في حب القرضاوي وتأييدًا له

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
في حب القرضاوي وتأييدًا له
22-02-2005

مقدمة

بدعوة كريمة من مركز شباب الدوحة وبحضور كثيف في قاعة مؤتمرات فندق شيراتون الدوحة، وبكلمات موجزة معبرة من أكثر من عشرين شخصية حضروا من حوالي عشرة دول يمثلون معظم الاتجاهات الإسلامية والعروبية الحيَّة في الأمة العربية والإسلامية كان الاحتفال بالشيخ الدكتور يوسف القرضاوي إمام الوسطية والاعتدال في العالم الإسلامي اليوم.

المناسبة هي الرد على حملة الهجوم الضارية التي يتعرض لها الشيخ القرضاوي، والتي تأتي في إطار الحملة الصهيوأمريكية على الأمة الإسلامية، ومن أهدافها هدم أسس عقيدتها وحضارتها وتفكيك الحركات المقاومة وحصار الحركات الإسلامية المعتدلة وتشويه رموز الأمة وهدم صورتهم في عيون الأمة.

فقد تعرَّض القرضاوي لحملة عجيبة بدأت في لندن من جانب مؤسسات وشخصيات صهيونية الهوى أو الاعتقاد، تصدى لها- بعد تحقيقٍ نزيه- عمدة لندن "كين ليفنغستون" ليظهر أنها كانت حملة تشويه منظمة غير عادلة لتحقيق أهداف سياسية لمصلحة العدو الصهيوني، بسبب مواقف القرضاوي المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني العادلة في أرضه ومقدساته.

وسبب العجب أنَّ أقلامًا عربية بل ودعاة مسلمين شاركوا في هذه الحملة الظالمة بوعي أو بغير وعي: مثل د. حمد البغدادي، ود. حمد الربعين وغيرهم من الكويت، والأستاذ حسنين كروم وعبده مباشر في القاهرة، ودعاة من السعودية (من الاتجاه السلفي) وغيرهم من لا أستطيع حصر أسمائهم الآن.

لكل دوافعه، ولكل أسبابه، ولكن اتفق الجميع على النيل من مكانة ورمزية الشيخ القرضاوي، فكان هذا اللقاء في الدوحة التي استضافت الدكتور منذ نصف قرن تقريبًا، بعد أن أدَّى مركز شباب الدوحة دوره في دعم وتأييد البروفيسير المسلم روجيه جارودي من قبل، والذي تعرض لنفس الحملة من نفس الاتجاه.

تحدث أكثر من خمسة عشر متحدثًا من أكثر من عشر دول يمثلون الاتجاهات الإسلامية والقومية، والمذاهب السنية والشيعية، ومن ثم مختلف التخصصات الحياتية.

كل قد أشار إلى جانب أو جوانب من شخصية الدكتور القرضاوي، ويجلي مظهر من مظاهر فكره، ويوضح جانب من أنشطته العلمية والفكرية والدعوية.

تحدثت عن مواقف ثلاث تعرفت فيها على القرضاوي عن قرب

الأول: القرضاوي الداعية والخطيب المفوه

لقد تعرفت على الدكتور القرضاوي، وأنا ما زلت طالبًا في كلية الطب بالقصر العيني، عن طريق كتابه المميز ([[الحلال والحرام في الإسلام]])، ولكنني لقيته للمرة الأولى كما ذكرني هو في حديث تليفوني، وهو يكتب مذكراته في موسم الحج عام 1975م عندما حججت طالبًا مع رحلة جامعة القاهرة، وكان سؤالي له: أنت تفتي في كتابك بعدم وجوب إطلاق اللحية، ولكني أراك ملتحيًا، فضحك وقال: الإفتاء بعدم الوجوب لا يعني عدم الالتزام.

دعوته يومها لإمامة صلاة العيد في ميدان عابدين، التي كنا بدأنا تنظيمها قبلها لعام أو أقل، فلبَّى الدعوة مُرِحبًا، ولعلها كانت أول نشاطاته الدعوية بمصر بعد توقف طويل إجباري، منذ غادرها خائفًا في العهد الناصري، فتناوب مع المرحوم الشيخ الغزالي: إمام دعاة العصر خطبة العيد وما زال تعليقهم عن الحشود الهائلة التي وصلت إلى قرابة نصف مليون وقتها، هذه معركة الإسلام، وسينتصر الإسلام، ورأيت الدموع في عيونهم.

ثم توالت نشاطاته الدعوية محاضرًا ومعلمًا ومربيًا وواعظًا في معسكرات الجامعة ومنتديات النقابات المهنية، وما زالت إلى يومنا هذا.

الثاني: القرضاوي المفكر والمحاور والبارع

ذلك كان بعد عقد من الزمان في منتصف الثمانينيات عندما نظمنا في دار الحكمة بنقابة أطباء مصر ندوةً شهيرةً في مواجهة شجاعة حول الإسلام والعلمانية كان فرسانها الإمام محمد الغزالي، والدكتور يوسف القرضاوي من الجانب الإسلامي، والأستاذ الدكتور فؤاد زكريا من الجانب العلماني بعد أن تخلَّف يوم الندوة عن الحضور المرحوم د. فرج فودة.

احتشد بضعة ألوف من الأطباء والمعنيين والشباب لحضور الندوة التي شكلت علاقة فارقة في الحوار والمواجهة بين تيارين يتنازعان الساحة العربية منذ سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية وظهور تيار تخريبي ينادي بضرورة الأخذ بما أخذ به الغربيون من ترك الدين للخالق، وأن يُحاصر في علاقة شخصية بين العبد وربه، وترك الحياة لاجتهادات البشر دون أي رقيب أو حضور للثوابت الشرعية أو فكرة الحلال والحرام الدينية.

صال يومها القرضاوي وجال وحشد لتأييد فكرته الإسلامية كل الأدلة والبراهين عقلية ومنطقية وتاريخية وفلسفية قبل أن يدعمها بالرؤية الشرعية الدينية، وكان دوري محصورًا في تلخيص كل مداخلة وطرح الفرص المتكافئة للمتحاورين، وطرح الأسئلة والمداخلات القليلة لإيضاح الرأي في إطار إدارتي للندوة الناجحة.

تعمقت معرفتي بالدكتور القرضاوي وصرت قريبًا منه، وازدادت حواراتي معه بعد أن ازداد نضجي وتعمقت معارفي وازدادت خبرتي، وأشهد أنه لم يضق بخلاف معه فقهيًا كان أو حركيًا أم فكريًا، وأنه وقف مراجعًا لنفسه في بعض ما كنا نُراجعه فيه، وأنه كان يستجيب رغم مشاغله لطلباتنا في توضيح أمر أو كتابة بحث مثل: الصحوة الإسلامية بين الجمود والتطرف، والغلو في التكفير والدولة في الإسلام، وغيرها من البحوث التي كنا نناقشه ابتداءً في ما يدعو إلى كتابتها من ظواهر مقلقة مزعجة تواجهنا في ساحة الدعوة والحركة.

الموقف الثالث: القرضاوي المجمع والمقرب بين التيارات السياسية والفكرية

لقد كان ذلك بعد عقد آخر من الزمان في منتصف التسعينيات، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وبداية تقارب بين التيارين الإسلامي والقومي في الندوة التاريخية (الحوار القومي الديني) عام 1989م بالقاهرة والتي لم يشهدها القرضاوي ولكن شهدها الإمام الغزالي وشاركت فيها مع آخرين.

نتج عن هذه الندوة تقاربًا فكريًا وتفاهمًا سياسيًا بين رموز التيارين أدَّى إلى البحث عن إطار سياسي وفكري يجمع رموز التيارين في العالم العربي، فكان تأسيس المؤتمر القومي الإسلامي- في بيروت عام 1994م وهنا كان لحضور الدكتور القرضاوي وكلمته الافتتاحية باسم التيار الإسلامي أكبر الأثر في إخراج الفكرة إلى حيز الوجود، وكان لدعمه المستمر ومشاركته في أنشطة المؤتمر أحد أسباب بقاء المؤتمر ونموه وتطوره حتى يومنا هذا الذي أشغل فيه موقع المنسق العام للمؤتمر الإسلامي..

وبعد

هذا غيض من فيض لعلاقة قوية استمرت منذ ثلاثين عامًا شهدت هذه المواقف الثلاث البارزة مع غيرها مما يحتاج إلى رصد وتذكير.

كان هذا وفاءً لرجل أدَّى وما زال يؤدي دورًا إسلاميًا بارزًا في الدفاع عن الوسطية والاعتدال في العالم الإسلامي كله.

وكان هنا بعض الجميل لمن وقف إبان محاكمتي عسكريًا موقفًا شجاعًا متصدرًا كثيرين، وسجل ذلك في كتابه عن الإخوان المسلمون، وأعجب كيف لتلميذ مثلي أن يتحدث مؤيدًا لشيخ جليل ومفكر عظيم وقائد في ساحة الدعوة والجهاد، إنه الوفاء لمن علمني الكثير، وما زال.

تقبل الله جهاد الشيخ القرضاوي، وأطال الله بقاءه، وجعل يومه خيرًا من أمسه وعزه أفضل من يومه، وجعل خير عمره آخره، وخير أعماله خواتيمها، وخير أيامه يوم يلقى الله بقلب سليم، وجمعنا وإياه في مستقر رحمته إخوانًا على سرر متقابلين.

المصدر