الإيمو .. وجحر الضبّ

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإيمو .. وجحر الضبّ
  • بقلم / سحر المصرى

البانكيز.. عبّاد الشيطان.. الإيمو.. عناوين كبيرة لصرعات يتّخِذها الشباب والمراهقون قِبلَة في حياتِهم حين تفرغ من أي قيمة دينيّة وأخلاقيّة ويسيطر عليها الجهل واليأس والهوى.. وقد يكون بعضها أخطر من بعض ولكنها نذير شؤمٍ على الأمّة فماذا يُرتَجَى من أُمّةٍ ارتكس شبابها في أحضان الضياع والقنوط والاستتار في جحور الضبّ رغبة بما عند المفلسين؟!


يقول الرسول صلى الله عليه وسلّم "لتتبعنّ سنن من قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضبٍّ لسلكتموه. قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟".. والإيمو هذه الوافدة من بلاد الغرب انتشرت في الآونة الأخيرة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية خليجية وشامية –لا سيّما مصر ولبنان- بشكل كبير وكثُر اللغط حولها.. فمنهم مَن يجمِّلها ويعتبرها مجرد نمط حياة ومنهم مَن يُنزِلها منزلةً دنيا ويتوجّس خوفاً من شرّها ويتّهمها بالإلحاد والشذوذ الجنسي وبأنها وليدة لجماعة عبّاد الشيطان..


ولِمَن لَم يسمع بهذه الظاهرة فالإيمو -كما يُروى- هي مجموعة من المراهقين الذين يستعيضون بالألم الجسدي على الألم النفسي فيُشرِطون أيديهم مثلاً ليتألموا جسدياً ويغلب هذا الوجع ألمهم النفسي! وعندهم نزعة إلى الانتحار نتيجة تضخيمهم للمشاكل وعيشهم مع ذكرياتهم الأليمة وحساسيّتهم المُفرطة.. ويتميّزون بدوام الحزن والإحباط والاكتئاب والخجل والتشاؤم والصمت والسلبية تجاه الحياة والعزلة إلا عن أقرانهم الإيمو.. ويميلون إلى الكآبة والبكاء أمام الآخرين وينتحبون على الحب غير المتبادل ويكتبون الأشعار الحزينة ويشكون النبذ في مجتمعاتهم.. كما يؤمن الإيمو أنهم سيذهبون بعد الموت إلى The Black Parade أو "العرض الأسود" وهو عنوان ألبوم موسيقي صدر في عام 2006 واحتل المرتبة الأولى لفرقة "كيميكال رومانس" والتي كانت تدعو إلى طقوس "الإنتحار عبادة"!


أما من حيث المظهر فلهم قصّات شعر خاصة تنسدل إلى الأمام وتُخفي جزءاً كبيراً من الوجه.. وثيابهم تتّسم بألوان خاصة كالأسود والزهري وصور الجماجم منتشرة عليها.. ويضعون "الحلق" في مختلف أجزاء الجسد ويُكثِرون من الكحل الأسود حول أعينهم بشكل مخيف.. ويعتبرون أنهم يعبِّرون بطريقة لبسهم وطقوسهم عن المشاعر الحزينة التي تجتاحهم ولا يخجلون من منظرهم أو طريقتهم في الحياة لأنها انعكاس عن عواطفهم الداخلية.. وبمجرد انتماء الشخص للإيمو فإنه يتغيّر كلياً ابتداءا من طريقة لبسه وانتهاءا بالإنطواء على نفسه مهما كان حيوياً قبل ذلك!


وكلمة الإيمو مشتقة من الكلمة الإنكليزية Emotion ومعناها العاطفة أو الانفعال.. وبدأت كتيار موسيقي في الولايات المتحدة في الثمانينات للهارد روك والبلاك ميتال لتصبح في أيامنا نمط حياة! وتتميز هذه الموسيقى بالصخب والحزن والدعوة إلى الانتحار!


قد يبدأ الشاب -أو الفتاة- بالانجذاب لهذه الجماعة بسبب "اللوك" أو وجود قواسم مشتركة بينه وبين أحد عناصرها كالحزن والاكتئاب فيعتقد أنه وجد من يتفهّمه حتى إذا ما دخل معهم انجرف إلى مستويات أشد خطورة ما قد يؤدّي في النهاية إلى قتل النفس!.. وقد انتشرت الآن مجموعات الإيمو في الفايسبوك لاصطياد أكبر عدد من الشباب الهائم أو الساذج أو المحروم!


يقول بعض "إيمو" العرب أنهم مختلفون عن إيمو الغرب ولكن هذا الأمر ليس دقيقاً تماماً.. لأنهم كما يقِرّون هم أنفسهم أن الإيمو هي طريقة معيشة وتفكير وليس مجرد مظهر! وإن كانوا مختلفين فلِم اقتبسوا اسمهم؟ ولِمَ يروِّجون لأفكارهم وطريقة عيشهم بالتفاصيل المملّة؟! ولِم التزموا أساليبهم من الأساس؟ وما يُدريهم أنّهم حين يتوغّلون في معاقرة صفاتهم وأدواتهم وطرق حياتهم وحين يستولي عليهم الاكتئاب والحزن لن يصلوا إلى أكثر مما وصل إليه إيمو الغرب؟ أوليست النفس البشرية واحدة حين تتجرّد من الايمان والإحساس بالمسؤولية؟ أوليس الشيطان والهوى واحد؟ أوليس الألم والاكتئاب واحد؟! ولئن سلِم بعض إيمو العرب من الانتحار والأمراض النفسية فهل سينجو الجميع؟! إن بمجرد استساغتهم لهذه الظاهرة فقد دق ناقوس الخطر ووجَب الحذر!


مما لا شك فيه أنّ دوافع الشباب وخاصة المراهقين للانتساب إلى هذه المجموعات هو الفراغ – بأنواعه- بالدرجة الأولى.. الفراغ الروحي والإيماني وفراغ الوقت.. والبُعد عن الله جلّ وعلا.. فلا يمكن أن يكون في قلب إنسان ذرّة من إيمان ثم يلتجئ إلى هذه الفِرَق! فالإيمان يزرع الأمل في النفوس والطمأنينة والسكينة والارتباط بالله جل وعلا يورِث الراحة فيما كان وما هو آت..حتى عند الابتلاءات والمصائب والحرمان فإن المؤمن يعلم أن كل أمره خير ويرضى ويشكر ويدعو!


كما أنّ من أسباب الاندفاع وراء هذه الظواهر هو الفقر وتجارب الفشل في الدراسة أو العمل أو الحياة الاجتماعية.. والتفكك الأسري والتخبّط النفسي والغزو الفكري وحب التقليد الأعمى وافتقاد الهوية والهدف والهزيمة النفسية ما يولِّد الانجرار وراء كل ما هو غربي.. وقد يكون السبب هو مجرد إثبات الذات ولفت الانتباه والظهور بشكل مختلف ليصرخ المراهق "إني هنا"!


أن ترى في الغرب مثل هذه الظواهر فشيءٌ طبيعي لأنه مجتمع مادي غير مترابط ويفتقر إلى القِيَم الدينية والروحية والأخلاقية والأُسريّة.. ما يجعل المرء يهيم على عواهنه دون حسيب أو رقيب.. أما في مجتمعاتنا الشرقية والإسلامية بالتحديد فهذا أمر يدعو إلى الذعر حقيقة!


وحتى لا يكون دائماً الغرب هو الشمّاعة التي نعلّق عليها هزائمنا ومصائبنا فحريٌ بنا أن نفتّش عن ثغراتنا وتقصيرنا وأن نضع الإصبع على الجرح لمداواته..


فنحن كأهل مقصِّرون تجاه أبنائنا فهل كان منّا الاحتواء والاحتضان والمتابعة والتوجيه بالحُسنى؟ هل فتحنا قنوات الحوار معهم منذ الصِغَر لندلّهم على الله جل وعلا بالدرجة الأولى ثم على الحلال والحرام وجعلنا الحبيب عليه الصلاة والسلام قدوتهم وثبّتنا في قلوبهم مفاهيم الابتلاء والهدف من وجودهم على الأرض أصلاً؟! هل كنا إلى جانبهم لحل مشاكلهم وتبصيرهم بالخير والشر وتأصيل بوصلتهم الإيمانية والأخلاقية أم تركناهم للخادمة وصحبة السوء والانترنت والفضائيات دون تواجد فعّال في حياتهم؟!


ونحن كدعاة هل لاحقنا الشباب وأحسنّا الخِطاب معهم وأشعرناهم أنهم القيمة الحقيقيّة في الأمّة وبسّطنا لهم سبل الهداية وأشغلناهم بالخير كي لا تشغلهم نفوسهم بالشر؟! وهل أمَّنا لهم القدوة الصالحة التي تجذب للدين ولا تنفِّر منه؟ وهل قمنا بحملات للتوعية من هؤلاء ولهؤلاء؟! وحين وصل بنا الأمر لوجود مثل الإيمو في مجتمعاتنا فهل سعينا لإرشادهم وهدايتهم وتعريفهم بالعقل والعاطفة ما هم سائرون إليه ومحاولة انتشالهم من الضياع والفساد الذين ينغمسون فيه؟!


وكحركات إسلاميّة وشبابيّة واعية هل نظّمنا الدورات الجذّابة لتوعية الشباب وإعانتهم على تحديد الأهداف وتنمية القدرات وقيادة الذات وتقدير العقل والوقت؟!


المسؤولية مشتركة بين الجميع: أهل وعلماء ومدارس وحكومات وإعلام وجمعيات لنصل بشبابنا إلى برٍّ آمِنٍ يحميهم من أنفسهم قبل غيرها..


وهمسة أخيرة في آذان البعض ممّن يستسيغ الترويج الإعلامي للإسلام فوبيا فلا يترك مناسبة إلا ويحذِّر من الإسلاميين وحتى مجرد الالتزام بالفرائض التي شرعها الله جل وعلا بحجّة الخوف من التطرف والإرهاب فلهؤلاء أقول: اتّقوا الله في أولادكم وشبابنا.. فإنّكم "بخوفكم" هذا إنّما تُلقون بالشباب في أحضان الرذائل وتجعلونهم فريسة سهلة لمثل هذه الظواهر التي نتحدث عنها! أفيرضيك ان يكون ابنك أو قريبك فارغ الروح هائم النفس تتلقفه أيدي الشيطان من كل جانب على أن يكون عبداً طائعاً لله جل وعلا ملتزماً منهجه القويم؟! كفّوا بربّكم ألسنتكم عن الخوض فيما يضر ولا ينفع واتركوا شبابنا يتّبع نداء الفِطرة ليصبح نبراس هداية لا شيطاناً يمشي على الأرض! وليمهِّد في هذه الحياة الطريق إلى الجنّة لا إلى "The Black Parade" !


المصدر : نافذة مصر