الإخوان والقضايا الثقافية.. المكسب المبكِّر
2005-18-09
مقدمة

- عزل رئيس هيئة قصور الثقافة ووقف الروايات الخادشة للحياء
- النواب تصدوا للحرب على الهوية العربية والإسلامية
- المذيعات المحجبات وملكات الجمال.. قضايا واجهها النواب
عندما فاز 17 نائبًا من الإخوان المسلمين في انتخابات 2000 لم يكن معروفًا منهم سوى أفراد قليلين، وكانت شُهرتهم داخل نطاق عملهم ومهنهم، وأكد كثيرٌ من المحللين أن هؤلاء الـ17 لن يقدموا جديدًا ولن يكرروا تجربة 87؛ لكون أغلبهم من الصفوف غير الأولى بجماعة الإخوان، إلا أن الوضع اختلف مع أولى جلسات المجلس بقنبلة فجَّرها الدكتور محمد جمال حشمت (نائب دمنهور) عن ثلاثِ روايات أصدرتها وزارة الثقافة تحتوي على عبارات جنسية وتلميحات تخدش الحياء العام وتعكِّر صفوَ المجتمع.
ولم يكن أحدٌ يتوقع أن تستجيب الوزارة لطلب الإحاطة الذي قدمه الدكتور حشمت، إلا أن الاستجابةَ كانت سريعةً؛ حيث أصدر فاروق حسني- وزير الثقافة- قرارًا بإعفاء المسئولين عن إصدار هذه الروايات من مناصبهم، وقد صاحَب هذه الحادثة كثيرٌ من ردود الأفعال والتي وصلت لحدِّ الاتهامات بأن الإخوان ضد الفن والإبداع وضد حرية الثقافة، وأنهم "الظلاميون الجدد" الذين دخلوا البرلمان ليُعيدوا مصر إلى عصور الظلام.
ولأنها كانت المواجهة الأولى بين نواب الإخوان المسلمين وبين الحكومة فقد كان هناك من هو متحفِّزٌ ومتحفِّظٌ كما كان هناك من هو مؤيد ومساند؛ ولأنها كانت المواجهة الأولى- وكما أطلقت عليها الصحافة وقتَها بأنها المعركة الأولى التي كسبها الإخوان- فقد كان الحادث حديثَ الساعة داخل مصر وخارجها، إضافةً إلى أن الحادث جاء بعد أشهر ليست كثيرةً من قضية (وليمة لأعشاب البحر) التي أودَت بحزب العمل الإسلامي وجريدته.
ولأنها لم تكن المواجهة الأخيرة بين نواب الإخوان والحكومة في المجال الثقافي فقد تبعتْها مواجهاتٌ أخرى ربحها الإخوان؛ حيث حقَّقوا انتصارًا عندما أصدرَ وزير الثقافة فاروق حسني قرارًا بمصادرة كتاب (وصايا في عشق النساء)، وهو الكتاب الذي اعترض النائب مصطفى محمد مصطفى على إصداره ضمن سلسلة كتب مهرجان القراءة للجميع (مهرجان الأسرة)؛ حيث يحتوي على عبارات جنسية واضحة، كما أن به تحريفًا شديدًا للآيات والأحاديث النبوية، كما أصدر الوزير قرارًا بوقف المسئولين عن طباعة ومراجعة سلسلة الأعمال الإبداعية- التي صدر عنها الكتاب- عن العمل، وقرَّر تحويل الكتاب لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف لدراسته وتوضيح ما به من افتراءات على الكتاب والسنة، بعد تأكيد مؤلِّفه أنه اعتمد على بعض المذاهب في شرح الآيات والأحاديث التي استشهد بها، وهي المرة الأولى التي يقرر فيها وزيرُ الثقافة تحويل كتابٍ للأزهر الشريف لأخذ الرأي عليه وعلى ما يحتويه.
هذا بالإضافة لطلبات إحاطة أخرى متعلقة بالآداب العامة، مثل طلب إحاطة قدمه الدكتور محمد مرسي لوزير الإعلام عن المجلات التي تصدر بتصريح من الوزارة وتحمل على غلافها صورًا عاريةً، وهناك أيضًا أسئلة قدمها الدكتور محمد مرسي والنائب علي لبن عن أغاني الفيديو كليب العارية، وطلب إحاطة للدكتور حمدي حسن عن حفلات نانسي عجرم التي ينظمها التليفزيون في الوقت الذي سقطت فيه بغداد.
قضايا أخرى

لم يكن هذا فقط هو محورَ اهتمام نواب الإخوان فيما يتعلق بالجانب الثقافي والفني وإنما امتدَّ لقضايا أخرى؛ حيث اتهم الدكتور حمدي حسن الحكومةَ بمحاربة الهويَّة والثقافة العربية والإسلامية، وقال- في طلب إحاطة قدمه لوزير الثقافة- إن الهيئة العامة لقصور الثقافة ألغَت سلسةً من الإصدارات القيمة التي كانت تهتم بكتب التراث العربي والإسلامي، وهي إصداراتٌ قيمةٌ كان يُقبل عليها كثيرٌ من الأدباء والمثقَّفين وتقوم بدور فاعل في حفظ اللغة والهوية الثقافية للأمة، موضحًا أنه من بين هذه الإصدارات سلسلةُ الذخائر، وهي سلسلةٌ بديعةٌ ومقروءةٌ ولها جمهورُها الكبير، إلا أنه قد صدر قرارٌ بوقفها وغيرها من السلاسل الأخرى تحت مسمَّى "تطوير وتصحيح المسار".
وأضاف النائب أن هذه السلاسل التي قامت الحكومة بإيقافها هي أحد خطوط الدفاع الأولى ضد المحاولات الغربية الأمريكية لطمس تاريخنا وثقافاتنا وهوياتنا، مطالبًا الحكومة بأن تصحِّح فهمَها وتُلغيَ سلاسل الظلم والظلام وتعيد سلاسل الفكر والنور، كما قدم النائبُ سؤالاً آخر عن كتاب ينتقد اللغة العربية، ويعتبرها سبب تخلف المصريين، وهو السؤال الذي تسبب في أزمة داخل الأوساط الثقافية التي رفضت إصدار مثل هذه الكتب عن الحكومة المصرية!!
وفي الإطار نفسه قدم النائب علي لبن سؤالاً إلى وزير التربية والتعليم، تساءل فيه عن عدم تطبيق وزارة التربية والتعليم توصيات المجالس القومية المتخصصة التي تهدف إلى تأصيل القيم الدينية، مشيرًا إلى أن المجالس القومية المتخصصة أكدت في توصيات لها أن المجتمع المصري يمر بفترة حرجة من حياته، تتَّسم باهتزاز القيم واضطراب المعايير الاجتماعية والأخلاقية، وكثرة حالات الخروج على تعاليم الدين والقانون؛ مما أصبح يهدد أمن البلاد واستقرارها الاجتماعي.. الأمر الذي يدعو إلى ضرورة بناء شخصية الإنسان المصري من جديد على أساس الدين وتعميق العقيدة والشريعة في نفوس أبناء جيل الغد.
ملكات الجمال والمذيعات المحجبات
وفي إطار متصل صعَّد نواب الإخوان المسلمين هجومَهم على المسئولين عن تنظيم مسابقة ملكة جمال مصر؛ حيث قدم أربعةٌ نواب بياناتٍ عاجلةً لرئيس مجلس الشعب، اتهموا فيها الحكومة بتدعيم ممارسات مخالِفة للدستور، وتستهدف الأمةَ في ثوابتها وتعتدي على حرماتها، وقال الدكتور محمد مرسي إن هذه المسابقة والإعلان عنها مخالَفةٌ للدستور؛ لأنها تخالف الشريعة الإسلامية، كما تخالف العُرف والذَّوق العام.
بينما طالب النائب محمد العزباوي بدراسة خطورة مثل هذه المسابقات على الوضع الداخلي لمصر، وطالب النائب بأن توضِّح الحكومة مفهومًا محدَّدًا للفن الراقي والإبداع، مؤكدًا أن مثل هذه المسابقات لا تقترب بأي شكل من أشكال الفن والإبداع، وفي بيانه العاجل أكد النائب مصطفى محمد مصطفى أن قيامَ الحكومة برعاية مثل هذه المسابقات يُعدُّ تحديًا صارخًا للمؤسسة الدينية بمصر، التي أكد علماؤها حرمةَ مثل هذه المسابقات وعدم جوازها.
وهو ما أكده أيضًا الدكتور حمدي حسن، الذي أوضح أنه سبق وأن تقدم النواب بطلبات مشابهة، مشيرًا إلى أن الحكومة- بتشجيعها تنظيمَ مثل هذه المسابقات- تستفزُّ مشاعرَ الشعب الذي يرى القتل والتشريد من حوله في العراق وفلسطين كل يوم، كما أن تنظيمَ هذه المسابقات يُعد استفزازًا للشباب العاطل، الذي فشل في الحصول على فرصة عمل نتيجة سياسات الحكومة.
وفي التاسع من مايو 2004م تصاعدت أزمة المذيعات المحجبات في التليفزيون بعد منع ثلاث مذيعات بدايةَ مايو من الظهور على الشاشة بسبب تحجبهن، وهو ما قابله النائب مصطفى محمد مصطفى بتقديم سؤال لوزير الإعلام عن تفشي ظاهرة منع المذيعات المحجَّبات من العمل كمذيعات، ونقلهن للعمل الإداري، وقال النائب إن هناك أكثر من 24 مذيعةً صدر بحقهن قرارُ منعٍ من العمل كمذيعات بعد ارتدائهن الحجاب، منهن تسع مذيعات في تليفزيون محافظة الإسكندرية التي يمثلها النائب في البرلمان.

كما قدم النائب حسنين الشورة سؤالاً لرئيس الوزراء ولوزير الإعلام عن استمرار عدم تمكين المذيعات المحجَّبات من الظهور على الشاشة، بالرغم من حصولهن على أحكام قضائية بأحقيتهن في العودة إلى ممارسة عملهن، خاصةً أن ارتداء الحجاب لا يُخِلُّ بقوانين الاتحاد.
وتساءل النائب: لماذا كل هذه الهجمة الشرسة على الحجاب؟! ولماذا لا تطبَّق هذه الهجمة على العاريات اللاتي يظهرن على الشاشة صباح مساء؟! وقال النائب إنه تم تحويل المذيعات إلى العمل الإداري أو لإعداد برامج تقدمها مذيعاتٌ أخرياتٌ، وهو ما يحرمهن من ممارسة عملهن الأساسي، كما يمنعهن من تقاضي علاوات تقديم البرامج التي يقُمن بإعداها.. هذا بالإضافة لما يتعرضن له من مضايقاتٍ إدارية وأمنية أخرى، مؤكدًا أن هذا الإجراء مخالِفٌ للقانون الذي منح الحريةَ في الملبس ولم يحدد زيًّا معينًا للنساء، كما أنه مخالفٌ للدستور الذي نصَّ على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع؛ ولأن ما قامت به هؤلاء المذيعات موافق للشرع فإن ما قامت به إدارة التليفزيون مخالفٌ للشرع ويستوجب المراجعة والتعديل.
اتهام باطل ورد قاطع
وأمام هذا الموقف الصارم لنواب الإخوان ضد كلِّ ما من شأنه الضرر بتقاليد المجتمع المصري- وخاصةً ما يتعلق بالإسفاف- وجَّه كثيرٌ من الكتَّاب والمتابعين للشأن السياسي والثقافي انتقاداتٍ للإخوان بأنهم ضد الفن والإبداع، وأنهم اهتموا بهذه القضايا عن غيرها من الأمور المهمة المتعلقة بالاقتصاد والمشاكل الحياتية والسياسية، وما نورده في الصفحات القادمة هو خير ردٍّ على هذه الأقاويل التي بخَسَت دور الإخوان وحركتهم وتأثيرهم في العمل البرلماني، إلا أنه من الأفضل أن نورد هنا أيضًا ردَّ الدكتور محمد مرسيٍٍ- رئيس الكتلة البرلمانية لنواب الإخوان- حول هذه الاتهامات في حواراتٍ نشرتها العديد من الصحف المصرية والعربية.. كالحياة والزمان اللتان تصدران من لندن، والبيان والخليج الإماراتية والشرق الأوسط، ومن مصر صحف الأسبوع ونهضة مصر وآفاق عربية وغيرهم من الصحف الأخرى.
حيث نفى الدكتور مرسي الاتهامات التي يُطلقها البعض من أن نواب الكتلة يضعون وزراءَ بعينِهم في بؤرة اتهاماتهم، مؤكدًا أن نواب الإخوان تعاملوا مع كل القضايا بدون استثناء، وأنهم قدموا العديد من الاستجوابات المهمة عن قضايا بعيدة كل البعد عن الثقافة والفن والتعليم، مثل استجواب انهيار عمارة مدينة نصر، واستجواب قطار الصعيد، واستجواب شركة النقل والهندسة، واستجواب عن مدينة بور سعيد، واستجواب عن بحيرة المنزلة، ثم قدموا استجوابَين عن الدَّين العام، والبطالة، والزراعة، بالإضافة لمشروعات قوانين مهمة جدًّا.. منها مشروع قانون أتاح لطلاب الثانوية الأزهرية الالتحاق بكلية الشرطة، ومشروع قانون لإنشاء كلية للثروة السمكية، ومشروع قانون لإنشاء المحكمة الاقتصادية، وقوانين أخرى كثيرة.
وقال د.مرسي: ماذا يُطلب منا ونحن نفقد كلَّ دورة نائبًا من نواب الكتلة، من خلال لعبةٍ حكوميةٍ يشارك فيها المجلس؟! مشيرًا إلى أن الإخوان- وليس سواهم- هم الذين اعترضوا على عدم تنفيذ الأحكام القضائية الخاصة بعدم فتح باب الترشيح في انتخابات نوَّاب التجنيد، رغم أنه لم يكن للإخوان في هذا الموضوع ناقةٌ ولا جملٌ، مؤكدًا أنهم من خلال هذه المواقف يبرهنون على برنامجهم السياسي والاقتصادي عمليًّا، كما أنهم يقدمون رؤيةً شاملةً كلَّ عام لعلاج أخطاء الحكومة من خلال ردِّ الكتلة على بيان الحكومة.
وأشار د. مرسي إلى أنه لا يجب أن نتناسى أيضًا أن نواب الإخوان يمثِّلون ما يعادل 3% تقريبًا من نواب المجلس، مؤكدًا أنه يجب تقييم أدائهم وفقًا لمعايير محددة، منها مدى استخدامهم للأدوات الرقابية البرلمانية المتاحة، وحرصهم على حضور جلسات المجلس، والتفاعل مع ما يُعرض وما يناقَش من مقترحات ومشروعات، ومدى قيامهم بدورهم الرقابي والتشريعي داخل المجلس في حدود كونهم أقليةً، ومدى تفاعلهم مع القضايا الوطنية، ومدى اهتمامهم بمناقشة وإثارة القضايا الخارجية ذات البُعد العربي والإسلامي.. مثل الممارسات الصهيونية العدوانية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني، والاحتلال الأمريكي للعراق الشقيق، وأخرى مثل توجُّه فرنسا لحظر الحجاب على المسلمات، وغيرها من القضايا المهمة، ثم مساهمتهم في تطوير أداء المجلس، واستخدام التكنولوجيا الحديثة في تسهيل عمل النواب، وتوفير أوقاتهم.
مؤكدًا أيضًا أنه في ضوء هذه المعايير فإنهم- أي نواب الإخوان- قد استخدموا كلَّ أدوات الرقابة البرلمانية المتاحة أمام النواب، من سؤال، وطلب إحاطة، واستجواب، وطلب مناقشة، وبيان عاجل، واقتراح مشروع قانون؛ حيث بلغ عدد الأسئلة وطلبات الإحاطة أكثر من 6000 سؤال وطلب إحاطة واستجواب وبيان عاجل منذ عمل المجلس في نوفمبر 2000م، هذا من ناحية الكمِّ.
أما من ناحية الكيف فقد استدل د. مرسي بالاستجوابات التي تمَّت مناقشتها خلال الفترات السابقة، موضحًا أن هناك استجواباتٍ أخرى لم تناقَش، بعضها متعلقٌ بقضايا اقتصادية، مثل استجواب عن شركة الملاحات، واستجواب عن فشل سياسة الأجور، واستجوابات أخرى عن الأزهر الشريف ومحاولات تدميره، كما أن هناك استجوابًا عما جاء في تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان، مؤكدًا أن بعضَ وسائل الإعلام وبعضَ الكتَّاب والمحلِّلين- الذين لهم مواقف مخالفة للجماعة- هم الذين يروِّجون لهذا الكلام، موضحًا أن الإخوان ليسوا ضد الإبداع ولا ضد الفن، إلا أن ما أثاروه واعترضوا عليه لم يكن إبداعًا ولم يكن فنًّا، وهو ما شهد به الجميع.
ونفى الدكتور مرسي أن يكون هدف نواب الإخوان من هذه الاستجوابات هو إحراج الحكومة، مشيرًا إلى أنهم من خلال هذه الآليات يحاولون محاصرة بؤر الفساد بالقانون؛ لإعطاء الفرصة لفاعليات العمل المدني أن تعمل في جوٍّ صحِّيٍّ.
غدًا: 6000 وسيلة رقابية استخدمها نواب الإخوان
المصدر
- الإخوان والقضايا الثقافية.. المكسب المبكِّرإخوان أون لاين