الإسلام والتعددية الحزبية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإسلام والتعددية الحزبية

الحزب

- وجمعه الأحزاب - هو: كل طائفة أو جماعة جمعهم الاتجاه إلى غرض واحد سياسيا كان ذلك الغرض، بالدرجة الأولى، أو غير سياسي.. وغلب - في الواقع الحديث والمعاصر - إطلاق مصطلح الحزب على التنظيم الذي يجمع جماعة من الأفراد تشترك في تصور واحد لبعض المسائل السياسية وتكون رأيا انتخابيا واحدا..


مصطلح "الحزب" في الأصول الإسلامية

حزب-العمل.png

قرآنا - وكذلك في تجربة الدولة الإسلامية الأولى، على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم ليس مرفوضًا لذاته، وبإطلاق، وليس مقبولا لذاته، وبإطلاق، لكن معيار القبول لمصطلح الحزب، ومن ثم للتحزب، والتنظيم الحزبي، هو مضمون الأهداف والأغراض والمقاصد والمبادئ التي قام لها وعليها هذا الحزب.


فالشرك والمشركون حزب، ولكنه ملعون ومرفوض، وأولياء الشيطان حزب، ولكنه ملعون ومرفوض، بينما نجد أولياء الله حزبا مقبولا وموضع ثناء، وكذلك المؤمنون، أنصار رسول الله، صلى الله عليه وسلم هم حزبه، المنخرطون في الجهاد لنصرة الدين.


فصراع الإسلام قائم أبدًا بين "حزب" الشرك والكفر والشيطان، وبين "حزب" التوحيد والإيمان - حزب الله - فالمصطلح مقبول أو مرفوض باعتبار المبادئ والمقاصد. والتحزب - أي انتظام الناس في أحزاب - خاضع، من حيث القبول أو الرفض، إسلاميا، باعتبار المعايير الحاكمة للتنظيم الحزبي، وليس للمصطلح بإطلاق، ولا للتحزب والتنظيم الحزبي بإطلاق.


لقد كان المشركون أحزابًا "ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما" - الأحزاب: 22 - .. وكذلك كان حالهم عبر تاريخ الرسالات السماوية جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب، كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد. وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب - ص: 11 - 13-..


وفي دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - نقرأ: اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم - رواه البخاري ومسلم وأبو داود -..


وكما أن للشيطان حزبه "حزب الشيطان" وهو يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير - فاطر: 6 -.. فإن لله، سبحانه وتعالى، حزبه ومن يتولّ الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون - المائدة: 56 -.. والذين رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله، ألا إن حزب الله هم المفلحون - المجادلة: 22 - ..


وفي أدبيات عصر النبوة أطلق مصطلح "الأمير" على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باعتبار رئاسته للدولة.. وكذلك أطلق مصطلح "الحزب" على أنصاره .. ويروي أنس بن مالك أن الأشعريين - وفيهم أبو موسى الأشعري - عندما قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ودنوا من المدينة، كانوا يرتجزون، يقولون:

"غدا نلقى الأحبة ... محمدًا وحزبه!"


بل، ويروي البخاري، عن عائشة رضى الله عنها، أن نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كُن حزبين، فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة، والحزب الآخر أم سلمة وسائر نساء رسول الله...  !


هذا عن المصطلح، فهو مستخدم، ومعيار القبول له أو الرفض هو مقاصد الحزب وغايات التحزب.


المشروعية الإسلامية للتنظيم والتحزب

فلا شك أنها مرتكزة على الإيمان بمشروعية التعدد في الآراء والتوجهات، فالمجتمعات التي تعتمد مشروعية "التعددية الفكرية" هي التي تعتمد تعددية التنظيم والانتظام في الأحزاب.


وإذا كان الإسلام قد تحدث عن وحدة "الدين"، من لدن آدم إلى محمد، وعبر كل الرسل والأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، فإنه قد تحدث عن التعددية في "الشرائع" لأمم الرسالات.. شرع لكم من الدين ما وصى به نوحًا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه - الشورى: 13 - .. .. لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة.. - المائدة: 48 - فالدين واحد، أزلا وأبدًا.. والشرائع متعددة، أزلاً وأبدًا، كذلك.

فهنا وحدة وتعددية في إطار الوحدة!


والإنسانية وحدة واحدة، من أب واحد وأم واحدة، لكنها تتعدد في اللغات والألوان، أي في الأقوام.. يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرًا ونساء - النساء: 1 - ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين - الروم: 22 - ..

فهنا، أيضا، وحدة في الإنسانية، وتعددية في إطار هذه الوحدة!


والأمة الإسلامية وحدة إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون - الأنبياء: 92 - .. وفي إطار الأمة الواحدة تقوم وتتمايز الأمم، أي الجماعات، التي تجتمع على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون - آل عمران: 104 - ..


وإذا كان التمايز في التنظيم الحزبي، على النحو الذي نفهمه اليوم من مصطلح "الحزب"، هو من ثمرات التطور في الحياة الفكرية والسياسية - وهو تطور تتمايز فيه الحضارات والعصور والمجتمعات فإن التجربة السياسية لدولة الإسلام الأولى قد شهدت من "المؤسسات" ما "يشبه" التمايز التنظيمي - ولا نقول الحزبي - على نحو من الأنحاء.


ف "هيئة المهاجرين الأولين" - التي ضمت "القيادات القرشية" التي "سبقت إلى الإسلام" - أبا بكر، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي ابن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وأبا عبيدة بن الجراح - هيئة المهاجرين الأولين هذه كانت تنظيمًا له اختصاصات دستورية في الخلافة والدولة وشئون المجتمع الإسلامي..


و "هيئة النقباء الاثني عشر" - التي تكونت بالاختيار من الأنصار الذين عقدوا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عقد تأسيس الدولة الإسلامية في بيعة العقبة - هذه الهيئة - التي ضمت: أبا أمامة، وأسعد بن زرارة، وسعد بن الربيع، وعبد الله بن رواحة، ورافع بن مالك بن العجلان، والبراء بن معرور، وعبد الله بن عمرو بن حرام، وسعد بن عبادة ابن دليم، والمنذر بن عمرو بن خنيس، وعبادة بن الصامت، أسيد بن حضير، وسعد بن خيثمة بن الحارث، - هذه الهيئة قد كانت تنظيماً ذا اختصاصات دستورية في حياة الدولة الإسلامية، لقد كانت هيئة الوزراء - المؤازرين - كما كانت هيئة المهاجرين الأولين هي هيئة الأمراء - المتأمرين!.


وفي ترجمة ابن الأثير (555 - 630 ه 1160 - 1233 م) للصحابية الجليلة أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية (30 ه 650 م) - وكانت مبرزة في الشجاعة والخطابة - ما يشير إلى "جماعة نسائية"! لنساء المدينة، قامت وتألفت للمطالبة بحقوقهن الموازية لما يبذلن في المجتمع الجديد من جهود!.. وكانت أسماء هذه قائدة في هذه "الجماعة"، وابن الأثير يتحدث عن ذهابها إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ممثلة لهذه "الجماعة"، ومتحدثة باسمها فيقول: إنها قد ذهبت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس مع الصحابة، فقالت: يا رسول الله، "إني رسول من ورائي من جماعة نساء المسلمين، يقلن بقولي، وعلى مثل رأيي ....".. ثم عرضت قضيتهن .. وأجابها رسول الله - صلى الله عليه وسلم.. وطلب منها إبلاع جوابه إلى "جماعتها" - "انصرفي يا أسماء، وأعلمي من وراءك من النساء"!. فنحن هنا أمام "جماعة نسائية". وبعبارة الصحابية أسماء بنت يزيد، فهي "جماعة نساء امسلمين"!.


تلك إشارات ل "مؤسسات وتنظيمات وجماعات" في المجتمع الإسلامي الأول، على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

ولقد شهدت هذه القسمة من قسمات الحياة الفكرية والسياسية - قسمة التنظيم .. الأحزاب - تطورًا مواكبًا لتطور الضرورات والمقاصد والغايات.


فكانت الفرق الكلامية تنظيمات سياسية، تميزت في "المقالات" - أي "النظريات" - وفي الوسائل التي اعتمدتها لوضع هذه "المقالات" في الممارسة والتطبيق، فللخوارج مقالات، ومنهج في الوصول لتحقيق مقالاتهم، وكذلك الحال عند المعتزلة، وعند الشيعة، بفصائلها المتعددة، المعتدلة منها والمغالية، العلنية منها والسرية.


أما عصرنا الحديث، فلقد انتقل بالتنظيم الحزبي إلى طور جديد، ففيه عرفت مصر، مثلاً، وقبل الإسلام والتعددية الحزبية غيرها من البلاد الإسلامية أ الحزب الوطني الحر،، الذي بدأ سريا، على يد جمالى الدين الأفغاني ( 1254 -1314 ه 1838 - 1897 م)، في سبعينيات القرن التاسع عشر الميلادي، والذي قاد الثورة العرابية 1881 - 1882 م، ثم شهدت- مع كثير من البلاد الإسلامية- تنظيم " جمعية العروة الوثقى "- السري- الذي رأسه. الأفغاني، وكان نائبه الإمام محمد عبده 1266 -1323 ه 1849 - 1905م ،.. والتي صدرت مجلة " العروة الوثقى"، بباريس، لسان حاله، ثم " الحزب الوطني "، الذي قاده مصطفي كامل 1291-1326 ه- 1874-1908م ،.. و"حزب الأمة "، الذي كان فيلسوفه أحمد لطفي السيد 1289 -1383 ه 1872 - 1963 م،.. و (حزب الإصلاح "، الذي كونه الشيخ علي يوسف 1280 - 1331 ه- 1863 - 1913 م،. و " حزب اللا مركزية "، الذي ضم قيادات الإصلاخ في الولايات العربية العثمانية.. وجمعية أم القرى- " جمعية تعليم الموحدين "- السرية التي تحدث عنها عبدالرحمن الكواكبي أ 0 127- 0 132 ه - 1854 - 1902 م، في كتابه أ أم القرى،..


فلما انتهت الحرب العالمية الأولى.. وطوى الاستعمار الغربي صفحة الخلافة العثمانية.. واكتمل الاحتواء الغربي لعالم الإسلام وأقطار الشرق، وأصبح النموذج الغربب- الليبرالي، والشمولي- هو النموذج الحضاري الذي تروج له دوائر الفكر السيالصي ومنابر الإعلام ومعاهد التعليم.. غدا الطابع الغربي، في التنظيم الحزبي، نمطا شائغا في حياة العرب والمسلمين، سواء في قواعد التنظيم أو في النظريات السياسية والاجتماعية التي هي مقاصد وغايات التنظيمات والأحزاب.


ولقد كان طبيعيا، أمام خطر الاستلاب الحضاري الغربي، أن تبرز عوامل اليقظة الإسلامية، لتدافع عن الهوية الإسلامية، ! وأن تتخذ من التنظيم والانتظام في الجماعات والأحزاب والجمعيات السبل والأدوات لتحقيق مقاصد البعث الحضاري الإسلامي، استئنافا للنهوض، ومواجهة للتحديات، سماء منها ما كان تخلفا موروثا عن السلف، أو غزوا بالفكر غير الملائم جاءت به دول الاستعمار. !