شتان بين هويتنا وهويتهم
10-04-2014
بقلم: عامر شماخ
يتحدث الانقلابيون عن أنهم قاموا بانقلابهم للحفاظ على هوية مصر؛ يقصدون هويتهم هم: العلمانية الفجة؛ التي تعادي الدين وتخاصم الشرع، وترفع العاهرات وتسجن العفيفات، وتقسِّم الشعب شيعًا وأحزابًا يخون بعضها بعضًا ويدبر كل طرف لخصومه المكائد والأسافين.
ومصر لم تكن أبدًا -ولن تكون- علمانية فاجرة كما يريدها هؤلاء الجبابرة، فنحن لم نعرف هذه الأفكار البهيمية إلا بعد وصول العسكر إلي سدة الحكم منذ ستين عامًا، وقد كلفنا ذلك الكثير والكثير؛ من انهيار القيم وضياع الأخلاق وذهاب الدين، فضلا عن التخلف الذي أصاب كل شيء حتي الماء والهواء.
بالفعل هناك صراع، لكنه صراع بين هوية إسلامية راشدة ذات حضارة ربانية خالدة، ومذهب هدّام يود أصحابه من العسكر وأذنابهم فرضه فرضًا على شعبنا الأبي الذي يظهر مقاومة كبيرة إزاء هذه الأفعال الفاضحة التي تخطت الحواجز الإنسانية وفعلت أفعالا تأنف الحيوانات عن إتيانها.
هوية الإخوان المسلمين التي قاموا بالانقلاب عليها، هي هوية هذا الشعب المسلم الكريم، وشتان بين تلك الهوية القائمة على حب الدين والتفاني في رفعته، وتلك الناقمة عليه الداعية لاستئصال جميع صنوف البر والخير.
والإسلام عند الإخوان المسلمين- وهو كذلك نحن غالبية المصريين- عقيدة فسيحة ونظام شامل، ينتظم أمور الدنيا والآخرة ولا يقف منها في ناحية، فهو كما فهموه: عقيدة خالصة، وعبادة صحيحة، وقومية عزيزة، ووطنية كريمة، وقوة غالبة، وخليقة فاضلة، ومادة سابغة، وحكومة حازمة، وثقافة شاملة، ووحدة تامة.
وكان لطريق الإخوان، منذ أن أعلنوا دعوتهم، منهاج مرسوم وخطوات منتظمة محدودة غير متروكة للمصادفات، وهي أشبه ما تكون بخطوات الدعوة الأولي؛ دعوة ثم تعريف ثم تكوين ثم تنفيذ.. ووسيلة الفرد لذلك: أصلح نفسك ثم ادع غيرك، ووسيلتهم العامة: تحويل العرف العام، فالطريق الدستورية، فالعمل المنتج.
لقد غرست الجماعة في نفوس أعضائها، حب الإسلام والتفاني في سبيله، ولقد فتح الله بالجماعة قلوبًا غلفًا، وأسمع آذانًا صمًا، وأنار أبصارًا وبصائر عميًا، وأعاد إلي طريق الاستقامة شبابًا طوح بهم الهوي وأردتهم الشهوات، وجعل في كل شعبة من شُعب الإخوان، ومنذ وقت مبكر، أمة يهدون بالحق وبه يعدلون.
لقد أحيت الجماعة، الشعائر الإسلامية بعد موات، وأعلنت المظاهر والعادات الدينية التي اختفت من حياة الناس، واحتفت بكل ما يتفق مع التشريع الإسلامي، وقد سعت سعيًا لبث الروح الإسلامي في كل شبر من أرض مصر وغيرها من بلاد العروبة والإسلام..
ولم تكتف الجماعة بإلزام أفرادها بالإعلان عن هويتهم والافتخار بها، بل انطلقت نحو تأكيد ذلك في جميع الناس وفي محيط المجتمعات كافة، فطالبت الحكام بتعويد الشعب احترام الآداب العامة وتعزيز ذلك بحماية القانون، والقضاء على كل أنواع الجرائم الأخلاقية والمنكرات، ومقاومة التقاليد الغربية والمظاهر الشاذة غير الإسلامية التي كانت قد انتشرت في البلاد وغزتنا في عقر دارنا.
والإخوان قومٌ عمليون، من أجل ذلك سلكوا مسالك شتي لاستعادة هوية الأمة، فأقاموا مشاريع الزكاة والصدقات، وأقاموا مشاريع الحج، وقد ألزموا أعضاء الجماعة بأن يكونوا نماذج صدق وبر ..
ولا شك أن هذه المشاريع العملية التي انتشرت في شُعب الإخوان على مستوي القطر قد أدت دورها في إحياء الشعور الإسلامي بمعاني الأخوة الإسلامية وضرورة تكافل المجتمعات الإسلامية، كما أحيت معاني عقيدية أخري عديدة، ليس في نفوس الإخوان وحدهم، بل أيضًا في نفوس المجتمع الذي أصبح مُبادئًا ومبادرًا في هذه الأعمال.. فاليوم صار المسلمون يتسابقون على إخراج زكواتهم.
وعلى أداء الحج والعمرة، وعلى التمسك بالشعائر والنسك. إن من أكبر إنجازات تلك الجماعة، أن صوت الإسلام صار مسموعًا وبقوة في كل مكان من أرض الله، وأن هتافات الإخوان مازالت تتردد في عشرات البلدان، وهي في الحقيقة هتافات الجيل الأول من صحابة النبي صلي الله عليه وسلم..
وصار الناس، عموم الناس، يتحدثون بثقة عن الإسلام بوصفه بديلاً حضاريًّا، ومنقذًا لهم مما هم فيه من مشكلات.
لقد وضعت الجماعة لنفسها مهمة ذات شطرين: تخليص الأمة من قيودها السياسية حتي تنال حريتها، ويرجع إليها ما فقدت من استقلالها وسيادتها.. ثم بناء هذه الأمة من جديد لتسلك طريقها بين الأمم وتنافس غيرها في درجات الكمال الإنساني.. ووضعت لذلك منهاجًا محدد المراحل واضح الخطوات، يبدأ بتكوين الرجل المسلم في تفكيره وعقيدته،
وفي خلقه وعاطفته، وفي عمله وتصرفه، ثم البيت المسلم في ذلك كله، فالشعب المسلم، فالحكومة المسلمة التي تقود الشعب إلي المسجد، وتحمل به الناس على هدي الإسلام..
ومن يعد إلي ما قاله الإمام المؤسس حسن البنا في رسالة (إلى الشباب وإلى الطلاب خاصةً)، يجد وضوح الرؤية ونقاء الفكر، واليقين بأن طريق الجماعة لاستعادة هوية الأمة هو الطريق الأوحد.. لا طريق سواه، يقول -رحمه الله-: « يا شباب: لقد آمنا إيمانًا لا جدال فيه ولا شك معه، .
واعتقدنا عقيدة أثبت من الرواسي وأعمق من خفايا الضمائر، بأنه ليس هناك إلا فكرة واحدة هي التي تنقذ الدنيا المعذبة وترشد الإنسانية الحائرة وتهدي الناس سواء السبيل، وهي لذلك تستحق أن يضحَي في سبيل إعلانها والتبشير بها وحمل الناس عليها بالأرواح والأموال وكل رخيص وغال، هذه الفكرة هي الإسلام الحنيف الذي لا عوج فيه ولا شر معه ولا ضلال لمن اتبعه: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)) [آل عمران]، (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا) [المائدة: من الآية 3].
ففكرتنا لهذا إسلامية بحتة، على الإسلام ترتكز ومنه تستمد وله تجاهد وفي سبيل إعلاء كلمته تعمل. لا تعدل بالإسلام نظامًا، ولا ترضي سواه إمامًا، ولا تطيع لغيره أحكامًا: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ (85)) [آل عمران].
وعمادنا في ذلك كله كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والسنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم، والسيرة المطهرة لسلف هذه الأمة، لا نبغي من وراء ذلك إلا إرضاء الله وأداء الواجب وهداية البشر وإرشاد الناس.
وسنجاهد في سبيل تحقيق فكرتنا، وسنكافح لها ما حيينا، وسندعو الناس جميعًا إليها، وسنبذل كل شيء في سبيلها، فنحيا بها كرامًا أو نموت كرامًا، وسيكون شعارنا الدائم: الله غايتنا، والرسول زعيمنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمي أمانينا.
المصدر
- مقال:شتان بين هويتنا وهويتهمموقع:إخوان أون لاين