا " أكلنا توت " ... وكنا نقولها في زهو ومباهاة  
أما أشجار التوت فنوعان : شجر ثماره حمراء تضرب للسواد ، أي أن لونها " أحمر قاني " . وشجر ثماره بيضاء . وكنا نميل إلى النوع الأول ، ونصبغ أكفنا ببعضه بعد أن نشبع منه ، وندخل الحارة مصبوغي الأيدي باللون الأحمر حتى يعرف الآخرون أننا " أكلنا توت " ... وكنا نقولها في زهو ومباهاة  


والحصول على ثمرات التوت يكون ب " الهز " ، يتسلق واحد منا الشجرة ويهز أغصانها بشدة فتسقط على الأرض الخضراء فنلتهمها بنهم . قال رشدي : " تعالوا للشجرة التى تطل على الترعة فثمارها غزيرة " ... وتسلقها رشدي ، وأخذ يهزها بعنف فتسقط أغلب الثمار على شاطئ الترعة ... وقليل يسقط في الترعة فلا نحصل عليه .
والحصول على ثمرات التوت يكون ب " الهز " ، يتسلق واحد منا الشجرة ويهز أغصانها بشدة فتسقط على الأرض الخضراء فنلتهمها بنهم . قال رشدي : " تعالوا للشجرة التى تطل على الترعة فثمارها غزيرة " ... وتسلقها رشدي ، وأخذ يهزها بعنف فتسقط أغلب الثمار على شاطئ الترعة ... وقليل يسقط في الترعة فلا نحصل عليه .


أكلنا ... وأكلنا ... وبعضنا  وأنا منهم  كان يلف بعض ثمار التوت في ورقه الأخضر ويدسها في جيبه .وأسرف رشدي في الصعود ... وسمعنا صوته من أعلى : " احجزوا لي نصيبي ياولاد ... " . ويظهر أن إغراء الثمر شده إليه ، فأخذ يتناول التوت بشراهة ، ونسي أنه في قمة الشجرة ، فزلقت رجله ، وهوى في لمح البصر إلى الترعة ، وغاب في الماء ، فصرخنا ... وهرول إلينا بعض الفلاحين وأخرجوه من قاع الترعة العميقة ، ووضعوه بجانب الشجرة على ظهره ، وأخذوا يهزونه بشدة ... ولا حركة .
أكلنا ... وأكلنا ... وبعضنا  وأنا منهم  كان يلف بعض ثمار التوت في ورقه الأخضر ويدسها في جيبه .وأسرف رشدي في الصعود ... وسمعنا صوته من أعلى : " احجزوا لي نصيبي ياولاد ... " . ويظهر أن إغراء الثمر شده إليه ، فأخذ يتناول التوت بشراهة ، ونسي أنه في قمة الشجرة ، فزلقت رجله ، وهوى في لمح البصر إلى الترعة ، وغاب في الماء ، فصرخنا ... وهرول إلينا بعض الفلاحين وأخرجوه من قاع الترعة العميقة ، ووضعوه بجانب الشجرة على ظهره ، وأخذوا يهزونه بشدة ... ولا حركة .


وفجأة شق الجمع رجل ضخم وأمسك بيمين رشدي لمدة دقيقة ، ورفعها إلى أعلى ثم تركها ، فسقطت على صدره . ووضع الرجل أذنه على الجهة اليسرى من صدر رشدي . وفجأة نهض ، وصرخ " بلغوا الإسعاف والبوليس يا جماعة ... الواد مات " .
وفجأة شق الجمع رجل ضخم وأمسك بيمين رشدي لمدة دقيقة ، ورفعها إلى أعلى ثم تركها ، فسقطت على صدره . ووضع الرجل أذنه على الجهة اليسرى من صدر رشدي . وفجأة نهض ، وصرخ " بلغوا الإسعاف والبوليس يا جماعة ... الواد مات " .


ونزلت علينا هذه الكلمات كالصاعقة ، فتركنا المكان وأخذ كل منا يجري بأقصى قوته ، كل في طريق . وخِلت أنني إنما أجري في ظل شجرة ضخمة جدا ، أوراقها خضراء لامعة الخضرة ، وحينما اقتربت من الحارة انتهى الظل ورأيت على الأرض ورقة ذابلة .
ونزلت علينا هذه الكلمات كالصاعقة ، فتركنا المكان وأخذ كل منا يجري بأقصى قوته ، كل في طريق . وخِلت أنني إنما أجري في ظل شجرة ضخمة جدا ، أوراقها خضراء لامعة الخضرة ، وحينما اقتربت من الحارة انتهى الظل ورأيت على الأرض ورقة ذابلة .



المراجعة الحالية بتاريخ ٠٩:١٠، ٢٢ أكتوبر ٢٠١١

الشجرة

أ.د/جابر قميحة

يا رَب خضِّرْ ورقتنا

على شجرتْنا

إحنا واخواتنا

والعدو يطِقْ يموت

كان هذا هو النشيد الطفولي الذي كنا نردده في غرة المحرم من كل عام ...

تشرق الشمس ، ويدب النشاط في كل بيوت الحارة ، وتقوم الأمهات بطبخ ألوان من الطعام المخصوص في هذا اليوم المبارك ، أما نحن أطفال الشارع فنذهب إلى أرض خضراء كثيرة الشجر ، ويتسلق " رشدي " أقصر الأشجار ليقطع منها عيدانا مورقة ، وندخل حارتنا يتقدمنا رشدي أقوانا وأشدنا ، ونرفع الأغصان كأنها سيوف في أيدي فرسان ، ونردد نشيدنا المحفوظ الذي ذكرته آنفا .

وسالت جدتي عن معنى هذا الكلام فقالت بصوتها المتهدج : فيه يابني في السما شجرة كبيرة ... كبيرة ، فيها أوراق بعدد الناس كلهم ... لكل واحد من بني أدم ورقة عليها اسمه ، لو ذبلت ورقة ووقعت فهذا معناه أن صاحبها مات . أما الورق اللي يفضل أخضر فدا معناه أن أصحابه عايشين ، لذلك في كل سنة بندعي ربنا أن ورقتنا تفضل خضرة على طول .

وضحكت جدتي حينما قلت لها : أنا نفسي أشوف الشجرة دي ... أشوفها ولو مرة واحدة .

وبعد أن انتهينا من نشيدنا في حارتنا والحارات المجاورة قال رشدي المعروف في الحارة ب " الولد الشقي " : يلا بينا يا جماعة نروح ناكل توت .

وهذا يعني أننا بالإنشاد قد انتهينا من الفقرة الأولى . أما الفقرة الثانية والأخيرة فهي " أكل التوت " . وهذا يتطلب أن نذهب إلى " فريع " وهي أرض تقع في الطرف الغربي من بلدتنا حيث تكثر أشجار التوت والجميز . وكنا نعزف عن الجميز لأن حمولة الشجرة كلها من " الجميز الباط " الذي لا طعم له ولا رائحة ، لأن كل ثمرة منه تحتاج أن يصعد صاحبها ويشق بموس ناحية منها . وبعد أسبوعين تجنى وتكون في حلاوتها في المرتبة الثانية من التين .

أما أشجار التوت فنوعان : شجر ثماره حمراء تضرب للسواد ، أي أن لونها " أحمر قاني " . وشجر ثماره بيضاء . وكنا نميل إلى النوع الأول ، ونصبغ أكفنا ببعضه بعد أن نشبع منه ، وندخل الحارة مصبوغي الأيدي باللون الأحمر حتى يعرف الآخرون أننا " أكلنا توت " ... وكنا نقولها في زهو ومباهاة

والحصول على ثمرات التوت يكون ب " الهز " ، يتسلق واحد منا الشجرة ويهز أغصانها بشدة فتسقط على الأرض الخضراء فنلتهمها بنهم . قال رشدي : " تعالوا للشجرة التى تطل على الترعة فثمارها غزيرة " ... وتسلقها رشدي ، وأخذ يهزها بعنف فتسقط أغلب الثمار على شاطئ الترعة ... وقليل يسقط في الترعة فلا نحصل عليه .

أكلنا ... وأكلنا ... وبعضنا وأنا منهم كان يلف بعض ثمار التوت في ورقه الأخضر ويدسها في جيبه .وأسرف رشدي في الصعود ... وسمعنا صوته من أعلى : " احجزوا لي نصيبي ياولاد ... " . ويظهر أن إغراء الثمر شده إليه ، فأخذ يتناول التوت بشراهة ، ونسي أنه في قمة الشجرة ، فزلقت رجله ، وهوى في لمح البصر إلى الترعة ، وغاب في الماء ، فصرخنا ... وهرول إلينا بعض الفلاحين وأخرجوه من قاع الترعة العميقة ، ووضعوه بجانب الشجرة على ظهره ، وأخذوا يهزونه بشدة ... ولا حركة .

وفجأة شق الجمع رجل ضخم وأمسك بيمين رشدي لمدة دقيقة ، ورفعها إلى أعلى ثم تركها ، فسقطت على صدره . ووضع الرجل أذنه على الجهة اليسرى من صدر رشدي . وفجأة نهض ، وصرخ " بلغوا الإسعاف والبوليس يا جماعة ... الواد مات " .

ونزلت علينا هذه الكلمات كالصاعقة ، فتركنا المكان وأخذ كل منا يجري بأقصى قوته ، كل في طريق . وخِلت أنني إنما أجري في ظل شجرة ضخمة جدا ، أوراقها خضراء لامعة الخضرة ، وحينما اقتربت من الحارة انتهى الظل ورأيت على الأرض ورقة ذابلة .

وصعدت إلى البيت مفزوعا مجهدا أتصبب عرقا ، ودخلت الحجرة التى أنام أنا وجدتي فيها في الدور العلوي من البيت ، كانت تغط في نوم عميق ، وجلست أنا على طرف سريري ... حزينا ، أبكي في صمت ، ووجدت يدي تصطدم بجيبي المنتفخ ، فأخرجت ما فيه ، فإذا بورقة من أوراق التوت ملفوفة على أربع ثمرات ، فأكلتها على عجل ، ودموعي تغسل وجهي ، ورحت في نوم عميق .

المصدر:رابطة أدباء الشام