الإجراءات الاقتصادية الصعبة في مصر
د. أحمد ذكر الله
مقدمة
بناءً على ما ورد بتصريحات سوبير لال، رئيس بعثة مصر في صندوق النقد الدولي نهاية شهر يناير الماضي، فإن مصر مقبلة على عدد من الإجراءات الاقتصادية الصعبة خلال العام الجاري 2018 والعام القادم 2019، في إطار ما أسماه إصلاح الأوضاع الاقتصادية وإعادة هيكلته، ومن بين هذه الإجراءات:
أولا: إنشاء آلية جديدة لضبط أسعار الوقود دورياً
مع مراعاة تغييرات سعر الصرف وكذا تقلبات أسواق النفط العالمية وهو ما سيتتبع – إن تم بالفعل – ليس فقط زيادة جديدة في أسعار المحروقات بحلول شهر ديسمبر على أقصى تقدير، ولكن أيضاً إعادة هيكلة جذرية لسوق الوقود المصري الذي سيتخذ حينها شكل مختلف تماماً عن كل ما عرفناه في الماضي وبصرف النظر عن أسعار منتجاته.
آلية جديدة لضبط أسعار الوقود دورياً:
ربما تكون مسألة زيادة أسعار المحروقات هي الأكثر التصاقاً بالواقع اليومي المُعاش لعموم الشعب المصري الذي عانى الأمرين من ارتفاع تكاليف المعيشة على مدار سنة 2017 حيث تعدت نسب التضخم حاجز الـ 35% متفوقة بذلك على أكثر سيناريوهات الصندوق تشاؤماً.
وقد تعهدت الحكومة في هذا الشأن بإنشاء آلية جديدة لضبط أسعار الوقود دورياً مع مراعاة تغييرات سعر الصرف وكذا تقلبات أسواق النفط العالمية وهو ما سيستتبع – إن تم بالفعل – ليس فقط زيادة جديدة في أسعار المحروقات بحلول شهر ديسمبر على أقصى تقدير، ولكن أيضاً إعادة هيكلة جذرية لسوق الوقود المصري الذي سيتخذ حينها شكلاً مختلفاً تماماً عن كل ما عرفناه في الماضي وبصرف النظر عن أسعار منتجاته لأن هذا يُعد بمثابة «تعويم لسعر الوقود» على شاكلة ما يحدث في دول أوروبا وأمريكا الشمالية منذ سنوات عدة، حيث يمكن أن تتغير أسعار المحروقات ما بين الصباح والمساء، بل ومن شركة لأخرى، مع اختلاف الظروف الإطارية، نظراً لعدم استقرار ولا انضباط الاقتصاد المصري بما يكفى حتى هذه اللحظة كي يتحمل مثل هذه التأرجحات دون أن يكون لذلك آثار شديدة السلبية على الأسواق ومقدمي السلع الذين ستنعدم قدرتهم على توفير منتجاتهم بأسعار ثابتة لما يزيد عن يومان أو ثلاثة على أقصى تقدير.
مثل تلك الخطوة تحتاج إلى تأني حتى تستوعب الأسواق صدمات عام 2017 وتكتسب المزيد من المرونة ومساحات الحركة وإلى أن تكون هناك رؤية أكثر وضوحاً لسوق صرف النقد الأجنبي ولأسعار الفائدة التي لا أعتقد أنها يجب أن تزيد بأي حال من الأحوال عما يتراوح بين 12.75% و13.75% على الإيداع والإقراض بالترتيب قبل الشروع في هذا الإجراء.
سابقا اتخذت الحكومة بزيادة أسعار المحروقات في شهر مارس2018، بشكل غير مُعلن، تزامناً مع حصول مصر على الشريحة الرابعة من قرض صندوق النقد الدولي ولكن تأجل ذلك بحين تمرير انتخابات السيسي.
وتعد الزيادة المقبلة هي الرابعة على أسعار الوقود منذ وصول السيسي إلى سدة الحكم قبل ثلاث سنوات، إذ كانت الأولى في يوليو/تموز 2014، بنسب اقتربت من الضعف، والثانية في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2016، بنسب تراوحت ما بين 30 إلى 47 في المائة، ثم جاءت الزيادة الأخيرة في الثلاثين من يونيو/حزيران الماضي بنسب تصل إلى 55 في المائة.
الزيادة الجديدة ستطاول جميع منتجات الوقود بنسب تتراوح بين 30 و40 في المائة، مرجحاً ارتفاع سعر لتر بنزين (أوكتان 92) من 5 جنيهات إلى 6.5 جنيهات، وسعر لتر السولار ولتر بنزين (أوكتان 80) من 3.65 جنيهات إلى 5 جنيهات، وسعر غاز السيارات من جنيهين إلى ثلاثة جنيهات للمتر المكعب.
وكان وزير البترول المصري، طارق المُلا، قد صرح، قبل شهرين، بأن السعر العادل للتر بنزين 92 يُقدر بستة جنيهات ونصف الجنيه، في حين يصل السعر العادل لأسطوانة البوتاغاز إلى 115 جنيهاً (30 جنيهاً حالياً)، مشيراً إلى أن الزيادة الأخيرة في أسعار المحروقات لا تعني أنها وصلت إلى أسعار التكلفة، إلا أنها اقتربت منها قليلاً.
وفي 2 يوليو/تموز الماضي، أصدرت وزارة المالية، بياناً رسمياً، قال فيه نائب وزير المالية للسياسات المالية، أحمد كوجك، إن الحكومة المصرية تعمل حالياً على خطة تحرير الدعم نهائياً عن المحروقات خلال ثمانية أشهر، وهو ما أثار موجة غضب واسعة بين المواطنين، لصدور البيان عقب يومين من الزيادة السابقة، ما دفع المالية إلى إصدار بيان آخر ينفي زيادة المحروقات في فبراير/شباط المقبل.
وقال تقرير صندوق النقد الدولي- عن مراجعته الأولى لبرنامج مصر الاقتصادي- إن الإصلاحات المصرية تمضي قدماً، إلا أنها قدمت إعفاءات تتعلق بعضها بفاتورة دعم الوقود، محذرة حكومة السيسي من تأجيل الزيادة الجديدة في أسعار الوقود حتى العام المالي المقبل، خشية تعرّضها لمخاطر زيادة تكلفة المواد البترولية.
وأضاف الصندوق، في تقريره، أن مصر أقدمت على إصلاحات هامة وحاسمة في ملف إصلاح دعم الطاقة، لكنها لا تزال “متأخرة”، داعية الحكومة المصرية إلى الالتزام بالقضاء على دعم المواد البترولية في يونيو/حزيران 2019، منبهة إلى أن إرجاء أي زيادة جديدة حتى العام المالي (2018/ 2019) ينطوي على مخاطر كبيرة تتعلق بارتفاع سعر البترول العالمي، وأسعار الصرف مقابل الجنيه.
وتابع التقرير: أن “الصندوق يفضل زيادة مُبكرة في أسعار الوقود، وأنه من هذا المنظور يرحب بالخطوة التي تعتزم الحكومة القيام بها من أجل وضع آلية لتعديل أسعار الوقود بشكل أتوماتيكي، أو أي إجراءات أخرى من أجل تعويض أي زيادة عن المتوقع في تكلفة إنتاج المواد البترولية”، معتبراً أن زيادة أسعار الوقود مرتين منذ الاتفاق على القرض “لم تكن كافية لتحقيق خطة خفض دعم الوقود”.
ثانياً: تنظيم جهاز النقل وأسعار المواصلات
من بين ما ورد بتصريحات سوبير لال، رئيس بعثة مصر في صندوق النقد الدولي للإصلاح في مصر: فصل السلطة التنظيمية للنقل العام عن وزارة النقل وإنشاء جهاز تنظيم النقل المستقل في يونيو 2018 وهو ما ربما يكون مقدمة لخصخصة أجزاء من النقل العام، خاصة بالنظر إلى اقتحام شركات قطاع خاص مصرية وأجنبية لمجال النقل الجماعي مؤخراً وهي تشكو بالفعل من التعقيدات الإدارية التي تواجهها وصعوبة التعامل مع السوق المصري على خلفية تعدد الجهات المسئولة وتضارب الاختصاصات.
فمن ضمن ما تعهدت به الدولة في هذا الإطار هو أن تقوم بفصل السلطة التنظيمية للنقل العام عن وزارة النقل وإنشاء جهاز تنظيم النقل المستقل في يونيو 2018 وهو ما ربما يكون مقدمة لخصخصة على الأقل أجزاء من النقل العام إن لم يكن كله، خاصة بالنظر إلى اقتحام شركات قطاع خاص مصرية وأجنبية لمجال النقل الجماعي مؤخراً وهي تشكو بالفعل من التعقيدات الإدارية التي تواجهها وصعوبة التعامل مع السوق المصري على خلفية تعدد الجهات المسئولة وتضارب الاختصاصات.
ولا شك على الإطلاق في أن هناك احتياج حقيقي لتحسين جودة خدمات النقل العام التي صارت عائقاً فعلياً أمام فاعلية القطاعات الإنتاجية والخدمية المختلفة بما لذلك من تأثير سلبي للغاية على عدد ساعات العمل المُنتجة حيث تُهدر الملايين منها كل شهر بلا طائل في زحام الأتوبيسات وأعطالها المستمرة أو في توقف خطوط المترو لأسباب تتعلق بانعدام كفاءة العنصر البشرى من ناحية والفني التكنولوجي من جانب آخر.
ولكن إن كان الهدف من إنشاء جهاز تنظيم النقل المستقل هو فعلياً خصخصة خدمات النقل العام يجب علينا طرح تساؤلات مختلفة حول مدى إمكانية تحقيق ذلك الهدف؟ وأيضاً مدى جدواه والنتائج المرجوة منه؟
عدا إثقال كاهل المواطن بالمزيد من الأعباء لأن ترك هذه الخدمات الحيوية والاستراتيجية لهوى القطاع الخاص لابد من أنه سيُنتج زيادة مُطردة في أسعارها، أما إذا كان الغرض هو رفع كفاءة التشغيل وإدارتها بعيداً عن البيروقراطية الحكومية، فتكون هذه بالطبع خطوة محمودة تستحق الثناء.
في مارس الماضي
وقد سبق ووافق مجلس النواب المصري، بصفة نهائية، على تعديل بعض أحكام القانون رقم 152 لسنة 1980، الخاص بإنشاء الهيئة القومية لسكك حديد مصر، والذي يقضي بإشراك القطاع الخاص في إدارة وتشغيل وصيانة مشروعات البنية الأساسية، وشبكات هيئة السكك الحديدية على مستوى الجمهورية، إيذاناً بتحرير أسعار تذاكر القطارات.
ورفض رئيس البرلمان، علي عبد العال، طلب بعض النواب بإعادة المداولة (المناقشة) على التعديل المقدم من الحكومة، قائلاً إنه “لا سبيل لإصلاح هيئة السكك الحديدية سوى بإشراك القطاع الخاص في إدارتها”، زاعماً أن “هذا المرفق الهام لن (ينصلح) بأي حال، دون مشاركة القطاع الخاص، حتى لو ضخت ميزانية الدولة كلها لصالحه”.
وركز التعديل على شقين:
أولهما “الاستناد إلى قانون المزايدات والمناقصات، بالنسبة للمستثمرين الذين سيُعهد إليهم بعض الالتزامات، وفقاً لمواد القانون”، والثاني في أنه يجوز لهيئة السكك الحديدية “إنشاء شركات مساهمة بمفردها، أو مع شركاء آخرين، وجواز تداول أسهمها بمجرد تأسيسها في البورصة، وللعاملين في الهيئة أولوية شراء نسبة لا تتجاوز 10% من تلك الأسهم”.
ومنح التعديل للهيئة الحكومية حق إبرام عقود التزام لأعمال إنشاء، وإدارة، وتشغيل، وصيانة كل مرافق السكك الحديدية، التي كانت حكراً على الهيئة، بما يخلق فرصاً لجذب استثمارات أجنبية ومحلية تسهم في تطوير خدمات السكك الحديدية، وإنفاذ حكم الفقرة الأخيرة من المادة (32) من الدستور، المتعلقة بمدة منح التزام المرافق العامة بناءً على قانون، لمدة لا تتجاوز خمسة عشر عاماً.
وقال وزير النقل هشام عرفات في تصريحات صحفية “13 فبراير/ شباط 2018″ إنه جرى تأجيل قرار رفع أسعار تذاكر القطارات لإعطاء فرصة أكبر للمواطنين وخاصة الطلاب لاستخراج الاشتراكات”، لافتًا إلى أن قرار تطبيق الزيادة نافذ ولا بد من تطبيقه لإنقاذ مرفق السكك الحديدية من الانهيار.
وكانت هيئة السكك الحديدية أعلنت في 16 كانون الثاني/يناير 2018 الانتهاء من دراسة رفع أسعار تذاكر القطارات، بسبب الخسائر اليوميّة التي تتكبّدها الهيئة بعد ارتفاع أسعار المحروقات، والتي بلغت مليون جنيه سنويّاً، وكذلك المديونيّات المتراكمة على مرفق السكك الحديديّة منذ 20 عاماً، والتي بلغت نحو 40 مليار جنيه مع نهاية العام الماليّ الماضي.
وفي نهاية 2017 قررت محافظة القاهرة، رفع أسعار تذاكر أتوبيسات النقل العام، بواقع نصف جنيه على كل تذكرة، لتصبح جنيهين ونصف لـ “الأتوبيس الأزرق” بدلا من جنيهين، وجنيه ونصف لـ “الأتوبيس الأحمر” بدلا من جنيه اعتبارا من اليوم
ومؤخرا أعلنت الحكومة أنها سترفع سعر تذكرة مترو الأنفاق بدءًا من يوليو القادم، إذ سيزيد السعر الحالي إلى ثلاثة أمثاله.
وصرح هشام عرفات، وزير النقل إن سعر التذكرة سيبدأ من جنيهين للمحطات التسع الأولى، وسيزيد جنيها لكل تسع محطات إضافية. وسيبلغ الحد الأقصى لسعر التذكرة 6 جنيهات للخط الكامل، لكن سيتم الإبقاء على الاشتراكات المخفضة لموظفي الدولة وطلاب الجامعات والمدارس.
وقال إن هذا الإجراء يأتي في إطار جهود الحكومة لتغطية التكاليف الإضافية للتشغيل.
ثالثاً: الخصخصة وطرح الشركات العامة في البورصة
طالب سوبير لال، رئيس بعثة مصر في صندوق النقد الدولي نهاية شهر يناير الماضي، مصر بالانتهاء من وضع خطة الطروحات الحكومية لزيادة رأسمال الشركات العامة من خلال البورصة أو وسائل أخرى قد تتضمن بيع أنصبة منها بأحجام مختلفة للمستثمرين وبما سيؤدى أيضاً إلى شكل من أشكال الخصخصة، وإن كانت غير ظاهرة للعيان في جميع الأحوال، ولكن غايتها النهائية واضحة لما كانت تتبع نهجاً نعرفه جيداً منذ أن رأيناه للمرة الأولى في عصر حكومة د/عاطف عبيد.
الانتهاء من تقرير أوضاع المؤسسات المملوكة للدولة لتحسين التنافسية وإتاحة أدوات محاسبة شركات القطاع العام وهي بالطبع خطوة ضرورية إن كنا نريد حقاً وقف النزيف المستمر للمال العام وصرف مبالغ طائلة على شركات منعدمة الكفاءة تقريباً دون أن تكون هناك أي آلية واضحة تمكننا حتى من الوقوف على أسباب ذلك وهو ما لا أعتقد أن الاقتصاد المصري يحتمله في هذه الأيام. 1ـ خطة الطروحات الحكومية
وعدت الحكومة الصندوق أن تنتهي بأسرع ما يمكن من وضع خطة الطروحات الحكومية لزيادة رأسمال الشركات العامة من خلال البورصة أو وسائل أخرى قد تتضمن بيع أنصبة منها بأحجام مختلفة للمستثمرين، وبما سيؤدى أيضاً إلى شكل من أشكال الخصخصة وإن كانت غير ظاهرة للعيان في جميع الأحوال، ولكن غايتها النهائية واضحة لما كانت تتبع نهجاً نعرفه جيداً منذ أن رأيناه للمرة الأولى إبان عصر حكومة د/عاطف عبيد في بداية الألفية الجديدة.
وربما يكون من الأوقع هنا التفكير في إعادة تأهيل هذه الشركات عبر إمدادها بقروض معبرية من بنوك مثل «الاستثمار القومي» و«التنمية الصناعية والعمال المصري» رغم الضعف النسبي لقدراتها التمويلية وكل ما تورطت فيه عبر السنين من عمليات مصرفية خاسرة قبل أن تبدأ حتى.
هذا بعيداً عما قد تتكلفه خصخصة هذه الشركات من فرص عمل لن يتبقى لأصحابها – إن تم تسريحهم – أي مصدر رزق ينفقون منه على عائلاتهم وهو البعد الاجتماعي الذي يجب مراعاته حتى ولو لم يكن يتصدر قائمة أولويات صندوق النقد الذي لا يعرف في نهاية الأمر سوى لغة الآلة الحاسبة واعتبارات الربح والخسارة وهو ما لا يتسق مع الواقع المصري المُعاش حالياُ، فهم لا يرون ما نراه ولا يعانون ما نعانيه.
ومن ثم أعتقد أن برنامج الطروحات الحكومية المزمع الذي يشمل شركات خدمية وصناعية كبرى يتسم نشاطها بخواص استراتيجية شديدة الحساسية يجب أن يخضع لمراجعة دقيقة من منطلق تداعياتها على القطاعات الشعبية والجماهيرية العريضة.
لا يعنى ذلك بالضرورة أنه يجب إيقاف تلك الطروحات، ولكن المُضي بها قدماً دون فهم شامل لجوانبها المختلفة قد يأتي بنتائج عكسية، ربما يكون من شأنها القضاء عليها نهائياً بدلاً من إعادتها للحياة. فما نحتاجه حقاً في هذا الشأن هو رؤية حقيقية وشاملة ذات أبعاد متعددة لا تكتفى بمجرد خانات الدفاتر المحاسبية غير المُعبرة إلا عن نفسها.
كما نحتاج على إجابات لأسئلة مثل: لماذا هذه الشركات تحديدا؟ وما تأثير بيعها علي الأمن القومي؟ وما محددات ومعايير التسعير؟ وهل ستكتفي الدولة ببيع النسب المعلنة منها فقط ام هي مرحلة اولي سيعقبها بيه هذه الشركات بالكامل؟ ولماذا نبيع شركات رابحة؟ 2ـ تقرير أوضاع المؤسسات المملوكة للدولة
التزمت الحكومة المصرية بالانتهاء من تقرير أوضاع المؤسسات المملوكة للدولة لتحسين التنافسية وإتاحة أدوات محاسبة شركات القطاع العام وهي بالطبع خطوة ضرورية إن كنا نريد حقاً وقف النزيف المستمر للمال العام وصرف مبالغ طائلة على شركات منعدمة الكفاءة تقريباً دون أن تكون هناك أي آلية واضحة تمكننا حتى من الوقوف على أسباب ذلك وهو ما لا أعتقد أن الاقتصاد المصري يتحمله في هذه الأيام.
ولكن ذلك في الحقيقة غير كافٍ ما لم يكن هناك طرح واضح ومحدد يتعلق بكيفية الإصلاح الجذري لهذا القطاع دون أن يعنى ذلك بالضرورة خصخصته، أما مسألة «إتاحة أدوات للمحاسبة» بدون «إتاحة أدوات للتطور» و«تحسين التنافسية» بلا «تحسين للإنتاجية»، فهي رؤية قاصرة لن تؤدى إلى الهدف المأمول أو غيره من الأهداف لأن الأزمة الحقيقية تكمن في عدم وجود تصور متكامل أو موحد لكيفية التصرف في هذا الغول الضخم المسمى «قطاع عام» دون افقاد الدولة قدرتها على ضبط أداء الاقتصاد القومي وإيقاعه.
كما أن المؤسسات المملوكة للدولة ليست فقط شركات ومصانع، ولكن أيضاً كيانات خدمية عملاقة مثل البريد والسكك الحديدية التي قام مجلس النواب منذ ايام قليلة بتعديل القانون الخاص بها ليسمح بمشاركة القطاع الخاص، أي كان لذلك من معنى في نهاية الأمر، سواء أدى إلى خصخصة القطاع بالكامل على المدى البعيد، كما يتخوف البعض أو خلق موجة جديدة من غلاء خدماته، وليست السكك الحديدية هنا إلا مثالاً لما يُمكن أن يحدث في القطاع العام ككل إذا ما ثبت بأن هذا توجه أكثر شمولاً.
خلاصة
أعتقد أننا أمام محاولة جادة لإعادة تأسيس الاقتصاد المصري، بعيداً عن تقييمنا لمنهج تلك المحاولة أو الفلسفة الكامنة وراءها، وأرى أن المشكلة الكبرى في الموضوع هو دخول صندوق النقد ليصبح طرفاً فاعلاً في العملية بشكل أكثر فجاجة حتى مما حدث في دول أخرى سابقاً.
لا أتحدث هنا عن «استقلال القرار الوطني» وما شابه من شعارات يعتبرها غير ذات معنى، بل أتحدث عن رؤية أوضحت لنا تطورات الفترة منذ أن بدأ الحديث عن قرض الــ 12 مليار دولار أنها بعيدة كل البعد عن فكرة مراعاة البعد الاجتماعي ومصالح الطبقات الأقل حظاً على المستوى المادي وهو ما تؤكده الإجراءات الجديدة المُزمع تنفيذها في غضون العام المالي 2017-2018 كما عرضتها على مدار الأسابيع الماضية.
هذا لكون صندوق النقد الدولي لا يعرف سوى الآلة الحاسبة ويتجاهل تماماً البُعد الخاص بتأثير ذلك على دولة ذات هياكل اقتصادية تقوم على الهيمنة الحكومية ويهتم فقط بتطبيق سياساته النيوليبرالية لخدمة أهداف أوسع تتعلق بالاقتصاد العالمي ككل.
وأتفهم جيداً دوافع صندوق النقد في ذلك؛ فهذا هو الغرض من إنشاؤه أساساً ولكن ما أنا غير قادر على استيعابه هو أن تنساق الحكومة المصرية وراء ذلك بتلك السهولة، لا أطالب بطرد بعثة صندوق النقد غداً ولا أن نوقف التعاون معه حتى ولكن تنفيذ أوامره هكذا دون نقاش أمر ربما يزيد في بعض الأحيان حتى عن مطالبه ومستهدفاته هو نفسه.
يجب على الحكومة المصرية إدراك أهمية تحويل علاقتها بصندوق النقد إلى علاقة شراكة متساوية تقوم على تبادل بناء لوجهات النظر وعرض للتوجهات المختلفة بما سينتج شكل أكثر اتساقاً مع واقع الاقتصاد المصري الذي لايزال مهزوزاً بدرجة كبيرة.
كلمة السر هنا إذن هي بلورة رؤية مصرية خالصة قادرة على مجادلة طرح صندوق النقد ومن ثم الخروج بحلول وسط ترضى جميع الأطراف ولو بنسبة ما.
المصدر
- تقرير: الإجراءات الاقتصادية الصعبة في مصر المعهد المصري للدراسات