الداعية زينب الغزالي ... الجزء السابع

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الداعيه زينب الغزالي ..الجزء السابع والاخير


صورة من قريب

عايشت الحاجة زينب الغزالي ما يزيد عن العشرين عاماً, وأشهد أنها كانت كلها لله, أحبته من أعماقها, وأحبت دينه ورسوله صلى الله عليه وسلم, ما كان يشغلها عن هذا الحب شيء مما يشغل الناس, وما عملت لدنيا قط, وما ارتاحت ـ حتى وهى في السبعينيات وأوائل الثمانينيات من عمرها ـ وهى تعلم أن دينها وأمتها في حاجة إلى جهدها وعطائها, وما استثقلت الأعباء الجسام, ولا أعطت الدنية في دينها , بل خرجت من السجن, بعد ست سنوات ذاقت فيها مرارة التعذيب والقهر, وهى أكثر قوة وحماسة, كانت شامخة شموخ الأبطال في كل مواقفها.

عندما تنفق, تعطى عطاء من لا يخشى الفقر, المال عندها زائل, يقضى الله به الحاجات, فإذا أدى مهمته, فلا وزن له بعد ذلك, ولا يأخذ حيزاً من تفكيرها أو اهتمامها.. كانت تجد متعتها في الإنفاق والبذل والعطاء, وكأني بها تتمثل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السبعة الذين يظلهم الله بظله, يوم لا ظل إلا ظله، وأحدهم ".. رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه".

لم تكن تأخذ أي مقابل لجهدها في العمل الدعوى, فإذا كتبت مقالاً في صحيفة أو مجلة, وحُددت لها مكافأة على نشر المقال, كانت ترفض تسلمها, حتى أقنعتها بأن هذا حقها , ويمكنها أن تنفقه فيما ترى من أوجه الخير, فقبلت على مضض, ولم يكن يبيت عندها هذا المال أبداً, بل تنفقه كله في سبيل الله , وكانت تتساءل مستنكرة : كيف آخذ مقابل ما وفقني الله فيه لخدمة دينه ودعوته؟! .

وبالرغم من أنها اشتهرت بقوة الشخصية وصلابة الموقف والصمود في وجه الظلم , إلا أنها مع ذلك , كانت شديدة الرفق, غزيرة الحنان, رقيقة المشاعر, تسيل دموعها أنهاراً, مع أي موقف إنساني مؤثر, تبكى بجوار صاحبة المشكلة وتربت على كتفيها, وتحنو على اليتيم والمسكين وذي الحاجة.. كان هناك شاب من الإسكندرية يمر بظروف نفسية معينة, يأتي إليها حاملاً في يده "تورتة" مؤكداً أنها "أمه" وأن "حسن البنا" أبوه !.. وقبل أن تعرف ظروفه, قالت له إنها لم تتزوج من الشيخ حسن البنا, كما أنها لم تنجب أولاداً أو بناتاً, وسرعان ما اكتشفت أن الشاب طالب الطب, من إحدى العائلات الكبيرة في الإسكندرية, وأنه يمر بظروف نفسية, فبدأت تحسن إليه وتكرم ضيافته, وتستقبله كل عام داعية الله أن يتم شفاءه, وكانت تطمئن عليه حتى يعود إلى مدينته.

كانت زينب الغزالي شديدة التواضع, إذا دعت إلى طعام, قامت بنفسها على خدمة الضيوف, ولا تترك أحداً غيرها يقوم بهذه المهمة, وتسعد كثيراً بضيوفها وكانوا كثرة من كل أنحاء الدنيا.. من العرب وغير العرب.. من المسلمين وغير المسلمين, وكانت تجيد فن التعامل الإنساني مع الإعلاميين الغربيين, وتكرمهم أكثر, لأنها كانت تعلم أنها سفيرة للإسلام, تحب أن تظهره في أبهى صورة.

وقبل أن تجلس إلى مائدة الطعام, كانت تسأل عن خدم البيت: السائق والشغالة والسفرجي والجنايني.. هل تناولوا الطعام أم لا؟ فإن تأخر قامت بنفسها لتقدمه لهم!

كانت مولعة بحب القراءة, تقضى معظم نهارها وجزءاً من ليلها في المطالعة في مختلف فروع العلم الشرعي.. كانت تقرأ في التفسير والحديث والسيرة والفقه, مثلما كانت تقرأ في قضايا العمل الإسلامي المعاصر ومشكلات المسلمين, كما تقرأ في الأدب والسياسة والعلوم الإنسانية, وكانت تحرص على وجود الورق والقلم بجوارها دائماً, فالدافع للكتابة يمكن أن يأتي في أي لحظة, وعندما زارت إسلام آباد, زارت مسجد الملك فيصل رحمه الله, ورأت الكثير من فخامته وروعته ومظاهر الأبهة فيه, لكن خاطرة ألحت عليها فقالت: يوم كانت مساجدنا من جريد "النخل" حكمنا العالم!.. أي يوم كنا نهتم بالجوهر قبل المظهر, حكمنا العالم..

كانت صاحبة مظهر جذاب, ثيابها بيضاء ناصعة, وهندامها متناسق, وذوقها رفيع , وغرفتها طاهرة معطرة, جعلت منها مسجداً صغيراً, يخلع المرء حذاءه قبل أن يدخل لأمر ضروري, فيجد الغرفة وقد رتبت ترتيباً بديعاً, ولا تستقبل فيها إلا صديقات معدودات تفيض من كرمها عليهن بالدخول إلى غرفتها الخاصة.. رحمها الله رحمة واسعة


دمعة على.. أم الصابرين زينب الغزالي

كلمات / د. جابر قميحة


السيدة المجاهدة زينب الغزالي الجبيلي (1917م ـ 2005م) عاشت للإسلام بالدعوة وكلمة الحق في صف الإخوان المسلمين، سجنت في عهد عبد الناصر سبع سنين، وعذبت تعذيبًا فوق طاقة البشر، ولها تفسير قرآني، وترجمة لحياتها، وكتب دعوية أخرى.

وقد لقيت ربها مساء الأربعاء 3/8/2005م، وهذه القصيدة ألقاها الشاعر في سرادق عزائها بالقاهرة مساء الجمعة (5/8/2005م) أمام جمع حاشد من الإخوان والمعزين من الشعب المصري والمسلمين والعرب.

بكيْتُ، وقلبي في الأسى يتقلبُ
فجاء رفيقي مُفزعًا، وهو يَعتبُ

وقال: أتبكي والقضاءُ محتم وليس لنا من قبضةِ الموتِ مَهرب؟

فقلتُ: تعالى اللهُ، فالحزنُ ساعرٌ

قويٌّ، عتيّ، والفقيدةُ زينبُ

ولو كان فضلُ الراحلين مراثيًا

لجادَ بمرْثاها الحطيمُ، ويثربُ

فلا كلُّ مفقودٍ يُراع لفقْدهِ

ولا كلُّ حيٍّ فائقٌ، ومحبَّبُ

ولا كلُّ من يحيا الحياةَ بحاضرٍ

ولا كل من في القبرِ ماضٍ مغيَّبُ

فإن خلودَ المرْءِ بالعمل الذي

يقودُ مسارَ الخير لا يتهيّب

أناديك ـ أمَّ الصابرين ـ بمهجتي

وكلِّي دعاءٌ ِمْن سناكِ مُطيَّب

سلامٌ وريحانٌ وروْحٌ ورحمةٌ

عليكِ، وممدودٌ من الظلّ طيب

فقد عشْتِ بالحق القويم منارةً

تشدُّ إليها كلَّ قلبٍ وتجذب

وكنتِ ـ بحقٍّ ـ منبعَ الحبِّ والتُّقى

ومدرسةً فيها العطاء المذهَّبَ

ودارُكِ كانتْ مثل دار "ابن أرقم"

تخرّجَ فيها من بناتِكِ أشْهُبُ

فَرُحْنَ ـ أيا أماهُ ـ في كلِّ موطنٍ

يربِّين أجيالا على الحقِّ أُدِّبوا

شبابًا حييًّا في شجاعة خالدٍ

له الحقُّ نهجٌ، والشريعةُ مذْهبُ

يفرُّون عند المغريات تعففا

وحين ينادي الرْوعُ هبّوا وأجْلبوا

ومن كان للحقِّ القويم نهوضُهُ

فليس لغير الله يرضى ويغْضب

ولا ضيرَ ألا تُنجبي، تلك حكمةٌ

طواها عن الأفهام سرٌّ مُحَّجبُ

فقد عشْتِ أمًا للجميع، وأمَّةً

يباهي بك التاريخَ شرقٌ ومغربُ

وكنتِ لسان الحقِّ في أمةٍ غَفَتْ

كأنهمو عن عالم الناس غُيَّب

وقلتِ: كتابُ الله فيه شفاؤكمْ

وبالسنة السمحاء نعلو ونغْلب

وقلتِ: هو الإسلامُ دينٌ ودولةٌ

وقوميةٌ نعلو بها حين نُنْسب

وأن النساء المسلماتِ شقائقٌ

لجنسِ الرجالِ المسلمين وأقْرب

لهنّ حقوقٌ قررتها شريعةٌ

من الله حقٌ ناصعٌ ومُطيَّب

وقد كنَّ قبل الدين كمًّا مهمَّشًا

كسقْط متاع يُستباحُ ويُسلب

بذلك ـ يا أماه ـ كنتِ منارةً

فأهْوَى صريعا جاهلٌ متعصبُ

وأحييْتِ بالعزم الأبِّي ضمائرا

تعاورها بومٌ ضريرٌ وأذْوُب

فأغضبتِ فرعونَ اللعينَ وقد بغَى

لتستسلمي للظلِم أيّانَ يرغب

فقلتِ: لغير الله لم أُحنِ جبهتي

وللحقِّ صولاتٌ أعزّ وأغْلَب

ولاقيتِ ـ يا أماه ـ أبشعَ محنةٍ

يخرَّ لهوْليْـهْا شبابٌ وشُيَّبُ

صَبرتِ ـ وضجَّ الصبُر من صبرك الذي

أذل كبارا في الفجور تقلبوا

وجددتِ ذكرى أمِّ عمارٍ التي

تحدَّتْ أبا جهلٍ ومن كان يصحب

فكانت ـ بفضل الله ـ خيرَ شهيدة

وليس كتحصيل الشهادة مكسب

وقلتِ: ـ يا أماه ـ حسْبِيَ أننيِ

على درب طه أستقيم وأَضْرِب

فكان ظلامُ السجنِ نورًا مؤلَّـقا

من الملأ الأعلى يطوف ويُسكب

أنيسُك فيه النورُ والفجر والضحى

كما يُؤنس الإنسانَ في التيه كوكبُ

وكانت سياط الظالمين شهادةً

بأن دعاةَ الحق أقوى وأصلب

فكانوا ـ بفضلِ الله ـ أُسْدا رهيبة

وهل يغلب الأسْدَ الرهيبةَ أرنبُ؟

وخر من الإعياء جلادك الذي

تعهد أن يُرْديك وهو يُعذِّب

فقلت: تعالى الله، يهوى معذِّب

ويبقى رفيع الرأس حرًا معذَّب

سجينةَ حقٍّ لم ينلْ من إبائها

عتاةٌ على قتل العباد تدربوا

وغايتهم في العيش مُتعة ماجنٍ

وعدتهم في الحكم نابٌ ومخلب

وكلّهمو في الشر والعارِ ضالعٌ

وللحقَّ نّهاب عُتلٌ مخرِّب

كأن عذاب الأبرياء لديْهمو

ألذَّ من الشهد المذاب وأعذب

أيُلقى بقاع السجن من عاش مؤمنا

ويطلق لصٌّ آثم القلب مذنب؟

يُجنُّ أميرُ السجن: أنثى ضعيفةٌ

تُذِلّ رجالي بالثبات وترعب؟

أعيدوا عليها موجةً من سياطكم

وركْلا وصعقا علَّمها تتذبذبُ

ولم تجْدِ فيها: لا الكلابُ ينشْنَها

ولا القيدُ والسجان بالسوط يُلهبُ

فيصْرخ: أنثى لا تبالي ببأسنا

فلا السوط جبارٌ ولا الكلبُ مرعب

فهان عليها سْوطنا وكلابنا

أذلك سحرٌ؟ بل من السحر أغربُ

إذن لن أُرقَّى، سوف يغضب سيدي

ويا ويلتاهُ إذ يثورُ ويغضبُ

"ويلعنُ خاشي" إذ أفاق على يدي

وقد كان في أُنْسٍ يهيصُ ويشربُ

ولم يدرِ أن الله أقدرُ منهمو

وأن سياطَ الله أقوى وأغلبُ

وأن فصيل المؤمنين يفوقهم

ثباتًا وعدًا، لا يخاف ويرهبُ

فإن غالطوا قلنا: الجنائزُ بيننا

سَلُوها؛ فحكم الموت ما كان يكذبُ

مئاتُ ألوف في الجنازة حُضَّرٌ

ولم تْدّعهم أمّ ولم يدعهم أبُ

ولكنه الإسلامُ ألّف بينهم

وجَمّعهم حبٌّ مكين مقرِّبُ

فإن كنتِ قد غادرتِ دنيا بزيفها

إلى عالمِ الخلْد الذي هو أرحَبُ

ستلقيْن أمَّ المؤمنين خديجةً

وفاطمةَ الزهراءَ فرحى ترحِّبُ

وحفصةَ والخنساءَ والصفوةَ التي

ظللن شموسًا للهدى ليس تغربُ

عليك سلام الله في الخلْد زينبُ

وإن نعيم الله أبقى وأطيب

مضيتِ بذكرٍ ليس يُكتب أحرفًا

ولكنه بالنور والعطر يكتبُ