الخصومة بين الشرف والصلف
بقلم : خميس النقيب
(30/05/2014)
المواقف القوية تظهر معدن الرجال ' و الشدائد المتوالية تبرز قيمة الابطال ، والاساليب القمعية علي اصحابها وبال ، وبين هذه وتلك يثبت الشرفاء ويسقط العملاء ، و الشرفاء إذا خاصموا لا يفجروا علي أي حال ولا يسرقوا الأعمال ولا يتملقوا الرجال ..!! والنبلاء إذا خاصموا لا يتصيدوا الأخطاء ولا ينحازوا للأعداء ولا يتلونوا كالحرباء ..!! لا يشملهم الحديث الشريف ( وإذا خاصم فجر )
بينما ترى هذا الخصم ( غير الشريف ) يتعب نفسه , ويجلب بخيله و يضرب برجله, ويحقد بقلبه يصاحبه حقد دفين ويسيره صلف مهين بينما صاحبه في المواجهة خلي الفؤاد, لا يخطر الشر بباله, ولا يمر الحقد بخياله ، ولا يقترب الشيطان من أستاره !! قال المتنبي : وأتعب من ناداك من لا تجيبه وأغيظ من عاداك من لا تشاكل
وإذا اضطر شريف النفس إلى الخصومة لم يبتعد عن الحق والشرف قيد أنمله ، فالخصومة عند الشرفاء دعا إليها سبب معقول, وظهر فيها برهان مقبول ، بدون افتراء ومن غير التواء , وقام على الوسائل المكشوفة الظاهرة لا الخفية الدنيئة, وخرج كل خصم من الخصومة شريفاً لم تدنسه الخصومة، يجد فيها ترفعا عن الصغائر ، وزهدا في المنابر ، وبعدا عن الكبائر ، لا خداع ولا دهان ولا مراوغة, ثم إذا انتهى الصراع انتهت الخصومة.
جاء في كتب السير أن رجلاً في أيام صفين قام على معاوية قائلا له: اصطنعني فقد قصدتك من أجبن الناس, وأبخلهم, وألكنهم. فقال معاوية: من الذي تعنيه؟ فقال الرجل: علي بن أبي طالب.
فقال معاوية: كذبت يا فاجر, أمَّا الجبن فلم يك قط فيه, وأمَّا البخل فلو كان له بيتان بيت من تبر وبيت من تبن لأنفق تبره قبل تبنه, وأما اللكن فما رأيت أحداً يخطب أحسن من علي إذا خطب, قم قبَّحك الله.
ومحا معاوية اسم الرجل من ديوانه. فانظر إلى شرف الخصومة ، وجمال النُبل ، وعظمة الإنصاف .
وهذا من العظماء الشرفاء ، كعب بن مالك الأنصاري في شدته وصله كتاب من ملك غسان : أما بعد فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك، قال : فقلت حين قرأتها، وهذه أيضاً من البلاء فتيممت بها التنور فسجرتها، فلا عجب أن نتعبد بتوبته في القرآن إلي يوم الدين ، ثم من هم الذين فكوا الحصار المضروب علي المسلمين في شعب بني هاشم ومن استقبل النبي في مكة بعد رحلة الطائف ؟!! رغم شركهم إلا أنهم وقفوا بجوار الحق وكانوا مع المظلوم علي الظالم ..!!
وإذا لم نتخلق بأخلاق الأكابر والعظماء فلا أقل من أن نتخلق بأخلاق الملاكمين والمصارعين، حيث تبدأ الجولات بين الخصمين باللكمات والضربات، وتنتهي بالمصافحة والقبلات!!
ولذلك قالوا : كمال الدين طلب العلم والعمل به ، ألا وإن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال ، فالمال مقسوم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم وضمنه ، والعلم مخزون عند أهله قد أمرتم بطلبه من أهله فاطلبوه
الخصوم الشرفاء ينتقدون من أجل البناء ، ويعارضون لتصحيح الأخطاء ، ويهدفون لاستقرار الأرجاء ، أما الخصوم العملاء الغارقين في الصلف والكبرياء تجدهم وجوه كالحة وأعمال طالحة ، وضمائر مالحة ..!! ساقطين سياسيا منبوذين اجتماعيا معتوهين نفسيا .!! الكذب خلقهم والخيانة طريقهم والعمالة ديدنهم ..! لا يشجعون الاستثمار ولا يرغبون الحوار ، يظهرون مع كل فتنة ظلماء ، ويفرحون لكل فكرة غبراء ، ويتوعدون مع كل موجة سوداء ، يتعاونون ضد الوطن مع الأعداء ،
ويتحالفون ضد الحق مع الشيطان ، ويحاربون الاخيار مع الأشرار ..!! منهم من يستقوي علي وطنه بالخارج ، ومنهم من يتذكر النفاق الفج فيجدد عمالته ، ومنهم من يكذب و يتحري الكذب حتى يكتب عند الله كذابا ثم يعود للصدق فلا يستطع .إلا ما رحم ربي وعصم .!!
لم يعد حقدهم ينطلي علي أحد ، ولم يعد مكرههم يخفي عن أحد ، ولم يبقي رصيدهم عند أحد ...!! فقط لازدواج المعايير ، وتغيير المواقف ، وقلب الحقائق ، وذبح المبادئ ، وهو ما كان عليه الانقلابيون وذيولهم ، يوزعون التهم الباطلة يمنة ويسرة ، ويستمرئون القتل صباحا ومساء ، ويشتهون حبس الابرياء صغيرا وكبيرا ، أما الشرفاء يعلمون أن رحمة الله ترتجي بعد مراحل عدة ..إيمان وهجرة وجهاد كيف ؟ " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ "( البقرة:218)
الخصوم العملاء يظهر غير ما يبطن ويكثر القسم وهو كاذب يسوقه عناده ويشده فساده ولو نصحته تاخذه العزة بالاثم كيف ؟ "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام ، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ، وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد " (سورة البقرة ) فاهلا بالخصوم الشرفاء وبعدا للأصدقاء العملاء ..!!
المصدر
- مقال:الخصومة بين الشرف والصلف موقع:نافذة مصر