إبراهيم عزت
مقدمة
في جيل الصحوة الإسلامية أعلام كان لهم أثر كبير في مسيرة الدعوة الإسلامية، لكنهم لم يأخذوا حقهم من التعريف بهم وبدورهم وأثرهم. ومن أبرز هؤلاء "الأعلام الأخفياء" الشيخ إبراهيم عزت الذي لعب دورا كبيرا في الدعوة الإسلامية في عقدي السبعينيات والثمانينيات وأثر كثيرا في وعي عدد من الحركات الإسلامية التي التحق بصفوفها وعمل بها (كالإخوان المسلمين، والتبليغ والدعوة) واشتهر بخطبه المؤثرة التي استفاد منها آلاف المسلمين، وقد لا يعلم الكثيرون عن الشيخ إبراهيم أنه كان شاعرا، ليس كباقي الدعاة الذين نظموا الشعر أو ينظمون الشعر بل كان شاعرا حقا بمعنى الكلمة، لا يقل شعره في أسلوبه ولغته وخياله وأدواته الفنية عن باقي الفحول المتميزين من جيله.. وهذه جولة في حياة الشيخ إبراهيم عزت بين الدعوة والأدب.
المولد والنشأة
في مدينة سوهاج بصعيد مصر عام 1939 أطل على الحياة إبراهيم، وكان ثاني ولد لأبيه محمد سليمان، بعد أخيه أحمد الذي مات في المهد. كان الوالد محمد سليمان مهندسا عمل في التعليم الصناعي، وكانت الأم على علم وخلق ودين وثقافة. ترعرع الطفل المبارك في حضن أبويه اللذين أحاطاه برعايتهما.
واضطر الأب أن ينتقل بأسرته إلى طنطا نظرا لظروف العمل، ثم ألحق ابنه بإحدى مدارسها الابتدائية وانتظم بالدراسة، إلى أن اضطر الأب ثانية أن ينتقل إلى القاهرة فسكن بحي الزيتون، بينما التحق إبراهيم بالمدرسة الثانوية بعين شمس، ثم التحق بكلية التجارة بجامعة عين شمس وتخرج فيها عام 1955 ولم تكن سنه قد تجاوزت السابعة عشرة.
بعد ذلك تم تجنيده ليخدم في الجيش، وفي تلك الأثناء تقدم لوظيفة مذيع في الإذاعة المصرية ونجح في اجتياز الاختبارات التي أجريت له وتم تعيينه، وقدم العديد من البرامج الدينية والثقافية مثل: "بيوت الله"، "دنيا الأدب".
وبعد ذلك عين في الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، وبعد حين من الزمان حصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة الأزهر رغم انشغاله بالدعوة إلى الله.
حياته الفكرية والدعوية
وقد أثرت نشأة إبراهيم عزت في بيت صالح يحيطه الله برعايته ويضفي عليه من محبته؛ فاتخذ إبراهيم حب الله طريقا والدعوة إليه منهجا منذ صغره، حيث انضم إلى أنشطة جمعية الشبان المسلمين، ثم التحق بعد ذلك بأنشطة الإخوان المسلمين، وتأثر بالتصوف، وبعد ذلك كان قراره بالانضمام إلى جماعة التبليغ والدعوة عام 1963، وهي جماعة لها نشاطها الدءوب في الدعوة إلى الله.
وطريقتهم الأساسية في الدعوة إلى الله تتمثل في "الخروج في سبيل الله"؛ حيث يخرجون في مجموعات ترتاد المساجد وتدعو الناس فيها إلى طاعة الله تعالى، ويتميزون بالجرأة وعدم الخجل في طوافهم بالشوارع وعلى البيوت والمقاهي والدكاكين والمحلات، داعين الناس إلى الصلاة أو مجالس العلم.
ولا نعلم الأسباب التي دعت إبراهيم عزت لترك الإخوان آنذاك، لكن أثر دعوة الإخوان ظهر جليًّا في مواعظه وخطبه وقبل ذلك شعره، فهو وإن فارق صفهم بجسده فإن روحه وقلمه وفكره متشرب بأكثر مبادئهم.
وللشيخ إبراهيم عزت الكثير من الخطب والمحاضرات التي ألقاها على آلاف المسلمين بمسجد أنس بن مالك بالجيزة في مصر، حيث تولى فيه الخطابة منذ عام 1975، وظل داعيا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة آسرا مستمعيه بأسلوبه المميز الجذاب في خطابته، إلى أن لقي الله عز وجل في شهر رمضان المبارك عام 1404هـ=1983م حيث عزم على السفر إلى مكة المكرمة للاعتمار والاعتكاف في المسجد الحرام بصحبة بعض أقربائه، وقبل أن تصل الباخرة إلى ميناء جدة وبعد إفطار الشيخ وصلاته المغرب، استراح قليلا؛ ولم يحن أذان العشاء إلا وقد صعِدت روحه إلى بارئها.
في المعتقل
في ذلك العهد الذي قدر الله لإبراهيم أن ينشأ فيه لم تكن الأمور على ما يرام بالنسبة لأبناء الحركة الإسلامية على كافة اتجاهاتها وخاصة الإخوان المسلمين، ورغم أن إبراهيم عزت قد ترك صفوف الإخوان المسلمين وانضم إلى التبليغ والدعوة فقد ناله من التعذيب ما نال الإخوان، ولن نكون مبالغين إذا قلنا إن ما حدث لهم.
بناء على ما ذكر في روايات من نجا ممن وقع عليهم التعذيب، والكتب التي أرخت لتلك الأحداث- يكاد يقترب مما فعله الأسبان بالمسلمين في محاكم التفتيش، وما فعله أهل قريش بالمسلمين الأوائل، ولم تكن هذه المشاهد المروعة المرعبة لتمر على الشاعر إبراهيم عزت دون أن يكون لها أثرها عليه؛ فقد فجرت تجربة المعتقل شاعرية إبراهيم عزت فبلغت أوجها وأنتج لنا شعرا رائقا متميزا في جوانبه الفنية المتعددة.