د."العسال": التعاون مع الاحتلال خروج عن شرع الله
[11-03-2004]
مقدمة

* الأمريكان محتلون ولن يتركوا العراق إلا بالمقاومة المسلحة
* لا يُخشى على هويتنا من الغرب.. ولكن من الطابور الخامس الذي يعيش بيننا
* شيخ الأزهر كان عليه ألا يداهن على أمرٍ من أمور الله
* أي مسلم لا يدعو إلى الله لم يوفِّ بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم
تواجه أمتنا الإسلامية هذه الأيام تحديات خطيرة؛ حيث تواجه احتلالاً في العراق وعدوانًا في فلسطين، وهجمةً على هويتنا الإسلامية، ممثلةً في الهجمة على فريضة الحجاب، وعلى المناهج التعليمية، خاصةً مناهج التربية الإسلامية.
تقابلنا مع الدكتور "أحمد العسال"- النائب السابق لرئيس الجامعة الإسلامية بـ(إسلام أباد) في (باكستان)- لنعرف منه على آلية المواجهة والحلِّ، وليكشف لنا بعض الحقائق المتعلقة بالقضايا الساخنة، التي تمس أمتَنا الإسلامية، فأكَّد لنا أن الأمريكان محتلُّون ولن يتركوا العراق إلا بالمقاومة المسلحة، وكذلك الصهاينة لا يُجدي معهم سوى القتال، كما شدَّد على أن المتعاون مع المحتل الأمريكي يعتبر خارجًا عن شرع الله- عز وجل- ولكنه لا يجوز قتله.. فإلى تفاصيل الحوار:
نص الحوار
- رغم وجود قناعة بأن المقاومة المسلحة هي الخيار الوحيد لحل القضية الفلسطينية، إلا أنه في بعض الأحيان تخرج علينا بعض الأقلام، وترى أن المقاومة المسلحة تضر بمستقبل القضية الفلسطينية، فما هو تقديركم لطريقة حسم القضية؟
- ما لم يُعطِ اللهُ- عز وجل- المتحدثَ في القضية الفلسطينية الرؤيةَ الكاملةَ، فإنه يخطئ؛ ذلك لأن القضية أثر من آثار إلغاء الخلافة، فكانت فلسطين من الولايات التي شعر السلطان "عبدالحميد" أن اليهود يريدون أن يأتوا إليها؛ ولذلك كان لا يسمح لليهود بزيارة القدس إلا بتأشيرة محددة الأيام، والهجمة الغربية على العالم الإسلامي بعد الحرب العالمية الأولى حدَّدها مؤشران: (وعد بلفور)، واتفاقية (سايكس- بيكو).
- ومن العجيب أن الدول التي احتلتها بريطانيا، وُضعت كمستعمراتٍ إلا فلسطين وُضعت مباشرةً تحت الانتداب البريطاني، ولم تسمح لها بعد ذلك بتقرير المصير؛ حيث حرص الغرب على التخلص من يهود أوروبا ووضعهم في فلسطين ففتحوا باب الهجرة، وجاءوا من أوروبا الشرقية والغربية وروسيا، وكانوا لا علاقةَ لهم بفلسطين من قريب أو بعيد إلا بكذبة؛ حيث قالوا إنها وعد الله لهم، وهذا كله- كما أكَّد حاخامات اليهود- كذب، وأن الكيان الصهيوني ضد الديانة اليهودية.
- فالذي يفكر في أن السلام ينهي الوجود اليهودي إنسان مخطئ، ولم يستفد من آخر درس، وهو حرب أكتوبر 1973م، والتاريخ يؤكد أن السبيل الوحيد للخلاص منهم هو المقاومة، وإذا كان لديهم شيء من الخُلُق لكانت الهدنة التي قدمتها الفصائل كافيةً، ولو أنهم كان لديهم شيء من الاحترام والصدق لاحترموا ذهاب مدير المخابرات المصري لتقديم الوساطة؛ حيث كانوا يستغلون وجود مدير المخابرات لديهم، ويقومون بعمليات إجرامية ضد الفلسطينين؛ حتى لا يحترموا وساطة مصر، فهم قوم كما يقول القرآن: ﴿كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ﴾ (البقرة: من الآية100).
- وماذا عن دورنا كأنظمة وشعوب عربية تجاه أهلنا في فلسطين؟
- دورنا أن نقويَهم، وأن نرتب بيوتنا من الداخل كما رتبها "صلاح الدين الأيوبي"، وأن نعطيَهم كلمةً فاصلةً؛ لكن للأسف نحن نعيشُ فترة العجز العربي، ونسأل الله- عز وجل- أن يُبعدنا عن هذا العجز.
العراق
- هذا ينقلنا إلى مشهد آخر وهو الأوضاع في العراق، فليس هناك شكٌّ في أن الجهاد فرض عين على كل مسلم ضدَّ المحتل، إلا أن هناك مواقف عراقية متباينة تجاه المقاومة.. فما هو الموقف الشرعي من هذه الفرق؟
- الأمريكان محتلون، لا يمكن أن يتركوا الأرض إلا بالمقاومة، وعندك (فيتنام) و(لبنان)، و(الصومال)، لم يترك الأمريكان أرضًا إلا بالمواجهة المسلَّحة، والدور السلمي لا يكون إلا بعد خروج الأمريكان من العراق أولاً وتسليمها لأبناء العراق، وقبل ذلك لا يمكن، فهم يماطلون؛ لأنهم جاءوا رغبةً في بترول العراق.
- وما تقديركم لموقف الشيعة الذين لم يُبدوا أيَّ من أشكال المقاومة تجاه المحتل الأمريكي؟
- لابد أن نقدر ظروف الشيعة، نقدر أوضاعهم وتفكيرهم، ونأخذهم بالرفق؛ حتى لا تتفرق الكلمة في العراق، فنحن أمام مشكلةٍ كبيرةٍ، ولابد أن ندفع الضرر الأشد بالضرر الأخف، الضرر الأشد الفرقة والخلاف، والضرر الأخف عدم المشاركة في المقاومة، والجهود المبذولة من أهل السنة والجماعة للتقريب بين وجهات النظر أمرٌ طيبٌ.. إن القضية العراقية قضية معقدة، خاصةً وأن "صدام حسين" تركَ آثارًا سيئةً جدًّا، فكان "صدام" عنيفًا معهم؛ فهذا العنف انعكس عليهم.
- وماذا عن الموقف الشرعي من المتعاونين مع الاحتلال الأمريكي؟
- إن الله عز وجل قال- وقوله الحق-: ﴿لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ﴾ (آل عمران: من الآية 28)، فالذي يتخذ من المحتل سيدًا ومُعينًا، قد خرج عن شرع الله- عز وجل- لأن الله- تبارك وتعالى- قال: ﴿أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ للهِ جَمِيعًا﴾ (النساء: من الآية 139)، وهذا يُدخل أي فرد يسارع إلى الاحتلال في قول الله تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ (المائدة: من الآية51)، وقوله تعالى: ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ﴾ (المائدة: من الآية 52).
- شهدنا كثيرًا من العمليات العسكرية ضد مَن يتعاملون مع الاحتلال.. فما رأيُكم فيها؟
- هذا لا يجوز؛ لأن هؤلاء دفعتهم ضرورة العيش مثل ضباط الشرطة، ومن ثَمَّ لا يجوز قتل المتعاونين مع المحتل، وينبغي أن تُوجَّه حِرابُنا إلى المحتل نفسه.
- وماذا عن دورنا كشعوب عربية وإسلامية لإنهاء الفوضى الموجودة الآن في العراق؟
- أن نتعاون مع الصادقين في العراق، وأن نتعاون مع المقاومة، ونقلل آثار الخلافات والنزعات الطائفية.
طمس الهوية
- الجميع يعلم أن احتلال العراق جاء في إطار حرب أمريكا على كل ما هو إسلامي، وقد ظهر ذلك بوضوح في محاولات أمريكا لتغيير مناهج التعليم.. في تقديرك هل تستطيع أمريكا أن تنجح في طمس الهوية الإسلامية؟ وما هي سبل مواجهة هذا المخطط؟
- هذه المحاولات مصيرها الفشل؛ لأن الله- تبارك وتعالى- يقول: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ (الصف: 8) وليس أدل على ذلك من انتشار الإسلام في الغرب، بعد أحداث سبتمبر التي دفعت كل الغربيين أن يبحثوا عن الإسلام، والإحصائية الأخيرة ممن أسلموا في إنجلترا، وفيهم حفيدة "توني بلير" تجعلنا نتعجَّب.. هذه المحاولات ليست من الآن، بل منذ أيام الشيخ "عبدالحليم محمود"- رحمه الله.
- وقد دفعت أمريكا في مصر 100 مليون دولار، وعملوا لجنة (كوجك) وقللوا المنهج المخصص للقرآن، ويحاولون إلغاء مادة التربية الدينية، ووضعوا بدلاً منهما مادة الأخلاق؛ ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره، فالأذان يؤذَّن خمس مرات كل يوم، وكل إذاعات العالم الإسلامي تذيع القرآن الذي ينتشر بين الكبار والصغار؛ لكن الخطورة التي نواجهها هو ذلك الطابور الخامس الذي يعيش بيننا داخل العالم الإسلامي، والذي قال عنه الله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً﴾ (آل عمران: من الآية 118)، فمشكلتنا مع النخبة الذائغة البعيدة عن هدي الله.
- وما سرُّ حرصهم على تدمير منهجنا الإسلامي؟
- المنهج الإسلامي يجعل المسلم عزيزًا بإسلامه، ولا يجعله تابعًا ذليلاً لأحد، والإسلامي لا يسمح للمسلم أن يدخل في أيديولوجية أخرى، والآخر يريد الجميع تابعين له؛ ولذلك قالوا عند سقوط الشيوعية: إن الخطر من الإسلام، ورغم ذلك فنحن في حاجة إلى تغيير المناهج لنتواكب مع متغيرات العصر، وذلك عبر مرجعيتنا الإسلامية، فالتغيير يكون لأجل ربط الإنسان بأمته.
تجديد الخطاب الديني
- تُثار من حين لآخر نبرةُ تجديد الخطاب الديني.. هل نحن بحاجة إلى ذلك؟
- لسنا بحاجةٍ لتجديد الخطاب الديني؛ فالخطاب الديني مجدَّدٌ؛ لأن محكومٌ بأمرين:
- الأول: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ (النحل: من الآية 125)
- والثاني: "خَاطِبُوا النَّاسَ عَلَى قَدرِ عُقُولِهِم".
- والخطاب الديني متنوع على حسب المخاطَب، ومن يخطئ فيه هو الذي يجب إعادة تشكيله؛ لكن أن أجدد الخطاب الديني حتى لا أتحدث عن الشعب العراقي أو الفلسطيني، فهذا ليس خطابًا دينيًّا.
- هذا ينقلنا إلى قضية مهمة، وهي أن الأزهر الشريف بدأ يفقد مكانته العالَمية نتيجة مواقف بعض رموزه تجاه كثير من القضايا؟
- الأزهر لم ولن يفقد مكانته إن شاء الله؛ وهو به عدد كبير من العلماء الأجلاء، وعلماؤه مناراتٌ في كل مكان، والعَثْرة التي يعيشها الأزهر هي عثرةٌ عامةٌ تمسُّ الكيانات الرسمية كلها، وأخطر شيء أن ينقلب الناس من دينهم ويتبعوا هواهم، والعجيب أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- وضع يده على الجرح، وقال: "لا يُؤمِنُ أحَدُكُم حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئتُ بِهِ"، فالقضية أننا نواجه النخبة المنفلتة من دين الله.
- ودعك من فترة الضعف؛ لكن يبقى الأزهر كما هو، فإذا كان هناك جانب ضعيف فغُضَّ الطرف عنه، وما فعله الشيخ- سامحه الله- في قضية الحجاب خطأٌ بالغ، ولا ينبغي لنا أن نداهن على أمرٍ من أمور الله.
- اتُخذت خطواتٌ فعليةٌ داخل مدارسنا لتقليل المنهج، فما هو البديل لسدِّ هذه الفجوة؟
- دور العلماء والأسرة والمسجد يجب أن يُفَعَّل؛ ولذلك هم في مشروع (الشرق الأوسط الكبير) يريدون تهميش المسجد، ودورُ الأسرة أن تُنشِئ وسطًا دينيًّا روحيًّا وثقافيًّا في اليبت، ودور العالِم أن يبلِّغَ رسالةَ الله، ويعلِّم المسلمين كيف يحصنون أنفسهم وهم الآن في مشروعهم يريدون تدمير المرأة، كما أرادوا في (بكين)، وفي مؤتمر السكان، ولا يزالون يحاولون في قضية الأسرة، حتى إنهم يحاولون مع داعية مثل "عمرو خالد"، ونتعجَّب كيف يُمنَع صوتٌ مِن أصوات الحق في بلده!! فالقضية أننا في معركة، والله- سبحانه وتعالى- قال لنا: "إنهم سوف يقاتلوننا حتى نتبع مِلَّتهم".
- وماذا عن دور الحركات الإسلامية في المواجهة؟
- من فضل الله- عز وجل- أن الأستاذ "حسن البنَّا" وضع يده على المفتاح، فعندما جاءه أحد رجال المخابرات الإنجليزية وقال له كيف جمعت كل هؤلاء الشباب (الجوالة) قال: "وضعت يدي على المفتاح"، قال: وما هو المفتاح: قال: "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، رحم الله "حسن البنَّا" رحمةً واسعةً، وجزاه الله خير الجزاء، فقد جعل المسلم يشعر بحلاوة الإسلام، ويدخل المسجد بلا حياء، والعجيب أن "حسن البنَّا" ذهب إلى المقهى، وإلى الناس في كل مكان، ووصل إلى الطبيب، والمحامي، والصيدلي، وردت الحركة الإسلامية على مثل هذه الغارات، فدورها دعوي من الدرجة الأولى، وتعمل على التربية الإسلامية لإيجاد نماذج جيدة في المجتمع يمكنها أن تواجه هذه الهجمة.
- كيف يتحقق ذلك في ظل التضييقات الأمنية؟
- لا يستطيع أحد أن يمنعنى من الدعوة.. أنا أسلِّم على البواب، وأنا أسير وأسلم على الناس في كل مكان، ولا يستطيع أحدٌ منعي من زيارة أصدقائي وأرقاربي، وأقول للمسلمين: إن أي مسلم لا يدعو إلى الله لم يوفِّ بحق رسول الله- صلى الله عليه وسلم.
المصدر
- حوار: د."العسال": التعاون مع الاحتلال خروج عن شرع الله موقع اخوان اون لاين