رسالة إلى الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية السعودي

لقد صدمت وحزنت كثيرًا، ودهشت دهشةً بالغةً عندما سمعت تلك التصريحات التي أدلى بها سمو الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية السعودي والتي تناول فيها الإخوان المسلمين بتجريح شديد واتهامات مستغربة وغير صحيحة – خاصةً وقد تعودنا من قادة المملكة الدقة والحرص الشديد على تحري الحق ونحن لا نظن به إلا خيرًا، ولذلك فإني في بادئ الأمر شككت في صحة نسبة تلك التصريحات إلى سموه غير أن تكرار نشرها خصوصًا في جريدة الشرق الأوسط جعلها تبدو مؤكدة الصدور.
والشيء المستغرب ما جاء بتلك التصريحات قول سموه "إن الإخوان المسلمين هم أصل مشكلاتنا جميعًا، وإفرازاتنا كلها" فما هي تلك المشكلات التي وقعت في المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، من المؤكد عندي أن الإخوان الذين عملوا في المملكة العربية السعودية ، وكما قال سموه حافظوا على هويتهم وحقيقة انتسابهم لجماعة الإخوان المسلمين،وهذا أمر لم يكن يومًا ما خافيًا على المسئولين في المملكة العربية السعودية ، ولكن هل أحد منهم أتى شيئًا ضد المملكة؟
ومن الطبيعي أن مثل ذلك لو حدث لبادرت المملكة إلى إنهاء تواجده فيها، ولو كان ذلك حدث بصورة جماعية لكان الإبعاد جماعيًا وواضحًا ومعروفًا لدى الجميع، وأقول إنه بالنسبة للإخوان الذين تجنسوا بالجنسية السعودية فإن التزامهم بعقيدتهم ومفاهيم الإخوان المسلمين لم يكن يومًا متناقضًا مع ولائهم الكامل للمملكة وقيامهم بمهام أعمالهم التي أوكلت إليهم فيها على أكمل وجه ..
فهل قال أحد أن أيًا منهم خان الأمانة أو فرط في إخلاصه الكامل للملكة ، ومن المؤكد أيضًا أن الإخوان المسلمين من غير السعوديين والذين عملوا بالمملكة لم يصدر من أحدهم تجاه المملكة إلا الحب والإخلاص، ولم يحاولوا أبدًا تشكيل جماعات إخوانية من السعودية ولقد كان ذلك خطًا أحمر مهمًا التزم به الإخوان في المملكة، ولو أن هذا المسلك تغير لوجدت تنظيمات كثيرة من السعوديين وذاع أمرها.
أما موقف الإخوان المسلمين أثناء حرب الخليج إثر العدوان الغاشم على الكويت في أوائل التسعينيات فهو واضح ومعلن منذ البداية، وقد كنا نحن الإخوان المسلمين أول من أصدر يوم 2 أغسطس أي نفس يوم الهجوم الغادر المشئوم بيانًا أدان فيها تلك الجريمة النكراء، وحذر من نتائجها الوخيمة، ودعا القيادة العراقية إلى المسارعة للانسحاب من الكويت، وقد التزم الإخوان المسلمون بهذا المبدأ وهذا الموقف لم يتزحزحوا عنه أبدًا بعد ذلك، وإن كانوا قد عارضوا تدخل القوات -غير المسلمة- الأجنبية لأنها قوات استعمارية لا تأتى لإنقاذ أحد؛ وإنما لاستعمار بلادنا ...
بلاد المسلمين ولقهرهم وللتمكين لدولة "الكيان الصهيوني " وكنا نطالب بعدم المسارعة في قبول تدخلها، وإعطاء فرصة حقيقية للدول العربية والإسلامية التي تثق فيها المملكة وباقي دول الخليج لإيجاد قوة عسكرية منها تكون فاصلاً بين الحدود العراقية وبين حدود المملكة وباقي دول الخليج، ثم العمل على انسحاب القوات العراقية من الكويت، وسواء كان هذا الاقتراح مرفوضًا أو مقبولاً فإنه لم يصدر من أي من قيادات الإخوان المسلمين المسئولة أي كلمة فيها مساس بالمملكة العربية السعودية وحكومتها، أو بشعب الكويت وحكومته الأصيلة أو أي قطر آخر من أقطار منطقة الخليج.
لقد ذكر سمو الأمير أشياء عن الدكتور حسن الترابي ، وأعتقد أنه من اللازم التذكير – ومع احترامنا الشديد للدكتور الترابي فك الله أسره – أنه كان منذ السبعينيات قد أعلن اجتهادات فقهيةً لا تتلاءم مع اختيارات الإخوان المسلمين، وأنه كون جماعةً تخصه هو قائدها، وانفصل تمامًا عن الإخوان المسلمين، فما معنى أن يسأل الإخوان عن أقوال أو تصرفات تسند إليه بعد عشرين عامًا من تركه الجماعة.
الإخوان المسلمون يا سمو الأمير لم يدمروا العالم العربي، بل هم الذين أحيوا الروح الإسلامية فى كثير من بلاد الدول العربية والإسلامية وعملوا على تنمية مجتمعاتهم ورقيها وازدهارها، والتزموا احترام النظام العام، والشاهد على ذلك يا سمو الأمير أن الدعوة بفضل الله انتشرت وتنتشر فى جميع الدول العربية والإسلامية غير العربية.
يا سمو الأمير إن جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها على يد الإمام الشهيد حسن البنا رضوان الله عليه وحتى الآن كانت ولم تزل حريصةً كل الحرص على أن تكون علاقتها بالمملكة العربية السعودية حكومةً وشعبًا علاقة حب وألفة وولاء للإسلام، وكل الذين عملوا فى المملكة من الإخوان، وهم آلاف مؤلفة حرصوا على ألا يصدر عن أحدهم تجاه المملكة إلا الحب والإخلاص، وهو ما زلنا نشعر به ولا زال ولاؤنا له ومازال تمسكنا به ولن نفرط فيه.
ودعائي إلى الله في هذه الأيام العشر الأخيرة من شهر رمضان المبارك شهر التسامح والتصافي والتواد والتآخي بين المسلمين أن يكشف الله الغمة، ويزيل هذه الفجوة، وألا يجعل للحاقدين سبيلاً للوقيعة بيننا.
يا سمو الأمير: إن مئات الألوف من أبناء شعب مصر التي انبعثت بحبها – لا يحشرها أحد – لتشييع جنازة المرشد العام للإخوان المسلمين الراحل الأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله، والذي كان يحب المملكة ويجلها ورباطه الروحي بها لم ينفصم أبدا، هذه الحشود الضخمة آذاها كثيرًا أن توصف بما جاء بتصريحاتكم وحزنت وتألمت كثيرًا أن تكون هذه نظرتكم إليها، خاصةً وأن تأتي هذه التصريحات عقب وفاة المرشد الراحل بفترة وجيزة، وهى تتطلع وكلنا معها إلى ما يطمئنها إلى استمرار مشاعرها الدافقة نحو المملكة العربية السعودية مهبط الوحي ومقر الحرمين الشريفين الذي تهوي إليه النفوس المحبة للإسلام الداعين لنصرته والحكم بشريعته.
وفقكم الله للحق والعدل والقول السديد،،
والحمد لله أولاً وآخرًا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المستشار/ محمد المأمون الهضيبي
القاهرة 23 من رمضان 1423هـ
المصدر
- بيان:رسالة إلى الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية السعوديإخوان أون لاين