حماس وفتح تتعاونان في إفشال حكومة الوحدة الوطنية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
حماس وفتح تتعاونان في إفشال حكومة الوحدة الوطنية
شعار فتح وحماس.jpg


بقلم : معتصم حمادة

شكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية لم يضع نهاية للمعاناة في مناطق السلطة, بقدر ما كان خطوة أولى على طريق, باتت الشواهد تؤكد أنه مليء بالعراقيل وتسده ألغام سياسية ومالية وأمنية.

وأن قيام هذه الحكومة أرخى بتداعيته السلبية على أوضاع حركتي حماس وفتح. الوضع داخل حماس

فحماس, على سبيل المثال, شهدت خلافات في صفوفها, على خلفية اتفاقها مع حركة فتح في مكة, وعلى خلفية تشكيل الحكومة وبرنامجها السياسي الذي انتقده الدكتور محمود الزهار, في مطالعة مطولة له في المجلس التشريعي, قال فيه إن برنامج الحكومة خرج عن برنامج حماس واقترب من برنامج أوسلو.

والزهار, كما هو معروف, إلى جانب عضويته في المجلس التشريعي, قائد بارز في حركة حماس, ووزير الشؤون الخارجية في الحكومة السابقة, وكان من المتمسكين ببقاء الحكومة السابقة, ويرفض أن تستقيل لصالح الحكومة الحالية.

وقد تواصلت انتقادات الزهار لحكومة رفيقه في قيادة حماس إسماعيل هنية الأمر الذي أوضح المدى الذي وصلت إليه الخلافات داخل الحركة الإسلامية. ويقول العارفون ببواطن الأمور إن ثمة خمسة اتجاهات تتنازع حركة حماس في الوقت الراهن وهي:

  • الاتجاه الأول ويضم الجناح العسكري للحركة المسمى بكتائب عز الدين القسام, وقد توجس من تشكيل حماس للحكومة السابقة, متخوفاً من أن تتخلى عن موقعها في المقاومة, كما يقود إلى تهميش جناحها العسكري, وبالتالي إضعاف نفوذ قيادته في رسم القرار داخل الحركة. لكن هذا الاتجاه استعاد نفوذه بسرعة حين تحول على يد وزير الداخلية السابق سعيد صيام, العضو في قيادة حماس, إلى <<القوة التنفيذية>>, وكجهاز من الأجهزة الأمنية, في مواجهة الأجهزة الأخرى الموالية لفتح.

من الرموز القيادية لهذا الاتجاه أحمد الجعبري, نزار ريان, يونس الأسطل, مروان عيسى, ويتقاطع هذا الاتجاه في مواقفه مع الزهار وصيام.

ويرى في تشكيل الحكومة الجديدة, وتعهد حماس في اتفاق مكة الالتزام بالتهدئة ضد إسرائيل, إضعافاً لنفوذه. كما يتخوف أصحاب هذا الاتجاه من ان يكون ضحية لصفقة بين قيادة حماس ورئيس السلطة محمود عباس, تقود إلى حل القوة التنفيذية, ودمجها كأفراد في الأجهزة الأمنية الأخرى الأمر الذي يعني زيادة في تهميش الجناح العسكري ل حماس.

ويفسر المراقبون استئناف الاشتباكات بين مقاتلي حماس وفتح, رغم تشكيل الحكومة الجديدة بالتوافق بين الحركتين, أنه جزء من المشاغبة, من هذا الاتجاه على الحكومة وتحذيراً لرئيسها اسماعيل هنية من مغبة الدخول في أية صفقة على حساب مقاتلي حماس.

ويضيف العارفون بالشأن الداخلي للحركة أن هذا الاتجاه هو الذي يحتفظ بالأسير الإسرائيلي جلعاد شاليت, وقد نقل على لسان بعض قادة هذا الاتجاه ترددهم في القبول بصفقة تعيد شاليت إلى إسرائيل, لأن بقاء الجندي الإسرائيلي الأسير بيد هذا الاتجاه يشكل ورقة قوية يستطيع بها أن يعزز مواقعه وأن يفرض رأيه على باقي الاطراف في قيادة الحركة.

  • الاتجاه الثاني ويضم في صفوفه محمود الزهار وسعيد صيام وعناصرحماس القيادية التي ما زالت تتمسك بالبرنامج التقليدي للحركة ويطلقون على أنفسهم صفة "الحرس القديم" ويعرف عن هذا الاتجاه أنه يرفض الخط المرن الذي اتخذته الحركة الإسلامية في مواقفها الأخيرة, بما في ذلك توقيعها على اتفاق مكة مع فتح ودخولها صفقة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية.

ويصف أصحاب هذا الاتجاه قيادة الحركة في الخارج بأنها خرجت على سياسة الحركة ومبادئها وأنها تعمل على إفراغ الحركة من مضمونها الجهادي, طمعاً بالسلطة والمناصب والامتيازات.

ويبدي هذا الاتجاه تشدداً في سياسته الاجتماعية.

وبات مفهوماً أنه هو الذي يقف خلف المجموعات المتشددة التي تحاول ان تفرض على المجتمع الفلسطيني في غزة شروطها الاجتماعية, وأنها تلجأ في ذلك إلى أعمال عنف باتت ظاهرة يومية في غزة كنسف مقاهي الانترنت وبيع الأشرطة, وتهديد الصحفيين, والتعدي على النساء السافرات.

  • الاتجاه الثالث ويضم في صفوفه قيادات الأخوان المسلمين الذين لا يقدمون أنفسهم بشكل مباشر إلى الرأي العام كقيادة سياسية من أبرزهم الدكتور محمد بشير , الذي كانت حركة حماس قد رشحته لترؤس الحكومة في حواراتها السابقة مع رئيس السلطة.

ويوصف هذا الاتجاه بالتشدد النسبي سياسياً.

فهو أقرب, في مواقفه السياسة إلى الاتجاه الذي يمثله الزهار, لكنه يختلف معه في سياسته الاجتماعية, إذ يعارض فرض المظاهر الإسلامية المتشددة بالقوة ويرى في ذلك تشويهاً للإسلام وللحركة الإسلامية واستعداء للناس ضد الحركة وسياستها.

  • الاتجاه الرابع ويقوده رئيس الحكومة اسماعيل هنية , رئيس الحكومة الحالية.

ويقول المقربون من قيادة حماس إن هنية أصبح في موقع قوة داخل الحركة, وانه أخذ يتحرر تدريجياً من هيمنة قيادة الخارج عليه, خاصة بعد ان تبين له أن من نتائج هذه الهيمنة إضعاف شخصيته السياسية أمام الرأي العام الفلسطيني. ويلقى هنية تأييداً واسعاً في صفوف الحركة في قطاع غزة والضفة الفلسطينية.

ويقول المراقبون إن هنية يحاول أن يبني موقعه في الحركة من موقع الند لقيادة الخارج.

ومن علامات ذلك أنه لم "يقاتل" بما فيه الكفاية كي يضم خالد مشعل, رئيس المكتب السياسي لحماس, إلى الوفد الفلسطيني إلى القمة العربية (تلبية لرغبة مشعل نفسه), ويضيفون ان مشعل بدوره, بدأ بإقفال حنفية المال, المخصص لدعم رئيس الوزراء, في إطار "تبادلية" جديدة بدأت تحكم العلاقت بين الطرفين.

  • الاتجاه الخامس, ويمثله أسرى حماس في سجون الاحتلال الإسرائيلي, وهؤلاء يؤيدون بقوة وثيقة الأسرى التي تحولت بعد الحوار الفلسطيني إلى وثيقة للوفاق الوطني, على أساسها تشكلت الحكومة الجديدة.

لذلك يجاهرون بدعمهم للحكومة, ولاسماعيل هنية.

ويقول المراقبون أن لهؤلاء نفوذهم الواضح على قواعد الحركة في الضفة الفلسطينية (كما في قطاع غزة ) الأمر الذي وفر لهنية نفوذاً في مناطق الضفة في صفوف الحركة.

أما قيادة الخارج, كما يرى المراقبون, فتحاول أن تمسك العصا من الوسط, إن في علاقاتها الداخلية, أو في مواقفها السياسية.

لذلك تراها تنتقل في تصريحاتها على لسان مشعل من تأييدها المسبق لمواقف الإجماع العربي في قمة مكة إلى التمسك في الوقت نفسه بكل شبر من أرض فلسطين , من النهر إلى البحر.

وقد حاولت هذه القيادة أن تعزز وضعها, من خلال دعوة مشعل إلى فك العلاقة التنظيمة بين حماس وتنظيم الاخوان المسلمين في الأردن , الذي يعتبر إلى الآن المرجعية الأساسية والتنظيمية للحركة.

غير أن مجلس الشورى في عمان, أحبط محاولة مشعل, حين رفض في أحد اجتماعاته اقتراح رئيس المكتب السياسي ل حماس , وأبقى على ارتباطها التاريخي بحركة الاخوان في الأدرن.

ويرى المراقبون كخلاصة أن الخارطة الجديدة المتشكلة داخل حماس سيكون لها انعكاساتها السلبية على قدرة الحكومة الجديدة على التحرك, خاصة وأن بعض اتجاهات حماس لن يتردد في وضع العصي في هذه الحكومة لعرقلة تحركاتها.

وقد شكا هنية في أحد اجتماعات الحكومة (3/4/ 2007 ) من أن البعض يحاول أن يفشل تجربة هذه الحكومة. وقد فهم من كلامه اتهام واضح لبعض الاتجاهات داخل حماس .

الوضع الداخلي في فتح الوضع داخل فتح, يشكو هو الآخر من الافتقار إلى الوحدة الداخلية, وقد عبرت فتح عن هذا منذ وقت طويل حين فشلت في تنظيم الانتخابات الداخلية تمهيداً لخوض الانتخابات التشريعية وكذلك حين فشلت في السيطرة على مرشحيها, الامر الذي شكل سبباً من أسباب خسارتها موقعها في المجلس التشريعي ورئاسة الحكومة, وفي محاولة لرسم الخارطة داخل فتح, يمكن قراءة التالي:

ويتفق المراقبون أن عباس بات عملياً خارج الاطر التنظيمية والسياسية للحركة.

وإنه يمارسه دوره كرئيس للسلطة واللجنة التنفيذية في م.ت.ف دون العودة لهيئات الحركة.

وانه ينظر إلى حركة فتح على أنها فقدت دورها التاريخي, وإن عليها أن تعيد صياغة أوضاعها, بما يتلاءم والحالة المستجدة, وأن تمسك فتح بموقعها كجزء من حركة التحرر الوطني الفلسطينية من شأنه أن يعيق قدرتها على استعادة موقعها في العملية السياسية, وإن من شأن هذا أيضاً أن يديم أزمة فتح إلى أمد غير منظور.

ومع ذلك فإن بعض قادة فتح يخالفون عباس الرأي, ويؤكدون أن فتح بدأت تعمل على الخروج من أزمتها دون أن تستقيل من موقعها في صفوف الحركة الوطنية.

  • الاتجاه الثاني وتمثله اللجنة المركزية لحركة فتح.

ويقول المراقبون إن هذه اللجنة (التي يفترض أنها قيادة الحركة) باتت تعيش على هامش الأحداث وأنها باتت عاجزة عن القيام بأي دور ملموس. حتى عن عقد اجتماعاتها الدورية.

ولا يخفي البعض مشاعره من أن محمود عباس لعب دوراً غير قليل في إضعاف اللجنة المركزية للحركة ووضعها على الرف.

وهو أمر مكن عباس من التصرف بحرية في أوضاع الحركة وصولاً الى انتخابه قائداً عاماً لفتح (في مواجهة خصمه اللدود أمين سر اللجنة المركزية فاروق القدومي).

وقد لجأ عباس إلى بعض التشكيلات التي تعزز مكانته فأعفى هاني الحسن من مهماته كمسؤول للتعبئة والتنظيم في الحركة, وعينه كبير المستشارين لرئيس السلطة (وهو منصب وهمي لا قيمة حقيقية له) كما عين بدلاً عنه في مكتب التعبئة والتنظيم أحمد قريع (أبو علاء) المعروف عنه بأنه شخصية غير محبوبة في صفوف فتح وقواعدها.

  • الاتجاه الثالث وهو قوي في صفوف الحركة خاصة في الضفة الفلسطينية, ويضم القيادات الشابة, التي تتخذ من مروان البرغوثي, عنواناً لها.

وتمسك هذه القيادات بأوضاع الحركة في محافظات الضفة, وتحاول جاهدة أن تعيد بناء صفوفها, في محاولة لاستعادة مواقع الحركة في الحالة السياسية. وتحمل القيادات الشابة اللجنة المركزية مسؤولية ما آلت إليه اوضاع فتح من تدهور.

وما زالت هذه القيادات تراهن على احتمال إطلاق سراح مروان البرغوثي من السجن, في إطار ترتيبات إقليمية تهدف إلى إضعاف حماس عبر إعادة استنهاض فتح.

وترى هذه القيادات في إطلاق سراح قسام مروان البرغوثي من السجن, مؤشراً, إيجابياً, باتت تراهن عليه بقوة.

الملاحظ أن هذه القيادات المعروفة بنفوذها في صفوف كتائب شهداء الأقصى, وسيطرتها على بعض مجموعاتها, تلتقي في السياسة إلى حد كبير مع محمود عباس, إذ ترى في وثيقة (جنيف ـ البحر الميت) أساساً صالحاً للتسوية مع إسرائيل.

علماً أن بعض قيادات هذا الاتجاه كمحمد حوارني, شاركت في صياغة وثيقة (جنيف ـ البحر الميت), كما شاركت في توقيعها.

  • الاتجاه الرابع, ويمثله الوزير السابق في حكومة محمود عباس, والمدير السابق لجهاز الأمن الوقائي في قطاع غزة محمد دحلان.

ويعتبر دحلان من القيادات الشابة الصاعدة بسرعة إلى الصفوف الأولى للحركة, مستفيداً من نفوذه الذي بناه على مدى السنوات الماضية وفي تقلبه في مواقعه القيادية داخل الحركة وداخل السلطة.

وثمة من يؤكد داخل فتح أن دحلان بسط نفوذه على كامل مواقع الحركة في قطاع غزة وأنه أصبح في القطاع رجل فتح الأقوى, وهذا ما يفسر تراجع بعض الاصوات الأخرى كصوت وزير التموين السابق عضو المجلس الثوري للحركة أبو علي شاهين.

ويقول المراقبون إن دحلان يقف خلف المجموعات الفتحاوية التي لم توقف اشتباكاتها حتى الآن مع ميليشيا حماس. وانه ينظر إلى الحكومة الحالية على أنها مرحلة انتقالية لا بد لفتح أن تستفيد منها في استعادة قواها, وتنظيم صفوفها, لتستعيد مواقعها داخل السلطة. وأن الاشتباكات هي واحدة من الأساليب الناجحة لاستثارة حمية فتح وعصبويتها, من خلال كسر ظهر الخصم اللدود الذي يزاحمها المناصب والنفوذ ممثلاً بحركة حماس. ويقول المراقبون أن نفوذ دحلان بدأ يمتد قليلاً إلى الضفة الفلسطينية,عبر حسين الشيخ, امين سر اللجنة الحركية العليا في فتح, والذي يرفض أنصار مروان البرغوثي الاعتراف بشرعية منصبه, ويناصبونه العداء, ويطرحون حول مصادر تمويله علامات استفهام.

  • الاتجاه الخامس داخل الحركة يمثله الطاقم التفاوضي في السلطة وفي م.ت.ف ومن رموزه الدكتور صائب عريقات, والدكتور نبيل شعث, وعناصر قيادية أخرى, كالطيب عبد الرحيم, وأحمد عبد الرحمن, وغيرهما.

يعتبر هذا الفريق نفسه خارج النزاعات الفتحاوية الداخلية, ويعتبر ارتباطه برئيس السلطة محمود عباس هو الضمانة لبقائه في مناصبه.

ويتخذ هذا الفريق مواقف متشددة من حركة حماس , وقد وصف بأنه الفريق الذي كان اكثر اندفاعاً في الدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة للإطاحة بحركة حماس.

ويرى هذا الفريق في حركة حماس منافساً خطيراً في العملية المتفاوضية, خاصة بعد أن أبدى خالد مشعل في أكثر من تصريح استعداده للانخراط في العملية التفاوضية.

ينضم إلى هذا الفريق ياسر عبد ربه الذي عرف بتصريحاته العدائية ضد حماس.

ويخلص المراقبون إلى أن افتقار فتح إلى الوحدة الداخلية أضعف فريقها الوزاري, برئاسة نائب رئيس الورزاء عزام الاحمد, الذي وقف عاجزاً عن منع فتح في القطاع من الانجرار إلى الاشتباكات مع حماس (كما وقف هنية عاجزاً هو الآخر عن لجم مقاتلي حماس ) فبقي الفلتان الامني على ما هو عليه, في محاولة للمس بمصداقية حكومة الوحدة الوطنية وقدرتها على ضبط الاوضاع في القطاع وفرض النظام والقانون. الأزمة المالية إذا كانت الخلافات السياسية داخل كل من حماس وفتح, وتأثيراتها على أوضاع الحكومة الفلسطينية الجديدة وقدرتها على الاقلاع, تندرج في إطار العوامل المعيقة ذات الطابع المحلي, فإن الأزمة المالية تعتبر واحداً من العوامل المعيقة ذات الطابع الإقليمي والدولي, لأنها ناتجة عن فرض الحصار على مناطق السلطة, وفق اشتراطات لجنة الرباعية الدولية باتت معروفة للجميع.

ويبدو أن الأزمة المالية في السلطة, هي أكبر مما كان يتوقع الكثيرون.

وكما اوضح لنا أحد الورزاء الجدد في حكومة هنية الثانية فإن الأرقام التي عرضت على مجلس الورزء خيبت آمال الجميع, خاصة الوزراء الجدد الرغبين في تقديم نماذج جديدة لكيفية عمل الوزرات في خدمة المجتمع الفلسطيني.

وبلغة الأرقام يتضح أن المتأخرات المالية على حكومة هنية الاولى بلغت خلال عام من توليها السلطة 1170 مليون دولار, وان الاولوية فيها بلغت حوالي 900 مليون دولار لدفع مستحقات الموظفين ورجال الشرطة والأجهزة الامنية وعائلات الأسرى والشهداء والجرحى وغيرهم. كما اتضح أن الميزانية المفترضة للعام 2007 سوف تتجاوز بالضرورة 2700 مليون دولار, علماً أن الميزانية العامة العادية للسلطة كانت تصل إلى حوالي 1700 مليون دولار.كذلك أوضحت التقارير أن الحكومة تحتاج إلى مبلغ لايقل عن 1800 مليون دولار لتسير عجلات الإدارة وتقلع في إداء عملها.

ويلاحظ في السياق أن السلطة تعتمد في مداخيلها, بشكل رئيسي على المساعدات العربية, التي يفترض أن تسدد شهرياً حوالي 55 مليون دولار, تنفيذاً لقرار القمة العربية في القاهرة .

في الوقت الذي لا يكاد السداد الفعلي من هذا المصدر, يتجاوز ما بين 10 ـ 15 مليون دولار فقط لا غير, والملاحظ أن الدول المتخلفة عن السداد هي الدول الغنية مالياً. أما المصدر الثاني لتمويل السلطة فهو الجباية الجمركية على المعابر.

وتتولاها عادة السلطات الإسرائيلية, ولا تقل شهرياً (في الاوقات العادية) عن 60 مليون دولار. لكنها انخفضت بفعل الحصار إلى حوالي 25 ـ30 مليون دولار, وبقيت محتجزة لدى السلطات الإسرائيلية.

ويتحدث الفلسطينيون عن مبالغ محتجزة لدى إسرائيل تبلغ حوالي 600 مليون دولار.

أما المصدر الثالث فهو مساعدات الأطراف المانحة, والتي توقفت تقريباً, بضغط من الولايات المتحدة إلى أن تستجيب الحكومة لاشتراطات اللجنة الرباعية.

الأهم من هذا كله أن الوزراء في الحكومة الجديدة, أبلغوا من رئيسهم اسماعيل هنية, أن آليات توفير المساعدات للسلطة ستبقى على ما هي, أي تحول إلى الأمانة العامة للجامعة العربية ومنها إلى ديوان رئيس السلطة وعبره إلى وزير المال, دون أية حلول للأموال المحتجزة لدى إسرائيل, والتي تشكل في مجموعها الدفعة الاكبر التي بإمكانها أن توفر ظروف الإقلاع أمام الحكومة. ويلاحظ الوزراء في هذا السياق أن القمة العربية لم تضع حلولاً للحصار على السلطة الفلسطينية, حتى أن المصارف المركزية العربية اعتذرت عن إمكانية حل قضايا الحصار, بذريعة الهيمنة الأمريكية على عالم المال والصيرفة.

ومما يزد طين السلطة بلة أنها تحولت إلى رب عمل (فقير ومفلس) لجيش من الموظفين. فقد سجل مجلس الوزراء الجديد أن العدد الرسمي للموظفين الدائمين في السلطة بلغ 159 ألف موظف, يضاف لهم 11 ألف موظف متعاقد.

وهؤلاء في مجملهم يشكلون حوالي ثلثي الموازنة الأجمالية للسلطة, الامر الذي دعا بعض الوزراء إلى المطالبة لفتح ملف التوظيف العشوائي, وضرورة وضع ضوابط تحول دون إغراق السلطة بالمزيد من المسؤوليات المالية في هذا المجال. وهكذا تتوقف الحكومة الجديدة أمام مجموعة من الأسئلة أهمها:

  • هل تستطيع أن تشكل حكومة وحدة وطنية, توحد المجتمع الفلسطيني وقواه السياسية , في الوقت الذي تشكو فيه القوتان السياسيتان الاكبر فيها, حماس وفتح, من خلافات وتشققات داخلية؟
  • وهل تستطيع هذه الحكومة أن تكبح جماح الفلتان الامني, في الوقت الذي تتسبب فيه القوتان الاكبر فيها بنشر الفوضى والفلتان الأمني في المجتمع, ولا سلطة لوزراء الحركتين, بمن فيهم رئيسها, على مقاتلي فتح وحماس وعناصر الميليشا فيهما؟
  • وهل تستطيع هذه الحكومة أن ترمم ما خربه الحصار, وان تعيد إقلاع المؤسسات الخدمية, وان تقدم في السياق, نموذجاً لعمل حكومي جديد, في الوقت الذي ما زال فيه الحصار يفرض تداعياته على عموم الوضع الفلسطيني, دون وجود حل (سياسي أو تقني) لمسألة تمويل خزينة السلطة؟
  • وأخيراً وليس آخراً, هل تكون صيغة "الوحدة الوطنية" ضحية لكل هذا, فتسقط هذه الصيغة في الامتحان لصالح العودة للهيمنة الفردية (حماس أو فتح كلاً على حدة) أو للهيمنة الثنائية (فتح و حماس ) على قاعدة المحاصصة, وبما يطفئ أي أمل بوضع فلسطيني مستقبلي يستجيب لطموحات المجتمع؟

المصدر