د. عصام العريان يكتب: بعد تراجع مصر.. العرب يبحثون عن قيادة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
د. عصام العريان يكتب: بعد تراجع مصر.. العرب يبحثون عن قيادة
10-04-2007

كان أحد أبرز ملامح القمة العربية الأخيرة في الرياض، وهي أول قمة تستضيفها السعودية هو تدشين تراجع مصر بصورةٍ شبه نهائية والتركيز الإعلامي الضخم خاصةً في الإعلام الأمريكي على الدور السعودي، خاصةً لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، كان ذلك في عمود كتبه أشهر كاتب عمود أمريكي توماس فريدمان، وهو الذي سبق له لقاء خاص مع الملك أثمر مبادرة بيروت 2002م أثناء ولايته للعهد ثم تحليل كتب كريستوفر ديكي في مجلة نيوزويك.

فما سر الترحيب الأمريكي؟ وكيف يتعامل العرب مع الواقع الجديد؟ لفت نظر المراقبين الصورة التي نشرتها وكالات الأنباء، وأفردت لها جريدة الشرق الأوسط السعودية صدر صفحتها الأولى على حوالي ثلث الصفحة لأهم رؤساء العرب، وفيها يظهر الرئيس مبارك يضحك ملء شفتيه ويشيح بيديه، بينما يقف الملك مبتسمًا وحوله بعض الرؤساء يبتسمون، فهل لهذا معنى أو دلالة؟

منذ أهدر الرئيس الراحل أنور السادات أهم إنجازات حرب رمضان أكتوبر 1973م في دهاليز المفاوضات بوصاية الداهية هنري كسينجر كالتضامن العربي وانتصار العرب على الصهاينة، فقدت مصر ريادتها للمنطقة كقائدٍ للحرب وصانعة للسلام، وأصبحنا في تيه دوران عجلة السلام ولا نستطيع شن حرب جديدة، وباستثناء حزب الله في حرب يوليو 2006م، وإزعاج المقاومة الفلسطينية والصمود البطولي للشعب الفلسطيني لكانت الهيمنة الصهيونية شاملةً على المنطقة ولقاد الصهاينة العرب من خطامهم، كما رسم ذلك شمعون بيريز في كتابه الشهير عن الشرق الأوسط الجديد.

ظل العرب يبحثون عن قيادة ومع شدة اقتناع العقيد القذافي بأحقيته ووراثته لعبد الناصر، ومغامراته المتكررة إلا أنه في نهاية المطاف شنَّ هجومًا لاذعًا على القادة العرب، واتجه إلى أفريقيا يبحث في غاباتها وأدغالها عن الزعامة المفقودة؛ وذلك بعد فشل طموحاته العربية ويأسه من تبوؤ موقع الزعيم الأوحد.

نصَّب صدام حسين نفسه زعيمًا على العرب بالقوة والدعم الأمريكي والمال الخليجي والسعودي، كل ذلك لخدمة مصالح الغرب وليس مصالح العرب بالتصدي لرياحٍ عاتيةٍ هبَّت من الشرق بسبب الثورة الإسلامية الإيرانية، وخاض صدام حربًا شرسةً ضد إيران لم يكن فيها غالبٌ ولا مغلوب استنزفت ملايين الأرواح ومليارات الدولارات وأحدثت شرخًا يصعب مداواته بين العرب والفرس أو بين السنة والشيعة يضاف إلى التراكمات التاريخية المريرة، وانتهت مغامرة صدام بكارثةٍ في حجم احتلال العراق ونهب ثرواته وتمزيق وحدته الوطنية وتهديد كل المنطقة بكوارث هائلة تُعيدنا إلى سايكس بيكو جديدة أشد تمزيقًا وأكثر تفتيتًا للبلاد العربية حتى صرنا نترحم على الدولة القطرية.

فشلت مصر بعد عودتها من جديدٍ إلى الجامعة العربية بعد رحيل السادات في قيادة المنطقة فلا الرئيس يمتلك رؤيةً للأمة العربية، ولا شخصيته بها الكاريزما التي تتطلبها القيادة، ولا مصر لديها مشروعٌ أو نموذجٌ تحتذيها شعوب المنطقة كما كان في الخمسينيات والستينيات، ولا استطاعت أن تتجاوز أزماتها الاقتصادية فتتحمل تكاليف وأعباء القيادة.

اختصارًا.. لم تعد مصر قادرةً على الحرب بعد التزام مبارك بما أعلنه السادات أن حرب رمضان هي آخر الحروب، ولا هي أرست نظامًا ديمقراطيًّا أو أحدثت نهضةً علميةً تقنية، ولا حتى حققت تنميةً اقتصاديةً تشبع حاجات المصريين الأساسية، واقتربت من مؤشرات التنمية العالمية المتعارف عليها، فلا هي مصر المحاربة المقاتلة التي تحمي الأمن القومي العربي فتستحق القيادة بجدارة، ولا هي مصر المسالمة النموذج الديمقراطي النهضوي الذي يقتدي به سائر العرب، لا رئيسها لديه طموح القيادة أو نزاعات الزعامة التي تدفعه للتفكير في الشأن العربي؛ بل هو يتعامل مع الأمور والمسائل بروح الموظف الذي يتبرم من أعباء الوظيفة، ولا شك أن هناك أسبابًا أخرى لا تقل أهميةً منها الإصرار الصهيوني على إخراج مصر من المعادلة العربية، وبذلك يختل ميزان الصراع العربي الصهيوني؛ وذلك أحد قوانين التاريخ القديم والوسيط والحديث منذ معارك قادش التي قادها رمسيس الثاني مرورًا بمعارك قطز في عين جالوت أو صلاح الدين في حطين انتهاءً بآخر المعارك الكبرى على أرض سيناء التي أثبت فيها المصريون قدرتهم على تخطي الصعاب وصنع الانتصار بقيادةٍ متواضعةٍ ليست في قامةِ مَن سبقها، ولكنها امتلكت إرادة الحرب واستطاعت توظيف طاقات المصريين فسجَّلت اسمها في التاريخ.

وهناك تخطيطٌ أمريكي واضح لإضعاف مصر وإرغامها على البقاء على حالتها تلك؛ لا هي تنهار فتنهض من جديد ولا هي تنطلق إلى آفاق النمو والتطور الديمقراطي فتقود.

وزرعت أمريكا رجالها في مختلف المجالات وأمسكوا بمفاتيح الأمور في الاقتصاد والحكم والإعلام يبررون سياسات أمريكا ويضعفون قوى الممانعة ويحطمون مناعة الأمة.

وتضافرت العوامل الداخلية والخارجية التي أدَّت إلى تراجع الدور المصري في الأمة العربية، ولم تفلح محاولات المغامرين ولا مدعي الزعامة، ولم تنجح جهود القيادة الجماعية وتفريق العرب على مجالس إقليمية تحاول تجميع 5-6 دول في اتحادٍ صغيرٍ لم يستمر منهم إلا مجلس التعاون الخليجي، بينما فشل الباقي في مجرد الاستمرار.. فكان من الضروري البحث عن قيادةٍ جديدة، فترشحت السعودية للزعامة بعد تولي ملك جديد سدة الحكم الفعلي، وله نفس عروبي وله روح بدوية، ولديه طموحات حقيقية ولديه شعور بعزلة داخل العائلة السعودية يريد أن يخرج من هذه الأسرة الضيقة إلى آفاقٍ أوسع.

المشكلة ليست في مَن يقود أو كيف يقود الأمة العربية؟ المشكلة الحقيقية هي إلى أين يقود العرب؟ ولمصلحة مَن يتم ذلك كله؟

مصر بطبيعتها مؤهلة للقيادة، وبوزنها قادرة على القيادة، وبمشروعها القومي وحضارتها العريقة كان يمكن أن تُهيئ للعرب مكانًا وسط الأمم.

ومصر تلقت ثمنًا كبيرًا يصل إلى 60 مليار دولار حتى الآن وغالبًا سيتوقف بعد الفشل في تقديم المقابل حتى النهاية، واكتفت مصر القيادة بإعاقة التطور الطبيعي للأمة العربية، ولعل التخطيط الأمريكي كان يتطلب ذلك فقط أو طالب بالمزيد ولم تقدر القيادة المصرية على تنفيذ ذلك.

الهدف المعلن منذ مؤتمر كازابلانكا وما تبعه من مؤتمرات هو إدماج الكيان الصهيوني في المنطقة لقيادتها وتطويرها بمزيدٍ من العقل اليهودي والمال الخليجي واليد العاملة المصرية، وقد فشل المشروع حتى الآن لأسباب كثيرة منها المقاومة الصلبة في فلسطين والتحدي اللبناني في حزب الله، والعقبة العراقية الصلبة، والعناد السوري الذي يساوم دومًا على المزيد من الأدوار والمكافآت، والتخوفات المصرية والدور الإيراني الطامح الجامح يصر الأمريكيون على الاستمرار في المشروع، فاحتلوا العراق وغاصوا في المستنقع حتى الآن وقد يغرقون فيه، وما زالوا يحاولون كسر المقاومة الفلسطينية واللبنانية الإسلامية، ويدقون طبول الحرب ضد إيران لإبعادها، ويغازلون سوريا أحيانًا ويهددونها أحيانًا أكثر، وشغلوا مصر بقضية الخلافة والرئيس المنتظر الذي تحولت ولادته إلى ولادة عسيرة قد تكون قيصرية وقد تنتهي بمرض الأم وتشويه الوليد، وهنا يقدمون السعودية أو بالأحرى يورطون السعودية ويقوم ذلك ومن خلف الستار الكاتب فريدمان والأمير بندر بن سلطان ونخبة علمانية سعودية ارتفع صوتها في الأعوام القليلة الماضية، فهل تستطيع السعودية القيادة؟

لقد كتبت مي يماني تحذر من الاندفاع السعودي للقيادة، وتتساءل في (الجارديان) البريطانية كيف تقود السعودية وملف الإصلاح الداخلي متعثر، وتهديدات القاعدة ما زالت قوية، والأسرة الحاكمة غير متوافقة على هذا الدور الخطير الذي يهدد مكانة السعودية كأمناء على تقاليد إسلامية محافظة، وقد ابتعدوا طوال الصراع العربي الصهيوني عن الانغماس فيه، وكانوا يؤيدون الحق العربي الإسلامي في ثوابته بطريقةٍ دفع فيها الملك فيصل- رحمه الله- حياته ثمنًا لمواقفه القوية في حرب رمضان المجيدة ثم في رفضه ضياع تراث الحرب في دهاليز السلام وتمسكه بالصلاة في الحرم بالقدس الشريف؟

فهل ترغب السعودية في القيادة وسط الأنواء؟ وهل تقدر إذا كانت راغبة؟ وهل تحقق أهداف العرب والمسلمين في سلامٍ عادلٍ بعد أن امتنعوا وعجزوا وفشلوا في دعم حرب عادلة قادها حزب الله الصيف الماضي ونجح فيها في إعادة التوازن من جديد؟

لقد بدأ الكتاب القريبون من النظام المصري في تبرير ما يحدث الآن، وكل ما يهمهم هو تبييض وجه الحكم الذي أضاع الدور المصري وبدد المكانة المصرية، كتبوا أنهارًا من الحبر الأسود يقولون إن ما تم كان في إطار التوافق العربي على تفعيل مبادرة بيروت للسلام، وأن هناك إعادةً للمحور الثلاثي السعودي السوري المصري بعد لقاء الرئيس السوري مع خادم الحرمين، ومحاولة إذابة الجليد لإعادة سوريا من جديد إلى صف الاعتدال.

وهناك مَن يقول: إن هذا المحور القديم عفا عليه الزمن وإن أمريكا بنت محورًا جديدًا للاعتدال يضم الأردن والإمارات بجانب مصر والسعودية، وهو المحور الذي تلتقي معه رايس بجانب العراق كلما زارت المنطقة والتقت بمديري مخابرات هذه الدول ووزراء خارجيتها، وأن مهمة هذا المحور هو التصدي للمشاكل الشرقية العراق وإيران ولبنان وفلسطين فعلى أمريكا أن تخلق المشاكل وتشعل الحرائق، وعلى هؤلاء أن يساعدوها على إطفائها والتصدي للتذمر الشعبي المتصاعد.

نحن إذن أمام وضع جديد وترتيب جديد للمنطقة، والأمل معقود على القيادة السعودية ألا تفرط في ثوابت الأمة وحقوقها في فلسطين والعراق، وألا يكون الترتيب الأمريكي على حساب ما اكتسبته السعودية من مكانةٍ خلال القرن الماضي بابتعادها عن التورط رغم حلفها الواضح مع الأمريكان، فلنترك أمريكا تواجه السعودية العربية بنفسها بجيوشها؛ فهذا المشروع الأمريكي سيفشل كما فشلت كل المشاريع السابقة من حلف بغداد إلى الحلف المركزي والنظم العسكرية التي دعمتها ومساندتها لصدام حسين وجريمتها الكبرى في فلسطين ومحاولة إعاقتها للتطور الطبيعي في البلاد العربية والإسلامية.

إيمانًا بالله تعالى، وثقتنا بنصره، ومعرفتنا بمبدأ الإسلام وعقيدته السمحة وعملنا المستمر لتنمية أمتنا ووحدتها في كل المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، هذا هو زادنا في وجه كل المحاولات الأمريكية لصرف هذه الأمة عن نهضتها وإجهاض مشاريع المستقبل.. ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية 21).

المصدر