إبراهيم اللبان
د. محمد الجوادي
مقدمة
الأستاذ إبراهيم عبد المجيد اللبان (1895 ـ 1977) واحد من علماء النفس والفلسفة الراسخين في علوم الأدب واللغة أيضا، وقد عادت هذه المزية في تكوينه العلمي كأستاذ جامعي متميز ومبرز بالفائدة الكبرى على تلاميذه في هذين الميدانين على حد سواء فقد اجتمع تفوقه في الميدانين في كل محاضراته ورؤاه بل في عمادته التي كانت بمثابة ظل ظليل لزملائه في مرحلة حرجة من تاريخ كليته الأم
وقد أشار الأستاذ عبد السلام هارون في تأبينه له إلى هذا المعنى من بعيد فقال بأنه كان جوادًا بحبه للناس، سخيًّا بوده لزملائه، تسري منه روح المودة إلى خلانه وإخوانه، فيجمعهم على الخير أشمل ما يكون الجمع، وأفسح ما يكون الوفاق والائتلاف.
كان الأستاذ إبراهيم عبد المجيد اللبان من العلماء الوارثين للعلم والفضل فيه، الذين يوصفون بأنهم علماء وأولاد علماء، ولعله أبرز هؤلاء من بين الدراعمة (خريجي دار العلوم)، ولا يقتصر وصفه على هذا، بل إنه أيضا عميد ابن عميد، فقد كان والده الشيخ عبد المجيد اللبان ١٨٧١- ١٩٤٢ عميدا لكلية أصول الدين.
نشأته وتكوينه العلمي
ولد الأستاذ إبراهيم عبد المجيد اللبان في سنديون التابعة لمركز فوة بمحافظة الغربية (وقد أصبحت الآن تابعة لمحافظة كفر الشيخ)، وتلقي تعليمه الأوَّلي بكتَّاب القرية، وانتقل مع والده الذي كان في ذلك الوقت أحد كبار علماء الأزهر إلى الإسكندرية
حيث اختير الوالد ليكون من علماء المعهد الديني بها، والتحق إبراهيم بالمعهد الديني الابتدائي في الإسكندرية، ثم بالمعهد الثانوي، ثم التحق بدار العلوم، وتخرج فيها سنة 1918، وقد حصل معه على الدبلوم في العام نفسه شقيقه الأكبر منه سعد اللبان الذي أصبح وزيرا للمعارف في 1952، وقد تخرج معها في هذه الدفعة الأستاذ الشيخ عطية الصوالحي، كما تخرج في الدفعة ذاتها ثلاثة من أساتذة الأدب العربي الأعلام هم: الأستاذ أحمد الشايب، والأستاذ إبراهيم سلامة، والأستاذ مصطفى السقا.
وظائفه
بقي الدكتور إبراهيم اللبان عضوًا عاملا وعلما نشطا مواظبا مثابرا حتى توفي، وتصادف أن الذي خلفه في كرسيه كان عميدا أيضا لدار العلوم وهو الدكتور تمام حسان. وقد أسهم الدكتور إبراهيم اللبان في المجمع اللغوي مساهمة فعالة
عين الأستاذ إبراهيم عبد المجيد اللبان 1919 مدرسًا بمدرسة الجمالية بالقاهرة وعمل مدة في التدريس بالمدارس الابتدائية والثانوية. ثم سافر اللبان في بعثة علمية إلي بريطانيا 1930 (أي بعد تخرجه باثني عشر عاما ولم يكن هذا نادرا في زمنه، وإنما كان بمثابة أحد النظم المقتبسة عن النظام التعليمي الإنجليزي) فالتحق بجامعة لندن
ونال منها درجة الليسانس بمرتبة الشرف في سنة 1935، فقد كان النظام التعليمي الإنجليزي يتطلب إعادة إتمام الدراسة الجامعية كلها للحصول على درجة جامعية من بريطانيا قبل بدء الدراسات العليا في الدبلوم والماجستير، ثم حصل على درجة دبلوم التربية لمدرسي المدارس الثانوية في سنة 1936، وعلى درجة الماجستير من جامعة لندن في سنة 1938.
أستاذيته في ثماني كليات
وبعد أن عاد الدكتور إبراهيم اللبان إلى وطنه عين مدرسًا لعلم النفس بدار العلوم، ثم انتقل إلى معهد التربية العالي للمعلمات أستاذًا لعلم النفس. واختارته وزارة المعارف مفتشًا عامًّا للفلسفة في مدارسها، ثم اختير أستاذًا لعلم النفس بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية عند نشأتها
فكان من مؤسسي جامعة الإسكندرية كالأستاذ إبراهيم مصطفى والأستاذ محمد خلف الله والأستاذ عبد السلام هارون ثم انتقل إلى القاهرة أستاذًا للفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم. ثم عين عميدًا للكلية في سنة 1953، وظل كذلك حتى بلغ سن التقاعد في الستين في سنة 1955.
وانتدب أيضًا في خلال تلك المرحلة لتدريس الفلسفة، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، وطرق التدريس، في كلية الآداب بجامعة الإسكندرية، وكلية الآداب بجامعة القاهرة، والمعهد العالي للتربية، ومدرسة الخدمة الاجتماعية بالقاهرة والإسكندرية. كما انتدب لتدريس اللغة العربية وعلو م التربية بجامعة ليبيا.
عضويته في مجمع اللغة العربية ومجمع البحوث الإسلامية
اختير الدكتور إبراهيم اللبان عضوًا في مجمع اللغة سنة 1961 عندما تم تعديل قانون المجمع وزيادة عدد أعضائه من العاملين إلى أربعين، وجاء تعيينه مواكبا لشغل الكرسي السابع والعشرين خلفًا للدكتور عبد الوهاب عزام عميد كلية الآداب، الذي توفي 1958 والذي كان كرسيه قد بقي خاليا ضمن ثلاثة كراسي للأعضاء العاملين الذين توفوا ولم تشغل كراسيهم قبل صدور قانون 1961 المجمع ومن ثم فقد اقتضانا الترتيب التاريخي أن يشغل هذه الكراسي أول ثلاثة من الأعضاء المعينين في 1961.
وبقي الدكتور إبراهيم اللبان عضوًا عاملا وعلما نشطا مواظبا مثابرا حتى توفي، وتصادف أن الذي خلفه في كرسيه كان عميدا أيضا لدار العلوم وهو الدكتور تمام حسان.
وقد أسهم الدكتور إبراهيم اللبان في المجمع اللغوي مساهمة فعالة من خلال عضويته في لجنة معجم ألفاظ القرآن، ولجنة التربية وعلم النفس وكان مقررها، أما في مؤتمره فلم يكد يخلو مؤتمر من المؤتمرات التي شهدها دون مشاركة منه ببحث يتناول فيه مشكلة من مشاكل اللغة العربية وخاصة في الآداب والبلاغة. وقد اختاره المجمع العلمي العراقي عضوًا مؤازرًا فيه سنة 1969.
اختير الدكتور إبراهيم اللبان أيضا ضمن أول مجموعة تأسس بها مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر عندما تأسس بعد صدور قانون تطوير الأزهر وهيئاته، عاش الدكتور إبراهيم اللبان حياته بعد ذلك عميدا سابقا ومرجعا هادئا حياة هادئة كان فيها موضع إجلال وتقدير..
آثاره
الكتب المطبوعة
- الفلسفة والمجتمع الإسلامي.
- طرق تجديد المجتمع.
- العدل الاجتماعي تحت ضوء الدين والفلسفة.
- مشكلات الفلسفة (بالاشتراك).
- منهاج المسلم في الحياة.
- الحياة الإنسانية: أهدافها ونظمها العامة.
الكتب المخطوطة
- أصول النقد الأدبي
- فلسفة الفنون الجميلة
- نظرية الوجود المادية والمثالية
- فلسفة الأخلاق ونظام المجتمع
- المستشرقون والإسلام.
البحوث التي ألقاها في مجمع اللغة العربية
- الطريقة الحديثة لعرض الأدب
- جمع القلة وجمع الكثرة
- نظرة نقدية في مبادئ البلاغة
- إحياء تراثنا الأدبي
- الوحدة الفنية في الشعر العربي، ألقي في مؤتمر د 31 (البحوث والمحاضرات).
- رسالة الأديب، ألقي في مؤتمر د 32 جلسة 7.
- التذوق الحديث – مثال من كليلة ودمنة. ألقي في مؤتمر د 33 جلسة 10.
- انعكاس الشاعر على شعره – ألقي في مؤتمر د 34 جلسة 9.
- علوم البلاغة وصلتها بالنقد الأدبي، ألقي في مؤتمر د 35 جلسة 2.
- الموضوع في النقد الأدبي، ألقي في مؤتمر د 36 جلسة 10.
- الرائع في شعر شوقي. (مؤتمر د 37 القسم الثاني: البحوث).
- المثالية في الأدب المعاصر. (مؤتمر د 38).
- مدى حرية الكاتب والفنان. (مؤتمر د 39).
- آن أن نفكر في علم الأدب نفسه بدل علوم البلاغة وحدها. (مؤتمر د 40).
- العاطفة في الشعر العربي. (مؤتمر د 41).
- نظرية قدامة بن جعفر في طبيعة الشعر، مصدرها ومدى صحتها. (مؤتمر د 42).
- التجربة الأدبية والجو الأدبي المعاصر. (مؤتمر د 43).
ما كتبه عن الأستاذ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين تحت عنوان (لقد أدى واجبه)
منذ أن اقتحمت مادية أوروبا معاقل الحضارة الإسلامية استحوذ القلق على القادة الروحيين للشعوب الإسلامية، وفطنوا إلى ما تنطوى عليه تلك الغارة من تهديد مباشر للحياة الإسلامية وتراثنا الروحى، ففزعوا إلى أقلامهم يزودون عن دينهم ويدفعون عن عقائدهم ما صوبته إليها تلك الثقافة الجديدة المستهترة من سهام مسمومة
وقد دارت تلك المعركة الطاحنة من أجل الشباب والطائفة المثقفة التى حاول المغيرون أن يفتنوها بشتى الأسباب والوسائل، واستمر النضال بين الفريقين عشرات السنين، فكان أولَ من نهض فى الشرق الأوسط عدوُّ الاستعمار اللدود جمال الدين الأفغانى، نظر حواليه فإذا الاستعمار قد أجلب بخيله ورجله وجثم بكلكله على صدر العالم الإسلامى
وإذا قادة الأمم الإسلامية قد دب الرعب فى قلوبهم أمام قوته المادية فاستسلموا له وأذعنوا لسلطانه أما الشعوب الإسلامية فكانت تغط فى نوم عميق غير شاعرة بفداحة الكارثة التى حلت بساحتها، كان جمال الدين مبعوث العناية الإلهية فى تلك الحقبة السوداء الداكنة، فقد وضعت الأقدار على كاهل هذا المجاهد القوى الأمين مهمة من أشق المهام التاريخية
وهى إيقاظ هذه الأمم من نومتها ورد الأمل والثقة إلى نفوسها وحفز عزائمها إلى نهضة دينية وسياسية، تلائم مجدها الغابر وعزها القديم، فطاف ربوع العالم الإسلامى يكتب ويخطب ويعلم، فكان سقراط البعث الإسلامى لم يخلف وراءه كتبًا كثيرة ولكنه ترك من بعده عقولاً جبارة حملت هذا العبء الثقيل
وسلكت سبيل إمامها الجليل فجعلت تهيب بالعالم الإسلامى أن ينفض عنه غباره ويستوى واقفًا على قدميه ليسترجع عزته وكرامته ويضع أسس حضارته الجديدة، فكان محمد عبده يحمل فى يمناه القرآن الكريم وقد عقد عليه أكبر الآمال فى حركة البعث التى ينتويها فيتبوأ مجلسه بين تلاميذه من مختلف الطبقات ليستقى القرائح هادئًا مترفقًا من هدى القرآن
ويلقى عليهم من أضوائه ما يبدد الغياهب وينير السبيل، لقد كانت حركة موفقة، وكان حدثًا تاريخيًا كبيرًا أن يخرج القرآن إلى المسلمين فى تلك الأيام العصيبة ليشد من عزائمهم، ويبعث الآمال فى نفوسهم بعد أن طالت غيبته عنهم، فأظلمت أمامهم الآفاق، والتبست عليهم المعالم، وتفرقت بهم السبل، وذلت أعناقهم فأصبحوا خاضعين.
ثم أسكت الموت المبكر هذا الصوت الذى كان داويًا وظهرت فى البلاد دعوات لا تستمد هداها من كتاب أو سنة ولا تعدو أن تكون رجع أصوات بعض مفكرى أوروبا وفلاسفتها تصل إلينا خافتة هامسة فيستجيب لها الشباب ويستمد منها صورة المستقبل الذى يتطلع إليه ويشد بها عزمه على النضال فى سبيل تلك الأحلام التى تداعب آماله
وهكذا أسلم الشباب مقادته للغرب، وأفلت زمامه من يد الدين، وخيل للناس أن هذا الوضع قد جاء ليبقى، وأن عهد الهداية الدينية فى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية قد مضى لغير رجعة، ولكن الله يأبى أن يترك للدثور معالم الحق، ويسلم شعبه لهذا المصير الرهيب، ففى تلك الفترة، كان هناك قائد فى دور التكوين تعده الأقدار لتولى القيادة وهداية مسرح التاريخ فى العالم الإسلامى مزودًا بخير الطرق وأنجع وسائل الإصلاح، وباشر مهمته بعزيمة الجبابرة حتى قضى حميدًا فى حومة النضال.
اصطلحت المدرسة والبيئة المنزلية على أن تقدما لصديقى الأستاذ الإمام حسن البنا العلوم الضرورية لتكوين قائد إسلامى فى القرن العشرين، فما كاد يشدو وتستجيب نفسه للذات العقلية حتى وجد على مقربة منه والدًا عاكفًا على دراسة الدين، ولكنه كان يستقيه من مناهله العذبة وحياضه المترعة، فقد كان ينهل من كتاب الله وسنة رسوله، لا يرضى بهما بدلاً، ولا يبتغى عنهما حولاً
وقد كنت فى صدر شبابى أتردد على مقر هذا الشيخ الوقور فى بلده المحمودية، وأتصفح ما أجده هنالك من كتب، لأول مرة فى حياتى وقعت يدى ثمة على كتاب نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار للشوكانى، فإذا بروضة نضيرة تتضوع منها المعارف الدينية مزدهرة منيرة، وكان والده الكريم الشيخ عبد الرحمن البنا يلازم صديقه الشيخ زهران إمام مسجد المحمودية
ويتدارسان معًا العلوم الدينية، والشيخ زهران عالم كفيف البصر، كنت شديد الإعجاب بذكائه وقوة عارضته وولعه بالدرس والبحث، فى هذه البيئة نشأ الأستاذ الإمام، فتلقى عنها فى فجر حياته أجل المبادئ الدينية وأسناها، وهو الاتجاه المباشر إلى الكتاب والسنة، ومارس معهما دراسة الكتاب والسنة فى فجر حياته الحافلة.
وفى دار العلوم - ملتقى الثقافة الشرقية والغربية - أتيح له أن يتصل بالثقافة الأوروبية فيدرس منها منهجًا حافلاً بالعلوم الطبيعية والرياضية والاجتماعية إلى جانب الدراسات الأدبية والشرعية، وقد اتجه فى أثناء ذلك إلى دراسة ما كتبه كبار المجددين أمثال الشيخ جمال الدين الأفغانى والشيخ محمد عبده والشيخ رشيد رضا وغيرهم.
وقد تجمعت هذه الأشتات الثقافية فى عقله الكبير وقلبه الحى وذكائه اللماح فتكونت منها رسالته التى علت بها صيحته فدوت فى جميع أرجاء العالم الإسلامى، وأنشأت من الأحداث ما سيملأ صحفًا غير قليلة من تاريخ هذا الجيل.
والأستاذ الإمام يقف بين المجددين الإسلاميين فريدًا فى طرائقه وتأثيره، اقتصر المجددون من قبله على الناحية النظرية، فحاولوا أن ينفوا عن الدين ما علق به من وضر الخرافات، وأن يعرضوا المبادئ الإسلامية فى صورة تتفق ومنطق العصر، وتوائم روحه العلمية، ومن الإنصاف أن نقول إن هذا جهد مشكور
ولكنه لا يكفى لبعث الشعوب الإسلامية وحَفْزِها إلى العودة إلى الحياة الدينية، رأى الإمام حسن البنا هذه الحقيقة، ورآها بوضوح فتلمَّس طريقة أخرى تصل به إلى هدفه، فبدا له الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يزاول دعوته ويحمل الناس على دينه كما بدا لبعض كبار الدعاة إلى الله من قبل، فحاول أن يتخذ من هديه نموذجًا يحتذيه فكان من ذلك أسلوبه الموفق.
بدأ فكوَّن فكرته عن الدين، وقد استعرض فى أثناء ذلك مختلف الآراء، فرأى ما فيها من قصور لم يرضه أن يكون الدين هو العبادة وحدها كما صوره بعض المتصوفة، ولا أن يكون محض قوانين ودساتير كما خيل لبعض المجددين المعاصرين، وأصر على أن الدين الإسلامى يتناول جميع جوانب الحياة الإنسانية، فهو يتناول العقيدة، ويحدد السلوك الفردى، وينظم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية
ورأى أن من المهانة تضليل النفس أن يحملنا اليأس من إحياء النظام الإسلامى الاقتصادى والسياسى والاجتماعى على أن نجعل الدين عبادة فقط، وقد تعالت صيحات الإخوان منذ ذلك الحين منادية "الدين عبادة ومعاملة"، وغير ذلك من الصيحات التى تعبر عن هذه الروح الجديدة، وهو فى هذا يقفو أثر الرسول الكريم - عليه الصلاة والسلام - وينهج نهجه.
وتلا ذلك البحث عن طريقة تربية المسلمين، ولا شك فى أنه أدرك بوضوح ما أدركه الشيخ محمد عبده من أن الأفكار لا تكفى فى بعث الحياة الإسلامية، وأنه لابد من التدريب العملى على العبادات وبخاصة الصلاة والجهاد فى سبيل الإسلام.
ثم بدا له ما كان لابد أن يبدو له، وهو أن الاتصال الشخصى بأتباعه ومريديه أمر لابد منه لنشر روح الدين الصحيحة فى نفوسهم بالقول والعمل ، وقد اقتفى فى هذا أثر الرسول - عليه الصلاة والسلام - وتبدو عبقريته فارعة حينما نتذكر أن مَن قبله مِن المجددين الإسلاميين اقتصروا على بث الأفكار بين تلاميذهم
وأحجموا عن الإشراف على التدريب العملى على العابدات والجهاد إشفاقًا على أنفسهم من هذه المتاعب، فغامر بشخصه ووقف وقته وجهوده على نشر مبادئ الدين القويمة، وتدريب أتباعه على العبادات التى جعلها أساس دعوته، فكان هو المعلم الأول لأتباعه، كما كان إمامهم فى صلاتهم، وقائدهم فى نضالهم.
اتخذ الإمام حسن البنا من الرسول - عليه الصلاة والسلام - قوة له فى هديه وإرشاده، وهذا هو سر نجاح دعوته، فلم يصرفه عن كتاب الله وسنة نبيه صارف، وترك لمن يشاء أن يتشاغل بالكتب المتوارثة، وآثر طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم فى الدعوة، فحماها أن تهبط إلى مستوى الدروس النظرية التى لا تهز فؤادا ولا تملأ جانحة أو تحرك إلى العمل جارحة
وأبى أن تحمل عنه الصحف إلى الناس ما يستطيع أن يقوله لهم بلسانه، فتوسط أتباعه يقود ويعلم ويدرب حتى لحق بربه بعد أن أدى الأمانة وأرسى قواعد الدعوة، وتركها تملأ فجاج العالم الإسلامى، وتهز شبابه إلى المجد والعزة والإسلامية، وتدك معاقل الظلم والفساد فى كل مكان.
وفاته
توفي الدكتور إبراهيم اللبان عام 1977 وناب الأستاذ عبد السلام هارون عن مجمع اللغة العربية في تأبينه.
المصادر
- محمد الجوادي: العميد إبراهيم اللبان عالم النفس واللغة الذي دعا إلى تآلف النقد والبلاغة، 27 أبريل 2020.
- مجلة الدعوة – السنة الثالثة – العدد 104 – 25 جمادى الأولى 1372هـ - 10 فبراير 1953م.