بين الحقائق والإشاعات.. هل تمضي المسيرة؟
بقلم: د. توفيق الواعي
يحار الإنسان اليوم فيما يسمع ويقرأ، أهو حقيقة أم إشاعة؟ وقد يُسائل الإنسان نفسَه بالتالي عن سبب هذه الحيرة: أهي معرفة الصواب لكتمانه، أم هو تكميم الأفواه وفقدان الحرية؟ أم هو الخوف من الانتقام ومن الأجواء البوليسية؟ أم هو فقدان العدالة؟ أم أن هناك علامات استفهام كبيرة لا يستطيع الناس ذكرها أو الإجابة عنها؟ كل ذلك ينمو ويترعرع في الأجواء القاتمة لأمتنا الآن، وتشغلها عن التوجه إلى الطريق الصحيح للإصلاح والنهوض بالأمة ولا أحب أن أكون مبهمًا للأمور أو مشوشًا لها، فوق ما بها من تشويش وإبهام، وإنما أريد أن ألقي الضوءَ على بعض من القضايا الكثيرة، الحُبلى بها أمتنا العزيزة:
أولها: قضية فلسطين ، وهل صحيح أن أمتنا فقدت قرارها وتوجهها ورجولتها وصارت تتلقى أوامرَها من أعدائها، وتعمل ضد مصالحها وتوجهات شعوبها؟ أهذه إشاعة أم حقيقة؟ وإن كانت إشاعةً، فلِمَ لم تسارع سلطاتنا في الصلح بين الفصائل والجماعات التي تقف أمام العدو مضحيةً بكل شيء؟ ولِمَ تنحاز السلطات إلى الفاسدين والمنبطحين ومعهم العدو؟ ولِمَ تقويهم بالتدريب وتمدهم بالسلاح خفيةً وجهرًا، وتحرضهم على إخوانهم وتحاصرهم وتحاربهم في أرزاقهم وهذه أشياء وأفعال أصبحت مستفيضةً، و(بَلْقَاءَ) معروفةً لا تنكرها السلطات ولا حتى العدو؟. أبعد هذا يلام القاذفون والمتهمون ومطلقو الإشاعات؟!
وثانيها: في العراق كيف أيدت الدول والسلطات غزو العراق ، وبعد التأييد، لِمَ لَمْ تطالب المستعمر بالعدالة وبالرحمة وبالرحيل؟ ولِمَ لم تسارع بمنع التصفيات والاحتراب بين الشيعة والسنة؟ ولِمَ تترك أمريكا تذكي هذه العداوات، أو تلفت العراقيين إلى المؤامرات المحاكة لهم، أو تفعل شيئًا للمصالحات والتوافقات والتجاوزات؟!
وبعد: أإذا قام من يسمون بالمتطرفين بفتاوى التكفير والخيانة وأكثروا من التجاوزات ضد سلطاتهم وأشاعوا واتهموا وشككوا في الأعمال وخاضوا في النوايا أيلامون كثيرًا كثيرًا، رغم هذا التقصير والتفريط الذي يجلب الرزايا ويزيد الخطوب ويدل على الفساد؟!
إذا ما الجرح رمَّ على فساد
تبين فيه تفريط الطبيب
رزيئة هالك جلبت رزايا
وطبٌ بات يكشف عن خطوب
وثالثة الأثافي: الافتراءات على البرآء وحياكة المؤامرات لهم ومحاكمتهم عسكريًّا رغم براءتهم مرات ومرات من قضاة الأمة، ومن العدالة التي تستند إلى قانونهم الوضعي، ورغم اعتراض المنظمات الحقيقية وحضور رؤسائها إلى القاهرة لمراقبة الجلسات، فحضر السيد رمزي كلارك وزير العدل الأمريكي السابق للعمل على مراقبة الجلسات في قضية الإخوان المحالة للقضاء العسكري، بوصفه مراقبًا من المنظمات الحقوقية الدولية، إلا أن سلطات الأمن عملت على منعه هو وآخرين من بينهم البريطانية "إيفون ريدلي" الصحفية المشهورة، والسير "إيفان لورانس" المستشار القانوني لملكة بريطانيا، والإنجليزي "علي أظهر" المحامي البريطاني المرموق ورئيس منظمة العدالة الدولية، وسميح خريس مندوب منظمة العدل الدولية، ووصف وزير العدل الأمريكي المحاكمات لقيادات الإخوان بالظالمة التي يقصد بها الحرب على الإسلام وتهديد السلام، فضلاً عن قتل العدالة في تلك البلاد.
ولم تستمع السلطات للعدالة أو لظروف تلك الأسر التي يتّمتها بسجن عائلها ظلمًا ونهب أموالهم جهارًا نهارًا، ولم ترع المثل السيئ الذي يضرب الآن لشرفاء الأمة بأن ذلك قد يصبح تهمةً يعاقب عليها القانون، ويحرم صاحبها من أولاده وأمواله، ويغيّب في قعر مظلمة، وينزل به العقاب، ويطارد بشيء ما جنته يداه، وبتهم ما أنزل الله بها من سلطان.
وبعد: أإذا وصفت هذه الدول بالدكتاتورية والهمجية، والعدائية للإصلاح أيلام واصفها؟ وإذا كره الناس أممهم وبلادهم وحكامهم، وقتلت فيهم الهمم وخربت فيهم الذمم فماذا نقول لهم؟، وبماذا نرد عليهم وقد انعدمت المُثل وضاعت الفضيلة؟!
ومن كبريات الأثافي: الاتهامات والإشاعات حول شيخ الأزهر، التي صارت تملأ الدنيا، وهل بقي بعد ذلك شيء يقال؟
إذا كان علم الناس ليس بنافع
ولا دافع فالخسر للعلماء
قضى الله فينا بالذي هو كائن
فتم وضاعت حكمة الحكماء
وقد بان أن النحس ليس بغافل
له عمل في أنجم الفهماء
اتهامات شيخ الأزهر الشيخ طنطاوي ليست بالعابرة ولا من الصغائر، وإنما وصلت إلى حد يندى له جبين كل مسلم.
أن يتهم الرجل وأن تتجرأ إحدى الصحف وهي صحيفة "الفجر" على مقام فضيلته، فغمزت فيه ولمزت وجاءت بصورته على صدر صفحتها الأولى، وكتبت تقول: فتاوى شيخ جلد الصحفيين في خدمة لوسي أرتين، (العدد 124 يوم الإثنين 29/10/ 2007 م).
ثم يتهمه آخر بأنه لعبة النظام، وبأشياء خطيرة يقول فيها: إن الرجل يتناول عقاقير تؤثر على تفكيره، فيقول جمال الشويخ: إن الرجل يعاني من أمراض مزمنة ومن تناول عقاقير تترك أثرها على تفكيره وحالته المزاجية، ويعيش تحت تأثير هذه العقاقير، فيطلق فتاوى يندم عليها، بعد أن تثير الجدل ويجد نفسه مضطرًا إلى التراجع عنها بشكل مثير للشفقة، ويعارضه العلماء فيها معارضةً علميةً فلا يستطيع الجواب.. يقول الإمام الشافعي:
فساد كبير عالم متهتك
وأكبر منه جاهل متنسك
هما فتنة في العالمين عظيمة
لمن بهما في دينه يتمسك
واتهامات وفتاوى جلد الصحفيين واعتراض جبهة العلماء على فتاواه التي تبلغ حتى الآن أكثر من مائة فتوى، وأكثر من مثلها أعمال لا تليق، مثل: ضرب الصحفيين بالحذاء، وسب الصحفيين والاستهزاء بالعلماء، واقتناء القصور الفارهة... إلخ.
هل هذا لا يثير الحيرة، ويطلق الأقوال المحرجة والإشاعات المهلكة، ويطمس الحقائق أم ماذا؟ وهل هذه الأجواء ومثيلاتها توجد مناخًا للإصلاح والاستقرار؟!
المصدر
- مقال:بين الحقائق والإشاعات.. هل تمضي المسيرة؟إخوان أون لاين