الحلقة الثانية والعشرون: حج القرضاوي ومقتل السادات

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
حج القرضاوي ومقتل السادات

موقع القرضاوي/11-11-2008

موسم حج سنة 1401هـ (1981م)

وفي موسم حج سنة 1401هـ (1981م) دعيت لموسم الحج من رابطة العالم الإسلامي، فلبيت الدعوة شاكرا، واصطحبت معي زوجتي أم محمد، وبنتيّ إلهام وسهام، بعد أن حصلتا على البكالوريوس بامتياز، وعينتا معيدتين في كلية العلوم بجامعة قطر، رأيت أن أكافئهما على تفوقهما، بأن أتيح لهما أداء فريضة الحج هذا العام، فتنعما بالتيسيرات التي تقدمها لنا الرابطة بما لديها من إمكانات.

وهيأت لنا الرابطة: حجرتين في مبناها المعروف بمنى: حجرة لي ولزوجتي، وحجرة لابنتيّ.

وقد كنا نوينا العمرة، ونحن في الطائرة، وإن كنت أجيز أن نؤخر لبس ملابس الإحرام بعد نزول جدة، كما هو رأي العلامة الشيخ عبد الله بن زيد المحمود رئيس المحاكم الشرعية في قطر، الذي كتب رسالة بديعة في ذلك، أيدته فيها برسالة تقريظ بعثت بها إليه، ولكني لم أجد مشقة في الإحرام من الطائرة، كما أن زوجتي وابنتيّ لم يجدن أي مشقة في ذلك، كما هو شأن النساء في الإحرام، فليس عليهن أن يغيرن ثيابهن. فإحرامهن في الطائرة لا مشقة فيه.

كانت نيتنا: التمتع بالعمرة إلى الحج، فبعد أن أدينا مناسك العمرة تحللنا، وقصرنا، والسنة لمن تمتع أن يقصّر بعد العمرة، وإذا أراد حلق الرأس فليؤخره إلى الحج، أما المرأة فليس لها إلا التقصير، إذ الحلق ليس من شأنها، وهو يكره لها، وربما حرم.

بقينا بعد العمرة عدة أيام في مبنى الرابطة بمنى، نصلي فيها الصلوات الخمس، وهم يؤدونها جماعة في الرابطة، ومعلوم أن منى من الحرم، فالصلاة فيها كالصلاة في الحرم، ومع هذا قد هيئوا لنا السيارات لمن يريد أن يصلي في الحرم.

وفي يوم التروية ـ الثامن من ذي الحجة ـ أحرمنا بالحج من حيث نقيم في منى، كما علمتنا السنة النبوية، وحين يحرم الإنسان يشعر أنه قد انتقل من حالة إلى حالة. إن مجرد النية والتلبية (لبيك اللهم حجا) يدخل الإنسان في حالة روحانية، تجعله يحلق في أجواء عالية من الربانية، ذاكرا الله بقلبه ولسانه، مستحضرا الآخرة بين عينيه، مستغفرا لربه من كل ذنب وقع فيه، مرطبا لسانه بالدعاء إلى الله تعالى لنفسه ولأهله ولمن يحب وللمؤمنين والمؤمنات، بل هو يسأل الله الهداية والنور والسلام للناس جميعا.

مقتل السادات

وفي يوم التروية، وبعد صلاة العصر على ما أذكر، نزلت مع العائلة، نمشي في طرقات منى، لا أذكر: إلى أي مكان كنا ذاهبين؟ وفي أثناء سيرنا أحسسنا بهرج ومرج وحركة غير عادية، وكلام بين الناس بعضهم وبعض، مما يوحي بأن حدثا غير عادي قد وقع، فسألنا: ماذا حدث؟! فقالوا: أطلق الرصاص على السادات وهو على المنصة، وقد نقل إلى المستشفى، ولا نعرف تفاصيل حتى الآن.

أسرعنا بالعودة إلى مبنى الرابطة، لنتابع الأمر من خلال التلفاز والمذياع. فالحدث خطير، ولا بد من تتبعه والإحاطة بتفاصيله، وما يجد فيه أولا بأول.

ثم بدأت بعد ذلك إذاعة القاهرة، وصوت العرب، ومحطة تليفزيون القاهرة: تذيع النبأ على الناس، وخصوصا بعد أن نقل السادات إلى المستشفى وعرف أنه فارق الحياة.

وعرف من التفاصيل ما حدث في العرض العسكري، وتوقف بعض السيارات المشاركة في العرض أمام المنصة، وقد نزل منها ضباط وجنود يحملون الرشاشات ويتجهون إلى المنصة، قاصدين الرئيس السادات بالذات، حتى قيل: إنهم وجدوا نائب الرئيس في ذلك الوقت حسني مبارك، فلم يمسوه بسوء، وقالوا: لا حاجة لنا فيك! وأنهوا مهمتهم بسرعة، ولم يغن الحراس شيئا: لا حراس الجيش، ولا حراس المخابرات، ولا حراس الداخلية، ولا الحرس الخاص. كل هؤلاء ارتبكوا وعجزوا. ونفذ الشاب المكلف بالمهمة – وقد عرف فيما بعد أن اسمه: (خالد الإسلامبولي) – ما هدف إليه. وكان يمكنه ومن معه أن يقتلوا عددا أكبر ممن على المنصة، لو أرادوا، ولكنهم كانوا مكلفين بمهمة محددة، هي التخلص من الرئيس السادات، فقاموا بها، واقتصروا عليها.

في هذا اليوم الذي تلهج فيه ألسنة المحرمين بالحج بالإكثار من التلبية والتهليل والتكبير والتحميد والتسبيح والاستغفار: أمسى شغل الناس الشاغل: الحديث عن المقتل المروع وما جرى فيه، وكيف انقلب العرس إلى مأتم، وتحولت ذكرى الانتصار إلى حداد؟!

ياألله! كم بين الحياة والموت؟ إن الناس يتخيلون بينهم وبين الموت مسافات ومسافات، تبعد وتقرب، وتطول وتقصر، بمقدار طول أملهم في الحياة وقصره. وكلما غرق الإنسان في لجج الحياة الدنيا وزخرفها، أو كلما غرته الأماني أو غره بالله الغرور، أو أطغاه المال أو السلطان: رأى الموت بعيدا عنه، ونظر إلى نفسه كأنه مخلد في الدنيا، حتى تفاجئه الحقيقة المذهلة: أن الموت أصدق غائب ينتظر، وأنه أقرب إلى الإنسان من لمح البصر، كما قال الشاعر:

كل امرئ مصبح في أهله والموت أدنى من شراك نعله!

وكما قال تعالى: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} [النحل:77].

روى البخاري عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل، وعد نفسك من أهل القبور"[1]. وكان ابن عمر يقول: إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وخذ من دنياك لآخرتك، ومن حياتك لموتك.

طالع في الحلقة القادمة:

القرضاوي يكتب عن فقه العنف

[1] - رواه البخاري (6416) عن ابن عمر.