تعيش الأمة واقعًا تملك أسباب تغييره

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
تعيش الأمة واقعًا تملك أسباب تغييره
رسالة من المستشار/ محمد المأمون الهضيبيالمرشد العام للإخوان المسلمين

مقدمة

تعيش الأمة واقعًا تملك أسباب تغييره

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم.... وبعد؛

فإن العدوان الصهيوني الوحشي والإجرامي على (رفح) ومعسكر اللاجئين فيها، بقدر ما أثار موجةً من الحزن والأسى الشديدَين على مستوى الأمة إزاء ما لحق بالأشقَّاء الفلسطينيين وأطفالهم ونسائهم من قتل وتدمير لأسباب ومظاهر الحياة واعتقال وتنكيل وتعذيب للشباب...، فقد أثار موجةً من السخط والغضب الجارف على الصهاينة الذين احتلوا الأرض والديار، واستمرءوا العدوان والتوسع، وعلى الدعم

الأمريكي السافر السياسي والاقتصادي والعسكري للعدو الصهيوني ومده بكافة أسلحة الإبادة والدمار والقتل، كما أنه أثار موجةً واسعةً من الاستنكار على مستوى كافة الشعوب العربية والإسلامية، وهي تتساءل: متى يكفُّ المعتدون الصهاينة الآثمون عن إجرامهم في حق شعب منها وفي حقها جميعًا؟، ومتى يرتفع حكام الأمة وحكوماتها إلى مستوى المسئولية التاريخية، وإلى مستوى الموقف الخطير والأخطار المحدقة بها؟، وفي مقدمتها الهجمة الأمريكية الصهيونية التي باتت تستهدف الإنسان العربي المسلم وهويته وأرضه وثرواته.

والعدوان الصهيوني الغاشم على (رفح) ومعسكر اللاجئين فيها يأتي فى أعقاب عدوان صهيوني في عمق سورية وقرب عاصمتها، مع تصريحات للسفاح الصهيوني "شارون" يتوعد- في غطرسة- أنه لن يتردد في ضرب أي مكان أو موقع على ساحة عالمنا العربي والإسلامي يعاون أو يشجع شعب فلسطين، وكأنه في الوقت نفسه يبعث برسائل إلى الحكام العرب والمسلمين، وإلى قمة منظمة المؤتمر الإسلامي في ماليزيا، خاصةً وقد آزرته تصريحات أمريكية رسمية برَّرت وأيدت عدوانه، وأنحت باللائمة على العرب، متهمةً إياهم بالإرهاب، وتقويض دعائم السلام والأمن في الكيان الصهيوني الغاصب.

وغضب الأمة وسخطها قد تصاعد، خاصةً بعد أن صعد العدو الصهيوني من إجرامه ووحشيته في فلسطين المحتلة، وامتد عدوانه حتى عمق سورية؛ ليقابل من حكوماتنا بالإعلان عن التمسك بالسلام المزعوم، واللجوء إلى المنظمات الدولية؛ أملاً في صدور قرار بإدانة الصهاينة، وهو قرار- رغم تواضعه الشديد وتجرده من الفاعلية- أعلنت أمريكا أنها لن تدعه يمر، الأمر الذي يعني- في مفهوم السياسة الأمريكية- أن العدو الصهيوني الذي قتل الأبرياء في (رفح) ومعسكر اللاجئين وهدم ودمر مساكن 1500 لاجئ فى معسكر اللاجئين في (رفح) ودمر شبكات الكهرباء والماء، حتى وصفه أحد مبعوثي الأمم المتحدة بأن المعسكر قد بدا وكأنه تعرض لزلزال شديد دمر أوجه وأشكال الحياة فيه- بإمكانه أن يواصل ويصعد العدوان، وستواصل واشنطن دعمه، والوقوف إلى جواره ضد ألف مليون عربي ومسلم.

إجابة واضحة

إلا أن هذا العدوان الصهيوني الوحشي والمتصاعد، والذي يسعى لتوسيع رقعة الاحتلال- كما يثير الغضب والسخط الشعبي، فهو يثير العديد من التساؤلات حول موقف الحكام والحكومات- فإنه حول صلف صهيوني من قبل قوم قال فيهم القرآن الكريم: ﴿لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ﴾ (الحشر:14).

وإزاء تراجع حكام وحكومات العرب والمسلمين الذين نزل في أمتهم قول الحق سبحانه: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ (آل عمران: من الآية110)، وإن كانت الإجابة عن واقع الحال الذي تعيشه الأمة لا تخفى على عين مخلصة متجردة فاحصة، خاصةً وقد انتشر وساد وظهر على الساحات من الوسائل والسبل والسياسات ما يتعارض مع رسالة الأمة العظيمة على ساحة أمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر.

إن الأمة- كما قلنا ونعود فنؤكد- تملك الأسباب والسبل الفاعلة في مواجهة هجمة شرسة صارت مفروضة عليها، وافتقاد هذه الأسباب والسبل والوسائل على الساحة أو تنحيتها هو سبب التراجع الذي نعيشه، كما أنه في نفس الوقت سبب تمادي العدو الصهيوني وتصعيده لعدوانه، وسعيه في غطرسة لتوسيع رقعة العدوان والاحتلال وطمعه في إقامة مشروعه الصهيوني على حساب وجودنا ودورنا، وفوق أنقاض ديارنا وأوطاننا.

إن مصدر الطاقة والحركة، والرفض والإباء، والتضحية والعطاء في أمتنا هو الإيمان بربها وقرآنها ورسولها، وحين تجري تنحية الإيمان من حياة الأمة واحتكامها لشريعته أو عملاً وسعيًا وعيشًا وحركة في إطار نظامه، أو نهوضًا والتزامًا بمُثله وقيمه فى إطار تعاليمه، أو زودًا عن الأرض والديار والعزة والكرامة والحرية استجابةً وامتثالاً لقول الله سبحانه: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ (المنافقون: من الآية8)، وقيامًا بحقوق الأخوة التي جعلت المسلمين أمة واحدة، وكما جاءت على لسان رسول الأمة وزعيمها وإمامها عليه الصلاة والسلام "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر"، حين تجري تنحية الإيمان يكون التراجع والذل والهوان.

والذي يدعو للعجب أن العدو الصهيوني الذي يحتل الأرض والديار، ويواصل في صلف العدوان والتوسع يرتكن إلى عقيدة، ولو أنها قد شابها العبث والتغيير والتبديل والتحريف، وأخذ ويأخذ بالأسباب المادية، بينما أهل العقيدة الصحيحة التي لم ولن يتطرق إليها التغيير أو التبديل أو التحريف فقد نحّوها من معاركهم وقضاياهم في الداخل، ومعاركهم وقضاياهم في الخارج فصاروا يعيشون واقعًا من التراجع جعلهم عرضةً للعدوان والطمع.

لقد نحينا العقيدة ولم نأخذ بالأسباب وفي مقدمتها وعلى رأسها العلم الذي يضع مع الإيمان الأساس للبناء المتين، ويوفر للأمة التقدم والنهوض بل التفوق والريادة ويهيئ لها أسلحةَ الذَّود عن حياضها وأرضها ومقدساتها، ويعينها على أداء رسالتها ودورها الحضاري.

ملأنا الدنيا صراخًا وأعلنا في مختلف أقطارنا عن عشرات من الصواريخ والمدن العلمية والمنشآت الذرية، إلا أن الأمر لم يتعد الدعاية للزعامات والأشخاص في الوقت الذي كرس فيه العدو الجهود والطاقات على كافة المستويات والساحات ليصنع وينتج العشرات من الصواريخ والأسلحة الذرية والكيمائية، ويدعم وجوده الغاصب بشتى أنماط السلاح في ظل تقدم علمي وتكنولوجي مطرد- ودون إعلان أو دعاية- لنفاجأ اليوم بترساناته من أسلحة الدمار الشامل والإبادة التامة تهدد وجودنا، وفي نفس الوقت تواصل الدعم الأمريكي له مالاً وسلاحًا لتؤكد دعمه وتأييده على حساب كافة العرب والمسلمين أصحاب الأرض والديار والمقدسات، ونظُمنا الحاكمة مسئولة- دون شك- ومسئوليتها أمام الشعوب عظيمة، وأمام التاريخ والأجيال القادمة أعظم، أما أمام الله سبحانه فهي مسئولية عسيرة وحسابها شديد.

ونظُمنا الحاكمة مسئولة أيضًا حين لجأت إلى إهدار حق الشعوب في الحرية والأمن، وإغلاق المجال أمام أصحاب الرأي والفكر، وضياع فرص الابتكار والإبداع والاختراع عند العلماء والمتفوقين فأعطوا فكرهم وابتكارهم واختراعهم ما يدعم الأمة وينهض بها، فأدَّت سياسة الكبت والاستبداد والقهر إلى فجوة بين الشعوب والحكام، وإلى هجرة متواصلة للعقول عرفت طريقها إلى الخارج بما يصب في سلة الآخرين وصالحهم ويحرمنا علم وفكر وإنتاج علمائنا، ويبعد بين جامعاتنا ومجالات العلم والتكنولوجيا والنهوض والتقدم، مهمِّشين دورها، وصرنا ننتظر ما يسمحون أو يجودون به من فتات علم أو تكنولوجيا العصر أو فتات سلاح هو لا يعدو السيوف الخشبية حين تمنع عنا قطع الغيار.

تبجح وتراجع

في العدوان الأخير على سورية أعلن "شارون" أن سلاحه يطول أي مكان، وقالت الأنباء إن الطائرات الصهيونية حلَّقت فوق القصر الجمهوري في دمشق، وهو أمر له دلالاته على أصعدة كثيرة، منها التصعيد العلمي وفي الوقت نفسه جاءت الأنباء تقول إن الكيان الصهيوني الغاصب عقد اتفاقيةً مع الهند لنشر شبكة مراقبة في أجوائها لرصد أي هجوم صاروخي ضدها وهي اتفاقية أقلقت باكستان وهو الآخر أمر له دلالته على الصعيد العلمي.

وهذا وذاك يضعنا أمام حقيقة ملموسة، وهي أن هناك تفوقًا علميًا أحرزه العدو في مواجهة غياب أو تغييب أقطارنا عن حلبة التكنولوجيا والعلم الحديث، كما أن هناك عقيدة تحرك العدو، وإن كان قد أصابها التحريف والتبديل في مواجهة قوم نحوا العقيدة النقية الصحيحة المنزهة عن التحريف والتبديل.

إننا أمام واقع نملك أسباب تغييره إذا صحت العزائم وصدقت النوايا وغلبنا ما فيه صالح البلاد والعباد على ما فيه صالح الحكومات والزعماء.

لابد من اعتماد والتزام العقيدة.. في كافة أعمالنا.. وكافة قضايانا؛ ليكون الإيمان هو الذي يحرك.. ويدفع للعطاء والبذل.. والصمود والإصرار.. ويكون السعي لرضا الله هو المقصد والهدف.. وبالتالي فيكون الحرص على تجنب ما يغضبه.. أو التقصير فيما أوجبه وليكون أيضًا دافعنا ومحركنا إلى وحدة الصف والكلمة والتحام الحكام مع الشعوب.. وتوحيد الجهود والطاقات.

الإسلام وحده هو الذي يعطي الأمة طاقة الحركة وطاقات الجهاد، وطاقات العطاء والبذل... الإسلام هو الذي يجعل القلوب تنتفض لمرأى المأساة الوضيعة التي تحل بالأشقاء والفلسطينيين، فتتظاهر غضبًا لله والأعراض وتحتمل على أعداء الحق الذي شنوا حربًا دولية على فلسطين وشعبها العربي المسلم.

الإسلام وحده هو الذي يوحد الصف، ويجعله السبيل الصحيح ويجمعه الهدف والغاية في استجابة لصرخة "أحمد ياسين" المجاهد الصابر والصامد، وإخوانه الذين يدافعون عن فلسطين، ومما حول فلسطين ويدرءون عن الأمة شرًا يستهدف وجودها وجذورها، فحق عليها أن تدعمهم وتقف إلى جوارهم بالنفس والمال دفاعًا عن العقيدة، وعن الوجود والحضارة وثأرًا لدماء سفكت، ويتواصل سفكها، وأعراضٍ هتكت، وحرماتٍ تنتهك، وأطفالٍ ييتمون وبيوتٍ يجري تخريبها.

أيضًا لابد من اعتماد العلم سلاحًا لتأكيد وترسيخ الإيمان، وسلاحًا لتحقيق التقدم والنهوض والتفوق وتخريج العقول التي تبدع وتبتكر وتخترع، وليرافق ذلك حرصٌ وإصرارٌ على كسر الحصار المفروض حولنا، ونحسب أن ذلك في الإمكان حين تجتمع الكلمة وتحشد الإمكانات.

كما أنه لابد من النزول على حق الشعوب في المشاركة وفي اختيارها لحكامها ومسئوليها وممثليها، وإطلاق الحريات واحترام حق كل إنسان في الأمن وإبداء الرأي والعمل والانتقال لنهيئ الأسباب كاملةً أمام طاقات العطاء والابتكار والاختراع.

أيضًا لابد من التزام قانون العدل والإنصاف لتكون المساواة ويتلاشى الظلم وتجف منابع الفساد.

ومع انعقاد المؤتمر الإسلامي في ماليزيا يراود الأمل القلوب أن يصدر عن القمة قرارات تكون على مستوى الارتكان على الإيمان.. والأخذ بالأسباب وأداء الأمانات والنهوض بالمسئوليات.

لقد وعدنا الرب الجليل العظيم- والذي بيده ملكوت كل شيء وله جند السماوات والأرض ولا يعلم جنوده إلا هو– وعدًا لا يخلف: أن ينصر عباده المؤمنين ويمدهم بتأييده، ما داموا مجاهدين في سبيله، مستقيمين على الحق الذي رسمه: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾ (غافر:51) ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾(الحج: من الآية40).

إن ربنا لم يشترط علينا ألا أن نؤمن به وحده.. ونعتمد عليه وحده.. ونفعل ما يأمر به.. ونجتنب ما ينهى عنه.. ونأخذ بالأسباب.. فنتقدم في العلم ونتفوق في السلاح.. لا لندمر أو نهيمن.. أو نصادر حق الآخرين في الأمن والحياة.. ولكن لندفع عن أنفسنا وأوطاننا.. كما نقيم العدل والإنصاف ونمنع فرض النفوذ والهيمنة.. ولنكون عند وعد الله ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾(النور:55).

وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.