غزة
خصائص المجتمع الغزي
يأتي هذا الفصل للتعرض إلى الظروف والعوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المحيطة بالمجتمع في قطاع غزَّة، والتي من خلالِها يُمكن التنبُّؤ بِمدى قدرة المؤسَّسات الرسميَّة وغير الرسميَّة على الوفاء بالتزاماتِها تِجاه إعمال الحقوق التي يجب أن يتمتَّع بها الأفراد المعوقون في المجتمع.
أوَّلاً: السمات الديموجرافية لقطاع غزة:
لقد تطوَّر التعداد السكَّاني للقطاع خلال العقود الخمسة الماضية بشكلٍ عكس التطوُّرات السياسيَّة التي حدثت في فلسطين، ومثَّل التطوُّر الهائل في عدد السكان عام1948 والنَّاتج عن نزوح وهجرة آلاف اللاجئين الفلسطينيين من أراضيهم التي احتلَّت في العام 1948 السِّمة الرئيسيَّة للوضْع الديموجرافي لقطاع غزَّة، كما زاد عددُ السُّكَّان عشيَّة احتِلال القطاع وأصبح حوالي 280 ألف نسمة، منهم حوالَي 90 ألف نسمة من السُّكَّان الأصليِّين[1]، وقد زاد العدد وبلغ حوالي 380.8 ألف نسمة في العام التالي 1968[2].
ونتيجة للوضْع الأمني الناشئ عن المقاومة الفلسطينية للاحتِلال الإسرائيلي في العام 1971، وما تلاها من هجرة معاكِسَة لسكَّان قطاع غزَّة، انخفض التعداد السكَّاني وبلغ حوالي 340 ألف نسمة، بينَهم 120 ألف نسمة من السكَّان الأصليِّين و220 ألف نسمة من اللاجِئِين[3]، وقد تطوَّر عدد السكَّان خلال السنوات اللاحقة بشكل كبير، وبلغ حوالي 1.017.552 نسمة في سنة 1997، وارتفع إلى 1.389.789 نسمة سنة 2005، ومن المتوقَّع أن يصِل إلى 2.967.226 نسمة عام 2024[4].
وقد شكَّلت الفِئة العمريَّة من 0 - 14 سنة النسبة الأكبر، حيث بلغتْ ما يُقارب 46% من مُجمل عدد السكَّان موزَّعين بواقع 23.5% ذكور مقابل 22.5% إناث، أمَّا بالنسبة لفئة كبار السن، أي: من 60 - 80 عامًا فقد بلغتْ ما معدَّلُه 4.4% من مُجمل السكَّان في الضِّفة الغربيَّة وقطاع غزَّة.
وهنا يُمكِن القول بأنَّ هناك ما يقارب 50% من مجموع السكَّان الفلسطينيِّين يَحتاجون إلى إعالة اقتصاديَّة واجتماعيَّة، وهم يشملون هاتين الفِئتَين (الأطفال وكبار السن)، أي: نصف السكَّان الفلسطينيِّين تقع على عاتِقِهم إعالة النِّصْف الآخر، على افتِراض أنَّ هذه الفئة (فئة الشباب) هي المنتجة والعاملة والمدرَّة للدخل، ولكنَّ هذه الفئة تتضمَّن الكثير من الطَّلبة والنساء والعاطلين عن العمل، ما يجعل العبء الاجتماعي والاقتصادي ثقيلاً لتحمُّل هذه الأعباء بالمناصفة، وبذلك يشكِّل ثقلاً على مدى توفير الاحتِياجات الأساسيَّة من مأكل ومشرب ورعاية صحيَّة وتعليم وخلافِهِ، ممَّا يؤثر على مستوى رفاهية الأُسرة المطلوب توافرُه كحدٍّ أدنى[5].
ويتوزَّع السكَّان في قطاع غزَّة على 7 مدن رئيسيَّة، إضافة إلى 20 قرية وثمانية مخيَّمات، موزَّعة على خَمس مُحافظات هي: غزَّة وخان يونس ورفح ودير البلح، والشمال.
وتشكِّل الكثافة السكَّانية لقطاع غزَّة أحدَ أهمِّ مشكلاتِه الرئيسيَّة التي يُواجِهُها، والتي لا تتناسب مع حجْم الأراضي التي يُقيم عليها سكَّان القطاع،
ومن جانب آخر، ووفقًا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، تتميَّز الكثافة السكَّانيَّة في الأراضي الفلسطينيَّة بالارتِفاع الكبير؛ حيثُ تحتلُّ الأراضي الفلسطينيَّة المرتبة الحاديةَ عشرةَ على مستوى العالم من حيثُ الكثافة السكَّانية، والثانية على مستوى الدول العربيَّة؛ فقد بلغت نحو 640 فرد/ كم2، وتسجِّل الكثافة السكَّانية في قطاع غزَّة النسبة الأعلى، حيث كانت 3876 فرد/ كم2 مقابل 431 فرد/ كم2 في الضفة الغربية.
وهنا يمكن القول بأنَّه كلَّما ارتفع معدَّل الكثافة السكَّانية كلَّما كانت هناك حاجةٌ أكبر، وعبءٌ أثقل ملقًى على الدَّولة ومؤسَّسات المجتمع المدني، في توفير الاحتياجات اللازمة من مرافق صحيَّة وتعليميَّة، وخدمات مختلفة للأُسَر والسكَّان، وإنشاء مشاريع ومراكز لتخفيف الضَّغط الهائل على المراكز والمرافِق، بشكلٍ يتلاءم مع عدد السكَّان.
ثانيًا: البيئة السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة لقطاع غزَّة:
تعيش الأراضي الفلسطينيَّة المحتلَّة عمومًا، وقطاع غزَّة على وجه الخصوص في الفترة التي تشملُها الدِّراسة ظروفًا سياسيَّة واقتصاديَّة واجتماعيَّة غاية في الصعوبة والتعقيد؛ حيث شهِدت هذه الفتْرة اندِلاع انتفاضةِ الأقصى، والتي بدأتْ بتاريخ 29/ 9/ 2000م، وما زالت مستمرَّة إلى وقتِنا الحاضر.
فمنذُ اندِلاع انتفاضة الأقصى، فرضتْ سُلُطات الاحتِلال إغلاقًا شاملاً على الأراضي الفلسطينيَّة المحتلَّة، ممَّا أدَّى إلى توقُّف حركة التَّبادُل التِّجاري، وإصابة القطاعات الاقتصاديَّة والإنتاجيَّة الفلسطينيَّة بالشَّلل، كما حُرِم آلاف العمَّال من الضفة الغربيَّة وقطاع غزَّة من الوصول إلى أعمالهم داخل إسرائيل، فضلاً عن ذلك تعطَّلَ آلاف آخرون من العمَّال الفلسطينيِّين كانوا يعملون في السوق المحلي، نتيجةً لتوقُّف الكثير من الورش والمصانع عن العمل بسبب الإغْلاق، أو تعرُّضها لأعمال التدْمير والتَّخريب على أيدي قوَّات الاحتِلال، وقد أدَّى ذلك إلى ارتِفاع معدَّلات البِطالة بمعدَّلات عالية، وبالتَّالي اتِّساع نطاق الفقْر بين الفلسطينيِّين في الأراضي الفلسطينيَّة.
من جانب آخَر، أقْدمتْ قوَّات الاحتِلال على تدْمير واسع للمُمْتلكات الفلسطينيَّة؛ حيثُ قامت بتجْريف الأراضي الزراعيَّة، وتدمير العديد من المنشآت الزِّراعيَّة والصناعيَّة، إضافةً إلى مُصادرة الأراضي، والتي كانت تُعَدُّ مصدرَ رزقٍ لأصحابِها، كلُّ ذلك أدَّى إلى فقْدان الكثير من الأُسَر الفلسطينيَّة مصدرَ رزقِها، وأدى بذلك إلى ارتفاع معدَّلات البطالة وانتِشار الفقْر[7].
وفي 29/ 3/ 2006م، شكَّلت حركة حماس الحكومة الفلسطينيَّة العاشرة، وذلك بعْد حصولِها على أغلبيَّة مطلقة في الانتخابات التَّشريعية، وفي أعْقاب ذلك سارعتْ سُلُطات الاحتِلال لإعلان مُقاطعة الحكومة الفلسطينيَّة الجديدة، ووقْف تحويل عائدات السُّلطة من الضَّرائب والجمارك، كما خطت العديد من الدول المانِحة، وخاصَّة الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، وكندا، ودول الاتحاد الأوروبي واليابان خطوها، عن طريق وقْف المساعدات الماليَّة المقدَّمة للشَّعب الفلسطيني والسلطة الوطنيَّة.
إنَّ الموقف الدولي السَّابق تزامن مع تدهْوُر كارثيٍّ في الأوْضاع الإنسانيَّة لسكَّان الأراضي الفلسطينيَّة، والذي نجم أساسًا عن سياسات السُّلطات الحربيَّة الإسرائيليَّة، وخاصَّة سياسة فرض عملية خنْق اقتِصادي واجتماعي للسكَّان المدنيِّين، شمل محاربتَهم في وسائل عيشهم، وتضييق الخناق على حريَّة مرور إرسالات الأغذية والأدوية، بِما فيها الأغذية المخصَّصة للأطفال الذين يُعانون من سوء التَّغذية، كالحليب ومشتقَّاته والتَّطعيمات، والعلاجات الخاصَّة بالمرضى والنساء الحوامل والنُّفاس، وكبار السن والمصابين بأمراض مزمنة.
إنَّ هذا الوضع الذي جاء في أعقاب تنفيذ خطَّة الفصْل الإسرائيليَّة أحاديَّة الجانب عن قطاع غزَّة في 12/ 9/ 2005م، قد خلَّف آثارًا خطيرةً على مستوى تمتُّع السكَّان الفلسطينيِّين بحقوقِهم الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة، وأدَّى إلى تفاقُم حدَّة الفقْر والبطالة في الأراضي الفلسطينيَّة المحتلَّة ارتفاعًا مذهلاً وغير مسبوق، فقد بلغتْ نسبة العاطلين عن العمل نحو 34% في قطاع غزَّة لترتفِع إلى نحو 55% في فترات الإغْلاق الشَّامل للأراضي المحتلَّة، وفي المقابل قفزت نسبة الفقْر في الأراضي المحتلَّة إلى حوالي 50% فيما سجّلت قرابة 70% في قطاع غزَّة كما انعكس ذلك على مداخيل القوى البشريَّة الفلسطينيَّة العاملة؛ حيث انخفضت معدَّلات الدخْل الفرْدِي خلال السنوات الثَّلاثة الأولى للانتفاضة إلى حوالي 32%، وبلغ الانخفاض ذِرْوته اليوم ليصل إلى نحو 40%، وعلى الصَّعيد الاقتصادي تدنَّى الناتجُ المحلي الإجمالي الفلسطيني إلى مستويات خطيرة باتت تهدِّد كافَّة قطاعات الزِّراعة، والصناعة، والتجارة، والنَّقل العام والمواصلات، والسياحة.
وممَّا زاد حدَّة الفقر والبطالة في قطاع غزَّة والأراضي المحتلَّة قيام الاحتِلال بتدمير واقتِلاع القطاع الزراعي، بِما فيه من أشجار معمرة ومثمرة وحقول الفواكه والخضار وثروة زراعيَّة وحيوانيَّة ومناحل للعسل، كانت تُشكِّل أكثر من 40% من حجم الناتج الإجمالي المحلي الفلسطيني. وتشهد الأراضي الفلسطينيَّة المحتلَّة تراجُعًا شديدًا في الأوضاع الحياتيَّة للسكَّان المدنيِّين، خاصَّة بعد توقُّف المساعدات الدوليَّة له، ويزداد الأمر تعقيدًا وصعوبةً مع عجْز السلطة الفلسطينيَّة عن دفْع رواتب وأجور موظَّفيها والعاملين في الوظيفة المدنيَّة والأجهزة الأمنيَّة على السواء، ويتوقَّع أن ترتفِع نسبة الفقْر إلى ما يزيد عن 74% في الأراضي الفلسطينيَّة المحتلَّة بشكلٍ عام في حال استمرَّت الأوضاع على حالِها، كما يتوقَّع انخفاض الدَّخْل المحلي للفرْد إلى 25% عمَّا كان عليْه في العام 2005م[8].
تأسيسًا على العرْض السابق يمكن القول بأنَّ الأوضاع الإنسانيَّة والمعيشيَّة الغاية في الصعوبة للسكَّان في قطاع غزَّة، تعكس بظلالها على طبيعة الخدمات التي يمكن أن تقدِّمها المؤسَّسات الرَّسمية وغير الرَّسمية، والتي تحول دون تمتُّع الأفراد بمستوى معيشي لائقٍ، وبما أنَّ المعاقين مكونٌ أساسي من مكونات المجتمع، فإنَّ حالة التدهْوُر المشار إليْها بالضَّرورة سوف تمسُّهم، خاصةً أنَّهم بحاجة إلى خدمات إضافيَّة تختلف في معظمها عن الخدمات المقدمة للأفراد غير المعاقين، وما يدعم ذلك المؤشرات الأمميَّة، التي تؤكِّد أنَّ ازدياد نسبة المعاقين في العالم مرتبطٌ إلى حدٍّ كبير بسوء الأوْضاع الاقتِصاديَّة والاجتماعيَّة للبلدان؛ حيث تشير إحصاءات منظَّمة الصحَّة العالمية (Who ) بأنَّ "حوالي 600 مليون شخص يُعانون من إعاقات مختلفة الأنواع، وأنَّ 80% منهم يعيشون في المجتَمعات النَّامية، ومعظمُهم يعانون من الفقْر ومحدوديَّة الموارد والخدمات الأساسيَّة بما فيها التسهيلات التأهيليَّة".
غزة: القطاع الكاشف *
لو كانَ تمنِّي الموت سائغًا شرعًا، لما وسعَ الأحرارُ إلاَّ أنْ يتمنَّوا توسُّدَ الثرى؛ حتى لا يُبْصروا ما جرى في غزَّة الصامدةِ المقاوِمة، وللهِ المُشتَكى وحده، وحيثُ إنَّ مجرَّدَ الشكوى طبعٌ جبانٌ؛ ما لم يُصحَبْ بعملٍ وثَّابٍ، وروحٍ متفائلةٍ؛ حتى تخرجَ الأمَّةُ منْ سنواتِ تيهِها التي طالتْ، وما ذلك على اللهِ بعزيز؛ ولأجلِ ذلكَ لا مفرَّ منَ النَّظرِ إلى هذه المعركةِ الجديدةِ، في سياقِ التفاؤُلِ والاعتبارِ، والتخطيطِ للمستقبلِ، متجاوزينَ العقبةَ الكَؤود، المتمثلة بأسر الماضي المؤلم، وتقييد الواقع الحزين، منْ غيرِ إهمالٍ لهما، والأمرُ للهِ وحده؛ ليبتليَ عبادَه ويُمَحصهم للغيب، الذي لا يعلمه إلاَّ هو - سبحانه.
ولقدْ كانَ القطاعُ العزيزُ في محنتهِ كاشفًا لعدَّةِ أشياء منها:
أولاً: تزكيةُ المنهجِ الإسلامي الذي يأبَى الضَّيمَ، وينشدُ الحرية، ولا يرضى بالهوان؛ ففرْقٌ كبيرٌ بين تعاملِ الأعداءِ مع "عباس"، وتعامُلهم مع حماس المنحوتة من حركةِ المقاومةِ الإسلامية؛ ولا غرابة، فقد يكون "عباس" منحوتًا من عميلِ البغي الإسرائيلي.
ثانيًا: أنَّ الشارعَ الفِلَسْطِيني والإسلاميَّ مُناصرٌ للتوجهاتِ الصادقةِ المنطلقة منَ الدِّينِ الصحيح، ولو أُجْريتِ انتخاباتٌ نزيهةٌ في بلدانِ المسلمين، لفازَ في أكثرِها حَمَلةُ الشريعةِ ودعاةُ الفضيلة؛ ولذا أحجمتْ أمريكا عنْ فرضِ "الديمقراطية" في الشرقِ الإسلامي، حينَ رأتْ ثمارَ تطبيقاتِها اليسيرة.
ثالثًا: ما زالَ في المسلمينَ حياةٌ وبقيةٌ منْ حياةٍ، لم تقضِ عليها الشُّبَه والشهواتُ المبثوثةُ في كلِّ زاوية؛ وقدْ رأينا المظاهرات الغاضبةَ تعمُّ بلدانَ المسلمين، حتى العراقَ المُحتَلَّ، وهذا دليلٌ على وَحدةِ شعورِ المسلمين، ورغبتِهم في نفض غبار الذُّل المتراكمِ، إضافة إلى الانفكاكِ عن المواقفِ السياسيةِ، والخِلافاتِ بين الأنظمةِ والأحزاب.
رابعًا: كشفَ لنا القطاعُ انقطاعَ عباسٍ وزمرتهِ عنْ همومِ أهلِ فلسطين، وانفصالهم عن الجسدِ الفلسطيني المثخن بالجراح؛ ولقدْ كانتْ تصريحاتُ عباس ورجاله عارًا لا يُغسل إلاَّ بنزعِ أية شرعيَّةٍ يتمتعونَ بها، وإلاَّ فمَنْ يقبلُ اتهامَ المقاومةِ بالعَبَث؟! ومَنْ يرضى بالتَّشَفِّي من القطاعِ وأهلِه، وهم الجيرانُ وبنو العم؟! والواجبُ الشرعيُّ علىحماس: أنْ تسارعَ بفضحِ هؤلاءِ المجرمينَ بالوثائقِ الثابتةِ؛ غيرةً للهِ، ثمَّ لحقِّ الشعوبِ الإسلاميةِ والتاريخ.
خامسًا: وممَّا قطعَ القطاعُ الظنَّ منه باليقينِ موقفَ الحكوماتِ العربيةِ القبيح من الحَدَثِ برمَّته؛ فقد أمست القاهرةُ مقهورةً بتصريحِ اليهوديةِ، وإعلانِها الحربَ منْ أرضِ الكنانةِ التي يمتازُ شعبُها بالغَيْرةِ والنَّجدةِ والحميَّة؛ وزادَ الطين بلَّة سكوتُ المسؤولينَ المصريينَ عنْ تصريحاتِها، فلمْ ينبسوا ببنتِ شَفة، ولو كانَ المسؤولُ يعقلُ، لاستقال، أو امتنعَ عن الخروجِ على النَّاسِ مكشوفَ الوجه أبدَ الدَّهر، ولو أنَّ النِّظامَ المصري يستحي منْ شعبهِ المسلمِ، لَطَرَدَ أولئكَ الساكتينَ عن الحقِّ الناطقينَ بالسوء، وما يُقالُ عنْ مصرَ ليس خاصًّا بمصر دونَ مصرٍ، غير أنَّ خطأ الكبيرِ موجع.
سادسًا: أنَّ زعماءَ اليهودِ يُلَبُّونَ رغباتِ شُعُوبِهم، فقدْ أوضحتِ استطلاعاتُ الرأي تقدُّمَ "كاديما"، الذي تقوده ليفني على الليكودِ لأولِّ مرَّة، وقدْ كان للوزيرةِ اليهوديةِ "ليفني" موقفٌ صلبٌ؛ خدمةً لمعتقدِها وبلدِها، وهو ما يعجز عنه بعض رجال أمتنا، ولو كانَ في سبيلِ المعتقدِ الصوابُ والمصلحةُ الراجحة.
سابعًا: يُسوِّغُ اليهودُ جرائمَهم كلَّ كرَّةٍ، ولا يرونَ بأسًا في عدوانهم، ولا حاجةً للاعتذارِ، خلافًا للمسلمينَ الذي يعتذرونَ ممَّا لم يفعلوه، أوْ لمْ يأمروا به، وعلى أيِّ حالٍ، فالتسويغُ اليهوديُّ للاعتداءِ أمرٌ طبعي، حتى مع رفضِنا له؛ فهذه عادةُ المجرمينَ الصغار والكبار؛ ولكنْ كيف نُفسِّرُ التسويغات العربية للعدوان؟!
ثامنًا: ما أكذبَ الشعاراتِ البَرَّاقةَ المنادية بالحقوق، والحرية، والإخاء، والحوار، والتعايُش؛ فها هيَ دولةُ إسرائيل تنسفُ بالحربِ كلَّ كلماتنا الهزيلة، وتكتفي دولُ العالمِ بالصمتِ، باستثناءِ أمريكا - ذات الحذاء - التي تتفهمُ البشاعةَ اليهوديةَ، ولا تُراعي أيَّ حقٍّ للزعاماتِ العربيةِ الصديقةِ، ودول المنطقة "الحليفة".
ويفضح الدعاوى العريضة تزامُنُ الاعتداءات مع الاحتفالات النَّصرانية بميلادِ المسيح - عليه السلام - ورأس السنة الميلادية، وهي احتفالاتٌ عالميةٌ تبلغ أَوجَّها في أرضِ فلسطين، فأيُّ نفوسٍ قبيحةٍ تلكَ التي تخلطُ الدِّماءَ والأشلاءَ معْ مقتضياتِ الاحتفالِ والبهجة؟!
تاسعًا: ضرورةُ إحياءِ روحِ المقاوَمةِ والجهادِ، ودفع العدوان في نفوسِ النَّاشئة من شبَّان المسلمين وفتياتِهم، وتوسيع النَّظرة إلى مشروع حماس على أنَّه يتجاوز تحرير القطاع إلى تحرير بيت المقدس، ولا يقفُ عندَه؛ بل يمضي قُدمًا لتحريرِ الإنسانِ المسلمِ والعربي من الضعفِ والاستكانةِ، وانتزاعِ الأجيال من براثنِ المغريات والملهياتِ إلى معالي المطالب؛ لتكونَ غزَّةُ بوابةَ العِزَّة.
وإنَّ لأهلِنا وشهدائنا في غزة أسوةً حسنةً، وقُدوةً مبارَكةً في النَّبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - وفي صحابتهِ البَرَرة، وسلفنا الصالح؛ فمن جهادهم نستفيد لنقتديَ بصبرهم ومصابرتِهم ومرابطتهم، وندع الأماني والملامة، فالحديث الآن للدِّماء الزَّكية، والأرواح الطاهرة، والبلاد الصامدة، والسواعدِ المقاوِمة، والأموال المبذولة، والعقول المفكرة؛ حتى يستقيمَ الأمرُ، وتزول الغُمَّة، ويأتي النَّصر، فيشفي الله صدورَ قومٍ مؤمنين، بتحقيقِ موعوده القريب لمن صبرَ واتَّقى، وآمنَ وأحسن.
الهوامش:
[1] المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، الصحَّة في قطاع غزة: الواقع والطموح، غزة، 1988، ص 29.
[2] ربحي قطامش، "الطبقة العاملة الفلسطينية في مواجهة الكولونيالية"، مركز الزهراء للدراسات، القدس، 1989، ص 2.
[3] نقلاً عن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، الصحة في قطاع غزة، المرجع السابق، ص 30.
[4] الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2005، كتاب فلسطين الإحصائي رقم 6. رام الله – فلسطين.
[5] المرجع السابق. [6] الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2002، كتاب فلسطين الإحصائي رقم 4، رام الله – فلسطين.
[7] المصدر: يمكن الرجوع إلى سلسلة التقارير الصادرة عن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، والتي تتناول رصدًا لاعتِداءات قوَّات الاحتلال الإسرائيلي على مجمَل الحقوق الفلسطينيَّة السياسيَّة والمدنيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة، مثل تقارير الفقر وسلسلة تقارير الإغلاق وسلسلة تقارير تَجريف الأراضي وهدم المنازل.
[8] المصدر: تقرير حول الفقر في قطاع غزة، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، مايو 2006.