اللعبة التقليدية بين الإخوان المسلمين والحكومة المصرية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
اللعبة التقليدية بين الإخوان المسلمين والحكومة المصرية



إبتسامة-مع.jpg

عادة ما تكون الضربات الحكومية للإخوان من النوع المحدود، بمعنى اعتقال مجموعة منهم، حتى لو اشتملت تلك المجموعة على عدد من القيادات المرموقة للإخوان، فإن تأثيرها لا يكون كبيرًا، وتستطيع الجماعة عادة أن تحتمل وتمتص الصدمة، بل وكثيرًا ما تكون تلك الضربات نوعاً من جمع الحكومة لأوراق معينة ضد الإخوان للاستفادة منها في الضغط السياسي عليهم والدخول معهم في صفقة للإفراج عن المعتقلين، مقابل تخفيف الإخوان ضغطهم على الحكومة في موضوع ما.

ومن المعروف أن الإخوان المسلمين في مصر لديهم كوادر بمئات الألوف وقيادات لا تنضب بسهولة، ومن ثم فإن تصفية الإخوان نهائياً أصبحت فكرة غير مجدية، وغير ممكنة عملياً، بل أكثر من هذا فإن الضربات التي تلقتها حركة الإخوان كانت تزيدها قوة، على أساس حقيقة أن "السم الذي لا يميتني يزيدني قوة". وكذلك فإن تلك الضربات كانت تزيد من شعبية الإخوان، بل وتعفيهم من مطالبة الجماهير بالتصدي الجدي للفساد الحكومي أو تصعيد الأمر باتجاه هز النظام السياسي بقوة والحصول على مكاسب حقيقية لصالح الناس، وهو المطلب الأساسي للمعارضة الراديكالية في مصر خارج الأحزاب الرسمية والقوى المدجنة والمستأنسة.

وبديهي أن تلك المعارضة تتحول إلى نوع من المعارضة الرمزية بدون المشاركة الإخوانية، فالإخوان المسلمون هم القوة السياسية الوحيدة في مصر تقريباً بعد الضعف الشديد الذي أصاب الأحزاب اليمينية واليسارية على حد سواء، ونتائج الانتخابات الأخيرة خير شاهد على ذلك.

لكن الضربة الأخيرة التي تلقتها حركة الإخوان تختلف نوعاً ما عن الضربات السابقة، فصحيح أن السلطات المصرية قد أحالت (40) من قيادات الإخوان إلى المحكمة العسكرية لمحاكمتهم في القضية المتعلقة بتمويل المليشيات الطلابية بجامعة الأزهر وتمويل النشاط السري للجماعة على حد قول قرار الاتهام، وهذا أمر ليس جديداً في هذا الصدد؛ فقد تمت إحالة أعداد من الإخوان سابقاً في غضون السنوات الأخيرة إلى المحكمة العسكرية تقترب وأحياناً تزيد عن هذا العدد، وكذلك فإن ورود اسم نائب المرشد العام "خيرت الشاطر" على رأس قائمة المتهمين ليس أمراً جديداً؛ فقد حدث مثله في القرارات السابقة، إلاّ أن البعض يرى أن هذه الضربة الأخيرة تختلف عن سابقاتها لعدة أسباب منها:

- أن خيرت الشاطر تحديداً يُنظر إليه على أنه أقوى رجال الإخوان والممسك بالكثير من الأمور التنظيمية والاقتصادية.

- أن قرار الاتهام شمل عدداً من كبار أغنياء الإخوان في الداخل والخارج، وهذا يعني مباشرة أن المطلوب هو حرمان الجماعة من جناح التمويل.

وقد صدرت قرارات قضائية بتجميد أرصدة بعض هؤلاء، وكذا منعهم من التصرف في أموالهم هم وذويهم "الزوجات والأبناء"، وقد شمل هذا القرار عبد الرحمن سعودي وهو مليونير معروف.

ويرى المراقبون أن الدخول إلى هذه المساحة هو أمر جديد بالنسبة للسلوك الحكومي. ومن الملاحظ أن القرار شمل شخصيات مالية غير موجودة في مصر، وبديهي أن محاكمتهم ستتم غيابياً، ولكن هذا يعني أنهم لن يتحركوا بعد الآن بحرية في الخارج، وخاصة في إطار تمويل نشاطات إخوانية، وذلك بالتعاون مع القوى الدولية الأخرى التي لا يروق لها النشاط الإخواني. ولا شك أن هذا الأمر سوف يؤثر تأثيراً كبيراً على نشاطات الجماعة التي تحتاج إلى تمويل كبير، وكانت مسألة القدرة على تمويل نشاطات الجماعة إحدى أهم مميزات الجماعة، وكان ذلك يعطيها قوة كبيرة؛ فالانتخابات مثلاً تم تمويلها بحوالي(200) مليون جنيه، لا يمكن أن تتوفر لحزب آخر – غير حزب الحكومة طبعاً – وهو أمر جعل الإخوان – ولأسباب أخرى طبعاً – يحققون إنجازاً ضخماً في الانتخاب البرلمانية في العام 2006، وربما كان هذا الأمر مقدمة لحرمان الإخوان من تلك الميزة في انتخابات مجلس الشورى القادمة.

ويمكننا أن نفسر الضربة الأخيرة للإخوان على أنها نوع من إضعاف موقفهم في انتخابات مجلس الشورى القادمة، أو إضعاف موقفهم تجاه التعديلات الدستورية التي يجري التحضير لها الآن على قدم وساق، أو منعهم من التضامن مع الانتفاضات العمالية التي اندلعت في أكثر من مكان " المحلة- شبين الكوم"، أو مع الصدام المتوقع بين نادي القضاة والحكومة، أو غيرها من الأسباب، ولكن البعض يرى أن المسألة أكبر من ذلك فهي نوع من التصفية للنشاط الإخواني؛ انطلاقاً من أنه يعتمد على موضوع التمويل أساساً، ويرصد هؤلاء أن الحملة على الإخوان هذه المرة ليست حملة عادية؛ لأنه سبقتها حملة إعلامية ضخمة حول امتلاك الإخوان لميلشيات عسكرية، وهو أمر غير صحيح البتة؛ لأن ما حدث من استعراض رياضي في جامعة الأزهر لا يرقى إلى حد اعتباره عملاً من أعمال الميلشيات.

وقد أسقط الإخوان بالفعل منهج العنف من أجندتهم تماماً منذ عقود، وهذا أمر يراه كل مراقب، وفي الإطار نفسه تزمع الحكومة المصرية إدخال نصوص دستورية تمنع قيام أحزاب على أسس دينية، أو استخدام الدين في الدعاية، والمفارقة هنا أن الحزب الوطني قد استخدم الدعاية الدينية، وحصل الرئيس شخصياً على تأييد علماء دين أزهريين، ومشيخة الطرق الصوفية، والكنيسة المصرية، وهو نوع من إدخال الدين في السياسة، ومن ثم فإن الموضوع هو في النهاية موجه للإخوان فقط.

أياً كان الأمر، فإن الضربة مؤثرة، ولكنها ليست القاضية؛ لأن جماعة الإخوان أعمق وأكبر من أن يتم تصفيتها بالإجراءات المالية أو القانونية أو الدستورية، والمسألة متصلة في رأينا بفترة زمنية قليلة، ربما تمكن فيها الإخوان أن يعودوا لتصدر الساحة السياسية المصرية كأبرز متحدٍّ ومنافس للحزب الوطني الحاكم.