السيارة الجديدة« هي الحل»
لا هي مصادفة ولا هي مؤامرة، تلك الحوادث التي تتلاحق في مصر في الآونة الأخيرة، وأحدثها الحريق الذي شب في المسرح القومي أمس الأول، وهو حدث ينضم الى قائمة طويلة من النوازل التي فاجأت الناس وحيرتهم، من انهيار صخور جبل المقطم الى حريق مجلس الشورى واختطاف السياح في جنوب مصر والصدام بين الأهالي ورهبان دير أبو فانا، وبين العرب والشرطة في سيناء وصولاً الى كارثة تسريب أسئلة امتحانات الثانوية العامة واكتشاف رشوة القضاة، ومروراً بفضائح رجال الأعمال المحسوبين على الحزب الحاكم.
لم أتحدث عن حوادث القطارات والطرق وانهيار خدمات التعليم والصحة والمرافق وأزمة الخبز وصولاً الى حريق قصر الثقافة في بني سويف ومعضلة السحابة السوداء، كما لم أتحدث عن غول الغلاء الذي أطلق خلال الأشهر الأخيرة فأذل العباد واشاع الهم والغم في انحاء البلاد.
هذه كلها أمور حياتية شكلت ضغوطاً متفاوتة على المواطن العادي.
صحيح أنه قد يتعذر جمع كل النوازل التي حلت بنا في سلة واحدة كما أن بعض تلك النوازل له مصادره الخارجة عن سيطرة الحكومة (انهيار البورصة مثلاً) لكننا في الوقت ذاته لا نستطيع ان نعتبر ذلك التتابع المثير للأزمات والعثرات خلال السنوات الأخيرة مجرد مصادفة، حيث لا أفهم مثلا لماذا تقع كل تلك المصادفات عندنا ولا تختص بها المقادير أحدا غيرنا من دون كل دول المنطقة، في الوقت ذاته فإنني لا أكاد أجد دليلاً على وجود مؤامرة في الموضوع علماً بأنني مقتنع بأن ما يمارس لدينا من تقاعس أو إهمال وما يشيع بيننا من فساد، هذه العوامل كلها تغني أي «متآمر» عن بذل أي جهد للإضرار بنا باعتبار ان ما نفعله بأنفسنا يحقق له مراده وزيادة.
لا أستطيع أن أقول إن ذلك من آيات غضب الله علينا لأن هناك آخرين يستحقون غضبا أكبر ومع ذلك فإن الأقدار أمهلتهم لحكمة لا يعملها الا الله واعتذرت بقلة معرفتي عن الإجابة على من سألني ان كانت تلك من بين مقدمات يوم القيامة أم لا وفضلت أن ابحث عن اسباب عقلية لا غيبية لتفسير ما جرى ويجري ورغم إيماني بالغيب إلا أنني لا أحبذ التدخل في المشيئة الإلهية وأفضل التسليم بها والرضا بقضاء الله وقدره.
في حدود خبرتي المتواضعة حاولت أن أجد تفسيراً لتلاحق النوازل والصدمات في بر مصر، وأنا اقلب الأمر تذكرت قصتي مع سيارة كانت عندي يوما ما، استخدمتها لعشر سنوات حتى تقطعت انفاسها ولاحظت أنها بدأت في التعثر في العام الحادي عشر، بحيث لم يعد يمر اسبوع أو شهر إلا واضطر الى سحبها الى الميكانيكي أو الكهربائي، وبسبب كثرة التردد على هذه المحلات فإن صداقة قامت بيني وبين الميكانيكي الذي اشفق علي فيما يبدو فأخبرني في إحدى الزيارات بأن السيارة تجاوزت عمرها الافتراضي وأن اصلاحها لن يوقف اعطالها أو نزيف الانفاق عليها وان الشيخوخة لا تصيب البشر وحدهم ولكنها تصيب الآلات ايضاً، وقد نصحني بأن استجمع شجاعتي وقبلها مواردي واشتري سيارة جديدة.
هذه القصة وجدتها تصلح تفسيراً للواقع الذي نعاني منه، ذلك أن تلك الحوادث المتلاحقة لا تختلف كثيراً عن الاعطال المستمرة في سيارتي سالفة الذكر، إلا أنني وجدت من يبصرني بأن السيارة تجاوزت عمرها الافتراضي وينصحني بشراء سيارة أخرى، في حين اننا لم نملك شجاعة الاعتراف بأن نظامنا تجاوز بدوره عمره الافتراضي وأن علاجاته لن تمكنه من استعادة عافيته فضلا عن شبابه،أما إذا سألتني ما الحل فإجابتي هـي:
لماذا لا نستجمع شجاعتنا ونقرر شراء سيارة جديدة؟