السعيد الخميسى يكتب: الدولة من الإنبهار إلى الإنهيار

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
السعيد الخميسى يكتب: الدولة من الإنبهار إلى الإنهيار

بتاريخ : الثلاثاء 11 فبراير 2014

  • إن فقهاء السياسة يعرفون الدولة العصرية بأنها كل المؤسسات السياسية والقانونية المنبتقة عن إرادة شعب يعيش على قطعة جغرافية معينة ذات حدود معترف بها ولها حكومة منتخبة مستقلة ذات سيادة كاملة.

ولكى يتحقق مفهوم الدولة لابد من توفر الشروط أوالخصائص التالية : الدولة تساوى شعب + أرض + حكومة لها سيادة .

وأى خلل فى هذه المقومات يعنى خللا فى مقومات وجود الدولة .

فعندنا فى مصر مثلا شعب وأرض ولكن ليس عندنا حكومة منتخبة ذات سيادة داخلية ولاخارجية.

وهذا يعنى أننا نفتقد إلى 50% من مقومات الدولة القوية حسب المواصفات الحديثة .

ونحن اليوم لانملك مؤسسات قانونية ولاسياسية منبثقة عن إرادة الشعب لأن إرادة الشعب تم الغائها وتجاوزها منذ 30 يونيو الماضى .

  • إن من أهم وظائف الدولة المحترمة أو حتى شبه المحترمة هو نشر الأمن والأمان فى ربوع الوطن , والحفاظ على حرمة المواطن دمه وماله وعرضه. فلايستباح دمه إلا من باب النفس بالنفس .

ولاينتهك عرضه ولايصادر ماله إلا بقواعد قانونية ثابتة راسخة حتى لايصبح مال المواطن كلأ مستباحا ترعى فيه غنم القوم..! .

يقول ابن تيميه رحمه " إن الله يبقي الدولة الكافرة إذا كانت عادلة ويزيل الدولة المسلمة إذا كانت ظالمة." فالعدل أساس الملك , والظلم أساس الهلاك والدمار والخراب والسقوط المدوى العاجل .

فأين العدل اليوم..؟ والأعراض انتهكت , والأموال صودرت , والبيوت اقتحمت , والنساء رملت , والبنات العفيفات اغتصبت, والأطفال يتمت , والجثث إحرقت , والسجون ملئت , ومؤسسات الدولة ملئت حرسا شديدا وشهبا فأصبح وراء كل مواطن " مخبر" يحصى عليه سكناته وحركاته .

إن حرية المواطن وأمنه وأمانه اليوم فى خطر عظيم فى هذا المناخ الفوضوى الذى لايوحى بأى استقرار او أمان فى المستقبل القريب .

  • يقول "كاتي كليمون" Caty Clement في دراسته فى تحديد أسباب انهيار الدول فيقول أن ذلك يمر بعدة مراحل .

أما المرحلة الأولى فتتمثل فى انتقال الدولة من حالة الدولة القوية إلي الدولة غير القوية.

والمقصود بالدولة القوية الدولة القادرة علي القيام بوظائفها، مثل إدارة النزاعات الداخلية، وتحقيق الأمن، والتي تحتفظ بالسيطرة الكاملة علي جزء كبير من أراضيها .

والدولة المصرية اليوم غير قادرة على إدارة أى نزاع أو حوار إلا بلغة الرصاص فتلك هى اللغة الرسمية المعترف بها اليوم رسميا .

ولايوجد غير الحلول الأمنية لردع كل من تسول له نفسه التعبير عن رأيه بسلمية وموضوعية لأنهم يحسبون كل صيحة عليهم وهذا هو موقف الضعيف الذى لايقف على أرض ثابتة وقوية وصلبة . .

إن الاعتماد على الأمن لتحقيق الاستقرار وتكميم الأصوات المعارضة لايمكن إلا أن يبوء بالفشل الذريع لأن الحلول الأمنية وحدها أثبتت فشلها فى حل مشاكل الشعب طيلة حكم المخلوع مبارك .

* ثم تتمثل المرحلة الثانية حسب رؤية " كاتى كليمون " في انتقال الدولة إلي حالة الأزمة الاقتصادية، و هو المتغير المركزي في هذه المرحلة، حيث ترتبط هذه المرحلة عادة بحدوث أزمة اقتصادية، والتي تكون بمثابة إشارة "تحذير" تفيد باقتراب وقوع أزمة سياسية ما. 

وهذا حادث فى مصر اليوم حيث تمر بأزمة اقتصادية طاحنة حتى أن الدولة باتت تعيش على المعونات الخارجية وتتسول لقمة عيشها على رصيف الحضارة الإنسانية وبات الوطن يتيما بلا حكومة ذات سيادة أو رئيس أو برلمان .

نعيش كالسائل والمحروم يوم بيوم...!؟

لدرجة أن بعض الإعلاميين الفاشلين راحوا يصفقون ويهللون لشحنة ملابس قديمة مستعملة جاءت من إحدى الدول الخليجية , هكذا هانت عليهم سمعة الوطن حتى أصبحت كرامتنا فى أسفل السافلين عند أراذل الناس .

  • أما المرحلة الثالثة فتتمثل فى عدة عوامل مجتمعة لكى تنهار الدولة نهائيا مثل ماحدث فى الصومال وافغانستان ولبنان ويوغو سلافيا شملت عدم فاعلية الحكومة المركزية، وتآكل شرعيتها، وتراجع سيطرتها الأمنية علي إقليمها، وانتشار حالة من عدم احترام القانون ومن غياب النظام .

وأعتقد أن الأمر فى مصر وصل لمرحلة خطيرة من غياب النظام وتغلب لغة القوة على لغة العقل .

وإن مصر اليوم لايحكمها قانون ولايوجد بها نظام غير نظام فرض سياسة الأمر الواقع بالقوة الأمنية .

هذا هو شعار المرحلة الراهنة . لاأقول ليس لديهم رؤية مستقبلية ولكن أقول هم لايرون تحت أقدامهم ولو نظر أحدهم تحت قدميه لرأى الفشل والخيبة والندامة .

ولكنهم عمى لايبصرون الحقيقة , صم لايسمعون النصيحة , بكم لاينطقون إلا بالباطل الذى يملى عليهم حين يمسون وحين يصبحون .

  • أما ابن خلدون فله نظرية فى سبب انهيار الدول خلاصتها أن العدل مهم فى بقاء الدول وأن الظلم له أثر عظيم فى سقوطها ويرى أن الدول عادة ما تمر بمراحل حياة تشبه مراحل عمر الإنسان من النشأة والقوة ثم التدهور والضرر ومن ثم السقوط والاضمحلال وأنها تمر بأجيال ثلاثة .

وإن الاستبداد سيئا ً قويا ً في ضياع الملك وسقوط الدول .

كما يرى ابن خلدون بأن طول البقاء في السلطة أحد أسباب انهيار الدولة في حين تكون ضرورية في البدء لاستتباب الأمن وتحقيق الاستقرار ولكنها إن طالت قد يؤدي ذلك إلى سقوط الدول وانهيارها .

والعدل اليوم فى مصر هو طيف زائل وحلم نائم . , فمحراب العدالة تم هدمه ودهسه تحت عجلات الظلم ومجنزرات البغى ومدرعات الظلم والعدوان .

والمتهم لم يعد مطمئنا فى سير قطار قضيته على قضبان العدالة , فأين العدل ياقوم فى وطنى..؟

  • لقد أبهر الشعب المصرى العالم كله عندما قام بثورته المجيدة العظيمة فى 25 يناير 2011 وقد كانت ثورة سلمية شعبية هدمت سدود البغى وأسقطت صرح العدوان ودمرت أسوار الطغيان التى أحاطت بهذا الشعب طيلة 30 سنة كاملة حتى تجرع الشعب خلالها مرارة الذل ليل نهار .

وظن كثير من الناس أن قطار الحرية سينطلق بسرعة الصاروخ لتستعيد الأمة دورها الذى يليق بها بين الأمم .

ولكن للأسف وعلى غير المتوقع تعثر قطار الحرية وبدأ يسير بسرعة السلحفاة...! .

فلاحرية حصلنا عليها ولاعيش ولاكرامة إنسانية .

وعاد الوطن إلى سيرته الأولى حيث الرأى الواحد والحزب الواحد والوجهة الواحدة والإعلام الموجه ومن يخرج عن هذا السياق فهو بين أمرين : إما الصمت أو السجن وإما الهروب خارج الوطن .

  • نحن اليوم نعيش فى ذكرى ظل ثورة عظيمة أبهرت العالم ولكنها لم تحقق أهدافها .

بل يوجد انهيار حقيقى فى منظومة الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان .

لن تستطيع القوة الجبرية والديكتاتورية بناء وطن حر ديمقراطى مستقل .

وإنما الذى يبنى الأوطان هى الحرية والديمقراطية والاعتراف بالرأى الآخر واحترام إرادة الشعب وعدم مصادرته وحرمة دماء الإنسان فضلا عن حرمة عرضه وماله وبيته .

قطار الزمان يسير بسرعة فائقة على رصيف الأمم والشعوب ولايتوقف كثيرا عند محطات الأمم الراكده المتخلفة .

فإما نلحق بركب الحضارة والتقدم , وإما نرقد فى كهف التخلف المظلم حيث تعشعش فى أركانه عنكبوت الجهل نذرف الدمع مدرارا على قدرنا الذى اخترناه , ومصيرنا الذى حددناه , ومستقبلنا الذى ضيعناه , وحاضرنا الذى لوثناه , وماضينا الذى شوهناه .

الإنبهار طريق اخترناه عندما قام الشعب بثورته ضد شتى أنواع الظلم والطغيان .

و الإنهيار لاقدر الله طريق بأنفسنا وأيدينا حددناه عندما قررنا الانحراف عن أهداف ثورتنا العظيمة .

ضيعنا الممكن بحثا وراء المستحيل..! . وذلك بما قدمت أيدينا وماربك بظلام للعبيد . الله أسأل السلامة لمصر وشعبها فى الحاضر والمستقبل إنه على مايشاء قدير .

المصدر