الإخوان المسلمون.. دعوة وسياسة لا يفترقان
بقلم: عامر شماخ
يروّج بعض أذناب الانقلابيين هذه الأيام لفكرة عودة الجماعة إلى الساحة، بشرط أن تعمل إما في الدعوة أو في السياسة، في واحدة منهما لا تجمع بين الناحيتين.
وهذا زيغ وضلال، فإن فكرة الإخوان المسلمين هي فكرة الإسلام الصحيح، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الغر الميامين ومن تبعهم من السلف الصالحين، لم يشذ الإخوان عن تلك العقيدة، ولم يزيدوا عليها أو ينقصوا منها، ومن ثمّ فإن ما يفعلونه من خوض غمار السياسة أو العمل مع المجتمع أو التشابك مع الشعوب الأخرى خارج حدود الوطن، فإنما هو من صميم الإسلام ولب الدين الصحيح.
فمن التهم القديمة الجديدة التى توجَّه إلى الإخوان أنهم (سيّسوا الدين)، أي خلطوا الدين بالسياسة، وقد حذرهم أحد الحكام يومًا فقال: لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين.. والمؤكد أن الذي (سيس الدين) هو الله، شارع الدين، ومُصدر الأحكام؛ فالإسلام منهاج شامل للدين والدنيا، للعقيدة والشريعة، والحضارة والأخلاق..
وهذا ليس رأي الإخوان وحدهم، بل جمهور الأمة على ذلك. يقول الشيخ جاد الحق على جاد الحق شيخ الأزهر الأسبق (رحمه الله): «والدعوة إلى إبعاد الإسلام -بالعلمانية- عن سياسة الدولة وشئون العمران، هي قطع لإحدى ساقيه، وتعطيل لإحدى رئتيه، وكفران ببعض آيات كتابه، ينتقص من كمال واكتمال الإيمان بهذا الإسلام..
وإذا كانت العلمانية -في نشأتها الغربية- قد جاءت رد فعل للتجاوز الكنسي وتحكم الكهانة وتحكم طبقة الكهان.. فإنها -بذلك- تكون (حلا غربيا لمشكلة غربية)، وهذه المشكلة -الكهانة والكهنوت ووجود طبقة لرجال الدين، واحتكار هذه الطبقة شئون الحكم- هي مشكلة لم تعرفها الحضارة الإسلامية ولا تاريخ المسلمين؛ لأن الإسلام يرفض ذلك كله من الأساس».
إذًا، طبيعة الدين الإسلامي نفسه لم تفرق بين الدين والسياسة، وتعرُّضُ الإخوان للسياسة، سواء كان من حيث المطالبة بحرية البلاد وحقوقها، أم وجوب الأخذ بنظم الإسلام الحنيف في أوضاعها الاجتماعية على اختلافها، تعرضٌ مستمد من الإسلام نفسه، ومعتمد عليه، وهو جزء من أجزاء هذا الدين لا انحراف عنه.
يقول الإمام البنا: «الإسلام لا يعترف بهذا التفريق بين الأوضاع في حياة الأمة الواحدة، فالهيئة الإسلامية مطالبة بأن تعلن رأي الإسلام في كل مناحي الحياة».
ويقول: «إننا ندعو للإسلام والحكومة جزء منه، والحرية فريضة من فرائضه، فإن قالوا: هذه سياسة، فقولوا: هذا هو الإسلام، ونحن لا نعرف هذه الأقسام».
ويقول:«إن الإسلام الذى يؤمن به الإخوان المسلمون، يجعل الحكومة ركنًا من أركانه، ويعتمد على التنفيذ كما يعتمد على الإرشاد، وقديمًا قال الخليفة الثالث: (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)..
وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الحكم عروة من عُرى الإسلام، والحكم معدود في كتبنا الفقهية من العقائد والأصول، لا من الفقهيات والفروع، فالإسلام حكم وتنفيذ كما هو تشريع وتعليم، كما هو قانون وقضاء، لا ينفك واحد منهما عن الآخر..
والمصلح الإسلامى إن رضي لنفسه أن يكون فقيهًا مرشدًا، يقرر الأحكام ويرتل التعاليم، ويسرد الفروع والأصول، وترك أهل التنفيذ يشرِّعون للأمة ما لم يأذن به الله، ويحملونها بقوة التنفيذ على مخالفة أوامره، فإن النتيجة الطبيعية أن صوت هذا المصلح سيكون صرخة في وادٍ ونفخة في رماد كما يقولون».
يقول الدكتور يوسف القرضاوي: «إن (شمولية الإسلام) ليست من ابتداع الإخوان، بل هى ما قرره القرآن والسنة وأجمعت عليه الأمة، وتأسست عليها ثقافة وحضارة، وامتد به تاريخ وتراث..
وكل المصلحين الكبار الذين سطعت نجومهم في آفاق الأمة، وحاولوا النهوض بها في العــصر الحديــث، كلهــم أدخــلوا السياسة في الدين والدين في السياسة: محمد عبد الوهاب، والسنوسي، والمهدي، والأمير عبد القادر، والأفغاني، والكواكبي، ومحمد عبده، ورشيد رضا، وابن باديس، وغيرهم، كلهم نظروا إلى الإسلام تلك النظرة الشاملة التى لا تفرق بين دين وسياسة، فهم جميعًا مشتركون في (تسييس الدين).
فليس حسن البنا بدعًا في المصلحين، ولا دعوته بدعًا في دعوات الإصلاح والتجديد.
والملتزمون بالإسلام شأنهم شأن سائر المواطنين، من حقهم أن يمارسوا السياسة وفق معتقداتهم ومفاهيمهم، ولا يجوز أن يحرموا منها لمجرد أنهم متدينون».
والإخوان عندما ينطلقون في العمل السياسي، إنما ينطلقون مدفوعين بأوامر شرعية؛ للمطالبة بالحريات العامة التى هى حياة الدعوات، والمطالبة بحقوق الضعفاء والفقراء، وبتطبيق الأحكام والشرائع.. وهذه أمور يعتبرها البعض عملا سياسيا ويعتبرها الإخوان عملا دعويا أساسيا.
المصدر
- مقال:الإخوان المسلمون.. دعوة وسياسة لا يفترقان موقع: إخوان الدقهلية