قالب:تاريخ الإخوان في فلسطين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
تاريخ الإخوان المسلمين في فلسطين

إعداد: ويكيبيديا الإخوان المسلمين

  • عبده مصطفى دسوقي


مقدمة

الإمام البنا بدار الإخوان فى غزة

تختلف علاقة الإخوان بفلسطين عن علاقتها بباقي الدول، حيث كانت فلسطين محور اهتمام كل الدول بسبب ما كان يحاك لها من مؤامرات سواء بريطانية أو صهيونية، فبعد ظهور أفكار معاداة السامية في أوروبا عام 1896م قام تيودور هرتزل باقتراح حل للمشكلة في كتابه – دولة اليهود – حيث اقترح تأسيس وطن قومي لليهود في الأرجنتين أو فلسطين، وفي عام 1897م عقد أول مؤتمر للحركة الصهيونية في سويسرا حيث أصدر برنامج بال في استعمار فلسطين، وتأسيس الحركة الصهيونية العالمية، وفي عام 1902م اقترح هرتزل على السلطان إنشاء جامعة يهودية في القدس، فرفض ذلك، فأرسل له هرتزل رسالة يعرض عليه قرضًا من يهود يبلغ 20مليون جنيه إسترليني، مقابل تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ومنح اليهود قطعة أرض يقيمون عليها حكمًا ذاتيًا، ورفض السلطان عبد الحميد ذلك بشدة.

وبعد انتصار القوات البريطانية على الدولة العثمانية، اتفقت فرنسا وبريطانيا على تقسيم المنطقة العربية إلى مناطق سيطرة فيما عرف عام 1916م باتفاقية سايكس بيكو، فوضعت لبنان وسوريا تحت السيطرة الفرنسية، والأردن والعراق ومصر تحت سيطرة بريطانيا، على أن تبقى فلسطين دولية، إلا أن بريطانيا احتلت فلسطين في أكتوبر 1917م، وأعطى بلفور لليهود وعده بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين في 2/11/1917م، وكان عدد اليهود في ذلك الحين لم يتجاوز 56ألفًا مقابل 644 ألف فلسطيني، أي بنسبة 8% إلى 92% ولم تتعد نسبة الأراضي التي يملكها اليهود 2% من أرض فلسطين.

وصدقت عصبة الأمم على مشروع الانتداب البريطاني على فلسطين بتاريخ 27/7/1922م، ووضع موضع التنفيذ في 29/9/1922م، مما أدى إلى ثورات واضطرابات في فلسطين.

كل ذلك كان يتم في غفلة الشعوب العربية والإسلامية والتي انشغلت بقضاياها فلم تهتم بما يحاك لباقي الدول الإسلامية وعلى رأسهم فلسطين.

لكن بعدما نشأة جماعة الإخوان المسلمين عام 1928م كان على رأس أهدافها القضية الفلسطينية، فقد عبر الإمام البنا عن ذلك بقوله: "فلسطين تحتل من نفوسنا موضعًا روحيًّا وقدسيًّا فوق المعنى الوطني المجرد؛ إذ تهب علينا منها نسمات بيت المقدس المباركة، وبركات النبيين والصديقين، ومهد السيد المسيح عليه السلام، وفى كل ذلك ما ينعش النفوس ويغذى الأرواح"، وإن كانت قضية فلسطين قد ملكت على الإمام البنا كل جوانحه منذ أن كان طالبا.


جغرافية فلسطين

فلسطين منطقة تاريخية في قلب الشرق الأوسط، وجزء طبيعي من الهلال الخصيب حيث تشكل الجزء الجنوبي الغربي من بلاد الشام، وفلسطين محاطة بسوريا ولبنان والأردن وسيناء، حيث تمتد منطقة فلسطين عبر حدود لبنان والأردن لتشمل المنطقة جنوبي نهر الليطاني والمنطقة المجاورة لنهر الأردن من الشرق.

وتتكون فلسطين جغرافيا من أربعة مناطق طبيعية واضحة هي:

  • السهل الساحلي
  • المرتفعات (جبال الجليل مثل جبل القفزة ونابلس والقدس والخليل)
  • غور الأردن
  • صحراء النقب


موقف الإخوان من قضية فلسطين

لقد اعتنى الإمام البنا بقضية فلسطين اهتماما ماديا وإعلاميا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا، فلقد قضى الإمام البنا جزءًا كبيرًا من حياته مدافعا عن فلسطين بقلمه ولسانه وماله ونفسه حتى قضى شهيدًا، فهو -بحق- شهيد فلسطين وإن لم يمت على أرضها.

كما لم تتوقف جهود الإخوان على التنبيه للخطر الصهيوني، بل أيقظوا الأمة جمعاء، وحشدوا الجهود لمقاومة ذلك الخطر، وقدموا ولا زالوا يقدمون التضحيات تلو التضحيات للذود عن فلسطين، نبهوا الغافلين، وأيقظوا النائمين، وبذلوا المال، وقدموا الشهداء فداء لفلسطين؛ حتى يتم تحريرها من الصهاينة الغاصبين وتعود إلى أحضان الأمة الإسلامية.

لقد بدأ الإمام البنا اهتمامه بالقضية منذ عام 1931م عندما أرسل برسالة إلى مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني يثني على جهوده ومواقفه العظيمة تجاه القضية الفلسطينية، كما حث أعضاء المؤتمر الإسلامي الأول على العمل بجد لقضية فلسطين.

ولم يكتف بتقديم النصح بل قدم الإمام البنا حلولا عملية نحو القضية فقال: « لقد علمنا أن الخطب والاحتجاجات لا تجدي ولا تسمع، وترى الجمعية أن من واجب المؤتمرين أن يعالجوا:

1-مسألة شراء الأرض بفلسطين: إن اليهود يحاربون الفكرة الإسلامية بذهبهم، وإذا تمكنوا من شراء أرض فلسطين صار لهم حق الملكية فقوى مركزهم وزاد عددهم، وبتوالي الأيام تأخذ المسألة شكلاً آخر، وقد نظم اليهود هذه الحركة وجعلوا لها صندوقًا خاصًا يجمعون فيه الاكتتابات لهذه الغاية.

فحبذا لو وفق المؤتمر إلى إيجاد نواة لصندوق مالي إسلامي، أو شركة لشراء أرض فلسطين المستغنى عنها، وتنظيم رأس المال وطريق جمع الاكتتابات وسهوم هذه الشركة..إلخ.

والجمعية تكتتب مبدئيًّا فى هذه الفكرة بخمسة جنيهات مصرية ترسلها إذا قرر المؤتمر ذلك على أن تتوالى بعدها الاكتتابات، ولا يضحك حضراتكم هذا التبرع الضئيل فالجمعية تقدر الفكرة، وتعلم أنها تحتاج إلى الآلاف من الجنيهات، ولكنها جرأت على ذلك إظهارًا لشدة الرغبة فى إبراز الفكرة من حيز القول إلى حيز العمل.

2-تأليف اللجان فى كل البلاد الإسلامية للدفاع عن المقدسات: كذلك تقترح الجمعية أن يعالج المؤتمر موضوع تأسيس لجان فرعية لجمعية رئيسية مركزها القدس أو مكة، وغايتها الدفاع عن المقدسات الإسلامية فى كل أنحاء الأرض، وتكون هذه اللجان الفرعية كلها مرتبطة تمام الارتباط بالمركز العام.

3- إنشاء جامعة فلسطين: على نحو كلية عليكرة بالهند تجمع بين العلوم العصرية، والعلوم الدينية.

4- نداء علماء المسلمين: أن يؤلفوا لجانًا فنية لتهذيب الكتب الإسلامية القديمة، وتصنيف كتب جديدة تفي بحالة العصر الجديد مع التفكير فى مناهج التعليم بأنواعه.

5-نداء أغنياء المسلمين للاكتتاب.

6- دعوة زعماء الشعوب الشرقية إلى طرح المطامع، وتقدير الموقف الدقيق الذي يحيط بهم فى هذه الأيام. ثم ختم قائلا: « ولتثقوا أيها السادة بأن العالم الإسلامي من ورائكم يجود بالنفس والمال فى سبيل إعادة مجد الإسلام، ووصول الأمم الإسلامية إلى حقوقها المنقوصة».

ولم يكتف الأمر عند ذلك فحسب بل وجه مكتب إرشاد الإخوان المسلمين نداء إلى شعب الجماعة بالقطر المصري وإلى الشعوب الإسلامية عامة وإلى مواطنينا المسيحيين الأعزاء جاء فيه: « أيها الإخوان: هذا يوم من أيام الله يختبر الله به العزائم، ويبتلى به الهمم، ويمحص به الصادقين، ويظهر فيه قول الله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾[آل عمران: 142].

هؤلاء إخوانكم الفلسطينيون البواسل وقفوا صفًا واحدًا، وقلبًا واحدًا، وكلمة واحدة، وكتلة صامدة يعاهدون الله وإخوانهم ووطنهم ألا يضعوا راية الجهاد إلا مكللة بالنصر محفوفة بالفوز، أو يموتوا دون الغاية، وفداء للوطن ومقدساته.

أيها الإخوان: ثمانمائة ألف عربي ما بين مسلم ومسيحي وقفوا يذودون عن المقدسات العزيزة والتراث الخالد، وينوبون عن مسلمي الأرض ومسيحيي الأرض فى حفظ المسجد المقدس والدفاع عن فلسطين بلد الذكريات والأنبياء، ويدفعون عنها حيف اليهود وظلم الإنجليز، ويقاومون يد الاستعمار الباطشة الفاتكة، وهم فى هذا يقومون بالواجب عنكم، ويحتملون آلام الجهاد دونكم، وأنتم جميعًا آمنون وادعون.

أيها الإخوان: إن وطنكم لا تنتهى حدوده بحدود مصر، بل تمتد إلى كل شبر أرض فيه مسلم يقول: لا إله إلا الله، وإن قلوبكم التى تخفق لمصر وتحنو عليها وتعمل لها بحكم البر بالوطن يجب أن تخفق لفلسطين، وتحنو عليها، وتعمل لها بحكم الدين والجوار والإنسانية والوطن أيضًا.

لقد وقفتم بالأمس إلى جانب الحبشة موقفًا كريمًا، فقفوا اليوم بجانب فلسطين مثل ذلك الموقف أو أسمى، فإن فلسطين ألصق بكم جميعًا وأقرب إليكم جميعًا، وقد وقع عليها من الظلم ما لا يعلم مداه إلا الله.

أيها الإخوان: إخوانكم الفلسطينيون الآن فى الميدان يجوعون ويجهدون ويخرجون ويقتلون ويسجنون فى سبيل الله وفى سبيل البلد المقدس، وهم إلى الآن فى أشرف المواقف يقومون بأمجد الأعمال، ويبدون من ضروب البسالة ما هو فوق الاحتمال والطاقة، فهم قد أعذروا إلى الله وإلى التاريخ، فإذا ضعفت هذه الحركة أو وهنت فأنتم المسئولون عن هذا الضعف وهذا الوهن، وهى جريرة يؤاخذ بها الله أشد المؤاخذة، ويحصيها التاريخ فى أسود صحائفه، فانتهزوا الفرصة وقوموا بواجبكم إلى جانب إخوانكم، والله معكم ولن يتركم أعمالكم.

وإن مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين، وقد أقضت هذه الحوادث مضجعه فى الوقت الذي يهيب فيه بالشعوب العربية مسلمها ومسيحيها أن يمدوا يد المعونة لفلسطين المجاهدة الباسلة يقرر ما يأتى:

  • أولاً: تأليف لجنة مركزية من أعضائه لتلقى تبرعات الإخوان وإرسالها إلى اللجنة العربية العليا.
  • ثانيًا: تأليف لجان فى شعب الإخوان لتلقى التبرعات وإرسالها إلى اللجنة المركزية.
  • ثالثًا: شكر الشعب الفلسطيني الباسل على موقفه المشرف وتأييده فيه كل التأييد.
  • رابعًا: إرسال برقية احتجاج إلى المندوب السامي بفلسطين ووزير خارجية إنجلترا وسكرتارية عصبة الأمم.
  • خامسًا: دعوة سمو الأمير عمر طوسون والهيئات العاملة بمصر إلى العمل على مساعدة فلسطين.
  • سادسًا: رجاء لجنة مساعدة الحبشة فى أن تحول وجهها شطر فلسطين، وأن تمدها بما بقى عندها من أموال.
  • سابعًا: موالاة الكتابة تذكيرًا بالواجب نحو فلسطين، وحث التجار الذين يساعدون اليهود على التضامن مع العرب في مقاطعة المعتدين الغاصبين».

ولقد أرسل الإمام البنا برسالة إلى سعادة علوبة باشا جاء فيها: « الإخوان المسلمون يؤيدون قرارات اللجنة البرلمانية لإنقاذ فلسطين، وينتظرون عملا جديا وموقفا حازما قويا، ويضعون دماءهم وأموالهم وأوقاتهم تحت تصرف اللجنة فى سبيل فلسطين العربية المجاهدة».

الإمام البنا فى فلسطين ومعه الأستاذ سعد الدين الوليلى والدكتور مصطفي السباعي

لقد رفض الإمام البنا المحاولات التي طرحت "للتفاوض" أو "للتقسيم" بدءًا من عام 19361937م حتى عام 19471948م، ولذا فما أن اندلعت ثورة القسام عام 1936م حتى أيدها الإخوان وقاموا بدعمها مادا وإعلاميا، بل قام الإخوان بنشر كتاب (الدمار والنار في فلسطين) كشفوا فيه كل المذابح التي قام بها الإنجليز والصهاينة ضد شعب فلسطين الأعزل، وقاموا بجمع المعونات للشعب الفلسطيني تحت مسمى قرش فلسطين، ونشر القضية في كل مكان وعرفوا العالم بما يحاك لفلسطين، حتى كانت حرب فلسطين عام 1948م والتي اشترك فيها الإخوان بعدد كبير من المجاهدين والذين شهد لهم قادة الجيش المصري ومفتي فلسطين، بل الصهاينة أنفسهم شهدوا بذلك وليس أدل على ذلك من مقال كتبته فتاة صهيونية تدعى «روث كاريف» ونشرته لها جريدة« الصنداى ميرور» في مطلع عام 1948م ونقلته جريدة« المصري» لقرائها في حينه، ونحن ننقل بدورنا أهم ما جاء به من التهم ليرى القارئ مدى النجاح الذي أحرزته الدعاية اليهودية حين أقنعت حكومات أوروبا بخطورة حركة الإخوان، ودفعتها لمحاربتها بشده، قالت الكاتبة في مقالها :إن الإخوان المسلمين يحاولون إقناع العرب بأنهم أسمى الشعوب على وجه البسيطة، وأن الإسلام هو خير الأديان جميعًا، وأفضل قانون تحيا عليه الأرض كلها» ثم استطردت تصف خطورة حركة الإخوان إلى أن قالت: والآن وقد أصبح الإخوان المسلمون ينادون بالاستعداد للمعركة الفاصلة التي توجه ضد التدخل المادي للولايات المتحدة في شئون الشرق الأوسط، وأصبحوا يطلبون من كل مسلم ألا يتعاون مع هيئة الأمم المتحدة، فقد حان الوقت للشعب الأمريكي أن يعرف أي حركة هذه، وأي رجال يتسترون وراء هذا الاسم الرومانتيكي الجذاب اسم «الإخوان المسلمين».

إن اليهود في فلسطين الآن هم أعنف خصوم الإخوان المسلمين، ولذلك كان اليهود الهدف الأساسي لعدوان الإخوان، وقد قام أتباعهم بهدم أملاك اليهود ونهب أموالهم في كثير من مدن الشرق الأوسط، ويعدون الآن العدة للاعتداء الدموي على اليهود في عدن والبحرين، وقد هاجموا دور المفوضيات والقنصليات الأمريكية، وطالبوا علنًا بانسحاب الدول العربية من هيئة الأمم المتحدة.

وبعد هجوم عنيف على سماحة المفتى الأكبر وعلى فضيلة الإمام الشهيد حسن البنا ختمت مقالها قائلة:

«وإذا كان المدافعون عن فلسطين –أي: اليهود- يطالبون الآن مجلس الأمن بإرسال قوة دولية لتنفيذ مشروع التقسيم الذي أقرته هيئة الأمم المتحدة، فإنهم لا يطالبون بذلك؛ لأن الدولة اليهودية في حاجة إلى الدفاع عن نفسها، ولكنهم يريدون إرسال هذه القوة الدولية إلى فلسطين لتواجه رجال الإخوان المسلمين وجهًا لوجه، وبذلك يدرك العالم كله الخطر الحقيقي الذي تمثله هذه الحركة، وإذا لم يدرك العالم هذه الحقيقة في وقت قريب فإن أوروبا ستشهد ما شهدته في العقد الماضي من القرن الحالي إذ واجهتها حركة فاشية نازية فقد تواجهها في العقد الحالي إمبراطورية إسلامية فاشية تمتد من شمالي إفريقيا إلى الباكستان، ومن تركيا إلى المحيط الهندي».

حتى أن الهيئة التأسيسية للإخوان اجتمعت في مايو عام 1948م لدراسة حالة فلسطين ووضعها، ففي يوم الخميس 27 من جمادى الآخر 1367هـ الموافق 6 من مايو سنة 1948م، وامتد اجتماعها إلى الساعة العاشرة من مساء هذا اليوم ثم رفعت الجلسة واعتبرت مستمرة من صباح يوم الجمعة إلى قبل الصلاة.

وقد استعرضت الهيئة الموقف في فلسطين وفي مصر وناقشت التعديلات التي تقدم بها مكتب الإرشاد العام في النظام الأساسي للهيئة، واتخذت بعد ذلك قرارات منها ما يتعلق بالشأن الفلسطيني والتي كان منها:-

1-اعتبار الجامعة العربية والحكومات الممثلة فيها مسئولة عما يحدث في فلسطين ومطالبتها بالعمل السريع لإنقاذ فلسطين والاعتراف بها.

2-فتح معسكرات التدريب للمتطوعين والحصول على الأسلحة والذخيرة.

كما صدرت غير هذه من القرارات ومنها ما يتعلق بالقضية الوطنية المصرية ومنها ما يتعلق بالشعوب العربية، ونظرًا لأن هذه القرارات لصيقة بالجانب السياسي تمامًا فسنعالجها في كتابنا "الإخوان المسلمون والمجتمع المصري والدولي 19451949م" ونركز فقط على قرار الهيئة الخاص بالجماعة، حيث أقرت في البند الثامن: إقرار القراءة الأولى لمشروع تعديل النظام الأساسي للإخوان المسلمين الذي تقدم به مكتب الإرشاد العام على أن تكون القراءة الثانية بعدما أبدى من رغبات وأدخل من تعديلات في اجتماع الهيئة القادم الذي حدد له يوم الجمعة 12 من شهر رجب 1367هـ الموافق 21 مايو 1948م.

وفي البند التاسع: تكليف مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين بتنفيذ هذه القرارات وإبلاغها إلى البلاد العربية وتوحيد الجهود مع الهيئات الشعبية لتحقيق هذه الأغراض.

ولقد أظهرت الأخوات مواقف مضيئة في طريق الدعوة, ففي حرب فلسطين 1948م فقدت إحدى الأخوات ولديها في ميدان المعركة بفلسطين, فذهبت إحدى الأخوات لمواساتها، فقالت لها: "لقد شرفنا الله بشهادتهما ونحن مستعدون لإرسال أخيهم الثالث ليلحق بهما وينال ما نال من كرامة".

ومع ذلك لم يهمل الإخوان أمر اليهود الموجودين في مصر فكانوا دائما ما يطلبون منهم تحديد موقفهم من قضية فلسطين، فأرسل الإمام البنا برسالة إلى حاخام اليهود بالإسكندرية طالبه بتحديد موقف اليهود المصريين من الحركة الصهيونية، لكن كثيرا من اليهود المصريين كانوا متعاطفين مع الحركة الصهيونية، بل دعموها ماديا وجمعوا لها التبرعات، وكانت كثير من الشركات اليهودية تقوم بدعم هذه الحركة ماديا، فما كان من الإخوان إلا بالنصح لهم وتحديد موقفهم من قضية فلسطين وحينما ظلوا على نهجهم في دعم الصهاينة قام النظام الخاص بإرسال أكثر من رسالة لهم في شركة شكوريل وعدس وبنزيون وغيرها.


دعوة الإخوان في فلسطين

كل هذه الجهود التي قام بها الإخوان كانت سببا في انجذاب شعب فلسطين إلى دعوة الإخوان، وعلى رأسهم الأستاذ عبداللطيف أبو قورة بالأردن، وغيره حتى أنه اختير بعد ذلك في الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين والتي نشأت عام 1945م.

كانت ثورة القسام ودعم الإخوان لها عاملا قويا في انجذاب بعض الفلسطينيين لهذه الدعوة، ولذا افتتحت بعض الشعب فيها، ومما حصلنا عليه تبين وجود شعب للإخوان في القدس ودير الزور وحيفا قبل عام 1937م، مما يدل أن دعوة الإخوان دخلت فلسطين قبل تعرف الأستاذ عبداللطيف أبو قورة على دعوة الإخوان.

فقد جاء تنظيم الشعب ونقبائها عام 1937م على النحو التالي:

شعب-فلسطين.jpg

كان وضع فلسطين غير مستقر ومن ثم كان دعاة الإخوان هناك يتطبعون بالطابع الجهادي ضد محاولات المغتصب الصهيوني، فكانوا دائما في جهاد، ولقد اشترك كثير من الإخوان في جماعات الفتوة المجاهدة، وأيضا ظلت الشعب تفتح فيها، ففي أبريل من عام 1945م قام الشيخ خليل حافظ أبو غضيب بمشاركة بعض إخوانه بافتتاح شعبة في بيسان بنابلس، وفي ذلك يقول: "كانت نشأتي في البداية على الغناء وإقامة الحفلات في المقاهي؛ بسبب موهبة الصوت التي كنت أمتلكها، وكنت أتزعم الأفراح في بيسان، وأتقن تقليد "محمد عبد الوهاب".

أما في حقيقة نفسي فقد كنت أميل إلى الدين، وبداخلي شيء ما دائمًا ما يُحركني ويدفعني إلى التفكير بالابتعاد عن هذه المعاصي، وفي عام 1945م بينما كنت أسيرُ في أحد شوارع بيسان سمعت عبر الراديو عن افتتاح شعبة الإخوان في القدس، مما دفعني للتعرف على ماهية الإخوان، وتولدت لديَّ الحماسة لكي أعرف المزيد عن هذه الحركة بعد أن أصبحت شُعَب الإخوان تفتتح واحدة تلو الأخرى.

ومن خلال قراءتي للصحف وسماعي باستمرار للمذياع عرفتُ الكثيرَ عن هذه الحركة، وأصبحتُ ممن يحثُّون الناس في المسجد على افتتاح شعبة الإخوان في بيسان، وأذكر ممن كان معي في هذه الفترة من منطقة نابلس زكي المصري وعامر المصري وناظم باكير.

وبعد أن تجمَّع حولنا الكثيرُ من الناس قررنا أن نفتتح شعبة للإخوان في بيسان، وكان هذا في أواخر عام 1945م، فقمنا بالاتصال مع أحد المؤسسين النشيطين للإخوان في نابلس وهو عبد العزيز الخياط، وبناءً على ذلك أصبح الخياط يتردد على بيسان بين الفينة والأخرى، وينظم الأفراد ويشكِّل الأُسَر ويعمل على ترتيب البناء الداخلي للإخوان في بيسان، بعد ذلك قمنا باستئجار دار وأصبحت مقرًّا للإخوان، وتمَّ تعيين الشيخ محمد فخر الدين- وهو الآخر من نابلس- رئيس شعبة الإخوان في بيسان.

في هذه الأثناء كان الإخوان في مصر دائمًا ما يترددون على فلسطين ويلقون المحاضرات في الشُّعَب، وقررنا أن يتم افتتاح شعبة الإخوان رسميًّا في بيسان؛ حيث قدِم الشيخ أحمد عبد العزيز من مصر ليقود الجوَّالة الذي يطلق عليهم في هذه الأيام (الكشافة)، في استعراضٍ مهيب من يافا إلى بيسان، وكان هذا أجمل منظر في حياتي؛ حيث كانت المصاحف تتقدم الكشافة، والناس في حالة ابتهاج من روعة هذا الاستعراض.

وفي نفس العام بدأ السلاح يصلنا من الدول المجاورة، وخاصةً مصر، وأصبح أفراد الإخوان يتدربون عليه، وقامت بعضُ المجموعات بمهاجمة المستعمرات والقيام بالعمليات ضد اليهود والاستعمار، واستشهد في هذه العمليات العديد من الشبان، وكان هذا حتى عام الهجرة في سنة 1948م.

وفي عام 1947م افتتحت شعبة رفح واختير الإخوان: رشاد الشريف (نائبًا للشعبة) ومحمد حمودة صبرة (سكرتيرًا) وأحمد السنوسي علي عبد الله (مراقبًا) وعلى التليكي (أمينًا للصندوق).

كما زار الإخوان وشارك في أحفالهم الرياضية بطل فلسطين أديب دسوقي، وكان من إخوان فلسطين، وقد أقام الإمام البنا حفل تكريم له ولأبطال العرب في الملاكمة.


زيارة الإمام البنا لفلسطين (أبريل 1948م)

إستقبال الإمام حسن البنا في غزة

لقد حرص الإمام البنا على زيارة الأراضي الفلسطينية حيث سجل هذه الزيارة التي استغرقت عدة أيام الأستاذ سعد الدين الوليلي، وقد بدأ هذه الرحلة بمدينة رفح حيث فيقول سعد الدين الوليلي: في سلامة الله ورعايته أدركنا رفح بالسيارات قبيل صلاة الجمعة فإذا بها تموج بالمستقبلين وكان في النية أداء الصلاة في رفح بناء على دعوة الإخوان الكرام رشاد الشريف نائب الإخوان وعلي أحمد الكيكي أمين الصندوق.

وكمال الطيراوني المدرس بمدرسة الإخوان. ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان. فلقد وصل نبأ مقدم المرشد العام إلى أهالي خانيونس. فلحقوا لاستقباله، ودعوته لتأدية فريضة الجمعة بمسجدها الكبير.

ولقد كان وفد المستقبلين مكونًا من السادة أحمد مصطفى الأغا وعيد حسين الأغا وحلمي الأغا والشيخ فهمي الأغا إمام المسجد وسكرتير الإخوان والحاج علي عليان المصري سكرتير اللجنة القومية والحاج محمد المصري وعثمان العبادلة وراغب شراب وكامل شراب والأخ صالح مصلح زعرب مساعد قائد جوالة الإخوان والحاج محمد الشاعر ونصر الله البيوك وعثمان شعت وكلهم من الإخوان وأعضاء في اللجنة القومية كما حضر الحاج حسين أبو سنة عن قضاء بئر السبع. والحق كانوا خير مستقبلين لخير قادم.

لم يرد فضيلته دعوتهم. كما لم يفته حفظه الله أن يشكر لإخوان رفح تنازلهم عن حقهم في زيارة فضيلته لدارهم ومدرستهم ومسجدهم فأصدر أمره الكريم بالتحرك إلى خانيونس. وتقدمنا المستقبلون في رتل من السيارات.

وعلى بعد بضعة كيلومترات من خانيونس استقبله العرب البواسل في سياراتهم الكبيرة بعاصفة من طلقات رصاص أسلحتهم التي أخذت تتزايد من كل جانب. وكلما اقتربنا رد عليها من تقدمنا من المستقبلين بالمثل. وكانت أشبه بمظاهرة من صنف جديد اختفى منها التصفيق والتهريج واحتبست الحناجر عن الهتافات وأخلى السبيل لنبضات القلوب المؤمنة وقد اختلطت بطلقات البنادق والثومى والرشاشة لتعبر عن عظيم فرحهم وكامل سرورهم بمقدم المرشد العام وصحبه.

وما كدنا نقترب من مدخل المدينة حتى هرعت جحافل من الشعب واحتشدت على جانبي الطريق تتقدمها طوابير نظامية من المسلمين كان فرحنا عظيمًا حينما تبينا أن معظم أفرادها من فرقة جوالة الإخوان بخانيونس التي تزيد على مائة وخمسين جوالاً وضعوا أنفسهم وأسلحتهم تحت أمر اللجنة القومية.

وأخذت هذه الكتل المتراصة والتشكيلات النظامية تحيط بالقافلة والكل يتزاحمون، كل يريد اجتلاء طلعة فضيلته. وكلما أرادوا الإعلان عن طربهم انطلقت بالأناشيد القومية حناجرهم على نغمات من موسيقى طلقات الرصاص التي تقذفها أسلحتهم بين زغاريد النساء وصياح الأطفال.

والحق يقال أن هذا الاستقبال المروع قد بعث فينا هممًا. وأثار حمية وألهب مشاعر لم نستطع التعبير عنها إلا بسيل من طلقات أسلحتنا ردًا على جميل حفاوتهم ولطيف ترحابهم.

وفي صعوبة وبطء شديدين قطعت سياراتنا الطريق إلى المسجد لازدحام الطريق بالمجاهدين الذين أبوا إلا أن يتقدموها سيرًا على الأقدام.

وبعد أداء الصلاة في جماعة، زخر المسجد بالأهالي حتى لم يبق فيه موضع لقدم ولقد كنت ترى الناس يتزاحمون على أبوابه ونوافذه بصورة أعجز عن وصفها حتى إذا غشيت الناس سكينة الخاشعين. وعلاهم وقار المؤمنين تليت آيات الذكر الحكيم.

وعلى الأثر وقف الشيخ فهمي الأغا خطيبًا فقال بعد تحية رقيقة.

أيها العرب، أيها المسلمون، نحن اليوم في رحاب الله العلي العظيم ونلتف حول رجل عظيم، وعلم من أعلام العروبة الخفاقة وزعيم من أكبر الزعماء المجاهدين. هو الأستاذ حسن البنا (الرئيس العام) لجمعيات الإخوان المسلمين في العالم. قدم إلينا. وحل ضيفًا عزيزًا علينا يقود فرقة مسلحة أعدها الإخوان المسلمون بوادي النيل فكانت أول فرقة منظمة تصل إلينا. لتدرأ عنا خطر الصهيونية. وتحمي ديارنا من الهجمات اليهودية.

فاسمحوا لي أن أقول لفضيلته باسمكم أن البلاد بلاده، ونحن أهله، وهذه الأوطان أوطانه فليتفضل مشكورًا ليخطب فينا ويتحدث إلينا ويفيض علينا من سحر بيانه وحكيم منطقه ما يقوي عزائمنا ويشق هممنا ويأخذ بناصرنا.


كلمة الأستاذ البنا

ونهض فضيلته بين التكبير والتهليل داخل المسجد ورصاص البنادق يدوي في خارجه. فحيًاهم بتحية الإسلام وحمل إليهم سلام إخوانهم في وادي النيل الذين يحبونهم ويشاركونهم الفرح لفرحهم. والألم لألمهم ويحملون أعباء الجهاد معهم وتربطهم عاطفة الأخوة في الإسلام والعروبة.

تلك العاطفة التي لا تحجبها حدود ولا تمنعها مسافات ثم قال:

في عام 1936م عزمت على السفر إلى فلسطين واستخرجت جواز السفر. ولكن قيل لي أنه لا بد لي من تأشيرة القنصلية الإنجليزية، فثارت نفسي. واستكبرت أن أدخل وطنًا من أوطان الإسلام بتصريح بريطاني وعزمت على ألا أدخلها ما دام الأمر كذلك.

وإذا بالظروف تتغير والحوادث تتحول وشاء الله أن ندخل فلسطين بدعوة من الله تبارك وتعالى ثم استطرد فقال: ما جئت اليوم زائرًا ولكن للتشاور والتفاهم في الخطوات العملية لتنظيم القوى وتكتيل الجهود حتى نتحرر وننتصر ونفوز وإن النصر لقريب.

وبعد أن أسهب فضيلته في الحديث عن الإيمان وأوصاف المؤمنين وحذر من عواقب التفاؤل لما طرأ على القضية في مجلس الأمن. وأكد في الأذهان أنه لا حل إلا بالسيف والدم. وأهاب بمواصلة الإعداد والحرص على استكمال معدات القتال: قال:

اتركوا النتيجة لله بعد ذلك. وثقوا أن اليهود وأسلحتهم وحصونهم سوف لا تغني عنهم أبدًا ما دام الله تكفل نصر المؤمنين ثم ختم كلمته قائلاً:

ما كنت أظن أن زيارة عابرة هي للمداولة والمدارسة يكون لها هذا الأثر الكريم في نفوسكم والروعة المتجلية في استقبالكم. ولكن يظهر أن العربي لا ينسى كرمه حتى في اشد حالات المحنة. شكر الله لكم وكتب النصر لكم. وحفظ لكم بلادكم والله اكبر ولله الحمد.

وفي ميدان الجامع الكبير ، وقرب قلعة السلطان برقوق انتظم المسلحون جميعًا في طابور طويل على هيئة فصائل. وعندما توسط فضيلته الميدان. تقدم فاستعرضهم وألقى فيهم كلمة قوية أرهفت لها أسماعهم وغلى الدم الحار في عروقهم حنقًا على الاستعمار وسخطًا على الصهيونية. ثم صافح قائدهم مودعًا وشاكرًا.

ويضيف : وتوجهنا بعد ذلك إلى مقر اللجنة الذي غص بالمستقبلين من أعضائها يتقدمهم الأستاذ عبد الرحمن الفرا، وقاسم الفرا، والمختار الحاج محمد المصري، والمختار مصطفى الفرا، والمختار عيد حسن الأغا والمختار مصطفى عبد الله، وحلمي الأغا وعلي عليان المصري السكرتير الدائم للجنة حيث قدمت المرطبات.

وفي جلسة هادئة اجتمع فضيلته برؤساء لجنة حفظ الأمن، وفروع اللجنة القومية الإدارية والمالية العسكرية.

وكم كان جميلاً ومسعدًا أن تعلم أن قيادة جوالة الإخوان قد تنازلت عن دارها هذه للجنة القومية لتتخذه مقرًا لها. وهكذا الإخوان دورهم في كل مكان في خدمة فلسطين والعاملين لها.

وتناول فضيلته ومن معه طعام الغداء في دار آل المصري استجابة لدعوة الحاج محمد المصري مختارالبلدة. والأخ المجاهد علي عليان المصري.

أما طليعة الكتيبة، فقد رأي قائدها من الأنسب أن تتناول غداءها مما يعده طهاتها من طعام في مقر اللجنة.

وفي صبيحة يوم السبت من جمادي الأولى 1367هـ الموافق 20 مارس 1948م قدم إلينا مندوب من اللجنة القومية بغزة وأخبر فضيلة المرشد العام بوصول القائد العام للجبهة الجنوبية فجأة، وبرغبته في أن يتفضل فضيلته بزيارته في مقر القيادة العامة وأن يضع عربته الخاصة بسائقها في خدمة فضيلته لهذا الغرض.

وفي مكان خاص بغزة اجتمع المرشد العام بالقائد العام مهنئًا بهذا الاختيار الذي صادف أهله. وقص عليه ما شاهد وسمع ورأى من أحوال الجبهة الجنوبية، ودله على رأيه في ذلك وطلب إليه الإسراع في طلب المعدات الحربية، واستدعاء الفوج الأول من متطوعي مصر، الذي تم إعداده ليعاون كتيبة الإخوان التي تنتظر الأمر باللحاق بالطليعة التي تسلمت معسكر النصيرات. وتنظيم الجهود الشعبية حتى تثبت القيادة وجودها. وتبدأ عملها في أقرب وقت بإذن ربها.

وما إن انتهى فضيلته من هذه المقابلة حتى استعجلنا في الانتقال إلى دار الإخوان المسلمين بغزة برًا بوعده، ووفاء بعهده " إن العهد كان عنه مسئولا" وكانت مفاجأة ومنحة إلهية منحها الله إخوان غزة، فخففت لواعج شوقهم وحققت جميل حلمهم. وما أن فاح شذى خير مقدمه العاطر وتناقل الناس نبأ وصوله المفاجئ حتى خف الإخوان، وأتوا إلى الدار مسرعين في إشراق، وكان في مقدمتهم الإخوان الأساتذة فضيلة الشيخ عمر صوان رئيس الإخوان والسيد ظافر الشوا سكرتير الجماعة بغزة والسادة حسن الخضري وأحمد فوزي بسيسو وعيسى سيسالم وهجود أحمد دبابش والحاج صادق الأمزيتي، ويحيى عيسى سيسالم ونهاد الغلابيني والشيخ عثمان الطباع إمام جامع العمري الكبير وشعبان سيد الحلو والحاج صالح مرتجي خليل هاشم، وغيرهم.

كما خف لمقابلة فضيلة المرشد العام السيد علي الحلبي وكيل الصحف العربية ومراسل جريدتي الدفاع وفلسطين وهما أهم الجرائد الفلسطينية رواجًا وانتشارًا فوجه إلى فضيلته عدة أسئلة طلب إليه الإجابة عليها .

كما استقبل فضيلته السيد رشدي الشوا بك رئيس البلدية، وحاكم لوائها، والذي ما أن زف إليه نبأ وصول فضيلته حتى أقبل على الفور يعلن باسم البلدية والشعب الغزاوي عظيم أنسهم وبالغ هناءهم فعد فضيلته هذا تفضلاً منه يكل إلى الله شكره عليه.

الإمام حسن البنا و الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين

ثم يضيف: أخذ الإخوان المسلمون في غزة يهنئون الشعب الغزاوي لاغتنام لحظة وجود الإمام والاستماع فيها إلى الكلمة الجامعة التي سيلقيها فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين بعد صلاة العصر في الجامع العمري الكبير، أعتق المساجد وأخلدها ذكرًا، وأوسعها حجمًا، فقد حرصت لجنة الإخوان الإدارية حينذاك – رغم ضيق الوقت – أن تصل الدعوة إلى كافة الطبقات والبيئات والهيئات والجماعات. فطبعوا لذلك المقادير الكثيرة من الإعلانات ورقاع الدعوة. وطاف أعضاء الإخوان في مواكب صغيرة يوزعونها على الناس وجماعات أخرى قامت بدعوة الشخصيات الكبيرة وذوي المقامات الرفيعة، مخافة أن تفلت منهم فرصة الإصغاء إلى هذا القبول الجامع، والعظة البالغة، والتوجيه السديد، والخطبة الخالدة، التي سيهتز لها منبر العمري، وتتفتح لها قلوب الشعب الغزاوي.

وبعد صلاة العصر نهض الشيخ الفاضل عمر صوان رئيس الإخوان في غزة، في وقار وتقى، فحمد الله وأثنى عليه ورحب بفضيلة المرشد العام دلت على فهم الدعوة، وإيمان بالفكرة، وتقدير للقيادة، وشكر للحاضرين تلبيتهم، وحيّا فيهم إقبالهم وإنصاتهم ثم قال:

"نحن اليوم مع رجل من أولي العزم ، ذلكم هو صاحب الفضيلة الأستاذ الإمام الشيخ حسن البنا الذي قوي الله عزائمه للقيام بهذه المهمة الدينية الاجتماعية. فقد دعا وأمر ونهى فاستجيبت دعوته ولله الحمد وكان لها الأعوان والأنصار في كل الأقطار والأمصار ولا غرو فإنه يدعو إلى الله – وينهى عما نهى الله عنه – ويأمر بما أمر به الله".

وبعد أن استطرد في هذا المعنى قال " لقد تحمل فضيلته مشاق السفر في هذه الظروف العصيبة، وشرف هذا القطر العربي وقد حفت طرقه بالمخاطر والمخاوف. وعرج على هذه المدينة – مدينة هاشم بن عبد مناف مركز الحيوية في اللواء الجنوبي – ليتفقد أحوال المسلمين ويحيى المقاتلين، ويستثير همم القاعدين، ويواسي الحزانى والمكلومين من أسر القتلى المستشهدين. والجرحى المستبسلين ويقرر مشروعية الجهاد في سبيل إنقاذ فلسطين من أيدي الماكرين الخاسئين".

ثم تحدث الأستاذ البنا قائلا: "أحمل إليكم تحية إخوانكم في وادي النيل الذين أحبوكم وإن لم يروكم واشتاقوا إليكم وإن لم يلقوكم. وفي نفس الوقت يغبطونكم على أن أتاح الله لكم قبلهم فرصة العمل والجهاد، وهم جميعًا في وادي النيل يودون أن لو استطاعوا أن يكونوا معكم جنبًا إلى جنب حتى ننتصر ونفوز إن شاء الله".

"ما كان في عزمي أن أشرف بهذه الزيارة، رغم أنها أمنية ظللنا نتمناها دهرًا طويلاً وبيننا وبينكم رابطة هي أقدس الروابط ولقد كنت أحب أن أجئ جنديًا مجاهدًا ثم يكون هذا الاجتماع في مواكب النصر ولكن رب صدفة خيرٌ من ألف ميعاد".

"نحن نريد والله يريد فنفذت إرادة الله، وسعدنا بأن رأيناكم في هذه الفرصة المباركة، ونحن نشكر لإخوان غزة هذه الفرصة الطيبة التي أتاحوها لنا"

وأخذ فضيلته يبين كيف أن الإسلام نعمة؟ وكيف تعود علينا هذه النعمة؟ وكيف أن الأجانب خدعونا عنها؟ وكيف تعود إلينا هذه النعمة؟ فشبه الحقيقة الإسلامية بالحجرة تتكون من جدران أربعة، وسقف وباب:

أما الجدار الأول:

فالعقيدة السليمة وأساسها معرفة الله تبارك وتعالى وحسن الإيمان به والاعتماد عليه والإنابة إليه ﴿وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: 79].

الجدار الثاني:

العبادة الصحيحة، والوسيلة إلى ذلك مراقبة الله في القول والعمل والتزام حدوده... واحترام عهوده. ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة : 5].

والجدار الثالث:

الإخوة الكاملة، فالإسلام رباط يربط الفلسطيني بالمصري بالسوري بالعراقي ويتسامى بالألفة، ولا يقر الفرقة ويندد بالعنصرية ولا يعترف بالجنسية، ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الحجرات: 10].

والجدار الرابع:

الأحكام العادلة، فالإسلام جاء للدين والدنيا معًا فكما كفل للناس النجاة في الآخرة، كفل لهم السعادة والنعيم في الدنيا.

والسقف:

الجهاد في سبيل الله، وأعلا ما في الإسلام هو الذي تشد به أركانه، فوجب إعداد جيش مستعد في البر والبحريصون أحكامه، ويحمي دولته.

﴿تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الصف: 11].

والباب:

الحكومة الصالحة، تحكم بما أنزل الله ، وتحفظ لكل ذي حق حقه، والحكم الصالح يحفظ أركان الإسلام وقديمًا قيل: نزلت بلد وليس فيه سلطان فارحل عنه.

﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ [ المائدة : 48].

وبعد أن استطرد فضيلته الحديث عن هذه الأركان قارن بين حال المسلمين في الصدر الأول من الإسلام وبين ما هم عليه الآن فقال:

"أين نحن الآن من هذه الأركان؟ لقد فتنتنا الدنيا، ودخلت علينا بشرورها من كل جانب، فلوثت العقيدة، وعطلت العبادات، وبدلت الأحكام، وأغلق باب الجهاد، وفسد نظام الحكم، فلا عبادات ولا عقائد، ولا أحكام ولا إخوة، ولا جهاد ولا جندية، ولا حكومة إسلامية، وظللنا على هذه الحال حتى جاءت قضية فلسطينفلسطين التي هي قطعة في صميم قلب كل مؤمن – تهوي إليها الأفئدة، وتحن القلوب وتهفو الأرواح فهي مهد المسيح وفيها المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، والمسلم والمسيحي يعتقدان أنها مكان مقدس يفتدى بكل شيء"

"فكانت فلسطين بما أحاط بها من ظلم هي المفتاح الذي فتح قلوب العرب فتألفت وتوحدت وتوجهت إلى الوجهة الصحيحة والغاية السليمة".

وختم بقوله: "ووصيتي في هذه الظروف الحرجة أن تخلص النيات وتتضامن وتتوحد، وتتوب وتتطهر ثم نسير إلى العمل والجهاد والقوة بقدر ما نستطيع ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 139]".

وكان فضيلة الشيخ عثمان الطباع الخطيب والمدرس بالجامع العمري وناظر المكتبة ممن شهد هذا الاجتماع بوصفه نائبًا لرئيس جمعية الهداية الإسلامية فدعا فضيلته الأستاذ المرشد لزيارة المكتبة، فأجاب الدعوة، وطاف بأرجائها.

ثم يضيف الأستاذ سعد الدين الوليلي بقوله: الحق أن يوم السبت صادف التاسع من جماد الأولى سنة 1367هـ الموافق العشرين من مارس 1948م وهو اليوم الثالث لهذه الرحلة المباركة، كان حافلاً عامرًا، بارك الله في وقته فاحتشد بالمقابلات والاجتماعات وقد غصت بالناس من كل الطبقات.

فما أن انتهى فضيلة المرشد العام من إلقاء كلمته في الجامع العمري الكبير وزيارة مكتبته الخالدة حتى توجه في مجموعة من الإخوان إلى قصر الترزي، فلقد كان حريصًا أن يدعو فضيلته لتناول الشاي في داره العامرة مع نخبة من المواطنين الكرام أبناء الطائفة القبطية.

ولقد كان الأستاذ شفيق الترزي رئيس كلية غزة وأخوه وديع مديرها، مصيبين كل الإصابة حينما وجها الدعوة إلى هذه الشخصيات التي لم تكن قد تعرفت على الداعي ودعوته، والمرشد وفكرته، فانهالت عليه بالأسئلة وفضيلته كعادته يرحب بذلك ويرد عليها في صدق وصراحة وحق ومهارة، فبدد شكوكًا طالما روجها دعاة السموم. وصحح وقائع كان لها أكبر الأثر في الكشف عن سمو الدعوة ونصاعة صفحتها وطهر مقصدها ونقاء جوهرها....تابع القراءة