فتور العالم العربي إزاء الملف الفلسطيني
- اذا كان اللبنانيون مشغولين بالهموم الانتخابية وغارقين حتى صدورهم بتشكيل اللوائح ونسج التحالفات وتبادل الاتهامات، فإن العالم العربي من حولهم يبدو غارقاً حتى الأذقان في خيبات وتراجعات ازاء قضيته المركزية «القضية الفلسطينية»، ويبدو أن العالم العربي نسي أو تناسى سقوط 1400 شهيد في قطاع غزة، نصفهم أطفال ونساء، ومعظمهم مواطنون مدنيون، وأن عشرات آلاف العائلات مشرّدة عن منازلها التي دمرها العدوان الاسرائيلي الغاشم منذ أشهر، وأن مؤتمراً للدول المانحة انعقد في شرم الشيخ من أجل اعادة الاعمار، تبرع لهذا الغرض بمليارات الدولارات، وأن الحكومة المصرية - عبر جهاز المخابرات فيها - تتابع عملية التفاوض والحوار، الذي تشارك فيه الفصائل الفلسطينية ويجري اعتماده أداة ضغط من أجل فرض رؤية تشترط القبول برزمة من التنازلات قبل السماح بتحويل التبرعات أو حتى ادخال مواد البناء الى القطاع المحاصر المنكوب، كالاعتراف بـالكيان الصهيونى وبخارطة الطريق وشروط الرباعية الدولية، وغيرها من الشروط التي ترفضها قوى المقاومة الفلسطينية.
- في الجانب الآخر، يجري التساهل والتسامح مع حكومة العدوّ المتطرفة، التي يترأسها بنيامين نتن ياهو، الذي بات يرفض حل الدولتين ويصرّ على وجود «دولة يهودية» واحدة، بمعنى إلغاء كل حقوق الشعب الفلسطيني وأبرزها حق العودة، وقرارات الشرعية الدولية التي قضت بقيام دولة فلسطينية ذات سيادة، وأن تنسحب «اسرائيل» من الأراضي التي احتلتها عام 1967 . ويستقبل الرئيس المصري حسني مبارك «مجرم الحرب» نتن ياهو مع أن حكومته تضم وزيرين سبق أن أهانا مصر وأساءا الى الشعب المصري، أولها وزير الخارجية افيغدور ليبرمان الذي طالب بقصف السد العالي وأهان الرئيس مبارك شخصياً، كما رافق نتن ياهو وزير التجارة والصناعة بنيامين بن اليعيزر المطلوب أمام القضاء بتهمة قتل عدد كبير من أسرى الجيش المصري في صحراء سيناء بعد هزيمة عام 1967 ، ولم يعلن أي مسؤول مصري شروطاً على نتن ياهو، مع أنه يرفض حل الدولتين وما تزال قواته تقصف قطاع غزة بشكل شبه يومي بالدبابات والطائرات، بينما يجري إملاء الشروط - المصرية والعربية - على حركة حماس وحكومتها (الشرعية المقالة) في قطاع غزة .. وهو يتعامل بحدة مع ما يسمى «خلية حزب الله» المتهمة بتهديد «الأمن القومي المصري» لأن أحد أفرادها شارك في عمليات تسريب مساعدات الى قطاع غزة ، بينما تقصف الطائرات الاسرائيلية حدود معبر رفح (المصري الفلسطيني) وتدمر الأنفاق تحت المعبر، أليس هذا تهديداً للأمن القومي المصري ولسيادة مصر على أراضيها؟!
- وقد سئل الرئيس مبارك خلال لقائه مع التلفزيون الإسرائيلي عن خلية حزب الله فأجاب: أنا لا يهمني حزب الله ولا أي أحد آخر، ما يهمني هو ما يهدد الأمن القومي المصري.. والقضية كلها في يد القضاء..»، وما دامت بانتظار حكم القضاء فلماذا الحملات الإعلامية في كل القنوات والأبواق الإعلامية المصرية، وبعض العربية؟!
- حتى الصحافة العبرية وجهت نقداً حاداً الى رئيس وزراء العدوّ نتن ياهو، وهو الذي يعد نفسه لزيارة الولايات المتحدة الأميركية بعد أيام، فقد رأى المعلق في جريدة هآرتس الثلاثاء الماضي ان على نتن ياهو أن يدرك بأن الخريطة السياسية في الولايات المتحدة قد تغيّرت، لكن من المبكر ان نعرف ما اذا كان نتن ياهو قد تغيّر، لكن الكثير من المؤشرات تدل على أنه ما زال متهوراً جداً، فهو يصرح باستعداده للسلام مع سوريا، لكن لا يمضي وقت قصير حتى يعلن أنه لن ينسحب أبداً من الجولان، وأي غبيّ يعرف أنه لا سلام مع سوريا دون الانسحاب من الجولان.. واذا كان الحظ قد ابتسم لنتن ياهو ووصل الى السلطة رغم أنه ليس رئيساً لحزب الأكثرية، فالحظ بدأ يخونه، فقد تولى منصبه في وقت غير ملائم للدخول في مواجهة مع الادارة الأمريكية الجديدة.
أما رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس فقد سبق له أن انخرط في لقاءات الحوار الفلسطينية في القاهرة تلبية لدعوة مصر ، وحرصاً منه على ابداء أعلى درجات الايجابية فقد أقال حكومة سلام فياض تمهيداً لتشكيل حكومة وحدة وطنية، تلتزم بشروط الاعتراف والرباعية وغيرها من التنازلات التي لم يقبلها ممثلو حركة حماس ولا بعض الفصائل الفلسطينية الأخرى، خاصة بعد اصرار الجانب الاسرائيلي على رفض حل الدولتين وعلى أن يكون الكيان الصهيوني «دولة يهودية» مما يغلق كل أبواب الحل. لكن «أبو مازن» ربط نفسه بخيار التسوية السلمية بأي شروط يمليها العدو، وقد سئل عقب اجتماع اللجنة التنفيذية في رام الله عن مدى موافقته على شرط نتن ياهو الذي يقضي بإقراره بدولة يهودية في فلسطين ولا شيء آخر، فأجاب عباس: «قلنا اننا نعترف بدولة اسرائيل لا أكثر، وهم احرار في تسمية أنفسهم..»، وحبذا لو أبدى بعض هذه المرونة المفرطة (أو المفرّطة) على طاولة الحوار الفلسطيني بالنسبة لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية أو سواها من القضايا العالقة. وهو عندما أدرك أن الطريق أمامه بات مغلقاً، أعاد احياء حكومة فياض، مع محاولة تطعيمها ببعض الوزراء الجدد على أمل أن تكون اكثر قبولاً لدى الرأي العام الفلسطيني في الداخل والخارج. ومع هذا فلا أحد يتحدث عن شرعية التشكيل الجديد، ولا عن شرعية عباس نفسه، وهو الذي انتهت ولايته يوم 9 كانون الثاني الماضي، في غياب المجلس التشريعي أو أية مرجعية شرعية فلسطينية أخرى.
- ثم جاءت زيارة البابا الى فلسطين المحتلة، وقد زار مواقع ومقدسات يهودية ومسيحية واسلامية، وتوقع المراقبون أن يسمعوا منه كلاماً، مباشراً أو غير مباشر، يصحح الموقف الذي صدر عنه في محاضرته الشهيرة، أو أن يكون له موقف واضح من نكبة الشعب الفلسطيني، سواء منه الجزء المشرّد في أصقاع الأرض، أو المحاصر في غزة عسكرياً، أو في الضفة بالحواجز والمستوطنات وأسوار العزل التي اقتطعت القرى والأراضي الزراعية ومجاري المياه، أو القابعين خلف قضبان السجون عشرات السنين أو حتى الموت.
- كان عنوان زيارة البابا هو ادانة معاداة الساميّة، وليس في ذلك أي محاولة لاصلاح الحال في المنطقة، لأن شعوبها سامية، لكنها ترمي الى التقرب من الكيان الصهيوني واليهود في العالم. وكانت فلسطين التي زارها قريبة عهد بمجزرة رهيبة، كان حرياً به ادانة ما جرى خلالها، وبلسمة جراح الضحايا الأبرياء، سواء من قتل منهم أو جرح أو ما زال مشرداً في العراء، لكنه لم يفعل شيئاً من هذا، بل اكتفى بلقاء اسرة أسير عسكري اسرائيلي (شاليت)، وأهمل أسر أحد عشر ألف أسير فلسطيني.. كل هذا والعالم العربي يرحب ويزغرد ويحرق البخور!!