التعاون على الخير

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
التعاون على الخير


مقدمة

بعد دخول المسلمين في فترة الوهن والضعف والشقاق، ونسيانهم لاخوتهم واتحادهم، استبد بهم التعصب لآراء ومذاهب معينة زادت من ضعفهم وأكثرت من فرقتهم، فأحزن ذلك كثيرا من المخلصين وحفز هذا جملة من العلماء الفاقهين فعمدوا إلى استحداث قواعد تصبح دستورا للعاملين في الحقل الإسلامي تنظم خطوهم وتلم شعثهم فكان أن وضع العلامة الشيخ محمد رشيد رضا القاعدة الذهبية المعروفة:”نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه”، ومقصود هذه القاعدة أن يتفق الناس ويتعاونوا في العمل على الأصول الإسلامية التي لا يختلف عليها أحد، وأما الفروع المعتمدة عند كل إمام من الأئمة فلا داعي للخلاف حولها حتى لا تتفرق الأمة وتتقطع، وهذه القاعدة يعززها إجماع جمهور العلماء على أنه لا يجوز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ما اختلف فيه بين الأئمة، وقد قال الشيخ البنا -رحمه الله - بهده القاعدة، ولكن بعض الذين لا يقرأون ولا يعرفون يعيبون على العلماء جهدهم ورغبتهم في جمع شمل الأمة، ويدعون أن هذا يعد تساهلا مع المخلفين.. الخ.

والشيخ البنا - رحمه الله - يوضح الصلة بين جماعة الإخوان وغيرها من الجماعات الإسلامية فيقول تحت عنوان:


نحن والهيئات الإسلامية

يقول الشيخ البنا: وأما موقفنا من الهيئات الإسلامية جميعا على اختلاف نزعاتها، فموقف حب وإخاء وتعاون وولاء، نحبها ونعاونها: (ونحاول جاهدين أن نقرب بين وجهات النظر ونوفق بين مختلف الفكر توفيقا ينتصر به الحق في ظل التعاون والحب، ولا يباعد بيننا وبينها رأي فقهي أو خلاف مذهبي) ، فدين الله يسر، ولن يشاد الدين أحدا إلا غلبه، ولقد وفقنا الله إلي خطة مثل، إذ نتحرى الحق في أسلوب لين

يستهوي القلوب وتطمئن إليه العقول، ونعتقد أنه سيأتي اليوم الذي تزول فيه الأسماء والألقاب والفوارق الشكلية والحواجز النظرية، وتحل محلها وحدة عملية تجمع صفوف الكتيبة المحمدية، حيث لا يكون هناك إلا إخوان مسلمون ، للدين عاملون، وفي سبيلي الله مجاهدون:" ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون " (المائدة: 56).

ثم يقول في مكان آخر: والإخوان المسلمون يرون هذه الهيئات على اختلاف ميادينها تعمل لنصرة الإسلام، وهم يتمنون لها جميعا النجاح، ولم يفتهم أن يجعلوا من مناهجهم التقرب منها والعمل على جمعها وتوحيدها حول الفكرة العامة، وقد تقرر هذا في المؤتمر الدوري الرابع للإخوان بالمنصورة وأسيوط في العام الفائت، وأبشركم بأن مكتب الإرشاد حين أخذ يعمل على تنفيذ هذا القرار، وجد روحا طيبة من كل الهيئات التي اتصل بها وتحدث إليها، مما يبشر بنجاح السعي مع الزمن إن شاء الله سبحانه وتعالي.

ثم يضرب مثالا بالعلاقة مع الشبان المسلمين فيقول:


الإخوان والشبان

كثيرا ما يرد على أذهان الناس هذا السؤال: ما الفرق بين جماعة الإخوان وجماعة الشبان ؟ لاذا لا تكونان هيئة واحدة تعملان على منهاج واحد؟

وأحب قبل الجواب عن هذا السؤال: أن أؤكد للذين يسرهم وحدة الجهود وتعاون العاملين أن الإخوان والشبان، وبخاصة هنا في القاهرة، لا يشعرون بأنهم في ميدان مناقشة، ولكن في ميدان تعاون قوي وثيق، وأن كثيرا من القضايا الإسلامية العامة يظهر فيها الإخوان والشبان شيئا واحدا وجماعة واحدة، ( إذ إن الغاية العامة مشتركة، وهي العمل لما فيه إعزاز الإسلام وإسعاد المسلمين، وإنما تقع فروق يسيرة في أسلوب الدعوة، وفي خطة القائمين بها، وتوجيه جهودهم في كلتا الجماعتين، وإن الوقت الذي ستظهر فيها الجماعات الإسلامية كلها جبهة موحدة غير بعيد على ما أعتقد والزمن كفيل بتحقيق ذلك إن شاء الله).

وعلى هذا فالإمام البنا يريد تفادي المنازعات لا على حساب العقيدة أو الأصول كما يدعون، ولكن في الفروع وفي خطط العمل ووسائل وميادينه، كما لا منازعة في أن التعدد إذا خلا من الخصومات وتجرد من المنازعات، كان تعدد تنوع وتخصص، بأن اتفقت هذه الجماعات فيما بينها أن تتكافل في أداء فروض الكفايات، فهذه كتجبة تعمل على المحافظة على السنة تخريجا وتحقيقا، وتسهر على بجانبها للناس درسا وتصنيفا.

وهذه كتيبة تهتم بتصحيح عقائد الأمة ومحاربة البدع والخرافات، وهذه كتيبة تحيي في الأمة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحثها على القيام بها، وتعطي لها في ذلك المثل والقدوة. وهذه كتيبة تعمل على إحياء فريضة الجهاد وتحث الأمة عليها، وتقدم لها أمثلة في الفداء والتضحية، وهذه كتيبة تعمل على مقارعة المبطلين من الحكام وجبابرة السياسة، ولسعي إلى أن ينفذ صوت الإسلام إلي هذه المواقع، وأن تنتزع منها ما يمكن انتزاعه لمصلحة الأمة.

وهذه كتيبة تسعي إلي دعوة العوام وإخراجهم من بيئة الغفلة إلى بيئة التذكر، ومن بيئة المعصية إلي بيئة الطاعاة ونحوه.

وهذه كتيبة تعمل في مجال بحوث تطبيق الشريعة واعداد النماذج والصياغات العملية القابلة للتطبيق في واقعنا المعاصر، لو كان الأمر على هذا النحو وتم الاتفاق بين هذه الجماعات على ذلك، وقسموا العمل فيما بينهم على هذا النحو، وكفوا ألسنتهم عن التقاذف فيما بينهم بالتهم والمناكر، وجمعتهم المجالس للتنسيق والتعاون وتبادل الرأي، وجددوا مفهوم الأمة في العمل الإسلامي، ودعوا إلى نبذ التعصب والتحزب الجاهلي الذي يربط الولاء بالأشخاص لا بالمبادئ والعقيدة المتعلقة في الكتاب والسنة، كان هذا التنوع خيرا للمسلمين والإسلام.

إذن فلا مجال للخوض في القاعدة التي تدعو إلي التآلف على الخير والاتفاق على الأصول الإسلامية المجمع عليها بين الأئمة، وأما الفروع وأساليب الدعوة، والخطط والوسائل، فهذا شيء يمكن الاتفاق عليه، أو إفساح المجال فيه للاجتهاد بالضوابط السر عيه المعروفة، حتى لا تكون فتنة.

ولم يضع السيد رشيد هذه القاعدة من فراغ، بل الذي يظهر للمتأمل أنه إنما استنبطها من هداية الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح، وإملاء الواقع وظروفه وضروراته، وحاجة الأمة الإسلامية إلى التلاحم والتساند في مواجهة أعدائهم الكثيرين، الذين يختلفون فيما بينهم على أمور كثيرة، ونكنهم يتفقون على المسلمين، وهو ما حذر منه القرآن أبلغ التحذير: أن يوالي أهل الكفر بعضهم بعضا، ولا يوالي أهل الإسلام بعضهم بعضا، يقول تعالى :" والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير " (الأنفال: 73).

ومعني”إلا تفعلوه” أي إن لم يوال بعضكم بعضا ويساند بعضكم بعضا كما يفعل أهل الكفر في جانبهم، تكن فتنة في الأرض وفساد كبير، لوجود التماسك والتلاحم والموالاة نجين الكفار، في مقابلة التفرق والتخاذل بين المسلمين.

فلا يسع أي مصلح إسلامي إلا أن يدعو أمة الإسلام إلى الاتحاد والتعاون، في مواجهة القوي المعادية لهم، المتعاونة عليهم، وهي قوي عاتية جبارة، وأن ينسوا خلافاتهم الجزئية، من أجل القضايا المصيرية، والأهداف الكلية.

وهل يملك عالم مسلم يري تعاون اليهودية العالمية، والصليبية الغربية، والشيوعية الدولية، والوثنية الشرقية، خارج العالم ا لإسلامي - إلى جوا ر الفرق التي انشقت عن الأمة ومرقت عن الإسلام داخل العالم الإسلامي -إلا أن يدعوا أهل القبلة الذين التقوا على الحد الأدنى من الإسلام، ليقفوا صفا واحدا في وجه هذه القوي الجهنمية التي تملك السيف والذهب، وتملك قبلهما المكر والدهاء والتخطيط، لتدمير هذه الأمة ماديا ومعنويا، ولهذا رحب المصلحون بهذه القاعدة، وحرصوا على تطبيقها بالفعل، وأبرز من رأيناه احتفل بها الإمام الشهيد حسن البنا، حتى ظن كثير من الإخوان (وغيرهم) أنه هو واضعها.

والمقصود بعد هذا كله أن نقول: أن من خالفنا في نص قطعي الثبوت والدلالة لا يستحق منا أن نعذره بحال، لأن القطعيات لا مجال فيها للاجتهاد، وإنما مجاله الظنيات، وفتح باب الاجتهاد في القطعيات، إنما هو فتح لباب شر وفتنة على الأمة لا يعلم عواقبها إلا الله تعالى ، لأن القطعيات هي التي يرد إليها التنازع، وهي التي تحكم عند الاختلاف، فإذا أصبحت هي موضع تنازع واختلاف، لم يبق في أيدينا شيء نحتكم إليه ونعول عليه !. وقد نبهنا كثيرا إلى أن من أشد الفتن والمؤامرات الفكرية خطرا على حياتنا الدينية والثقافية، تحويل القطعيات إلى ظنيات، والمحكمات إلف متشابهات.

بل قد تكون المخالفة في بعض القطعيات من الكفر البواح، وذلك ما بلغ منها المرتبة التي يسميها علماؤنا”المعلوم من الدين بالضرورة"، وهو ما اتفقت الأمة على حكمه، وتساوي في معرفته الخاص والعام، مثل فرضية الزكاة والصيام، وحرمة الربا وشرب الخمر، ونحوها من ضروريات دين الإسلام.

أما من خالفنا في نص ظني لسبب من الأسباب التي ذكرناها أو ما شابهها مما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه”رفع الملام عن الأئمة الأعلام”، وقد ذكر فيه عشرة أسباب أو أعذار، تجعل الإمام من الأئمة لا يأخذ بنص أو بحديث معين، وهذا من عظيم فقهه وإنصافه رضي الله عنه، فهدا نعذره وإن لم نوافقه على رأيه . وعلى هذا الرأي علماء الأمة، وقد أورد الإمام القاسمي -رحمه الله -عند شرحه لآية: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " (ال عمران: 03 ا)، أقول العلماء في وجوب الاتحاد، كما حذر من الفرقة في الصف الإسلامي، وإليك ذلك عند قوله تعالي:" ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم " (ال عمران: 105).

ينهي تعالي عباده أن يكون كاليهود والنصارى في افتراقهم مذاهب، واختلافهم عن الحق بسبب اتباع الهوي، وطاعة النفس، والحسد، حتى صار كل فريق منهم يصدق من الأنبياء بعضا دون بعض، ويدعو إلى ما ابتدعه في دينه، فصاروا إلى العداوة والفرقة من بعد ما جاءتهم الآيات الواضحة

، المبينة للحق، الموجبة للاتفاق على كلمة واحدة، وهي كلمة الحق، فالنهي متوجه إلي المتصدين للدعوة أصالة، وإلى أعقابهم تبعا، وفي قولة تعالي: "وأولئك لهم عذاب عظيم" من التأكيد والمبالغة في وعيد المتفرقين، والتشديد في تهديد المشبهين بهم، ما لا يخفي .


تنبيهات

الأول: ذكر الفخر الرازي من وجوه قوله تعالي: "اختلفوا" أي بأن صار كل واحد منهم يدعي أنه على الحق، وأن صاحبه على الباطل، ثم قال: وأقول إنك إذا أنصفت علمت أن أكثر علماء هذا الزمان صاروا موصوفين بهذه الصفة، فنسأل الله العفو والرحمة - انتهي كلامه - وقوله (هذا الزمان) إشارة إلي أن هذا الحال لم يكن في علماء السلف، ومازالوا يختلفون في الفروع وفي الفتاوى بحسب ما قام لديهم من الدليل، وما أداه إليه اجتهادهم، ولم يضلل بعضهم بعضا، ولم يدع أحدهم أنه على الصواب الذي لا يحتمل الخطأ، وأن مخالفه علن خطأ لا يحتمل الصواب، وإنما نشأ هذا من جمود المقلدة المتأخرين وتعصبهم وظنهم عصمة مذهبهم، فإن لله وإن إليه راجعون، وقد تفرق أصحاب رسول الله (صلي الله علية وسلم) في البلاد، وصار عند كل قوم علم غير ما عند الآخرين، وهم على وحدتهم وتناصرهم.

ثانياً: قال شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية، قدس سره، في أول كتابه: ”رفع الملام عن الأئمة الأعلام”: وليعلم أنه ليس أحد من الأئمة المقبولين، عند الأمة قبولا عاما يعتقد مخالفة رسول الله (صلي الله علية وسلم) في شيء من سنته، دقيق ولا جليل، فإنهم متفقون اتفاقا يقينيا على وجوب اتباع الرسول، وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك، إلا الرسول (صلي الله علية ولم) . ولكن إذا وجد لواحد منهم قول، قد جاء حديث صحيح بخلافه، فلابد له من عذر في تركه، وجماع الأعذار ثلاثة أصناف:

  • أحدها: عدم اعتقاده أن النبي (صلي الله علية ولم) قاله.
  • الثاني: عدم اعتقاده أنه أراد تلك المسألة بذلك القول.
  • الثالث: اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ.

وهذه الأصناف الثلاثة تتفرع إلي أسباب متعددة -ثم أوسع المقال في ذلك -. وذكر قدس سره، في بعض فتاويه، أن السلف والأئمة الأربعة والجمهور يقولون: الأدلة بعضها أقوي من بعض في نفس الأمر، وعلى الإنسان أن يجتهد ويطلب الأقوى، فإذا رأي دليلا أقوي من غيره، ولم ير ما يعارضه، عمل به، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وإذا كان في الباطن ما هو أرجح منه كان مخطئا معذورا، وله أجر على اجتهاده وعمله بما بين له رجحانه، وخطوة مغفور له، وذلك الباطن هو الحكم، لكن بشرط القدرة على معرفته، فمن عجز عن معرفته لم يؤاخذ بتركه، فإذا أريد بالخطأ الإثم، فليس المجتهد بمخطئ، بل كل مجتهد مصيب، مطيع لله، فاعل ما أمره الله به، وإذا أريد به عدم العلم بالحق في نفس الأمر، فالمصيب واحد، وله أجران، كما في المجتهدين في جهة الكعبة، إذا صلوا إلن أربع جهات، فالذي أصاب الكعبة واحد، وله أجران لاجتهاده وعمله كان أكمل من غيره، والمؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف، ومن زاده الله علما وعملا زاده الله أجرا بما زاده من العلم والعمل، قال تعالى :" وتلك حجتنا أتيناها إبراهيم علي قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم " (الأنعام: 83)، قال مالك عن زيد بن أسلم: بالعلم، وكذلك قال في قصة يوسف:" ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات ما نشاء وفوق كل ذي علم عليم" (يوسف: 76).

وقد تبين بذلك أن جميع المجتهدين إنما قالوا بعلم، واتبعوا العلم، وأن الفقه من أجل العلوم، وأنهم لجسوا من الذين لا يتبعون إلا الظن، لكن بعضهم قد يكون عنده عالم ليس عند الآخر، إما بأن سمع ما لم يسمع الاخر، وإما بأن فهم ما لم يفهم الأخر، كما قال تعالى :" وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفثت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين * ففهمناها سليمان وكلاً آتينا حكما وعلما " (الأنبياء: 78، 9 7)

وهذه حال أهل الاجتهاد والنظر والاستدلال في الأصول والفروع. ثم قال: وإذا تدبر الإنسان تنازع الناس وجد عند كل طائفة من العلم ما ليس عند الأخرى ، كما في مسائل الأحكام. ولم يستوعب الحق إلا من اتبع المهاجرين والأنصار، وآمن بما جاء به الرسول كله على وجهه، وهؤلاء هم أهل المرحمة الذين لا يختلفون – انتهي.

فعلم أن اختلاف الصحابة والتابعين والمجتهدين في الفروع ليس مما تشمله الآية، فإن المراد منها الاختلاف عن الحق، بعد وضوحه، برفضه، وشتان ما بين الاختلافين. ثم على طالب الحق أن يستعمل نظره فيما يؤثر من هذه الخلافيات، فما وجده أقوي دليلا أخذ به، وإلا تركه، وحينئذ يكون ممن قال الله تعالى فيهم:" فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه " (الزمر: 17، و 18) ، وإذا اشتبه عليه مما قد اختلف فيه، فليدع بما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة-رضي الله عنها -أن رسول الله (صلي الله علية وسلم) كان يقول -إذا قام يصلي من الليل - : "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلي صراط مستقيم" فإن الله تعالى قال فيما رواه عنه رسول الله (صلي الله علية وسلم): " يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم " انتهي.

ولهذا فإن الاختلاف في الفروع لا يسبب لوما ولا تفسيقا ولا تبديعا وهو دأب العلماء الذين اختلفوا، ومازالوا، ولكنه ينبغي الإرشاد بالدليل إذا كان هناك رأي أقوي من رأي ولا يجوز التقاطع، لأن جمع كلمة الأمة والتعاون على الخير فيما بينها، والاتفاق في الأصول والقضايا التي تهم الأمة أكثر مما يحصيه العادون، فيجب على الأمة وعلى الناشطين في الدعوة إلى الإسلام، أن يجمعوا ولا يفرقوا، وأن يرشدوا إلي الصواب بالحكمة والموعظة الحسنة، خاصة في زمان تفرقت فيه الأمة وذهب ريحها فلا يأت آخرون بزيادة الطين بلة وليتقوا الله في الأمة، وليتلطفوا في إرشاد الناس، فهذا هو طريق الأنبياء والمصلحين.


إقرأ أيضاً